Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المعالم البريطانية في عدن... تراث إنساني يتهدده الاندثار (2 -2)

المدرسة "الأنغلو- جزراتية" والمعبد اليهودي الكبير "ماغين أفراهام" لم يعد لهما وجود

تسبّبت النظرة السلبية لمعالم عدن التاريخية في تسعينيات القرن العشرين إلى تدمير وطمس الكثير منها نتيجة ضعف الرقابة (اندبندنت عربية)

في العام 1994 اتخذت قوات علي عبد الله صالح طابعاً دينياً في حربها على شركائه الجنوبيين في تحقيق الوحدة اليمنية بقيادة "راديكاليين" إسلاميين مشهورين، عمدوا، عقب سيطرتهم على مدن الجنوب اليمني مباشرة، إلى طمس المعالم المدنية المتنوعة السائدة في عدن وكافة المحافظات الجنوبية حينها، وخصوصاً منها الدينية كالمعابد، والتراث الإنساني كالمتاحف وغيرها.

ولهذا فإن أبناء الجنوب اليمني يرجعون سبب طمس الهوية المدنية المتقدمة التي عاشوها خلال وبعد الاحتلال البريطاني، إلى تلك الحرب التي يصفونها بالظالمة وأقرتها كذلك وثيقة الحوار الوطني الذي جاء عقب الثورة الشعبية ضد نظام "صالح"، وعُقد في الفترة من مارس (آذار) 2013 إلى يناير (كانون الثاني) 2014، بمشاركة مختلف أطياف اليمنيين، ونصّت أبرز مخرجاته على عدم امتلاك أي طرف للسلاح الثقيل سوى الدولة، وتقسيم البلد إلى 6 أقاليم اتحادية، كما يعتبرها الكثير من الجنوبيين السبب الرئيس الذي يقف دافعاً خلف رفع صوت المطالبة بفصل جنوب اليمن عن شماله الذي أُعيد توحيده في العام 1990.

طمس المعالم

خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية"، يوضح الباحث اليمني، بلال غلام، أنه "منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، بدأت النظرة لتراث وتاريخ عدن تأخذ منحى سلبيا، وظهر العديد ممن نظروا إلى معالم وتاريخ عدن نظرة قاصرة وأنه يجب التخلّص منها، وقد تسبّبت هذه النظرة في تدمير الكثير من المعالم التاريخية المهمة فيها وطمسها نتيجة لضعف الرقابة وغياب النظام والقانون، وها نحن نتحسّر عليها حتى يومنا هذا". 

وهنا يورد جزءاً من تلك المباني التي تعرضت للطمس، ومنها المدرسة "الأنغلو- جزراتية"، الصرح التعليمي العريق الذي أنشأه السير هورمُسجي كوسجي دنشو، ابن رجل الأعمال الفارسي كوسجي دنشو، من تبرعات المحسنين من أبناء عدن عام 1920، لكنها تعرضت للتدمير بُعيد حرب صيف 1994. (وحرب صيف العام 1994 هي حرب أهلية بين قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح وحلفائه من جهة، والقوات الجنوبية الموالية للحزب الاشتراكي اليمني، بقيادة نائبه حينها، وشريكه في تحقيق الوحدة، علي سالم البيض، من جهة أخرى، واستمرت شهرين، وانتصر فيها صالح وحلفاؤه من الجنوبيين بقيادة الرئيس الحالي، عبد ربه منصور هادي).

ويوضح غلام أن هذه المدرسة بُنيت لأغراض تدريس أبناء الجالية الهندية اللغة العربية وغيرها من المواد العلمية.

ويضيف "في هذه المدرسة عمل الفنان أبو بكر سالم بالفقيه مدرساً للغة العربية، وتم تغيير اسم المدرسة إلى مدرسة الخليج الإمامي الإعدادية، ومن ثم إلى مدرسة الشهيد مدرم".

وعن نمطها المعماري أوضح أنها "بُنيت على الطراز الفيكتوري العتيق ذي الارتفاع العالي والمنافذ التي تسمح بدخول وخروج الهواء في كل أنحاء المدرسة، واستخدم فيها الحجر الشمساني المعروف في عدن (نسبة إلى جبل شمسان الذي تستخرج منه أحجار البناء ويطلّ على المدينة من جهتها الغربية) ليضفي عليها رونقا عدنيا خاصا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعما آل إليه حالها اليوم، يقول غلام "كغيرها من المباني التاريخية العريقة في عدن التي طُمست وهُدمت معالمها، وعلى أنقاضها تم تشييد مدرسة بمواد بناء رخيصة الكلفة وتغيير اسمها حتى لا يبقى للتاريخ أثر".

ونحن نعبر شوارع عدن لالتقاط صور لما بقي من الإرث البريطاني في هذه المدينة، نلحظ بجلاء الإهمال الكبير الذي طال جُلّ هذا التراث مع غياب تامّ لأبسط ملامح التجديد والترميم لتلك المباني التي طالها الخراب على نحو يصعب معه التفريق بينها والمباني المستحدثة التي باتت تحيط بكل مبنى فيها، إحاطة السوار بالمعصم.

كما يتملّك الزائر الاستغراب من عدم الاستفادة من هذه المباني ذات الطابع التاريخي الجميل الذي يسحرك بدهشته رغم تقادم السنين التي خدشت جماليات تلك الصورة التي تبحث عمن يزيل عنها غبار إهمال السنين.

يروي الباحث غلام أن من أهم المعالم الدينية التي طالها الخراب المعبد اليهودي الكبير "ماغين أفراهام" في حي كريتر، شارع السبيل (لم يعد له أثر)، إذ بُني هذا المعبد على أنقاض معبد يهودي سابق يعود تاريخ بنائه إلى العام 1856م.

وبحسب غلام، فإن "هذا المعبد يعد واحداً من أجمل المعابد اليهودية في العالم ويتسع لـ 1000 شخص، لكن تم الاستيلاء عليه وتدميره عقب حرب 1994م وأُقيم على أنقاضه مركز تجاري معروف".

ويستطرد "ولأن اليهود يحترمون ديانتهم وعقيدتهم فلم يتركوا حجارة المبنى بعد هدمه تذهب سُدى وحرصوا على نقلها بواسطة سفينة خاصة إلى إسرائيل".

ويختتم الباحث حديثه بالإشارة إلى ما تعرضت له "المدرسة الإسلامية التي عُرفت بمدرسة (شيرين بهاي لالجي) تيمناً بها، حيث قامت هذه المرأة العدنية المسلمة الفاضلة بحملة لجمع التبرعات لتؤسس هذه المدرسة عام 1947".

قبل وبعد

فتشنا عن مراجع تؤرخ حقبة الوجود البريطاني في عدن ووجدنا أحد الباحثين اليمنيين يقول في حساب (Aden City) المهتم بالعمارة العدنية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إن تصميم البيوت في عدن قبل الاحتلال البريطاني كانت تحكمه ثلاثة متطلبات رئيسة، هي: أن تكون

سهلة للدفاع متى ما تعرضت للهجوم، وأن تبتعد عن أشعة الشمس والرمل، وأن يكون هناك غرف خاصة جداً لنساء العائلة.

ويضيف "في الطابق الأرضي مدخل يؤدي إلى مخزن ويخصص للحيوانات، أما الغرف في الدور العلوي يصعد لها من سلم ضيق متعرج من دون نوافذ ومظلم جداً في أغلب الأحيان. في الطابق الأول عادة غرفة للضيوف وفي الطوابق العليا للبيت توجد غرف العائلة ومطبخ وفناء مفتوح".

ويتطرق إلى تفاصيل البناء العدني حينها بقوله "الحيطان سميكة والنوافذ صغيرة، أغطيتها مفتوحة وغير مزججة عموماً ومنخفضة جداً، بحيث يمكن رؤية خارج المنزل عندما يجلسون على الأرض وتساعد على إبعاد وهج الشمس".

ويشير إلى أن البناء متوقف على ثروة المالك وعدد الزوجات والأقرباء.

سيادة الطابع العسكري

أما عقب سيطرة الاحتلال البريطاني فيقول إن بنايات الجيش ذات الطابع العسكري أثرت بشكل واضح على الهندسة المعمارية المحلية التي كانت سائدة في ذلك الوقت.

ويتابع "كانت في بادئ الأمر طفيفة، لأن عدد السكان كان صغيراً وفقيراً، واعتمدت الحركة العمرانية في عدن بعد الاحتلال على الحركة التجارية في المدينة وعلى متطلبات الجيش البريطاني، ومع مرور الزمن توسعت هذه الحركة وخاصة في كريتر والتواهي (من أكبر أحياء عدن اليوم)، وتنوعت حسب تنوع البشر القادمين إليها بعد أن خططت المدينة بشكل صحيح، وبرزت أحياء جديدة وأسماء جديدة وكذلك الأسواق".

الطراز الفيكتوري

ويشير الباحث إلى "ظهور أبنية جديدة في العهد البريطاني مثل العمارات السكنية متعددة الطوابق والفلل الخاصة في معظم المستعمرات البريطانية وغير البريطانية، وأنه جرى الحفاظ على الأبنية التي أقيمت في هذه البلدان، وبخاصة القديمة من الطراز الفيكتوري، حيث تم المحافظة على هذه المباني حتى بعد رحيل المستعمر وحولت إلى متاحف أو فنادق أو مقرات للبلدية أو المحافظة أو بيوت للثقافة".

وخلص الباحث إلى أن الكثير من هذه المباني البريطانية "حُولت إلى مقرات حزبية وإدارات حكومية لبعض المؤسسات، والبعض الآخر صرف سكناً لأشخاص، وفي جميع الحالات لم يتم المحافظة عليها، وجرى تعديل وتكسير وإضافة وبيع الكثير منها، وضاع تاريخ المدينة والباقي فقد جماله وبُعده التاريخي ونمطه المعماري".

أمل في عيون الناس

وفي خضم البحث عن شيء من الأمل في أن يعاد الاعتبار لمعالم هذه المدينة، يتساءل الناس، هنا في عدن، عن إمكانية لعب دور للحكومة اليمنية أو منظمة "اليونسكو" والمؤسسات الدولية والإقليمية التي تعنى بالاهتمام ودعم الحفاظ على هذه المنشآت، للإسهام في ترميم تلك المعالم أو جزء منها، كتراث إنساني فريد، يجسد واحدة من أهم فترات التاريخ اليمني الحديث.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي