Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الصبايحية"... ظاهرة قديمة تطل برأسها في تونس

رسختها فرنسا في زمن الاستعمار واستمرت مع كل الأنظمة وتنبذها الغالبية

احتدام المواجهة بين السلطة والمعارضة سرع بعودة الجدل بشأن ظاهرة الوشاية في تونس (رويترز)

ملخص

منذ البداية ارتبطت #الوشاية بمن يسميهم #التونسيون "الصبايحية" في إشارة إلى الأشخاص الذين تعاونوا مع #الاستعمار_الفرنسي للإبلاغ عن المقاومين ضده، لكن تلك الظاهرة استمرت بعد استقلال البلاد

عندما أوقفت السلطات التونسية، أخيراً، ثلاثة شبان بتهمة الاعتداء على أملاك الدولة بسبب كتابتهم شعارات سياسية على الجدران تمحور معظم التعليقات حول المخاوف من العودة إلى مربع الاستبداد، خصوصاً أن ذلك التطور جاء بعد حملة إيقافات واسعة شنتها السلطات ضد نشطاء سياسيين ورجال أعمال وصحافي بارز.

لكن، ما إن أعلنت هيئة الدفاع عن هؤلاء الشبان أن عملية الإيقاف جاءت بناءً على وشاية من سائق سيارة أجرة، حتى عاد للواجهة جدل في شأن هذه الظاهرة، أي الوشاية التي لطالما كانت حاضرة بقوة على مر الأزمنة في تونس، سواء في عهد الاستعمار الفرنسي للبلاد الذي امتد إلى عام 1956، أو بعد ذلك.

كان الشبان الثلاثة، وسام الصغير، وبثينة الخليفي، وأسامة غلام، الذين أطلق سراحهم لاحقاً بصدد كتابة شعار ينادي بإطلاق سراح زعيم حزبهم "الجمهوري" عصام الشابي، الذي أوقفته السلطات في قضية تعرف إعلامياً بالتآمر على أمن الدولة، وهو من أشد المنتقدين للرئيس قيس سعيد.

ظاهرة كونية

على رغم رفض السلطات الاتهامات التي تواجهها بالعمل على خنق الحريات في تونس، فإن التطورات الأخيرة أثارت لدى المواطنين مخاوف من ممارسات يرفضها عدد كبير منهم، أبرزها الوشاية التي تعني الإبلاغ عن أي شخص مشتبه فيه أو مطلوب لدى العدالة بسبب آرائه أو مواقفه.

منذ البداية ارتبطت الوشاية بمن يسميهم التونسيون "الصبايحية" في إشارة إلى الأشخاص الذين تعاونوا مع الاستعمار الفرنسي للإبلاغ عن المقاومين ضده، لكن تلك الظاهرة استمرت بعد استقلال البلاد.

المعارض التونسي عصام الشابي قال إنه "على رغم الهواجس الحالية، فإن الوشاية ظاهرة كونية، وعادت هذه الأيام على رغم المكتسبات التي حققناها منذ الثورة، وعلى رغم أننا نعمل في العلن كسياسيين".

وأضاف الشابي، الذي يقود جبهة الخلاص الوطني المناهضة للرئيس سعيد، لـ"اندبندنت عربية"، "مثلاً قضية الشبان الثلاثة الذين تم توقيفهم بدأت بوشاية بسبب مطالبتهم بإطلاق سراح زعيمهم. الوشاية موجودة، وستستمر، ويمكن القول إنها من صميم الجنس البشري".

وأشار إلى أنه خلال فترة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي "رفع ضدي كثير من التقارير الأمنية، ولا أستبعد أن تكون منطلقها وشايات، حيث اعتمدت السلطة آنذاك على المخبرين للسيطرة على المجتمع، لكن ليس لدينا ما نخفيه، كل أعمالنا وتحركاتنا السياسية هي في العلن".

وحكم الرئيس زين العابدين بن علي البلاد بقبضة من حديد منذ إطاحته الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة في عام 1987، ونجح منذ ذلك الحين في القضاء على معظم معارضيه، سواء الذين اختاروا المنفى، أو الذين سجنوا.

وقال الشابي إن "المعارضة التونسية تدرك أن هناك وشاية وكنا من المؤكد ضحاياها يوماً ما، وعادة ما يبحث الواشون عن أمور أخلاقية أو تخابر مع الأجنبي لتوريط الضحايا، لكن ليس لدينا ما نخفيه حتى نخشى هؤلاء".

ظاهرة قديمة

من جانبه، يرى المؤرخ التونسي محمد ذويب أن "ظاهرة الوشاية موجودة منذ القديم، وتعد إحدى آليات المراقبة والاختراق التي كرستها فرنسا باستمالة بعض الشخصيات وتكليفهم مراقبة المعارضين ضدها في تونس بمقابل، وكانوا يسمون (صبايحية)".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال ذويب في تصريح خاص، "في الواقع لكل نظام صبايحيته، أي لكل نظام الواشون الخاصون به، وتستمر هذه الظاهرة حتى اليوم".

ولم تقدم السلطات التونسية أية تفاصيل عن قضية التآمر على أمن الدولة التي تحقق فيها، لكن محامين وبعض المقربين من دوائر السلطات قالوا إنها بدأت بتقرير من واشٍ لم تتم تسميته.

وشملت التحقيقات شبكة واسعة من السياسيين ورجال الأعمال ضمت أكثر من 20 شخصية بينهم الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، ورجل الأعمال الذي يوصف برجل الظل كمال اللطيف ومدير إذاعة "موزاييك أف أم" واسعة الانتشار نور الدين بوطار والقيادي السابق بـ"حركة النهضة الإسلامية" عبدالحميد الجلاصي، وغيرهم.

ظاهرة محمودة

لكن هل ظاهرة الوشاية تحمل دائماً معنى سلبياً؟

خاضت تونس بعد ثورة 14 يناير (كانون الثاني) 2011 حرباً شرسة ضد الجماعات المتطرفة التي استغلت حالة عدم الاستقرار السياسي والانفلات الأمني التي عرفتها المنطقة لمحاولة تثبيت موطئ قدم لها.

وراهنت السلطات على التعاون مع المواطنين في مطاردة بعض العناصر الإرهابية، وتنشر باستمرار بيانات تطالب بالإبلاغ عن هؤلاء في مسعى للتصدي إلى الأجندات الإرهابية، وهو ما يجعل بعض الأوساط تعتبر أن هذه الظاهرة، أي الوشاية، قد تصب في مصلحة الجميع أحياناً.

يقول ذويب إن "ظاهرة الوشاية ليست دائماً سيئة، وهي محمودة في بعض الأحيان، مثل مراقبة أشخاص أو مجموعات تهدد الأمن العام لا سيما في حالات الإرهاب والتخابر مع الخارج".

واستدرك بالقول "لكن في الأوضاع السياسية العادية، وخصوصاً الديمقراطية، فإن هذه الظاهرة منبوذة ومرفوضة، وتبقى ظاهرة عالمية في الواقع وليست حكراً على دولة أو مجموعة بعينها".

عودة محتملة

ما يثير التساؤلات الآن هو إمكانية عودة الوشاية التي تجسد نوعاً من الرقابة على المجتمع، لا سيما في ظل المواجهة القوية بين السلطة والمعارضة التي أخذت أخيراً منحى أمنياً.

يقول الباحث السياسي التونسي حاتم النفطي إن "الوشاية تقليد اكتشفناه وصدمنا منه بعد الثورة بعد أن تم الكشف عن بعض التقارير التي أكدت أن هناك من يقوم بالإبلاغ حتى عن أفراد من عائلته للسلطات، والوشاية ترتبط بالتقرب من السلطة".

وأردف النفطي، في تصريح خاص، "اعتقدنا أن مجتمعنا تخلى عن بعض العادات السيئة التي منها الوشاية، وفرص الوشاية نقصت بعد الثورة، لكن أصحابها يتلونون بحسب التنظيم السياسي الذي يحكم، فمن كان في خدمة حزب التجمع الذي حكم قبل الثورة أصبح بعدها يقوم بالوشاية لصالح حزب النهضة ثم لمن خلفها".

وأكد أن "الوشاية تعني مراقبة المجتمع في تونس، والواشون يجدون اليوم فرصة للعودة بقوة، وهذا مرتبط بثقافة لا يمكن محوها في 10 سنوات، خصوصاً أن هذه الثقافة ضاربة في القدم، وتعود إلى عقود خلت".

وأبرز النفطي أنه "في عهد (حركة النهضة) أيضاً كانت هناك محاولة لإرساء ثقافة المراقبة المجتمعية من خلال ما يعرف بالأمن الموازي. الوشاية عادت لأن أسباب زوالها لم تمح بعد بسبب فشل مسألة العدالة الانتقالية التي كان من أهدافها تفكيك منظومة الاستبداد واستخلاص العبر منها، لكن هذا لم يتم".

المزيد من العالم العربي