Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المسرحي المغربي أحمد جواد يضرم النار في نفسه قهرا

ساء وضعه المادي والنفسي ووقع في الفراغ ولم تدعم وزارة الثقافة مسرحياته

المسرحي أحمد جواد وبعد إحراق نفسه أمام مبني وزارة الثقافة (وسائل التواصل الاجتماعي)

ملخص

اختار الفنان المغربي #أحمد_جواد #اليوم_العالمي_للمسرح ليحتج بطريقة قاسية على تهميشه من وزارة الثقافة، فقد صب على نفسه مادة حارقة سرعت بانتشار النار في جسده، وسرعان ما تدخل المارة لإطفائها

لم يكن حتى أكثر المتشائمين يعتقد أن الحياة الثقافية في المغرب ستشهد حالة إضرام فنان للنار في جسده، لكن ذلك وقع فعلاً أمس أمام مبنى وزارة الثقافة في الرباط. فقد اختار الفنان المغربي أحمد جواد مناسبة اليوم العالمي للمسرح  (27 مارس / آذار) ليحتج بطريقة قاسية على تهميشه من لدن وزارة الثقافة. فقد صب على نفسه مادة حارقة سرعت بانتشار النار في جسده، وسرعان ما تدخل المارة لإطفائها مستعملين ملابسهم وقناني الإطفاء الخاصة بسياراتهم. ونقل الفنان إلى مستشفى ابن سينا في حال خطرة، بعد إصابته بحروق من الدرجة الثالثة غيرت ملامح وجهه بالكامل وأثرت سلباً في معظم أجزاء جسده. وكان جواد نشر على صفحته في "فيسبوك" التدوينة الآتية: "صدقوني لم أعد أحتمل كل هذا العذاب، واعذروني على ما سأقدم عليه في القادم من الأيام"، قبل أن يتوجه إلى مبنى وزارة الثقافة لتنفيذ ما خطط له.

يتداخل في أسباب ما أقدم عليه الفنان المغربي، ما هو مهني مع ما هو فني. فقد أحيل على التقاعد قبل سنة ونصف سنة براتب هزيل لا يتجاوز 1800 درهم (أقل من 200 دولار) بعد سنوات من العمل في مسرح محمد الخامس، وهو مبلغ لا يكفي لحياة بأبسط الشروط، خصوصاً خلال الفترة الراهنة، بحيث يشهد المغرب غلاء معيشياً غير مسبوق يشمل كل مرافق الحياة. وكان احتجاحه أيضاً ضد رفض الوزارة دعم أعمال مسرحية تقدم بها، وكان هو يرى أن دعم هذه الأعمال، بالتالي القيام بجولات فنية بها، يخفف من الضغط المادي الذي يعيشه. فسبق أن نشر على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي مما يفيد أنه أصبح يتسول من أصدقائه الأثرياء وغير الأثرياء، من أجل إطعام أطفاله. وكان المسرحي المغربي طلب مراراً اللقاء بوزير الثقافة من أجل إيجاد حل لوضعه المتأزم، غير أن الوزارة لم تفتح له الباب.

 والحقيقة أن أحمد جواد قام أمس بتنفيذ وعد قطعه على نفسه منذ عشر سنوات. فهو هدد في صيف 2013 بأن يحرق نفسه احتجاجاً على ما سماه بـ"الإقصاء". وسبق له أيضاً أن تجرد من ملابسه أمام البرلمان المغربي في سياق الاحتجاج ذاته. وبات واضحاً أن حاله النفسية عرفت تدهوراً كبيراً في الفترة الأخيرة.

إضراب عن الطعام

وكان الفنان المغربي دخل في إضراب عن الطعام منذ السادس من فبراير (شباط) الماضي،  احتجاجاً على رفض الوزارة دعم عمله المسرحي الجديد "درس في الحب"، بحجة أنه إنتاج قديم. وأكد المسرحي أن الوزارة المعنية بالقطاع الثقافي، في الوقت الذي رفضت دعم عمله الفني، قررت بالمقابل دعم أعمال فنية أخرى قديمة تعود لمسرحيين آخرين. وقد تأسف لاستثنائه من التكريم التقاعدي، إسوة بكل العاملين في المسرح الوطني لمحمد الخامس الذين أحيلوا على التقاعد، هو الذي قضى سنوات طويلة منشطاً في نادي الأسرة في مسرح العاصمة، فضلاً عن كونه يحمل "بطاقة الفنان"، وهي البطاقة المهنية التي تمنحها الوزارة للعاملين في القطاع الثقافي المعترف بهم.  وكان أحمد جواد قد عمل لسنوات في تنشيط نادي الأسرة في مسرح محمد الخامس، عبر استقطاب وجوه ثقافية وفنية من داخل الغرب وخارجه.

ومن أجل تبرئة ذمتها أصدرت وزارة الثقافة المغربية بياناً صرحت فيه بأن المعني بالأمر يتمتع بكل حقوقه الوظيفية بعد إحالته على التقاعد، وأن الوزارة سبق لها أن اشترت منه عرضين مسرحيين. لكن البيان لم يذكر اسم الفنان الذي غامر بحياته احتجاجاً على ما بدا له ظلماً من لدن الوزارة نفسها. ويقول بيان الوزارة: "أقدم شخص على إضرام النار في جسده أمام الباب الرئيس للوزارة"، ويضيف "سبق للشخص المذكور، أن تقدم بطلب شراء عروض مسرحية". ويردف البيان "تعبر وزارة الشباب والثقافة والتواصل، عن أسفها العميق لهذه الحادثة المأسوية، وتتمنى الشفاء العاجل لهذا المواطن". ويلاحظ من لغة الخطاب الذي اعتمد مفردتي "شخص" و"مواطن" بدل "فنان" أو "مسرحي"، نوع من الجحود والتنكر الذي تمارسه هيئة حكومية أوكلت إليها مهمة تدبير القطاع الفني والثقافي بالبلاد.

حياة فنية بنهاية مأسوية

دخل أحمد جواد عالم المسرح منذ السبعينيات، في زمن كان فيه أبو الفنون هو الشكل التعبيري الأكثر حضوراً في المغرب. فقد دأب النقاد والمصنفون على تسمية تلك الحقبة بـ"ربيع المسرح المغربي"، حين ازدهر مسرح الطيب الصديقي وأحمد لعلج ونبيل لحلو وثريا جبران وغيرهم، وساد الخطاب الثقافي والاجتماعي والسياسي، وهيمنت التيمات الفكرية والقضايا العربية ومسألة التراث والتأصيل على الخطاب المسرحي في ذلك العهد. 

وفي هذا السياق نشط أحمد جواد في بداياته ضمن مسرح الهواة، وهي الحركة التي انتعشت خلال السبعينيات، وامتدت إلى سنوات الثمانينيات. وقدم أعماله الأولى في مسرح مدينة الجديدة، الذي صار يحمل لاحقاً اسم مسرح محمد عفيفي، أحد رموز أبي الفنون في المغرب. وكانت الأعمال المسرحية التي قدمها في سياق مسرح الهواة ذات طابع انتقادي للوضع الاجتماعي، وذات حمولات سياسية وأيديولوجية، تناغماً مع الخطاب الثقافي السائد في تلك المرحلة. وشاركه في هذه الأعمال فنانون يعتبرون علامات أساسية في المسرح المغربي، أمثال الراحل محمد مسكين والفنان محمد تيمد والمسرحي المعروف الحسين حوري الذي انتحر سنة 1984 مخلفاً رسالة قصيرة يقول فيها: "قتلت نفسي ولم يقتلني أحد. أحبكم جميعاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا يرتبط مفهوم "مسرح الهواة" في المغرب بتراتبية معينة، في مقابل مسرح المحترفين مثلاً، بل يطلق المفهوم على حركة مسرحية كانت بمثابة نقطة تحول في تاريخ هذا الفن في المغرب، فأنشئت فرق مسرحية عديدة في مختلف المدن، وكانت تدعو إلى الاشتغال وفق رؤى فكرية، مع الانفتاح على تجارب عالمية. وكان هذا المسرح مختبراً كبيراً للتجريب.

وفي هذا السياق قدم أحمد جواد أعمالاً مسرحية اتسمت بالطابع النقدي، وتضمين رسائل سياسية واجتماعية، ومن بين هذه الأعمال نذكر: "البوهالي / المجذوب" و"الفكرون / السلحفاة" و"هو" و"الله يرحم أمي طامو"... أما عمله "درس في الحب"، الذي سبق أن خاض إضراباً عن الطعام من أجل دعمه، فهو يشكل تقاطعاً بين محكيات وكتب تراثية مع نصوص زجلية حديثة، و يلتقط القارئ فيها  مقتطفات من "طوق الحمامة" لابن حزم و"الأغاني" للأصفهاني" مع قصائد حديثة في شعر الزجل المغربي لمراد القادري ومحمد الزروالي.

وبإقدامه على حرق نفسه أمام مبنى الوزارة يضع الفنان المغربي أحمد جواد المسؤولين عن الحياة الثقافية والفنية في المغرب في دائرة الحرج. فقد لا يتعلق الأمر بحال ابتزاز كما رأى بعضهم، أو رغبة في الظهور كما رأى آخرون. إذ لا يمكن لأي كان أن يضرم النار في نفسه ويهدد حياته ما لم تكن الأسباب وجيهة والدوافع مؤلمة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة