Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مدينة فرنسية عمّالية تحتضن الفيلم القصير ضد المهرجانات الكبيرة

 مهرجان كليرمان فيران يقدم مئات من الأفلام العالمية كل عام تكشف الاتجاهات الجديدة شرقاً وغرباً

صالة جان كوكتو التي تقدم فيها العروض (اندبندنت عربية)

ملخص

منذ تأسيسه في مطلع الثمانينيات، أصبح #مهرجان_كليرمون_فيران_الفرنسي المنبر الأهم لـ#الفيلم_القصير في العالم، حد أن كثراً يسمونه اليوم "مهرجان كان الفيلم القصير"

مَن اعتاد تغطية المهرجانات الدولية والتماهي مع أجوائها والاحتكاك بجمهورها منذ سنوات طويلة، يُسأل بين حين وآخر عن التظاهرة السينمائية التي يفضّلها أو الأقرب إلى قلبه. الخيار صعب بلا شك. فالعدد الوفير من الأماكن المختلفة بعضها عن بعض، والبرامج التي تتقاطع ولا تتشابه، تجعل الرد على مثل هذا السؤال تحدياً في ذاته. ولكن يمكن القول إن من بين عدد كبير من الصحافيين والنقاد والسينمائيين والفاعلين في المشهد السينمائي الذين التقيتهم، كثراً يضعون مهرجان كليرمون فيران الفرنسي في مرتبة متقدمة على لائحة تفضيلاتهم. فهذا الحدث السنوي لا يشبه أي حدث آخر، لأنه معني حصراً بالفيلم القصير وشؤونه، والمهرجانات المتخصصة لها وقع آخر، إذ تلم شمل ناس حول هدف واحد.  

منذ تأسيسه في مطلع الثمانينيات، أصبح مهرجان كليرمون فيران المنبر الأهم للفيلم القصير في العالم، حد أن كثراً يسمونه اليوم "مهرجان كان الفيلم القصير". بضع مئات من الأفلام من جميع أنحاء العالم تُعرض فيه كل عام، تكشف الاتجاهات الجديدة في السينما شرقاً وغرباً. اللافت في تشكيلة الأفلام المختارة بعناية من بين نحو 8000 فيلم تتلقاها الإدارة كل عام، هو الحرية التي يمعن بها السينمائيون الشباب والتي تغيب في الكثير من الأفلام الطويلة التي تبقى داخل قوالب جاهزة، لا قدرة لها على الخروج منها. هذه الأفلام القصيرة تحمل بصمات شباب هم في العشرين وبداية الثلاثين من أعمارهم، أي أنهم في مقتبل تجربتهم الفنية. بيد أن أعمالهم، الأولى والثانية منها، تنم عن نضج كبيرفي مقاربة القضايا ومعالجة الواقع  معالجة فنية بأنماط سردية جديدة.

عدم خضوع الفيلم القصير لشروط السوق لكونه لا يحمل أهدافاً محض تجارية، يساعد المخرجين الشباب في إطلاق العنان لمخيلتهم من دون حسيب أو رقيب. مَن لم يشارك في كليرمون فيران ولم يتسنّ له أن يلقي نظرة على آخر الصيحات في مجال الأفلام القصيرة، قد يندهش اذا أبلغناه ان ما نشاهده، دورة بعد دورة، في المدينة المشهورة بمهرجانها، يثير الحماسة من شدة الإبتكارات الصغيرة التي تنطوي عليها هذه الأفلام الشبابية المزدحمة بالأفكار اللمّاحة وأساليب الصناعة الحرة.

 

هناك صدق في الأفلام القصيرة غائب عن بعض نظيراتها الطويلة. تجد في العديد منها عيوباً سيناريستية أو خللاً في الإخراج، لكن صدق المحاولة يشفع لها. ثم هناك العفوية وهي أيضاً ضرورية لصناعة سينما. بعض هذه الأفلام يُصنع جماعياً وهذا أيضاً يغدو واضحاً على الشاشة. اللافت أيضاً أن معظم السينمائيين الشباب يعرفون جيداً عمّا يتكلمون، عندما يصوبون كاميراهم في اتجاه واقع ليس غريباً عن حياتهم اليومية. من الذل والفقر المدقع في البلدان النامية، إلى الترف والفراغ النفسي في المجتمعات الميسورة، فالتفنن والغرائبيات في آسيا القصوى، يتيح المهرجان سفراً بلا تأشيرة أو طيران إلى كافة أصقاع الأرض. يكفي التزود بتذكرة لا تكلّف شيئاً وبعض الفضول، وعند الجمهور الفرنسي، يوجد الكثير من هذه المادة التي اسمها فضول، وقد أضحى الضمانة لاستمرارية هذا المهرجان لأربعة عقود. وبفضله بات من الممكن لسكان هذه المدينة ومتتبعي مهرجانها، أن يطلوا على العالم ويطلعوا على الشاردة والواردة. الفضول في كليرمون فيران كنز لا يفنى، وهو الذي يدفع بالمشاهدين إلى الصالات بأعداد كبيرة. ثمة ترحيب بكل تعبير فني يكشف الإنسان في كل حالاته.

ثمة مَن يربط بين هذه الحاجة للإطلاع على ثقافات بعيدة، وحقيقة أن كليرمون فيران مدينة ذات عمق يساري. من دون أن ننسى أنها مدينة عمالية تحتضن مصانع إطارات "ميشلان" الشهيرة. هذا المصنع الذي يُحكى أنه بدأ يدعم المهرجان مالياً يوم أدركت إدارته أن العمال لا يتوقفون عن مناقشة الأفلام القصيرة خلال العمل. هذا الانحياز إلى قيم اليسار، يعطي المدينة طابعاً "نضالياً" خاصاً، بعيداً كل البعد عن مهرجانات السجادة الحمراء والسيارات الفارهة والفساتين الفضفاضة. فهنا كل شيء يجري في وقار بعيداً من التكلف. الحفلات البسيطة التي تقام على الهامش تدور حول بعض كؤوس النبيذ التي من شأنها تقريب الناس بعضهم من بعض. لا إسراف ولا تبذير في شيء. لا ينسى المهرجان أن الفيلم القصير صناعة محمولة على الظهر، وغالبية السينمائيين الشباب يعانون كي يمولوا أعمالهم. 

جو يساري

أدبيات اليسار طاغية على هذه المدينة وناسها. فكل مَن رفع صوته في قضية وجد آذاناً صاغية. وما إن يحتل أحد الفنانين الرصيف ليلقي أغنية أو يقدم عرضاً، يلتف حوله المئات. أما القضية الفلسطينية فلطالما كانت حاضرة عبر مناشير توزع أو لافتتات ترفع. 

في أحد العروض، صعدت مندوبة جمعية تضامنية مع فلسطين على خشبة المسرح تندد بمجازر إسرائيل في غزة، محملة فرنسا وبلداناً غربية المسؤولية فيها، داعيةً في الختام إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية. حتى صحيفة "لومانيتيه" التي أسسها جان جوريس، لها كشك ثابت على مدخل "بيت الثقافة" حيث تجري العروض الأساسية. من دون أن ننسى أن المدينة شهدت العديد من التظاهرات والاحتجاجات ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خصوصاً في العام 2019، يوم نزلت "السترات الصفر" إلى ميدان "جود" الواقع في ساحة المدينة. وعاد المتظاهرون الكليرمونيون إلى الشارع أخيراً للاحتجاج ضد مشروع رفع سن التقاعد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كيف يمكن لمهرجان سينمائي ألا ينجح ويستمر في بيئة حاضنة للفن والثقافة والانفتاح؟ فالصالات كلها تمتلئ بدءاً من ساعات الصباح حتى منتصف الليل. والأرقام التي تجاوزت الـ150 ألف مشاهد في السنوات الأخيرة، كفيلة لتبيان هذا الاهتمام المتزايد عاماً بعد عام، بالفيلم القصير الذي كان دائماً "الخروف الأسود" في المهرجانات الدولية، لكونه يعاني من الاهمال الجماهيري والتهميش الاعلامي، إلا في حال نال أحد هذه الأفلام جائزة مرموقة. 

اقرأ المزيد

المزيد من سينما