Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصة مريرة للكونغو مع تعدين الكوبالت لمصلحة شركات التكنولوجيا الكبرى

ينشر الموت واليأس من الحياة وأفعاله تشمل عمالة الأطفال وانتهاكات جنسية وتشوهات خلقية وفقراً مدقعاً ودفن أحياء

التعدين المعتمد على المحارف الصغيرة في الكونغو الديمقراطية تلوثه عمالة الأطفال القسرية والوفيات المخفية والإساءة إلى حقوق الإنسان، بحسب الأكاديمي والباحث في العبودية الحديثة سيدهارث كارا في كتابه الجديد بعنوان الكوبالت الأحمر (سيدهارث كارا/ اندبندنت)

ملخص

استخراج معدن #الكوبالت في #الكونغو لمصلحة #شركات_ التكنولوجيا الكبرى ترافقه مجموعة من المآسي التي تشمل #عمالة_الأطفال ودفن العمال أحياء وانتهاكات جنسية وتشوهات خلقية في المواليد الجدد

خلال إحدى زياراته الكثيرة لجمهورية الكونغو الديموقراطية، التقى سيدهارث كارا، الكاتب والأكاديمي في "جامعة هارفارد" الذي قضى 20 عاماً في دراسة العبودية الحديثة، سيدة شابة تغربل الأوساخ لاستخلاص بقايا الكوبالت. وأخبرته بريسيل (اسم السيدة) بأنها خضعت لحالتي إجهاض، وقضى زوجها الذي يعمل مثلها في "التعدين الحرفي" (أو اليدوي)، جراء مرض في جهازه التنفسي. وفق كلماتها، "أشكر الله لأنه أخذ طفلَي. هنا من الأفضل أن لا يولد الإنسان".

[يطلق تعبير التعدين الحرفي على نمط من استخراج المواد الأولية يستند إلى المحارف الصغيرة التي تمتلكها عائلات، إضافة إلى الحرفيين المنفردين ومجموعات تتعامل مع الشركات مباشرة. وتجرى معظم عمليات التعدين بصورة يدوية وباستعمال أدوات بسيطة]

إنها مجرد شهادة واحدة من شهادات شخصية كثيرة ومفجعة في كتاب "كوبالت أحمر" Cobalt Red، وهي ترسم مشهداً تفصيلياً من داخل العالم المحجوب لعمليات استخراج الكوبالت عبر "التعدين الحرفي" في جمهورية الكونغو الديمقراطية، إذ يستبطن اللقب "الظريف" الذي تحمله عمليات "التعدين الحرفي"، بحسب السيد كارا، قطاعاً وحشياً يعمل في ظله مئات آلاف الرجال والنساء والأطفال بعمليات التنقيب مستخدمين أيديهم العارية وأدوات بدائية بسيطة، ضمن حفر ومناجم مسمومة وخطرة حيث يكدحون من أجل حياتهم في أسفل سلم سلسلة الإمداد العالمية لمادة الكوبالت.  فيؤدي عمال المناجم أولئك الخطوة الأولى في سباق الحصول على المعادن والفلزات الثمينة. ويتنافس في ذلك السباق عدد من أقوى شركات العالم صاحبة العائدات التي تبلغ مليارات الدولارات، وأسسها ويرأس مجالسها التنفيذية أشخاص معروفون وأسماء نافذة.

إن كنتم تملكون هاتفاً ذكياً، لوحاً رقمياً (تابليت)، كمبيوتراً محمولاً، "سكوتر" أو سيارة كهربائية (أو كل هذه الأشياء المذكورة)، فإنكم جزء من نظام تتواطؤون فيه [مع نظام التعدين الحرفي] من دون أن تقصدوا.

وبحسب كتاب السيد كارا، "لم يسبق لهذا القدر من المعاناة في أي مرحلة من مراحل التاريخ البشري، إنتاج هذا القدر من الأرباح، مع الارتباط على نحو مباشر بحياة مليارات الأشخاص حول العالم".

يستخرج حوالى 75 في المئة من مادة الكوبالت في العالم ويعدن في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ولا يكتفي العالم بهذا القدر من الكوبالت إذ تشكل هذه المادة المعدنية والفضية النادرة مكوناً أساسياً لكل بطاريات الليثيوم أيون القابلة لإعادة الشحن والتعبئة التي تمثل جزءاً ضرورياً من صناعة المركبات الكهربائية المزدهرة في أيامنا هذه.

ويتزايد عدد المركبات الكهربائية باطراد، لأن معظم الاقتصادات العالمية التي تتسبب في تلّث كبير جعلت من تلك المركبات جزءاً أساسياً من قطاعات النقل بغية تقليص الانبعاثات الكربونية. وعام 2022، بيع حوالى 7.8 مليون سيارة كهربائية وفق صحيفة "وول ستريت جورنال". ويتأهب هذا الرقم لتزايد هائل كي يبلغ 66 مليون مركبة كهربائية بحلول عام 2040، وفق "سيناريو التحول الاقتصادي" الذي وضعته مؤسسة "بلومبيرغ أن إي أف" (BloombergNEF).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"مزرعة عبودية متقنة"

تعرضت جمهورية الكونغو الديمقراطية التي تضم أرضها مصادر طبيعية لا تضاهى، للنهب على مدى قرون من قبل المستعمرين. جاء النهب بداية للحصول على العبيد والعاج والذهب، وفي ما بعد من أجل المطاط وزيت النخيل والمعادن.

ومع انقضاء القرن الـ19 وانتهاء نظام الإبادة الجماعية تحت حكم الملك ليوبولد الثاني، الملك البلجيكي الذي قتل وشوّه قرابة 10 ملايين من الأفارقة، تولى الحكم طيلة عقود قادة فاسدون مدعومون من قبل الغرب، أغنوا أنفسهم والمقربين منهم وتركوا البلاد للقفر والذبول، إذ إن جمهورية الكونغو الديمقراطية تصنف، وفقاً لمعظم مؤشرات ومقاييس الصحة والثروة والتقدم، بين الدول الأسوأ عالمياً في هذا المضمار.

وفي العادة، تنتظم المناجم الصناعية في جمهورية الكونغو الديمقراطية كمشاريع مشتركة بين الحكومة الوطنية وشركات أجنبية التي صار معظمها اليوم شركات صينية إذ تنتج الصين راهناً ثلاثة أرباع الكوبالت المكرر في العالم، مما يمنحها مفاتيح مملكة سوق البطاريات.

"يمارس الجميع لعبة المطاردة. واحتكرت الصين سلسلة إمدادات الكوبالت الدولية قبل أن يعرف أي طرف بما كان يحصل"، بحسب السيد كارا لـ"اندبندنت" في مقابلة أجريناها معه عبر الهاتف في وقت سابق من هذا الشهر. ويتابع، "بعد مضي 10 أعوام جرى الانتباه فجأة في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية إلى الأهمية الحيوية لتلك المعادن النادرة بالنسبة إلى مستقبل الطاقة الخضراء والاقتصاد الذي تشغله الأجهزة والآلات. وكذلك انتبهوا إلى أنه لا يمكن الحصول على الكوبالت إلا عبر الصين".

استكمالاً، تجري ثلثي عمليات استخراج الكوبالت تقريباً في مناجم صناعية عبر استخدام الآليات الثقيلة، إذ تراعى في هذه الحال معايير الصحة والسلامة المعروفة. ويشكل الإنتاج الحرفي واليدوي النسبة المتبقية. وفي كتابه "كوبالت أحمر"، يذكر السيد كارا أنه "بسبب الواقع غير الرسمي بتاتاً لعمليات الاستخراج الحرفية واليدوية، نادراً ما يحظى المنقبون الحرفيون بعقود عمل رسمية تحفظ حقهم بالرواتب وبسلامة ظروف العمل".

كذلك يقدر عدد مستخرجي الكوبالت يدوياً في جمهورية الكونغو الديمقراطية بحوال مليوني شخص وفق "ديلف داتابيس" DelveDatabase، منصة البيانات العالمية لـ"التعدين الحرفي" على الإنترنت.

وتوضيحاً، تتشكل ترسبات الكوبالت بمحاذاة قشرة الأرض الخارجية فتكون شبيهة بـ"الزبيب"، مما يشير إلى إمكانية استخراجها من حفر غير عميقة. وفي بعض الحالات، تتخلص الشركات والمناجم الصناعية من أطنان الحجارة والفضلات وترميها خارج نطاقات عملها. ويصف السيد كارا في كتابه مشاهدته لمئات الأولاد خائضين في الردميات بغية جمع شظايا الكوبالت وشذراته.

وفي كتابه أيضاً، يتحدث مؤلف "كوبالت أحمر" عن ظروف الحياة المروعة التي يكابدها مستخرجو الكوبالت يدوياً في الكونغو، إذ يعيش كثيرون من هؤلاء في أكواخ مسقوفة بمشمعات وقماش القنب من دون مرافق صحية وشبكات تصريف، ويفتقرون إلى الرعاية الصحية، ولا يحظون إلا بالقليل من فرص التعليم. ويندر أن تتوافر الكهرباء لهم. ولم تحظَ سوى قلة منهم في حياتهم بفرصة مشاهدة هاتف جوال فيه كاميرا.

ويوثق "كوبالت أحمر" أيضاً عدداً من حوادث الموت غير المسجلة وغير المبلغ عنها، منها واقعة موت أطفال دفنوا أحياء في أنفاق بدائية لاستخراج الكوبالت، ولم يجر أبداً انتشال جثثهم. ويورد المؤلف قصص منقبي كوبالت من الكونغو تكبدوا إصابات غيرت مجرى حياتهم، وتعرضوا لاعتداءات جنسية وعنف جسدي، ووقعوا ضحية عمليات احتيال، ومظاهر فساد وتشريد، وظروف فقر مدقع.

 

"تعدين الكوبالت يمثل [مزرعة عبودية] متقنة"، وفق السيد كارا

ويعرف عن مادة الكوبالت أنها مسمة، إذا لمست أو استنشقت، ويمكن أن توجد إلى جانب بقايا من اليورانيوم المشع. وتظهر في أوساط الراشدين الذين يعملون في التنقيب من دون تجهيزات وألبسة واقية، حالات سرطان وأمراض تنفسية وإجهاض وصداع وأمراض جلد مؤلمة. ويعاني أطفال المنقبين تشوهات خلقية ومشكلات في النمو، إضافة إلى حالات التقيؤ ونوبات الاضطراب جراء التعرض المباشر وغير المباشر لهذه المعادن الثقيلة.

في هذا السياق، يصف السيد كارا أطفالاً يقفون غارقين إلى الرُكب وبشرتهم مكشوفة في برك سامة [ينقبون فيها عن الكوبالت]. ويتحدث كارا عن حديثي ولادة يوضعون في حمالات على ظهور أمهاتهم العاملات في حفر التنقيب. وتتقاضى الإناث العاملات في ذلك التنقيب ما يصل متوسطه إلى أقل من دولارين في اليوم، وهو ما يتقاضاه الرجال. وتعمل تلك الإناث ضمن مجموعات [بغية حماية أنفسهن] كون الاعتداءات الجنسية شائعة في مناطق التعدين.

وفي الإطار نفسه، يقابل السيد كارا في أحد سياقات كتابه السيدة بيسيت، وهي أم دفن ابنها حياً مع آخرين إثر انهيار نفق تنقيب عليهم. وفي ما بعد، في موضع لاحق من الكتاب، يكتشف المؤلف أن ابن شقيق بيسيت توفي أيضاً في حادثة انهيار نفق تنقيب آخر. "أولادنا يموتون ميتة الكلاب"، بحسب تلك السيدة.

وبالاسترجاع، انهار نفق في موقع تنقيب بوسط جمهورية الكونغو الديمقراطية في 21 سبتمبر (أيلول) 2019، وأدى إلى مقتل 63 رجلاً وصبياً دفنوا أحياء ولم ينتشل من جثثهم إلا أربع، وفق ما يورد السيد كارا في كتابه. لم يرض أي طرف بتحمل مسؤولية موتهم، وبقيت الحادثة منذ ذلك الحين في طي الكتمان. "كل هذا الموت من دون ثمن. النهب هو كل شيء"، يكتب السيد كارا.

 

"ليست رحلة إلى المريخ"

لقد عرّض دخول عالم "التعدين الحرفي" عن الكوبالت، الكاتب لأخطار شخصية كبيرة، إذ تحظى عمليات التنقيب في جمهورية الكونغو الديمقراطية بحراسة مشددة من قبل جنود من القوات المسلحة الكونغولية، أو عناصر ميليشيا تتقاضى أجورها من الشركات. ويلاحظ أن مواقع التنقيب تقع في مناطق نائية لا تبلغها الطرق المألوفة، وفي نواح تكثر فيها النزاعات. لذا، وعلى مدى فصول "كوبالت أحمر"، يحمي السيد كارا هوية مرشديه وعمال التنقيب والتعدين الذين حادثهم، مخافة تعرضهم وعائلاتهم لعمليات انتقام. "ثمة عدد من مناطق الحفر والتعدين لم أدخل إليها أبداً، وتخضع لحراسة مشددة. إن كل هذه الطبقات من التعتيم والسرية المطبقة، مصممة بدقة"، بحسب ما نقل السيد كارا إلى "اندبندنت". وأضاف، "إنهم يبذلون جهوداً مضنية كي تبقى حقيقة (الأمور) محجوبة، فلا تسمع أصوات الكونغوليين ولا تصل وقائع ما يحصل على الأرض إلى ضمير العالم".

في سياق مغاير، تتغنى شركات التكنولوجيا وشركات المركبات الكهربائية في مواقعها على الإنترنت، بالتزامها حقوق الإنسان وعدم تشغيل الأطفال، وتأمين سلاسل إمداد نظيفة (أي غير ملوِثة)، وكشوفاتها المالية وممارساتها الأخلاقية. بيد أن السيد كارا يعتبر خطاب الشركات هذا "متناقضاً كلياً" مع ما يحدث على أرض الواقع. ووفق كلماته، "هناك مئات الآلاف من أفراد شعب الكونغو، وعشرات آلاف الأطفال، يستخرجون مئات آلاف الأطنان من خامات النحاس والكوبالت سنوياً. أين تذهب كل هذه الكميات من خامات المعادن إن لم يكن هناك في أعلى السلسلة من يشتريها؟".

ويضيف، "إنها ليست رحلة إلى المريخ، وهم لا يستخرجونها من أجل الرياضة. هناك خلل هائل في ميزان العرض والطلب، لمصلحة الطلب. وكل أونصة من النحاس والكوبالت تستخرج من الأرض على يد المنقبين اليدويين في هذه الظروف الخطرة، تسلك طريقها ضمن سلسلة الإمداد الرسمية. كيف يمكن لأي شركة تكنولوجيا أو مركبات كهربائية أن تتوجه إلى المستهلكين وتدعي عدم وجود مساهمات من المنقبين اليدويين في سلسلة إمداداتها؟".

وفي ذلك الصدد، انضم عدد من الشركات الأساسية في صناعة التكنولوجيا والسيارات الكهربائية والبطاريات إلى مبادرات تهدف إلى تنظيف سلاسل الإمداد وإنهاء مظاهر انتهاك حقوق الإنسان وتشغيل الأطفال. ثمة تحالفان رئيسان في ذلك المسعى هما "الاتحاد العالمي للبطاريات" Global Battery Alliance-GBA و"مبادرة المعدنين المسؤولين" Responsible Minerals Initiative-RMI.

وتضم "مبادرة المعدنين المسؤولين" أكثر من 400 شركة ورابطة منتجين، من بينهم "أمازون" و"آبل" و"بوينغ" و"ديزني" و"فورد" و"جنرال إلكتريك" و"جنرال موتورز" و"ميتا" و"سامسونغ" و"تويوتا". يبلغ رسم العضوية في تلك المبادرة 7500 دولار في السنة للشركات التي تقل عائداتها السنوية عن 9 مليارات دولار، و15 ألف دولار بالسنة للشركات التي تتخطى عائداتها السنوية الـ 9 مليارات دولار. ويقدم البرنامج الرئيس في هذه المبادرة، المسمى "عملية تأمين المعدنين المسؤولين"  Responsible Minerals Assurance Process-RMAP، "تدقيقاً من قبل طرف ثالث مستقل يحدد من من المعدنين وشركات التكرير يعتمد أنظمة تؤمن مصادر المعادن على نحو مسؤول يتماشى مع المعايير الدولية".

واستطراداً، يحظى "الاتحاد العالمي للبطاريات" بدعم ما يزيد على 120 منظمة وكيان، بينها "تيسلا" و"مايكروسوفت" و"فولسفاغن" و"بي أم دبليو" و"غلينكور" و"هيتاشي هاي تيك يوروب". وكذلك يموَّل الاتحاد عبر رسوم العضوية فيه وبمستويات تحددها مقادير العائدات السنوية لكل شركة.

ويعمل "الاتحاد العالمي للبطاريات" على وضع برنامج يعرف باسم "باسبور البطاريات" Battery Passport "بغية تأمين الشفافية في الممارسات (وعمليات الإنتاج) ومواءمة أثر إنتاج البطاريات مع نظام القيم المتبع من قبل مختلف المشاركين في سلاسل القيمة بقطاع إنتاج البطاريات".

واستكمالاً، لا يعمل أي من هاتين المبادرتين على الأرض في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفق ما نقله ممثلون عنهما إلى "اندبندنت"، ولا تشكل مراقبة مواقع التنقيب جزءاً من عمل المبادرتين. وفي حديث إلى "اندبندنت"، أوضحت المديرة التنفيذية في "مبادرة المعدنين المسؤولين" جينيفر بايسر أن "برنامج التدقيق الذي وضعناه يركز حتى الآن على ناحية تجهيز المعادن في سلسلة الإمداد ومن قبل المعدنين والمكررين. ممثلونا ليس لديهم وجود في مواقع التنقيب بأي مكان في العالم". كما ذكرت السيدة بايسر أن الـ "آر أم آي" "تعي الظروف" المحيطة بالعمليات اليدوية وأنشطة التعدين على نطاق صغير (المعروفة بالـ ASM) في قطاع استخراج الكوبالت. أضافت: "ما كنا نشتغل عليه بالتعاون مع المعنيين يتمثل في بناء مجموعة من المعايير والطموحات، فتتسنى لنا مراقبة تلك المواقع في يوم من الأيام. هذا هو الهدف. فنحن جميعاً في القطاع نريد التمكن من ممارسة الرقابة والتدقيق في تلك المواقع. لكن في الوقت الراهن، لا يحصل هذا الأمر".

في سياق متصل، وفي حديث إلى "اندبندنت"، ذكرت ألكساندرا شيش، مديرة قطاع المصادر المسؤولة في "اتحاد الشركات المسؤولة" Responsible Business Alliance (الذي أطلق مبادرة "مبادرة المعدنين المسؤولين")، أن تشابك العمليات اليدوية و"أنشطة التعدين على نطاق صغير" يجعلان أمر المراقبة شديد الصعوبة.

وفي مقابلة عبر الهاتف أجريناها معها هذا الشهر، قالت السيدة شيش إن "الجهة المسؤولة في الوقت الراهن ربما تكون وكالة ’سيمابي‘ SAEMAPE التابعة لحكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية (الوكالة التي تنظم عمل قطاع التعدين). وقد يكون من الصعب جداً مراقبة عمل هذه الكيانات، خصوصاً إذا لم يكن المراقب نفسه سلطة قانونية أو جهاز إنفاذ قانون. إطار تأثيرنا يغطي في الواقع كيانات التعدين المندرجة في برنامجنا".

وفي وقت سابق، وضع "الاتحاد العالمي للبطاريات" بين عامي 2020 و2021، "خطة العمل المشتركة لمنتجي الكوبالت"Cobalt Action Partnership كي يجري "فوراً وعلى نحو طارئ وقف عمالة الأطفال والعمالة القسرية ضمن سلسلة نظام القيم المعتمد في قطاع الكوبالت، والإسهام في تنمية المجتمعات [حيث يجري إنتاج الكوبالت] على نحو مستدام، واحترام حقوق الإنسان بأوساط العاملين في القطاع". وضمن "خطة العمل المشتركة لمنتجي الكوبالت" تأتي مسألة دعم المظاهر المسؤولة في عمليات إنتاج وتأمين واردات الكوبالت الكونغولي، إضافة إلى مسألتي إضفاء طابع رسمي على قطاع "عمليات الاستخراج اليدوية وأنشطة التعدين على نطاق صغير[= التعدين الحرفي]" في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ودعم إنشاء صندوق لتمويل مكافحة تشغيل الأطفال في الأوساط المجتمعية حيث يجري استخراج الكوبالت.

في مقابلة مع "اندبندنت"، ذكرت المديرة التنفيذية لـ"الاتحاد العالمي للبطاريات"، إنغا بيترسن، أن عدداً من الشركاء المحليين في جمهورية الكونغو الديمقراطية أسهموا في وضع الإطار العام لـ"خطة العمل المشتركة لمنتجي الكوبالت". من بين هؤلاء الشركاء وكالتا "يونيسيف" و"منظمة العمل الدولية" التابعتين للأمم المتحدة، ومنظمة "باكت" Pact غير الحكومية، و"اتحاد تجارة الكوبالت العادلة" Fair Cobalt Alliance الذي شارك في تأسيسه عدد من الشركات منها الشركة الدولية لاستخراج الكوبالت "غلينكور" Glencore، والشركة الأكبر في العالم المتخصصة في تعدين الكوبالت، "هويو كوبالت" Huayou Cobalt، وذلك بغية "تحسين حياة المجتمعات العاملة في استخراج الكوبالت بجمهورية الكونغو الديمقراطية". وفي اتصال هاتفي أجريناه معها، ذكرت السيدة بيترسن، "لقد جمعنا المعنيين للتوافق على مجموعة من الشروط المتعلقة باستدامة مصادر الكوبالت المستخرج يدوياً. لكن حينما يتعلق الأمر بأهلية مواقع (استخراج وتنقيب) محددة، فإن ذلك لا يقع ضمن مهماتنا أو قدراتنا، إذ ترتبط المسألة بالنسبة إلينا بالوصول إلى توافق حول كيفية تحسين ظروف (التنقيب)، لأن ذلك يمثل رافعة منهجية لتحقيق التغيير"، بيد أن "وزارة التعدين" Ministere des Mines في جمهورية الكونغو الديمقراطية، السلطة المسؤولة عن سياسات قطاع التعدين واستخراج المعادن في البلاد. ولم تجب بيترسن على رسالة إلكترونية وجهتها إليها "اندبندنت" تطلب منها فيها التعليق على السياق الوارد في المقالة.

في المقابل، ضمن نقاش مع "اندبندنت"، لم يرَ السيد كارا أن هناك "الكثير يحصل ويمكن أن يساعد شعب الكونغو في التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان والبيئة، تلك الانتهاكات الحاصلة يومياً نتيجة أعمال استخراج الكوبالت".

"أصحاب الضمير الحي لا يقبلون ما يتعرض له شعب الكونغو"

في سياق مغاير، ثمة بعض الأمل اليوم مع الزعيم الحالي لجمهورية الكونغو الديمقراطية، الرئيس فيليكس تشيشيكادي الذي جرد حملة لمكافحة الفساد والتحقيق بعقود مشاريع سابقة مع شركات تنقيب صينية، والنظر أيضاً في ممارسات الرئيس السابق للكونغو [الذي كان حليفاً لـتشيشيكادي في وقت سابق] جوزيف كابيلا. ويبدو السيد تشيشيكادي كذلك مهتماً ببناء علاقة مع الولايات المتحدة الأميركية. ووقع الشهر الفائت "مذكرة تفاهم" مع إدارة بايدن ومع (دولة) زامبيا لـ"تعزيز سلسلة القيمة المرتبطة ببطاريات الآليات الكهربائية".

وتهيأ السيد تشيشيكادي للفوز بولاية ثانية في أواخر 2022، بحسب السيد كارا، فأفيد عن استعداد السيد كابيلا للشروع بعودة سياسية بدعم من مؤيديه الصينيين. وإذا لم يتحرك شعب الكونغو بشكل سريع، وفق كارا، فإن مزيداً من الظلم بانتظاره. ويتابع الباحث والمؤلف، "بعد نحو 20 عاماً من الآن لن يكون أمام شعب الكونغو سوى الفضلات ولا شيء آخر غير خراب بيئتهم وكل تلك الجروح والأضرار والموت التي كابدوها طوال هذه الفترة من الزمن".

بالتالي، يأمل السيد كارا في أن يضيء "كوبالت أحمر" على مظاهر انتهاك حقوق الإنسان المتفشية في قطاع التعدين بالكونغو، وأن يجبر الكتاب شركات التعدين والتنقيب على التحرك عبر "التحقيق في ما يحصل بأوساط السكان الذين يعتمدون عليهم لبناء قطاع العمالة وتأمين مصادر الأرباح الهائلة".

ويتابع كارا، "لكن نظراً إلى الطلب الهائل على الكوبالت من قبل شركات التكنولوجيا والسيارات الكهربائية التي ترغب في تلبية المستهلكين، فإن سلسلة الظلم الناتجة من ذلك لن تتوقف عما قريب"، إذ يبدأ الطلب من الأعلى، بحسب السيد كارا. "لذا ينبغي للحلول أيضاً أن تبدأ من هناك. لو أن هذا يحصل في الحقبة الاستعمارية، لكانوا تجاهلوا الأمر وأخفوه وتابعوا العمل. إلا أننا اليوم نعيش في لحظة من التاريخ تتساوى فيها كرامة وحقوق شعب أفريقي فقير مع كرامتنا وحقوقنا. أصحاب الضمير الحي لا يقبلوا بأن يعامل الأفارقة بهذه الطريقة اللاإنسانية المحاكية لأساليب الاستعمار".

في النهاية، بحسب كتاب "كوبالت أحمر" ومؤلفه السيد كارا، "نحن لن نرسل أولاد بلدة ’كوبرتينو‘ [مدينة في ولاية كاليفورنيا] كي ينقبوا عن الكوبالت في حفريات سامة، فلماذا يجوز إرسال أولاد الكونغو إليها؟".

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات