Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تظاهرات باريس تؤجل زيارة تشارلز الثالث والنقابات قد تفقد السيطرة

جاءت مقابلة ماكرون التلفزيونية كالنار في الهشيم بسبب استخدامه عبارات تصف المتظاهرين بالعصابات

ملخص

يرى مراقبون أن الحكومة #الفرنسية في مأزق، وهذا خطأ سياسي ارتكبه الرئيس #ماكرون الذي لم يستخلص العبرة من تظاهرات السترات الصفراء

اتخذت تظاهرات يوم 23 مارس (آذار) التي طافت العاصمة الفرنسية باريس وكافة المدن الأخرى منعطفاً جديداً، إذ بلغ التحرك الشعبي ضد تبني قانون تعديل النظام التقاعدي إلى مرحلة تحدٍ حاسم ضد حكومة إليزابث بورن والرئيس إيمانويل ماكرون. وبذلك يبدو النصف الأول من الولاية الثانية للرئيس الفرنسي أمام رهان صعب. أعمال عنف ومشاهد النيران تلتهم باب مركز عمدة مدينة بوردو، والإعلان عن يوم عاشر من التظاهرات يوم الثلاثاء 28 مارس، كانت وراء اتخاذ الرئاسة الفرنسية قرار تأجيل زيارة ملك بريطانيا تشارلز الثالث، فرنسا، التي كانت مقررة الأحد المقبل، لثلاثة أيام، وكان من المتوقع أن يتوجه خلالها إلى مدينة بوردو.

وفي تحول مقابل، أعلن ماكرون في مؤتمر صحافي عقده في بروكسل، حيث يشارك بالقمة الأوروبية، عن استعداده للاستماع إلى النقابات ومناقشة النقاط التي كانت محط جدل، في حين أنه كان رفض ذلك قبل أسبوعين. فما هي التحديات الماثلة أمام الحكومة الفرنسية في المرحلة المقبلة، وكيف وصلت الأمور إلى ما عليه اليوم؟ علماً أن العنف الذي ساد المشهد يوم الخميس 23 مارس، يمثل تحدياً ليس فقط للسلطة، بل للنقابات والمعارضة على حد سواء.

وشكل اليوم التاسع من الاستنفار الشعبي ضد قانون رفع سن التقاعد مناسبة للتعبير عن مدى السخط الشعبي ضد تبني القانون، بموجب المادة 49.3 (التي تسمح له بتبني مشروع التعديل دون تصويت البرلمان)، بخاصة أن محاولة حجب الثقة عن الحكومة من خلال اقتراحين تقدمت بهما مجموعة "ليوت" المستقلة، ومجموعة حزب "التجمع الوطني" عن أقصى اليمين، باءت بالفشل بعد أن نقصها 9 أصوات. استخدام المادة 49.3 أشعل الشارع الفرنسي الذي وصف الاستعانة بها كخرق فاضح للحياة الديمقراطية وتعبيراً عن تشبث الحكومة وفرض إرادتها وقوانينها بالقوة، إذ كانت هذه المرة 11 التي تستعين بها رئيسة الحكومة إليزابث بورن هذا العام.

بوادر مظاهر العنف بدأت مع تبني ذلك القانون والمقابلة التي أدلى بها الرئيس كانت الفتيل الذي أشعل برميل البارود.

وكان الرئيس ماكرون قد اعتمد الصمت طوال الفترة التي شهدت مناقشات حامية بين الأحزاب المعارضة والنقابات والحكومة، وهو خرج عن صمته عشية موعد التظاهرات في 22 مارس الجاري، حيث أجرى مقابلة مع قناتي التلفزيون الفرنسي الأولى والثانية، جدد خلالها تصميمه على عدم الانصياع لمطالب النقابات. وجاءت مداخلته كالنار في الهشيم بسبب استخدامه عبارات تصف المتظاهرين بالعصابات، وشبه ما يحصل في فرنسا بما جرى في الولايات المتحدة، حين اقتحم مؤيدو الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب مبنى الكابيتول في واشنطن، وفي البرازيل، حين اقتحم مناصرو الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، بعد فوز الرئيس الحالي لولا دا سيلفا، البرلمان والمحكمة العليا. ووصف جان لوك ميلانشون، رئيس حزب "فرنسا المتمردة" (أقصى اليسار)، وصف تعبير ماكرون بأنه كمن "صب غالوناً من الزيت على النار".

العنف وكثافة المشاركة

اليوم التاسع من التعبئة اتصف بالعنف، وشهد بروز عاملين أساسين: كثافة المشاركة وظهور العامل الشبابي بين المتظاهرين، وهي فئة كانت غير ظاهرة جلياً في التظاهرات السابقة. العنصر الثاني هو المنحى العنيف الذي اتخذته المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين، حيث بلغ عدد الجرحى في صفوف عناصر الأمن 441 جريحاً منذ بدء التظاهرات، إضافة إلى استجواب 467 متظاهراً.

يوم 23 مارس كان موعد التظاهرة التاسعة، وجاءت غداة المقابلة الرئاسية، وكشفت الاحتجاجات عن نقلة جديدة تمثلت بكثافة المشاركة وخروج فئة عمرية لم تشهدها الاحتجاجات السابقة بهذا المستوى تمثلت بانضمام شريحة واسعة من الشباب إلى التظاهرات كطلاب الثانويات العامة والجامعات، كما توسعت حركة الإضرابات التي شملت القطاع العام والطاقة. أما الخرق الثاني فتمثل في مستوى العنف الذي بدأت بوادره تلوح منذ تبني القرار تحت البند 49.3.

واستقطبت التظاهرات في العاصمة باريس 119 ألف متظاهر، بحسب مصادر وزارة الداخلية، فيما قدرتها نقابة العمال العامة "سي جي تي" بـ800 ألف، في حين قدرت عدد المتظاهرين في عموم البلاد بـ3.5 مليون شخص.

وتكررت مشاهد العنف في مدن عدة مثل لوريان ونانت ورين وبوردو وليون وباريس، لكنها لم تكن مفاجئة، فبوادرها بدأت تتجلى منذ إعلان رئيسة الوزراء الفرنسية تبني القانون تحت البند 49.3. بعدها كانت نقطة انطلاق التجمعات الاحتجاجية التلقائية الليلية. في باريس مكان اللقاء، كان ساحة الكونكورد، وهي نقطة مركزية في العاصمة كونها مقابلة لمجلس النواب وعلى مقربة من قصر الإليزيه.

الخروج عن السيطرة

واستشعرت النقابات والأحزاب إمكانية خروج التظاهرات عن السيطرة، وبخاصة مع وجود 1500 عنصر من "السترات السوداء" الـ"بلاك بلوك"، مما جعل التدابير التي اتخذتها السلطات لحماية التظاهرات غير كافية، وهذا التحول سيضع النقابات أمام عبء أكبر في الأيام المقبلة، حيث تم الإعلان عن يوم تعبئة للثلاثاء المقبل 28 مارس.

مشاهد إضرام النيران والعنف الذي طاول أفراد الأمن ومحاولات تفريق المتظاهرين بخراطيم المياه، وأعمال عنف قابلها عنف مضاد من قبل عناصر الشرطة، ذكرت بفترات عصيبة شهدتها فرنسا في فترات مختلفة من انفجار الضواحي في عام 2005 إلى "السترات الصفراء" وتظاهرات عامين 2010 و2017. واعتبرت النائبة عن "فرنسا المتمردة" راكيل غاريدو أن كلمة ماكرون هي التي تسببت في أعمال العنف. أما فرنسوا روفان النائب عن "فرنسا المتمردة" أيضاً، فدعا، اليوم الجمعة، في مقابلة إذاعية، الرئيس ماكرون، إلى تعليق القانون مطالباً اياه بأن "يستوحي دقيقتين من الشيراكية"، نسبة إلى قانون كان قد اعتمده الرئيس الراحل جاك شيراك وأثار غضب الشباب، وكان يحمل اسم "أول عقد عمل"، يشجع المؤسسات على توظيف المتخرجين الجدد بمعاشات ضئيلة، فتم التخلي عنه بعد تبنيه. وطالب رئيس نقابة "أس أف دي تي" لوران برجيه أيضاً بتعليق القانون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحول الجدل

هذا التحول يضع الحكومة أمام احتمالات عدة، بخاصة مع الدعوات المتتالية من النقابات لاستقالة الحكومة وحل البرلمان، إلى جانب الدعوة إلى استفتاء شعبي. فما هي الآليات الدستورية لكل من هذه الاحتمالات؟

ويقول أوليفيه روكان الباحث في معهد سيرسا للدراسات الإدارية والأزمات في جامعة باريس-2 بانتيون، إنه من "الصعب استشراف جميع الاحتمالات أو تصور ما يمكن أن يكون عليه المشهد السياسي في الأيام المقبلة". ويضيف أن "هناك احتمالات عدة، منها أن العنف قد يحمل السلطة على تقديم سيناريو تكون فيه الضامن الأساسي للأمن، وتحاول بذلك استعادة تأييد الشعب، لكن ذلك مستبعد، إذ إنها ستجد صعوبة بتهدئة الصراع الاجتماعي، في حال لم تتوصل إلى اتفاق مع النقابات، وأنا لا أرى كيف يمكن للسلطة أن تخرج من الأزمة، إذ لم تعط إشارات لفتح مفاوضات ومشاورات مع النقابات والمجتمع المدني".

وحيال ذلك، وعلى ما تبدو عليه الحالة بعد الدعوة إلى يوم عاشر من التعبئة والتظاهرات في 28 مارس، فهل يمكن لاستمرار الاحتجاجات أن يؤدي إلى خطوات دستورية كتعديل الحكومة أو حل البرلمان؟

على ذلك يجيب أوليفيه روكان، بأن "استمرار التعبئة مع الوقت، وحتى ولو كانت نسبة المشاركة أقل مما هي عليه يوم الخميس 23 مارس، فإن ذلك سيكون قاسياً. وتعديل الحكومة أو حل البرلمان هي أدوات يمكن أن تستخدمها السلطة لإعادة تمكين شرعيتها، لكن ذلك لن يؤتي ثماره ويبقى محدود الأثر في حال لم يتم تعديل الحكومة بالاتفاق مع حزب الجمهوريين، كما أن حل البرلمان سيفقد الحكومة أي غالبية، وسيكون من الصعب جداً تشكيل حكومة جديدة".

ويخلص روكان إلى أن "الحكومة في مأزق، وهذا خطأ سياسي ارتكبه الرئيس ماكرون الذي لم يستخلص العبرة من تظاهرات السترات الصفراء".

الرئيس ماكرون متمسك بالإصلاح الذي كان شعار حملته الانتخابية، إذ صرح خلال المقابلة بأن هذا التعديل لا يستهويه، وإن كان عليه الاختيار بين شعبيته والمصلحة العليا للبلاد، فهو سيختار الثانية، مكرراً أن "النظام القائم على التكافل بين الأجيال، حيث يسهم الجيل الشاب بتمويل صندوق تقاعد المسنين، لم يعد في حال توازن نظراً إلى تزايد عدد المتقاعدين في العقدين المقبلين وتباطؤ الولادات وخلل الهرم السكاني، إضافة إلى متطلبات الأسواق المالية والدين العام وتهديد الأسواق بعدم إقراض فرنسا بنفس مستوى الفائدة الذي تستدين على أساسه من الأسواق أي بنسبة تعادل الـ3 في المئة".

ويرى أوليفيه روكان أن "الحجة التي تذرع بها الرئيس لا يمكن فهمها من جانب فئة كبيرة من المواطنين، فهو يصرح بأن التعديل هو بهدف توفير وتحصيل 10 مليارات يورو، في الوقت الذي يمكنه تحصيل هذا المبلغ ببساطة عبر زيادة الضريبة على المؤسسات الكبرى التي أعلنت عن أرباح هائلة. والمفارقة أن شركات الغذاء وشركات الطاقة التي كانت من بين الشركات التي أعلنت عن أرباح خيالية في الوقت الذي لم تعد فيه شريحة واسعة من المواطنين قادرة على تأمين غذائها أو دفع فواتير الطاقة".

التوجه نحو الاستفتاء المدني

وفي هذه المرحلة فإن نص القانون، المثير للجدل، بات اليوم أمام المجلس الدستوري الذي سينكب على دراسته بالتفصيل، تبعاً للأحكام الدستورية، فإما يقترح حذف بعض المواد، أو يتبناه أو يرفضه كلياً.

في السياق، اعتبر برنار فيفييه، مدير المعهد العالي للعمل، أن "ما يحصل اليوم في التظاهرات يحمل خطر أن تفقد النقابات السيطرة وهذا يترك المجال أمام حركة فرنسا الأبية لاحتلال الميدان".

أما في ما يتعلق بالاستفتاء المدني، وهو طلب تقدمت به مجموعة من النواب إلى المجلس الدستوري، فسيكون القانون سارياً في حال تم تبنيه من قبل المجلس الدستوري إلى حين اكتمال عملية إجراء الاستفتاء.

وأشار فيفييه إلى أن "هذه العملية طويلة فهي تتطلب توقيع 185 نائباً أو عشر عدد الناخبين، مما يعني 4 ملايين و800 ألف ناخب. ويجب إطلاق العملية قبل تبني النص. إذاً هناك ضوابط زمنية محددة".

ورأى فيفييه أن "المشهد اليوم يتلخص كالتالي: الحزب الاشتراكي الذي اضمحل وأصبح تحت جناح أقصى اليسار ميلانشون، لكن الاثنين سيتخاصمان كون أقصى اليسار هو أقرب إلى أقصى اليمين مما هو إلى الحزب الاشتراكي. أما اليمين الجمهوري فهو بدوره في حالة تشتت، بعضهم انضم إلى أقصى اليمين أو إلى حزب أوريزون، الذي أسسه رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب". وأضاف "إذاً، نحن أمام مشهد سياسي يطغى عليه تفرق اليمين فيما أقصى اليمين يصعد بهدوء ويضاعف مؤيديه من دون إحداث ضوضاء، فهو يعكس صورة الحزب الرصين، الحذر، والذي يستحق الاحترام، فيما يعلو صوت (فرنسا المتمردة) الذي يخفف من صدقيته، لكنه في المقابل يثبت وجوده على الأرض وفي الفضاء الإعلامي. فهذا التعديل لا يحظ بالشعبية، لكن الميزانية في عجز، وتبلغ مديونية فرنسا 111 في المئة من الناتج المحلي الخام".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات