Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدراما الرمضانية في تونس تفتتح موسمها بالعنف والجدل

    مطالبات بوقف عرض مسلسل "فلوجة" ورفع قضيتين ضده

لقطة من مسلسل فلوجة (مواقع التواصل الاجتماعي)

ملخص

مطالبات شعبية ورسمية في #تونس بوقف عرض #مسلسل_الفلوجة الذي يتطرق إلى #العنف الذي يطبع #الحياة خلف أسوار #المعاهد_التونسية.

عاشت تونس ليل أول من أمس الخميس وأمس الجمعة على وقع جدل شعبي ورسمي في شأن الأعمال الدرامية في رمضان على رأسها مسلسل "فلوجة" الذي يبثه تلفزيون "الحوار التونسي" الخاص وهو عمل يتطرق إلى العنف الذي يطبع الحياة خلف أسوار المعاهد الوطنية.

وبات العمل لمخرجته سوسن الجمني في مرمى نيران المشاهدين والسلطات على حد سواء، مما أثار ردود فعل قوية دفعت وزارة التربية إلى الإعلان عن رفع قضية مستعجلة من أجل وقف بث هذا المسلسل.
وانقسم الشارع في تونس كما الفنانين بين مستنكر لمحتوى المسلسل وداعين إلى إيقاف بثه وآخرين رأوا في ذلك محاولة لفرض رقابة مسبقة على الفنون والحريات.
في المقابل، يبث التلفزيون الرسمي مسلسل "الجبل الأحمر" الذي أثار في البداية تكهنات واسعة حول محتواه إذ يعد هذا الاسم إحالة على منطقة الجبل الأحمر التي تعرف انتشاراً للعنف والجرائم، مما أثار خشية عبّر عنها كثيرون من التطبيع مع تمرير مشاهد العنف خلال الأعمال الرمضانية، لكن المحتوى ظهر في حلقتيه الأولى والثانية بعيداً من هذا الانطباع، إذ إنه يتطرق إلى العلاقات والروابط الاجتماعية داخل هذه المنطقة.

قضايا وجدل

على رغم ندرة الأعمال الدرامية في تونس هذا العام، إلا أن الجدل الذي أحدثه مسلسل "فلوجة" غطى على ضعف الإنتاج وعلى بقية الأعمال أيضاً، وأعلن عن رفع قضيتين من أجل توقيفه فور بث حلقته، الأولى من قبل محامين والثانية من طرف وزارة التربية.

 

 
والمسلسل الذي تردد صداه لدى رئاسة الجمهورية ومجلس وزاري عقد أمس، يتناول العنف المتفشي داخل المعاهد التونسية وغيره من الظواهر مثل ترويج المخدرات واستهلاكها، مما جعل فئة من التونسيين تعتبر أنه يكرس انحلالاً أخلاقياً وشرعنة للجرائم داخل الفضاء المدرسي، وآخرون يرون العكس معتقدين بأن هذا العمل مرآة لما يحدث داخل المؤسسات التعليمية.
ويحيل "فلوجة" إلى المدينة العراقية التي قاومت الحرب الأميركية عام 2003، لكن في المسلسل التونسي تتحول المعاهد إلى مسرح للجرائم والتجاوزات بما في ذلك في حق الأساتذة، فيقدم الطلاب على الاعتداء على سيارة معلمتهم والعمل على إرباكها لإجبارها على مغادرة المعهد والتخلي عن وظيفتها.
وسارع وزير التربية محمد علي البوغديري إلى الإعلان عن رفع قضية لتوقيف بث المسلسل بالتنسيق مع رئيس الجمهورية قيس سعيد والحكومة برئاسة نجلاء بودن، مشيراً في تصريحات بثتها إذاعة "ديوان أف أم" المحلية إلى أن "هذا المسلسل أساء كثيراً لكامل الأسرة التربوية وهو ما نستنكره في وزارة التربية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويبدو أن أحداث المسلسل مشابهة لسلسلة "إيليت" (النخبة) الإسبانية لمخرجيها كارلوس مونتيرو وداريو مادرونا، إذ هناك تطابق كبير على مستوى السيناريو و"كاستينغ" اختيار طاقم العمل.

ولم تقتصر ردود الفعل تجاه هذا العمل الدرامي على وزارة التربية ونقابات التعليم التي تحركت بسرعة، بل تجاوزت ذلك إلى الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري التي تعكف على تعديل المشهد الإعلامي بحيث كسرت صمتها أمس بالإعلان أنه لا يمكن الحكم على مسلسل منذ أول حلقة محذرة مما أسمته استسهال الصنصرة في البلاد.
 
 
وفي الواقع، الجدل حول العنف الذي يهيمن على محتوى المسلسلات التونسية ليس وليد اللحظة، فلطالما فجرت أعمال درامية سابقة مثل "أولاد مفيدة" و"براءة" و"علي شورب" سجالات قوية بعدما منحت مساحة واسعة لشخصيات عدوانية على حساب بقية الطاقم الفني. 
كما تتناول هذه الأعمال مواضيع يعتبرها كثيرون محظورة مثل الزواج العرفي والترويج للمخدرات وغيرهما.
لكن هذا الجدل لا يحجب رسائل نقدية تضمنها هذا المسلسل على غرار غياب إحاطة الأسرة بالأبناء خلال فترة المراهقة وهو ما يفرز سلوكات خطرة ربما تنزلق بهم إلى مربعات أخرى مثل تعاطي المخدرات.
 
ضجة مبالغ فيها

وبين مستهجن للمحتوى الذي تقدمه القنوات التونسية ومرحب به، بات السؤال الذي يفرض نفسه هو مشروعية الجدل برمته، خصوصاً أن الدعوات إلى فرض رقابة على الأعمال الدرامية أخذ طابعاً جدياً، مما يثير مخاوف من نسف الحريات التي اكتسبها التونسيون بعد ثورة 14 يناير (كانون الثاني) 2011.

وحتى قبل هذا التاريخ، أنتجت القنوات التونسية أعمالاً يتخللها عنف مثل مسلسل "مكتوب"، لكن الانفتاح الإعلامي الذي عرفته البلاد بعد ذلك أسهم في إنتاج العشرات من هذا النوع من الأعمال الدرامية.
في المقابل، توضح الصحافية المتخصصة في الشأن الثقافي ريم قاسم أن "الجدل يبدو مبالغاً فيه، كل رمضان ترافق مثل هذه الأعمال ضجة ومع ذلك يواصل التونسيون متابعتها ويسهمون في رفع نسب المشاهدة، بالتالي في تعزيز عائدات القنوات التي تنتجها من الإشهار ومن بينها تلفزيون الحوار التونسي الذي يستفيد من هذا الجدل". 
وتابعت أنه "في الحقيقة مهما كان موقفنا من مضمون العمل، لو أنه لا يمكن الحكم عليه من الحلقة الأولى، فمن غير المقبول ولا المعقول الدعوات إلى تدخل السلطة السياسية لفرض رقابة قبلية على الأعمال الدرامية والفنية عموماً". 
ورأت أن "تصريح وزير التربية أمس كان فاقداً للتروي والحكمة، إذ إن الحديث عن رفع قضية من قبل مؤسسات الدولة لوقف مسلسل مؤشر سلبي. ومن المفروض أن يعهد تقييم هذا العمل وغيره للنقاد والمتخصصين وللهيئات التعديلية". 
وعادة ما تلجأ هيئة الاتصال السمعي البصري إلى تأخير بث بعض الأعمال الدرامية أو حظرها على الأطفال إذا كان هناك ما يمكن أن يضر الطفولة، لكن عضو الهيئة هشام السنوسي قال إنه لا يمكن أبداً الحكم على مسلسل من حلقته الأولى.
وأوضح أن الأحداث تتطور ولا أحد يعرف ما ستؤول إليه. 
وأعربت قاسم عن "خشيتها في أن يسهم موقف الوزير والحكومة ككل في إعادتنا إلى فترة خطرة عشناها في 2011 و2012 منها أحداث العبدلية التي تهجم فيها متشددون على قصر العبدلية رفضاً لأعمال فنية تضمنها معرض للفن التشكيلي، وفيلم 'لا ربي لا سيدي' لنادية الفاني الذي رافقت عرضه أعمال عنف وتهجم واعتداء على قاعة في أحد نزل العاصمة".

ومن جانبه، اعتبر المؤرخ عبدالجليل بوقرة أن "من المرجح أن يتم إيقاف مسلسل فلوجة بدعم من جزء كبير من الرأي العام الذي لا يعلم أنه سلم أمره إلى آلة المنع التي إذا اشتغل محركها فإنه لن يتوقف لأن شهيتها مفتوحة ولا حد لها، فهي تلتهم الحجر والخبز، الجيد والرديء، وسيكون إيقاف محركها عملاً صعباً ومكلفاً".

وأضاف بوقرة أن "لا فائدة من التذكير بتفشي ظاهرة النفاق الاجتماعي والرياء، ولا فائدة الآن من القول بوجود قنوات أخرى يمكن مشاهدتها وبأنه على التونسيين مقاطعة ما يرونه هابطاً من البرامج التلفزيونية، لذا والحال تلك يمكن اقتراح حل وسط مثل إجبار التلفزيون المعني على تأخير توقيت البث إلى ما بعد العاشرة ليلاً ووضع تنبيه بأنه عمل ممنوع على الأطفال مشاهدته"، لافتاً إلى أن "الحلول موجودة إذا توافرت الإرادة السياسية في التصدي  لآلة المنع". 

فيروس يهدد المجتمع

من جهة ثانية، لم تتردد بعض الأصوات الفنية في توجيه وابل من الانتقادات إلى مسلسل "فلوجة" الذي دارت حوله معظم ردود الفعل، فقال الممثل مهذب الرميلي إن "هذا العمل فيروس يهدد المجتمع التونسي ولا يمكن أن أقبل المشاركة".

وأبرز الرميلي في تصريحات بثتها إذاعة "موزاييك" المحلية أن "هناك سذاجة في طريقة طرح مسلسل فلوجة، وأعتقد بأن وزارة التربية لم تكن على علم بمضمونه أو اطلعت على السيناريو ولم تفهمه".
ودخلت على الخط كذلك نقابة الأمن الداخلي التي نشرت بياناً طالبت فيه السلطات بالتدخل ضد مسلسل "فلوجة" قائلة إنه "تم تصويره على أنه السبب الأول في الانحلال الأخلاقي وتمت شيطنته واصفين الفضاء التربوي على أنه فضاء لتعاطي المخدرات والانحلال والتسيب".
ومن غير الواضح ما إذا كانت السلطات ستنجح في إيقاف بث هذا المسلسل، لكن الجدل قد يحتدم مع تطور أحداثه وقد تغذي المخاوف عن تراجع محتمل عن الحريات هذه السجالات بحيث تشهد تونس أزمة سياسية متصاعدة تجعل من أي خطوة تثير هواجس على الحريات المكتسبة من انتفاضة يناير 2011.
وتشهد تونس هذا العام نقصاً بدا واضحاً في إنتاج الأعمال الدرامية فاقتصر إنتاج تلفزيون "الحوار التونسي" الذي ينفرد عادة بعدد كبير من الأعمال على مسلسل "فلوجة"، بينما يبث التلفزيون الرسمي مسلسل "الجبل الأحمر" والسلسلة الهزلية "للا سندريلا".
ويبث تلفزيون "نسمة" الخاص سلسلتين هزليتين "سبق الخير" و"الكابتن ماجد"، وهما عملان لقيا استحسان فئة من الجمهور.
اقرأ المزيد

المزيد من منوعات