Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الزبدة كاملة الدسم: ثورتي على ثقافة الحميات الغذائية

إذا نشأتم في حقبة التسعينيات، فمن المحتمل أنكم ما زلتم تتعاملون مع رواسب ثقافة الحميات الغذائية. بالنسبة لي، إنها الزبدة الحقيقية في مواجهة المواد القابلة للدهن المزيفة

"كنت في عقدي الثالث لما أدركت أنني أمضيت حياتي كلها وأنا آكل الزبدة المزيفة" (غيتي)

ملخص

 من المحتمل أنكم ما زلتم تتعاملون مع رواسب #ثقافة الحميات الغذائية إذا كنتم نشأتم في #حقبة التسعينيات. بالنسبة للوسي ثاكراي، انحصرت المسألة في مواجهة بين الزبدة الحقيقية ومواد الدهن المزيف

متى كانت آخر مرة شعرت فيها بأنك سعيدة حقاً؟

في السلسلة التلفزيونية الكوميدية الموسيقية الممتازة "الخليلة السابقة المجنونة" Crazy Ex-Girlfriend للمؤلفة ريتشل بلوم، تجد بطلتنا ريبيكا نفسها أمام هذا السؤال الذي ترشقها به حملة إعلانية متكررة. يروج الإعلان لمادة قابلة للدهن شبيهة بالزبدة، فيظهر تكومها حول السكين بينما يحاول مؤلفو الإعلان ربطها بالسعادة. بطريقة ما، نحن المشاهدين، نعرف أنها ليست زبدة حقيقية بل إنه مزيج مصنوع من زيت نباتي وخلطة من المواد الحافظة. إنها ذلك النوع من "الزبدة" الذي كنت أجده دائماً في ثلاجة العائلة عندما كنت طفلة.

كنت في عقدي الثالث لما أدركت أنني أمضيت حياتي كلها وأنا آكل الزبدة المزيفة. لقد نشأت على خلفية ثقافة الحميات الغذائية الشاملة التي لا ترحم والتي كانت سائدة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، لما كانت منتجات الحمية مثل مشروب الكولا دايت وبسكويت رايفيتا ورقائق حبوب الإفطار الخفيفة والزبادي منزوعة الدسم، تسيطر على الفواصل الإعلانية في التلفزيون. أثناء حضورنا دروس الرياضة والباليه والسباحة، كان الجدل يدور بين الأمهات حول الوجبات الخفيفة المقبولة التي تتضمن كعك الأرز والجبن القريش. كانت أسرار الحميات الغذائية للنجوم تهيمن على صفحات مجلات القيل والقال الأسبوعية. قبل أن أتمكن من قيادة السيارة أو الإدلاء بصوتي في الانتخابات، شاهدت مونيكا وريتشل بطلتي مسلسل "فريندز" Friends تناقشان فكرة تناول الآيس كريم بعد الخروج من علاقة عاطفية. تقول مونيكا: "بمجرد أن تبدأ علاقاتك بالانهيار باستمرار، عليك اختيار المثلجات خالية الدسم". كان الشعور بالذنب يتغلغل في الأنظمة الغذائية للنساء من حولنا.

كانت الحملات التسويقية الواعدة بحياة أخف تراقب قوائم التسوق الخاصة بنا، وتجعلنا ندقق في كل وجبة خفيفة ومكون غذائي نختاره، وتحثنا على اتخاذ القرار الصحيح، وانتقاء الأغذية الخفيفة في حين لم يكن الدلال والمتعة جزءين من المعادلة. أينما التفت، كنت ستجد "ويت وتشرز" Weight Watchers، وهو نظام له مريدون كثر ينادي بحساب السعرات الحرارية يستطيع حتى الأطفال الصغار فهمه بسهولة من اسمه. حيثما وليت وجهك ستجد القلق والحرمان ملفوفين بغلاف "الخيارات الجيدة".

الزبدة المغشوشة التي أتذكر وجودها دائماً في ثلاجة عائلتي كانت من علامة "لا أستطيع تصديق أنها ليست زبدة"، وهي مادة قابلة للدهن في علبة باللونين الأزرق والأصفر. لكن الأصدقاء والأقارب كانوا يتناولون أنواعاً أخرى مثل فلورا وكلوفر وسانت إيفيل غولد وأتيرلي باترلي. طالما أنها لم تكون مصنوعة من حليب الأبقار الخالص كما كانت الزبدة تصنع لقرون عدة، فلا بأس بأي نوع على ما يبدو. كانت صور الطبيعة اللطيفة وأزهار عباد الشمس والمروج الخضراء مطبوعة على تلك العلب التي تحتوي مواد مختلفة من بينها زيت النخيل والأصباغ الاصطناعية والمواد الحافظة.

على هذا النحو نشأت وأنا أتناول شبيه الزبدة، النسخة الأخف، المزيفة. دهنتها عدداً لا يحصى من المرات عل شرائح الخبر المحمص، وقضيت أعوام دراستي الجامعية وأنا أستخدمها لقلي البيض، ثم أغرف كميات صغيرة منها لوضعها على البطاطس المشوية عندما أعود إلى المنزل بعد العمل لما كنت في العشرينيات من عمري. إنها إثبات حقيقي على قوة التعود في تسويق المواد الغذائية: إذا تمكن منتجك من الوصول إلى ثلاجة عائلة واحدة فستشتريه أجيال من أبنائها بلا تفكير. لكن هذه الدورة انتهت عندي قبل ثلاثة أعوام، عندما أغرمت بالزبدة الحقيقية: الزبدة الأصلية التي لا تخجل من دسمها ومذاقها الكريمي.

كان حذري من الزبدة يتسلل على مر السنين.  بحكم عملي صحافية تكتب عن السفر، جربت الزبدة المدخنة والزبدة المخفوقة في المطاعم الفاخرة، وقدمت لي الزبدة الفرنسية الكريمية مع رشة أنيقة من الملح البحري. جعلت المطاعم الزبدة الحقيقية جزءاً أساسياً من الأطباق التي تبدعها. فجأة، وبدلاً من الشعور بالذنب، رحت أربطها بالرفاهية واعتبرتها دلالاً أستمتع به بين حين وآخر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثم انتشر وباء كورونا، وتحولت علاقتي بالزبدة من عرضية إلى أسبوعية. ربما كان السبب هو مسيرة الموت التي كنت أشاهدها في الأخبار يومياً، أو غياب المساعي الأخرى خلال فترات الإغلاق، لكن شيئاً ما حصل عام 2020 جردني من الاكتراث نهائياً بالأطعمة "المختارة بعقلانية". ربما كان العيش مع صديقة جيدة استغلت أيام الإغلاق في صناعة الخبز المخمر الممتاز في مطبخنا – ذلك النوع من الخبز الذي تشعر بصراحة أنك تهينه إذا دهنته بشيء من قبيل فلورا. بغض النظر عن السبب، في مرحلة ما في تلك الفترة، اشتريت قطعة كبيرة مغلفة بورق الألمنيوم من الزبدة الجيدة، المشبعة بالكثافة والمثقلة بالوعود المحرمة.

بعد  أعوام من الإنكار، أصابني الحب من أول دهنة. أصبحت الزبدة عادة، تضفي لمسة حريرية على البيض المقلي وتذوب بطريقة لا تقاوم فوق شريحة خبز خرجت من التحميص للتو. كانت تغلف حبات البطاطس الصغيرة بطبقة ذهبية مالحة تحت وريقات النعناع الممزقة، كانت تذوب وتغوص على هيئة دوائر فوق مسام القطايف الدافئة قبل أن تتجمع في تلك الفتحات.

بالتزامن مع اليقظة (حبذا لو تقرأوها: الملل) التي صاحبت ذروة وباء كورونا، أصبحت مدركة تماماً لمدى المتعة التي تضفيها قطعة صغيرة من الزبدة على صباحي. لا شيء ينافس بساطة فنجان القهوة السوداء شديدة السخونة وشريحة من الخبز المخمر مدهونة بزبدة حقيقية لا لبس فيها. إنه طقس أوروبي وأنيق وربما لا يكون جيداً جداً بالنسبة لي.

ونظراً إلى توافر الوقت الكافي لأمعن التفكير في الأمر، شعرت فجأة بالغضب لأنه تم فصلي عن الزبدة لفترة طويلة بسبب القدر وثقافة الحميات الغذائية وأصحاب النفوذ في بعض شركات التسويق البارزة. لم تتح لي الفرصة لأحبها قبل أن أبدأ باختيار "النسخة الأخف" – لم يكن أمامي سوى الخيار الأخف. لا أحد في محيطي كان يشتري شيئاً آخر. (إذا كنت تتساءل عن سبب احتفاظ والديك بطبق زبدة خزفي يحتوي على الزبدة الحقيقية خارج الثلاجة، فأود أن أخبرك أنك تنتمي إلى عائلة ثرية).

الحقيقة هي أن عد السعرات الحرارية والذعر من الكوليسترول هما عنصران فقط في أسلوب الحياة الصحي. يمكن تلخيص الصراع بين الزبدة الحقيقية والنسخ المقلدة بأنه مواجهة بين الدهون المشبعة (النوع الذي يرفع مستويات الكوليسترول لدينا) والدهون غير المشبعة – لكن عدداً من أنواع الزبدة المقلدة التي انتشرت في الثمانينيات والتسعينيات تحتوي على دهون غير مشبعة،  وأشارت بعض الدراسات التي أجريت منذ ذلك الحين إلى أن الاختلاف ضئيل. أنا أتبنى أسلوب حياة نشطاً، لا أدخن ولا أتعاطى المخدرات ولا حتى أضيف الحليب أو السكر إلى قهوتي – فألا يسمح لي بكمية قليلة من الدهون المشبعة على الخبز المحمص إذا كان ذلك يشعرني بالسعادة؟

ربما سبقت الموجة، لأن موضة الزبدة الأصلية عادت على ما يبدو. في الخريف الماضي، أصبحت ألواح تقديم الزبدة اتجاهاً سائداً على "تيك توك"، حيث يقوم المؤثرون في مجال الطعام، من الأشخاص المولودين بين تسعينيات القرن الماضي ونهاية العشرية الأولى من القرن الحالي، بدهن تلك الألواح بزبدة بنكهات مختلفة، وإضافة الأعشاب أو الزيتون أو الزهور الصالحة للأكل. حتى إن الشيف يوتام أوتولينغي التزم إظهارها على أغلفة مجلات الطعام. في عام 2016، أعلن بحث أجرته جامعة تافتس في بوسطن أن الزبدة "[ليست] ضارة أو مفيدة بشكل كبير" – إنها ليست طعاماً صحياً لكنها غذاء محايد، متعة غير مؤذية.

هذه الأيام، لا أكلف نفسي حتى عناء محاولة التفكير في وضع مادة قابلة للدهن خفيفة الدسم على الخبز المحمص. بدلاً من ذلك، أحتفظ بكمية كبيرة من الزبدة كاملة الدسم في متناول اليد لاستعمالها في كل شيء من الإفطار وحتى الصلصات، ولا أتردد أبداً في استخدامها للتغميس. أنا لا أرش كمية تكاد لا ترى من الزيت النباتي على المقلاة كي أطهو فيها – وهو بديل الزبدة الأكثر إثارة للرعب. (بالتأكيد زيت الزيتون هو الأقل فظاعة من بين البدائل). الحياة قصيرة، وإذا كان دلالي الضئيل هذا ومتعتي فائقة الصغر بالزبدة الكريمية سيجعلانها أقصر قليلاً، فليكن الأمر كذلك. إذا صدمتني حافلة غداً، فلن أكون نادمة على شيء. من دون الزبدة، ربما سيمر أمام عيني شريط كامل لحياتي المحرومة من الدسم، بما فيها صور بخاخات زيت القلي الخفيف، واللبن الزبادي عديم الطعم والقوام والسندويشات الجافة.

إذا كان الناس يودون قول شيء في هذا الاختيار، فسأكرر بالضبط ما فعلته عندما رأيت الأخبار التي تقول إن إحضار كعكات عيد الميلاد إلى أماكن العمل "يضر بصحتنا مثله مثل التدخين السلبي". سأصم أذني وأغلق الصفحة وأنسحب من النقاش وأواصل الاحتفال بأعياد الميلاد بقطع كبيرة من الكعك. أنا أرفض الرجوع إلى الماضي، أرفض تقبل أنه لا يمكن تناول وجبة الإفطار من دون نفحة من الشعور بالذنب.

متى كانت آخر مرة شعرتُ فيها بسعادة حقيقية؟ عندما كنت أدهن الزبدة على الخبز المحمص وأقطعه إلى أصابع، كل واحد منها يمثل رفع إصبعي الوسطى في وجه ثقافة الحميات الغذائية التي كانت سائدة في طفولتي.

© The Independent

المزيد من منوعات