Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما سبب الدهشة التي أثارتها تعليقات محافظ بنك إنجلترا في شأن الأسعار؟

تصريحات أندرو بايلي غير منطقية ولا تتعدى كونها محاولة إقناع أخلاقية

غالباً ما تلجأ الحكومات ومصارفها المركزية إلى "الإقناع الأخلاقي" كملاذ أول للتعامل مع التحديات الاقتصادية (رويترز)

ملخص

حث محافظ #بنك_إنجلترا أندرو بايلي الشركات على عدم رفع أسعارها في محاولة للتغلب على #أزمة_التضخم في تدخل صريح فاجئ الكثير من المراقبين الاقتصاديين. 

حث محافظ بنك إنجلترا أندرو بايلي الشركات على عدم رفع أسعارها في محاولة للتغلب على أزمة التضخم فقال، "أفهم أنه ينبغي على الشركات أن تحدد أسعار [السلع أو الخدمات التي تقدمها] في ضوء الكلف التي تترتب عليها، ولكننا نتوقع لمعدل التضخم أن ينخفض إلى حد كبير هذا العام، وحتى يكون لنا ذلك أرجو منكم توخي الحذر عند تحديد الأسعار التي يترقبها الناس بفارغ الصبر"، وقد جاء هذا التدخل الصريح للمحافظ بمثابة مفاجأة.

هل يمكن اعتبار ذلك هفوة؟

ليس تماماً، فالمصطلح الذي يفضله محافظو البنوك المركزية هو "الإقناع الأخلاقي" moral suasion، والمقصود به محاولة تشجيع الجهات الفاعلة اقتصادياً على "فعل الصواب" من خلال مناشدة العقل والمنطق والمصلحة الوطنية، ولكن ثمة خللاً في "نظرية اللعبة" يتمثل في الخسارة التي يمكن أن تتكبدها إحدى الشركات بسبب إبقاء أسعارها منخفضة وعدم مجاراتها منافسيها القادرين على رفع أسعارهم.

وغالباً ما تلجأ الحكومات ومصارفها المركزية إلى "الإقناع الأخلاقي" كملاذ أول للتعامل مع التحديات الاقتصادية، ويمكن لهذا المبدأ أن يزهر ويؤتي ثماره في المجتمعات التي تتسم بدرجة عالية من التلاحم الاجتماعي على غرار اليابان والسويد، لكن في المجتمعات الأكثر فردية أو أنانية مثل المملكة المتحدة، فكثيراً ما يغض الطرف عن نداءات مماثلة أو حتى يستهزأ بها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ما الذي عناه أندرو بايلي صراحة؟

بصفته خبيراً اقتصادياً متمرساً وعميق التفكير فقد لا يتفق أندرو بايلي مع الرأي القائل بأن الشركات تتربح [تستغل ارتفاع الأسعار]، ومن المستبعد أن يصدق بالعقل والمنطق أن المتاجر الكبرى وسواها من الشركات التي تتعامل مباشرة مع المستهلك تحولت بين ليلة وضحاها إلى وحوش كاسرة لا تكل التلاعب بالأسعار واستغلال ارتفاعها عموماً لزيادة أرباحها، فتصديق حقيقة مماثلة أشبه باعتراف ضمني بأن الشركات الخاصة كانت نموذجاً للخير الأخلاقي طوال فترة استقرار الأسعار والنمو، أي منذ أوائل تسعينيات القرن الـ 20 ولغاية عام 2008 تقريباً.

كما أنه لا يوجد ما يبعث على الاعتقاد بأن تجار التجزئة يتربحون أكثر أو أقل من أي وقت مضى، فالشركات والتكتلات الاحتكارية غير الخاضعة للقوانين هي وحدها القادرة على تحديد الأسعار والرسوم، وقدرتها هذه مرهونة بظروف اقتصادية جيدة، وأظن أن ما أراده بايلي فعلياً من الشركات هو احتواء ارتفاع الكلف من طريق خفض هوامش الربح، وبالتالي تجنب تمرير الكلف المرتفعة التي يواجهونها على الأجور والمواد الخام إلى المستهلكين من خلال رفع الأسعار، فبرأيه أنه إذا ما عملت الشركات باقتراحه فستتمكن من تقويض دوامة الأجور والأسعار الوليدة التي تظهر جلياً في أحدث أرقام معدل التضخم الأساس، ولكن ماذا عن الأضرار التي قد تلحق بقدرتها التنافسية وأرباحها وقدرتها على الاستثمار لاحقاً؟

هل فعل هذا من قبل؟

نوعاً ما، فخلال العام الماضي حث أندرو بايلي العمال والنقابات العمالية على ضبط الأجور، لكن نداءه لم يحظ بأصداء إيجابية في ظل الموجات الإضرابية المتعاقبة وتأثيرها المهول في الاقتصاد. وفي فبراير (شباط) 2022 ومذ بدأت سوق العمل في استعادة عافيتها بعد الوباء وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لم ينفك بايلي يردد "أنا لا أقول إنه لا ينبغي لأحد أن يحصل على زيادة في الراتب، لا تسيئوا فهمي، لكن ما أحاول قوله لكم هو إنه لا بد لنا من الاعتدال في المساومة على الأجور وإلا فإنها ستخرج عن نطاق السيطرة، وأنا لا أسألكم أن تحرموا موظفيكم من زيادة في الرواتب، هذا هو حجم الموضوع صدقاً والمطلوب منكم الاعتدال وضبط النفس فقط لا غير".

لكن كلامه لم يلق آذاناً صاغية وبادلته الحكومة برفض قاطعٍ، وهو ما أوقف بايلي عند حده وحضه، في ضوء الحساسيات السياسية القائمة ربما، على العدول عن تقديم النصح للرؤساء والنقابات في شأن عملية التفاوض على الأجور.

ألا يفترض بمحافظي المركزي عدم التحدث في العلن؟

منذ تأسيس بنك إنجلترا عام 1694 كان هذا هو العرف السائد، لكن خلال السنوات الأخيرة أصبح المحافظون أكثر صراحة ولو استمروا في تلافي السياسات الحزبية، ولنأخذ على سبيل المثال ميرفين كينغ (2003-2013)، فقد كان لديه سبب وجيه للتحدث بوقاحة عن الأسلوب الذي انتهجه المصرفيون في مرحلة ما قبل الأزمة المالية العالمية، ولما شارك الرأي العام غضبه في شأن كلفة عمليات إنقاذ البنوك وحال الركود التي أعقبت الأزمة، معتبراً أن "للناس كل الحق في أن يغضبوا"، حصدت مشاركته كما نفوره من كل شيء، وتحديداً "التعويضات المفرطة وسوء معاملة العملاء وتضليلهم"، قبولاً واسعاً.

وبالنسبة إلى مارك كارني (2013-2020) فقد كان أكثر ميلاً إلى المجازفة من سابقه، إذ تحدث عن التفاوتات الاقتصادية "الصاعقة" وانتقد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل وبعد استفتاء عام 2016، أما بايلي فالتزم جانب الحذر ولم ينبس ببنت شفة إزاء المسألة على رغم تردد أصدائها المشينة في الساحة الاقتصادية، وعلى ما يبدو فإن تعليقاته هذه المرة لم تغضب وزارة الخزانة أو الحكومة.

© The Independent