Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"فن التفاهة" يثخن جراح الصحافة السعودية على مائدة "طاش"

كتاب اعتبروا أن الحلقة عالجت معاناتهم بكل "جرأة ومرارة" وشيخهم يرى فقراً في الوسط يكاد يجعل الإعلام في البلاد بلا إعلاميين

الحلقة عن الصحافة انتشرت مضامينها كالنار في الهشيم بين الكتاب الذين نكأت جراحهم ولاقت الاستحسان (اندبندنت عربية)

ملخص

قطرة في بحر حلقة درامية واحدة لمسلسل "#طاش"، تمكنت من تقديم معاناة #الصحافة_السعودية عبر أهم عناصرها وهو الإنسان، في قالب كوميدي ساخر لكنه موجع 

لم تعش الصحافة السعودية مرحلة صعبة منذ عقود مثل التي تعيشها اليوم جراء التحولات التقنية الآخذة في التصاعد عالمياً، إلا أن جميع المناشدات السابقة لأبناء المهنة كانت قطرة في بحر حلقة درامية واحدة لمسلسل "طاش"، تمكنت من تقديم المعاناة عبر أهم عناصرها وهو الإنسان، في قالب كوميدي ساخر لكنه موجع فتح جراحاً سريعاً ما توزع أنينها بين تغريدات كتاب البلاد التي تشهد تحولات كبيرة على مستويات تنموية وثقافية وسياسية واجتماعية عدة.

وجاءت الحلقة التي "قلبت المواجع" في سياق معالجات هزلية لقضايا جدية اعتاد المسلسل الذي يعود بنجميه ناصر القصبي وعبدالله السدحان بعد غياب طويل هذا العام، أن يملأ حياة السعوديين الرمضانية مرحاً وسجالاً ووجعاً أحياناً، وهو الذي يناقش قضايا واقعية من نبض المجتمع يرى فيها الناس أنفسهم، إذ كان في سنوات مضت صدى صارخاً لأكثر المواضيع الحساسة التي كانت تتناولها المنابر الإعلامية على وجل، من قبيل سلوكيات المتطرفين والتناقضات الاجتماعية ومشكلات الفساد.

المحامي أصبح الضحية

لكن المفارقة هذه المرة أن الصحافة التي كانت مرجعاً لكثير من نقاشات المسلسل خلال سنوات مضت، صارت في حلقة "صانع المحتوى" هي الموضوع والضحية، إذ دارت حول معاناة كاتب صحافي أفلست صحيفته واضطرت للتوقف وعن دفع المكافأة المقررة له على رغم حاجتها إلى قلمه، فدعته الحاجة إلى العمل مع "فاشينيستا" من إحدى نجمات الإعلانات والمحتوى الرديء على الـ "سوشيال ميديا" اللواتي يربحن الملايين من ترويجهن لبضائع العملاء بتغنج وأشياء وأشياء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الكاتب الذي كان قبل ذلك ينتقد في عموده الصحافي هذا الصنف من الباحثات عن المال والشهرة على حساب المضمون، تردد كثيراً في قبول عرض "سوسو" إلا أن التزاماته المادية والأسرية الملحة جعلته يقبل بالعرض المادي السخي، غير أن ظنه بهذا الوسط لم يخب، فما إن بدأ يمارس مهمات الوظيفة الجديدة حتى اكتشف مساوئ أكثر مما توقع، مثل امتهان كرامته وهو الكاتب المرموق أو طبيعة المهمات الهابطة بما فيها البحث عن كلمات كافية لتدمير منافسة ربة العمل، فجال في قاموسه العربي من رعناء إلى حمقاء وخرقاء وشمطاء، قبل أن يجد ضالة "سيدة زمانها" في شتيمة أكثر حداثة وهي "منطاد من البوتكس".

الحلقة التي كتبتها أماني السليمي سريعاً ما انتشرت مضامينها كالنار في الهشيم بين الكتاب الذين نكأت جراحهم ولاقت استحسان من وجدوا أنفسهم كتلك الحرة التي "تجوع ولا تأكل ثدييها"، وهم الذين قال شيخهم أخيراً خالد المالك رئيس هيئة الصحافيين السعوديين إن إعلامهم أصبح فقيراً بلا إعلاميين.

"التفاهة فن"

بيد أن الكاتب وبطل الحوار الذي ترسخ لديه بعد التجربة أن "التفاهة صناعة وفن"، ألمح إلى جانب غمز به من قناة الكتاب والصحافة التقليدية، فهي على رغم أصالتها إلا أنها ظلت حبيسة ماضيها ولم تحدث أساليبها وخطابها وفقاً لمتطلبات الجمهور الجديد، فعلى رغم كون "فاشينيستا" متيمة بالموضة وتقديم محتوى يعتمد على جسدها أكثر الأحيان، إلا أنها التقطت بذكائها ما يطلب جمهورها ولم تغرد خارج سربه، فأدركت أن "رعناء" عند المتلقين لديها ليست في مقام "منطاد من البوتكس" وأشباهها، ولم يلبث أن سار على خطاها الكاتب الرصين حتى صار ثرياً من تغطية المناسبات في "سناب" أو "تويتر" ولا يتحدث إلا بالملايين، حين اكتشف أن التفاهة فن مربح.

ووجد كتاب في الحلقة معالجة منصفة لقضية طالما تنادوا بحلها، فأيد الكاتب والناقد الفني السعودي رجا ساير المطيري ما لفتت إليه كاتبة النص بأن "التفاهة منهج وموهبة، فما أكثر سوسو وما أكثر عبدالله في واقعنا"، معتبراً أن التفاهة والتشظي وطوفان ما بعد الحداثة "واقع يعيشه العالم اليوم ولا تمكن مقاومته إلا بخلق مرجعيات ثقافية أساس تحكم الذوق وتضبط الوجهة والمعيار والقيمة".

"الكارثة من دون تزييف"

ويتفق مع الفكرة نفسها الكاتب هاشم الجحدلي الذي وصف الحلقة بالتي "نكأت كل الجراح وكشفت أكثر المستور عن واقع الصحافة حالياً"، منوهاً بمهارة الكاتبة السليمي بوصفها عالجت القصة "بكل مهارة ومرارة وجرأة، وقدمت لنا الكارثة من دون تزييف وعلى من يستطيع أن يبادر إلى حلها".

أما أطرف ما قال إنه كان بين أصداء الحكاية فهو تعليق من زميل الكاتب دفعته للقول "اللهم أحسن خاتمتنا".

وعندما يقول صحافي سعودي إن الأمر أشبه بـ "الكارثة" فإنه لا يبالغ، إذ تكاد المؤسسات الصحافية في البلاد تخلو من كوادرها الصحافية بسبب عجزها عن دفع أجورهم، الذي نجم هو الآخر في تقدير بعضهم عن تخلف تلك الجهات في مسايرة ركب التطور الإعلامي الذي يشهد انقلاباً متسارعاً كانت أحدث حلقاته تقنيات الذكاء الاصطناعي في "تشات جي بي تي"، الذي يقدر كثيرون أن تأثيره على مهنة الصحافة سيكون واسعاً.

ومع أن مؤسسات عدة حاولت التغلب على الأزمة عبر تحسين مواردها ولو عبر التخلي عن مقارها التاريخية وتأجيرها، إلا أن خالد المالك وآخرين لا يزالون يعتقدون أن أزمة الصحافة في السعودية تستدعي تدخلاً حكومياً أحيا آماله أكثر تعيين وزير جديد للإعلام أخيراً بعد فراغ المنصب لسنوات عدة، إذ كان يشغله وزير من ضفة أخرى بالوكالة.

قبل فوات الأوان

ويؤكد المالك أن الساحة الإعلامية في السعودية بدأت منذ بعض الوقت "وكأنها في حال فقر في ظهور كفاءات إعلامية جديدة أكثر تفوقاً في ثقافتها ومواهبها الإعلامية مقارنة بما كان عليه الحال من قبل، لتواكب المرحلة التي تشع من المملكة إنجازات عظيمة يستوجب أن يتناغم الإعلام معها ويستجيب لتأثيرها".

ويشدد على أن الأمر يحتاج إلى دراسة ومراجعة وتشخيص وصولاً إلى وضع التصور المناسب "مع كسب الوقت لما ينبغي أن يكون عليه إعلام المستقبل وما يمكن عمله قبل فوات الأوان، لأن ما هو مشاهد أن الإعلام الجديد يتطور وفي المقابل فإن هذا التطور لا يواكبه تطور العناصر الإعلامية ولا يتناغم معه ظهور مزيد من الإعلاميين الجدد، فيما يستمر غياب بعض المشاهير من الإعلاميين إما بالموت أو التقاعد من دون ظهور البديل الكفء لإحلاله محل هؤلاء لملء الفراغ الشاغر".

وحتى العناصر الجديدة اتجه العديد منها إلى العمل في جهات غير إعلامية بحثاً عن لقمة العيش، لكن على رغم ذلك لا تزال مؤسسات إعلامية محدودة تحاول الصمود، مثل المجموعة السعودية للأبحاث ومجموعة "إم بي سي"، إلا أن خبراء الصناعة يحذرون من أن التلفزيون سيكون على خطى الصحافة الورقية في الأفول إن لم يتدارك أرباب المهنة الأمر ويواكبوا التحولات العالمية على هذا الصعيد.

أما بالنسبة إلى ظاهرة الـ "فاشينيستا" والمؤثرين في الـ "سوشيال ميديا" فإن الحال شهدت تراجعاً منذ كورونا بعد أن التفت صحافيون ومهنيون في السعودية إلى التحديات التي أفرزها وجود تلك الشريحة في نشر الإشاعات والترويج لبضائع تهدد صحة المستهلكين أو حتى توظيفهم في جرائم مثل غسل الأموال، إلى أن تحركت وزارة الإعلام في البلاد واستحدثت تنظيماً يحكم سوق الإعلان بواسطة المؤثرين ووسائل التواصل الاجتماعي، ومن بين أدواتها الرقابية اشتراط الحصول على ترخيص أصبح يعرف اختصاراً بـ"موثوق"، إلا إنه وإن قلل من الظاهرة لكنه لم يقض عليها بالكلية.

وكان من بين أشهر المصطلحات التي أطلقت للقدح في هذه الشريحة "مشاهير الفلس" وجماعة "ارفع الشاشة فوق" و "كود الخصم"، حتى أضحت بعد ذلك "وسوماً" يتداولها الناس وسط مطالبة أمثال الزميل عضوان الأحمري الجهات الحكومية بالكف عن دعواتهم إلى المناسبات الصحافية بوصفهم مسوقين أكثر منهم صحافيين.

"التفاهة" منظومة أوسع

ويرى آخرون أمثال فهد اليحيا أن حلقة "طاش" عالجت موضوعاً أعمق يتجاوز ظاهرة الـ "فاشينيستا" في المجتمعات الخليجية، وهو "نمط التفاهة السائد" في نواح عدة من الحياة المعاصرة، ولا تقف فقط عند "تشرد كتاب ومحرري الصحافة المطبوعة"، وهي فكرة اهتم بها معلقون من طبقات مختلفة، أرفق بعضهم كذلك مثل اليحيا صورة من كتاب "نظام التفاهة" للكاتب الكندي آلان دونو للتذكير بأن الشرخ أكبر، وهو الكتاب الذي ناقش الميل العام لأخذ الأمور بسطحية وسيادة التعاطي مع القضايا الجوهرية باستخفاف مما أدى إلى "إصابة العقل البشري بالعقم من خلال الميل الحاد للفتور" في كل الميادين، بحسب دور النشر التي تسابقت إلى اقتباسات عن الكتاب مثل تأكيده نصه على أن "التافهين حسموا المعركة لمصلحتهم في هذه الأيام، ولقد تغير الزمن فأصبح زمن الصعاليك الهابط. ونجحت مواقع التواصل في ترميز التافهين، أي تحويلهم إلى رموز، إذ صار يمكن لأية جميلة بلهاء أو وسيم فارغ أن يفرض نفسه على المشاهدين".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة