Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تعويض مالي للنساء مقابل الأعمال المنزلية... فكرة ليست خيالية

خبراء لا يستبعدون حدوثها في العالم العربي ولكن بشروط واستطلاعات الرأي تشير إلى تغير مفهوم خدمات الرعاية المنزلية

أصبحت النساء عنصراً أساسياً في مهمة الإنفاق المنزلي (أ ف ب)

ملخص

يتعامل #الرجال عادة مع عمل #النساء في المنزل على أنه حق مكتسب، ومهمة ليست بحاجة إلى نقاش، ولكن على ما يبدو هناك سبيل لتغيير تلك المفاهيم

لم يكن السجال المتعلق بحقوق وواجبات الزوجين، لا سيما في ما يتعلق بالمهمات المنزلية، يخرج عادةً عن نطاق الأخذ والرد، إذ يكون تقسيم الأعمال بينهما إما يتم بالتراضي والتوافق، وإما تجد الزوجة نفسها مضطرةً لأن تقوم بكل شيء داخل جدران البيت ويكتفي الطرف الآخر بتأدية مهمات دوامه في المؤسسة التي يعمل فيها أياً كانت، وحتى لو شعرت شريكته بأن هناك ظلم ما واقع عليها، فلم يكن أمامها خيارات كثيرة، بخاصة أنه في الغرف المغلقة تتوه الدلائل وتغيب الحقائق القاطعة وتختفي الإثباتات، لكن أخيراً اتخذت هذه القضايا منحى آخر قد يكون أكثر جدية وعملية.
أول الغيث جاء من محكمة إسبانية اتخذت قراراً فريداً من نوعه يلزم زوجاً منح زوجته السابقة مبلغاً مالياً ضخماً نظير أدائها عملها المنزلي على مدار ربع قرن، واستغلاله لها في إدارة بعض المؤسسات التي يمتلكها، إنها واقعة لا يمكن تجاهلها، فعلى رغم صعوبة الإثباتات التي تجعل المحكمة تتيقن من كون الشريكة أدت واجباتها المنزلية وساعدت زوجها للنهوض بعمله، ولكن المرأة التي حُرمت من أن يكون لها دخل خاص طوال فترة الارتباط وكانت تتفانى في خدمة العائلة بكل أفرادها، أكدت أنها تشعر بارتياح شديد إثر صدور هذا الحكم الذي كان يعد في نظر البعض ضرباً من الخيال، ولكن هل ينبغي أن تتحول إدارة الشؤون الزوجية إلى معركة؟ هل تلك الصبغة التي تبتعد عن فكرة المشاركة وتقترب من الشركة ستكون مريحة نفسياً لا سيما أن العلاقة الزوجية أو العاطفية تحكمها أمور مختلفة تماماً مثل التضحية والمحبة والود؟

الأعمال المنزلية تلتهم نصف أعمار النساء

قد تكون لتلك الحالة خصوصية منبعها أن هناك وثيقة محددة استند إليها وهي أن اتفاق ما قبل الزواج كان يفصل بشكل قاطع بين ممتلكات كل منهما، أي إن الزوجة ليس لها حق أن تأخذ شيئاً من ثروة الزوج، وبما أنها كرست حياتها لخدمته في البيت وفي مهنته وخدمة الأطفال وأداء المهمات الخاصة بالمنزل، فقد حرمت تماماً من أن تحصل على وظيفة بأجر، بالتالي أبدت المطلقة والأم لابنتين سعادتها لأنها تعتبر نفسها تستحق كل فلس من الـ206 آلاف يورو التي حصلت عليها بموجب قرار من محكمة في جنوب إسبانيا، وهو المبلغ الذي احتكم إليه بناءً على الحد الأدنى للأجور طوال فترة الزواج الذي استمر 25 عاماً، فهل نوعية هذا الحكم وهذا التعويض المجزي بعيد كل البعد من عالمنا العربي، بخاصة وأنه بحسب تقرير صدر قبل أعوام عن الاتحاد الدولي للمنظمات الخيرية "أوكسفام"، فإنه إذا تم تقدير العمل غير المدفوع الأجر الذي تقوم به النساء في المنزل على مستوى العالم فقد يتجاوز المبلغ 11 تريليون دولار، ووفقاً للمنظمة ذاتها فالنساء على سبيل المثال في تونس يقضين ما بين ثماني و12 ساعة في أداء مهمات رعاية غير مدفوعة الأجر، مقابل 45 دقيقة يومياً لا أكثر للرجال، أي إن نصف أعمارهن تذهب في هذه الأعمال.

ليس عملاً تطوعياً

بالعودة إلى السؤال الذي يبدو للبعض افتراضياً تماماً، ويتعلق بمدى إمكان أن تنال نساء العالم العربي بعضاً من التقدير المادي جراء تفانيهن بمساعدة الزوج في المنزل، رأت الأستاذة الجامعية نوران فؤاد، الحاصلة على الدكتوراة في علم الاجتماع السياسي، أن "لا شيء مستبعد أبداً بهذا الصدد وقد تتطور القوانين وتضم في لوائحها أموراً تنظم تلك العملية بشكل أو بآخر"، لافتةً إلى أن "كل المكتسبات الكبيرة للنساء اللواتي ضحين منذ عقود طويلة، كانت في نظر البعض أحلاماً خرافية في البداية". وأضافت "هذا عمل يستهلك من صحة المرأة وشبابها، وهو عمل بدوام كامل غير مرتبط بتوقيت معين، بخاصة في الأرياف والمناطق الشعبية حيث تسهم المرأة، بخلاف أداء مهمات الرعاية المنزلية، في الدخل الذي تحصل عليه الأسرة من طريق تربية الدواجن وبيعها وكذلك منتجات الألبان وحتى بمساعدة زوجها في تجارته البسيطة وغيره، ومع ذلك لا تجد اعترافاً بهذا المجهود الذي من دونه بلا شك سيتأثر الإنفاق المنزلي والمستوى المعيشي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل يمكن أن تتغير فعلاً النظرة إلى مهمات الرعاية المنزلية التي تعد موكلة حصراً أو شبه حصر إلى النساء، بخاصة في منطقة الشرق الأوسط؟ يحاول التقرير الاستطلاعي الذي كشف عنه أخيراً موقع "الباروميتر العربي" المعني بالبيانات والإحصاءات الخاصة بآراء المواطنين في المنطقة حول القضايا الخلافية، الاقتراب من تلك المسألة، إذ شمل 12 دولة في الشرق الأوسط بينها مصر والعراق والكويت والجزائر والأردن وموريتانيا واشترك فيه أكثر من 25 ألف شخص، وبحسب ما نصت عليه النتائج في ما يتعلق باقتصاد الرعاية، فإن أغلب المواطنين يؤمنون بأنه يجب أن تكون هناك مشاركة بين الزوجين في ما يتعلق بمساعدة الأطفال في فروضهم المدرسية وأن تلك المهمة لا يجب أن تكون مفروضة على الأمهات وحدهن، لكن لا يزال التأييد الأكبر للطرف الموكل إليه الإنفاق على العائلة، حيث ترى الغالبية أن الرجل هو المعني بهذا الأمر.

ما بين القوامة والسيطرة

لكن الواقع الفعلي يقول إن مهمة الإنفاق أيضاً أصبحت النساء عنصراً أساسياً فيها، فحتى ربة المنزل التي ليس لها دخل توفر للعائلة وقتاً ومجهوداً وحتى أجر عاملة منزلية، كما توفر رعاية نفسية وروحية وتزيح عن كاهل الأب عبئاً كبيراً، ودعت أستاذة علم الاجتماع السياسي الدكتورة نوران فؤاد، النساء لأن يحتطن لأنفسهن، مشيرةً إلى أن "الود والرحمة والرعاية عن طيب خاطر أمر جميل، ولكن إذا كان الطرف الآخر غير مقدر فعليها أن تبحث عن سند لها سواء في عمل خاص أو وظيفة، لا سيما وأن للنساء ذمة مالية منفصلة بحسب الدين الإسلامي، بالتالي فإن التضحية يجب أن تكون بحدود، كما أن بعض الرجال يفهمون القوامة خطأ ويعتبرونها تسلطاً وسيطرة، فيما أن قوامة الزوج تعني إنفاقه بشكل كامل على العائلة دون أن يجبر زوجته على المشاركة في ميزانية المنزل، فراتبها لها الحرية في إنفاقه كما تشاء".
وعلقت دار الإفتاء في مصر على تساؤلات كثيرة من تلك النوعية، وأفردت مساحات لتلك الأمور عبر منصاتها وكتبها المطبوعة، ومن بين ما قالته إنه حتى في ما يتعلق بسداد الدين، فلكل من الزوجين ذمته المالية المنفصلة، وإذا حدثت المساعدة فلا بأس لأن ذلك يعد من حسن العشرة، كما أنه لا ينبغي أن يطلب الزوج من زوجته الإنفاق على البيت، ولا يضع أموالها في خطته من الأساس سواء كانت تلك الأموال حصلت عليها قبل الزواج أو بعده من عمل أو إرث أو هدايا، إلا إذا شاركت هي عن طيب نفس ورضا في النفقات المنزلية.

 تريند "المرأة غير ملزمة"

الأمر هنا يقود إلى الحديث عن التصريحات الشائكة التي لاقت جدلاً كبيراً في مصر على مدار الأشهر الماضية، حين نسب إلى رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، المحامية نهاد أبو القمصان تصريحات تقول فيها "إن الدين الإسلامي لا يلزم النساء رضاعة أطفالهن ومن حقهن الحصول على أجر نظير هذا الفعل"، وهو الأمر الذي أثار الاستياء والاستهجان، لتعود المحامية لتوضح موقفها، مشيرةً إلى أنها كانت تتحدث عن ضرورة احترام حقوق النساء وأفكارهن سواء في ما يتعلق بطريقة تربية الأطفال وإطعامهن وحتى في قرار توقيت الإنجاب من عدمه.
وتشير المحامية دعاء عباس المعنية بحقوق النساء والأطفال إلى أن "الأصل في التعامل بين الشريكين هو المودة وحسن النية والرحمة"، مشددةً على أن "الدين لم يحرم عمل النساء بل على العكس أقر بأن المرأة ذات ذمة مالية مستقلة". وتضيف أن "فكرة أن تحصل النساء على أجور مالية نظير عملهن في المنزل قد تكون غير منطقية في الوقت الحالي، لا سيما في المحيط العربي"، لافتةً إلى أن "الأمر ليس مستحيلاً مع ذلك في بعض الحالات، فهناك ظلم واقع بالفعل على السيدات العاملات خارج المنزل اللواتي يعدن من الدوام لتولي شؤون العائلة ورعاية البيت والأطفال والزوج"، مشيرةً إلى أنهن بحاجة إلى التقدير والتعويض بالفعل "لأن المرأة هنا ليست فقط مساوية للرجل في ما يتعلق بالدخل الذي ينفق على المنزل، ولكن على الزوج أعمال الرعاية كذلك، إذاً هي تتفوق عليه في المجهود والتضحية والمشاركة، وهي أمور يمكن إثباتها بالوثائق وبشهادة الشهود".

وترى المحامية أن "المطالبات بتحسين قوانين الأحوال الشخصية تلقى ثمارها حتى لو حدث هذا على المدى البعيد، ولكن يجب ألا يتم التوقف عن طرح المقترحات من تلك النوعية لتلقى صدى لدى المشرع والجهات المعنية وتحمل مزيداً من الإنصاف لجميع أفراد الأسرة، ومع ذلك تؤكد رئيسة الجمعية القانونية لحقوق الطفل أنه لا ينبغي الشطط في بعض الأمور والمبالغة فيها كي لا تتحول القضية لمثار سخرية وفي هذه الحال سيخسر الجميع".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي