Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسباب تدفع الغرب إلى القلق من قمة بوتين وشي جينبينغ

تعتبر هذه الزيارة فرصة فريدة من نوعها ومهمة إذ تشكل مفترقاً لانتقال مركز جاذبية العالم بجدية من الغرب إلى الشرق

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جينبينغ يجريان محادثات في موسكو (فلاديمي أستابكوفيتش/سبوتنيك/أ ب) (أ ب)

ملخص

#زيارتان متوازيتان، وموقفان معاكسان. هل تغير #ميزان_القوة على #الساحة_الدولية؟

لم تكن القمة الروسية الصينية هذا الأسبوع خارجة عن المألوف في حد ذاتها، حيث سبق لفلاديمير بوتين وشي جينبينغ أن اجتمعا ضمن إطار لم يكن رسمياً إلى هذا الحد. وقد أرسيا، على ما يبدو، علاقة ودية وصريحة، وفي المؤتمر الصحافي الختامي، وصف بوتين المحادثات بين الرئيسين بأنها "صريحة ومنفتحة وودية".

ولكن إن ألقينا نظرة إلى المسار التاريخي الأبعد والأقدم، لرأينا أن هذه الزيارة قد تمثل في بساطة فرصة مهمة وفريدة من نوعها، إذ تشكل مفترق طرق لانتقال مركز جاذبية العالم بجدية من الغرب إلى الشرق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إنه تحول لطالما ترقبته الولايات المتحدة وهابته، والحال أن سلوك واشنطن تحديداً اتسم بالحذر، إذ شرعت في مراقبة مجرى الأحداث عن بعد. ويمكن القول حتى إن هذه القمة ضمت بطريقة أو بأخرى ثلاثة أطراف، وإن كان الطرفان المشاركان فيها قد تصرفا وكأن الولايات المتحدة ليست موجودة. وصحيح ربما أن إدارة مسرح الأحداث صممت ليتفاعل الطرفان المشاركان في ما بينهما، لكن حجم الإعلام، وارتفاع الأبواب، وطول السجاد الأحمر، كلها عناصر لم تصممها موسكو لإبهار الصين فحسب، بل أيضاً لتعطي العالم الغربي انطباعاً بمتانة العلاقات بين روسيا والصين.

ولا بد من التشديد على أن هذا ليس تحالفاً، أكان عسكرياً أو غيره، والأرجح ألا يصبح واحداً يوماً. وكذلك، لا ينبغي اعتبار بوتين وشي جينبينغ صديقين مقربين، على رغم من تصويرهما يوماً وهما يعدان فطائر البانكيك معاً، ومن كونهما بالعمر ذاته تقريباً، إذ يبلغ عمر بوتين 70 عاماً، وشي جينبينغ 69. والواقع أن علاقتهما الهادئة هذه تأتي بالمنفعة المتبادلة وتفيد مصالح كل منهما، إلى جانب كونها علاقة شهدت انقلاباً خفياً للموازين والمصالح، على رغم من كونها متزنة إلى حد كبير.

لقد بذلت روسيا قصارى جهدها لتنظيم استقبال شي جينبينغ، بدءاً بوصوله إلى المطار، مروراً بالوليمة المعدة لأجله، وانتهاء بتوقيع البيان المشترك في مؤتمرهما الصحافي، الذي جاء في نهاية جدول أعمال الاستقبالات. وقد ورد في البيان المشترك المذكور بأن الرئيسين يفترقان بعد أن حققا الكثير مما أراده كل طرف من الآخر.

حصل بوتين على الصور التي كان يريدها. استضاف زعيم دولة قد لا تكون الأكثر نفوذاً في العالم، لكن من المرجح أن تصبح كذلك برفة جفن. وقد حملت الصور، والراحة النسبية الظاهرة على تعابير وجه بوتين إلى جانب شي جينبينغ، رسالة إلى العالم، مفادها أن أي طموح غربي بنبذ روسيا بعد احتلالها لأوكرانيا لم يأت بأي نتيجة.

بالنسبة إلى شي جينبينغ، كانت القمة بمثابة فرصة يثبت فيها للعالم أن لديه أصدقاء. والحال أن الصين عانت بسبب كمية متزايدة من الخطابات العدائية بحقها من الولايات المتحدة، كان آخرها بسبب حادثة منطاد التجسس.

أما الأولوية الثانية بنظر الطرفين، فتمثلت بالعلاقات التجارية والاقتصادية. فالسوق الصينية، لا سيما سوق الطاقة، تحولت إلى نعمة بنظر روسيا، عقب إقصاء هذه الأخيرة من معظم القطاع التجاري الغربي، بالتالي فإن توقيع اتفاقيات في موسكو... يتم تنفيذها مستقبلاً، حتى في سياق دولتين كبيرتين جداً، يشكل التزاماً كبيراً بزيادة الصفقات التجارية، بما يشمل صفقات النقل واللوجيستية والطاقة. إلا أن النية موجودة، ويمكن أن يحصل تكامل مفيد بين النظامين الاقتصاديين إن اختار الطرفان ذلك.

وفيما تشكل التجارة أولوية فعلية للطرفين، إلا أنه يمكن النظر إليها على أنها نشاط يسمح بتحويل الأنظار عن العلاقات السياسية التي يمكن أن تفضح توترات بين الطرفين، لو لم تغط الصفقات التجارية عليها إلى حد كبير. وهنا تحديداً يأتي دور أوكرانيا. فخلال السنة التي تلت الاجتياح الروسي، بقيت بكين تتأرجح بين رأي مناهض للاجتياح باعتباره انتهاكاً للقوانين الدولية، ومعترض على الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، وبين عدم رغبتها بزعزعة علاقتها وتقويضها مع روسيا.

وما يجمع بين الصين والهند ومجموعة من الدول الأصغر حجماً المعروفة باسم "الجنوب العالمي" هو أنها امتنعت عن الإدلاء بصوتها في جلسات التصويت المنددة بروسيا في الأمم المتحدة، كما خشيت الصين أن يؤدي انتشار العدائية -من روسيا والولايات المتحدة على حد سواء- والخطر الذي تشكله على سلاسل الإمدادات والمحادثات الدولية- إلى اللجوء إلى الأسلحة النووية. تلك هي الأسباب التي ربما حثت الصين على صياغة "ورقة الموقف" المؤلفة من 12 بنداً حول السلام في أوكرانيا، وقد نشرتها بمناسبة الذكرى الأولى للاجتياح.

أما الخبر السار -وهو خبر سار بنظر الذين يؤمنون مثلي بأن نهاية سريعة للاقتتال في أوكرانيا ستأتي بفوائد لأوكرانيا أيضاً- فهو أن خطة السلام الصينية لا تزال قائمة، ويبدو، ضمن بعض الحدود الحذرة، أنها تحظى بتأييد بوتين، هو الذي قال إن "بنوداً كثيرة" من الخطة يمكن "اعتمادها كأساس لتسوية النزاع". وهنا، يجدر التشديد أيضاً على أن كييف لم ترفض هذه الخطة (حتى الآن).

لكن سؤالاً يبقى قائماً عن مدى واقعية هذه الآفاق، فبموازاة حفل الاستقبال في موسكو، سمعت أصداء جلبة عالية، صدرت بمعظمها عن واشنطن، حيث أطلقت تحذيرات من أن الزيارة قد تكون بمثابة فخ للدفع بكييف للجلوس إلى طاولة المفاوضات، خلال مرحلة وفي ظل ظروف مواتية لروسيا. ونتج عن ذلك ما قد يبدو للبعض كتفاوت غريب، حيث تدعو مصالح الغرب لاستمرار الحرب، في حين يبذل الشرق، الذي يتخذ شكل روسيا والصين، قصارى جهده لإحلال السلام.

من بين الأسئلة البديهية المحتملة سؤال عن مدى رغبة بوتين الفعلية بإحلال السلام، وعن شروط السلام التي ستقبل بها روسيا. وهو كان يبدو منفتحاً على إجراء محادثات سلام عشية زيارة شي جينبينغ، بحسب ما أورده في مقابلة مع جريدة "بيبولز ديلي" People"s Daily الصينية الرئيسة الناطقة باسم الحكومة، مع أنه ندد بمطالبات أوكرانيا باستعادة جميع الأراضي التي كانت تحت سلطتها قبل سنة 2014. وانطوت اللغة التي استعملها في المؤتمر الصحافي المشترك على ازدياد طفيف في مستويات المرونة - إذ تحدث عن تسوية، "ما إن يبدي الغرب وكييف استعدادهما لها"، مع أن الوقت وحده كفيل بإخبارنا إن كان ذلك صحيحاً فعلاً. وعن السؤال حول ما إذا كان هذا التغير الظاهري ناتجاً عن إقناع صيني، فقد لا نعرف الجواب أبداً.

في الوقت الراهن، تبقى جهود السلام الصينية صامدة، حيث إن الولايات المتحدة لم تقوضها حتى الساعة، وإن كان من الواضح أنها تتمنى ذهابها في مهب الريح، وموسكو لم تجهضها، وسط مساعيها التي قد تهدف -فقط- إلى إيجاد منفذ للهرب. وقد يكون مسار هذه الجهود مرهوناً بكييف، وسط تقارير تفيد بأن شي جينبينغ يعد اتصالاً "عن بعد" مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

إلا أن بقاء الخطة صامدة، وعدم إيحاء روسيا أو كلامها عن إرسال أسلحة صينية إلى روسيا يعطي انطباعاً بأن قوة روسيا ضعفت قليلاً. ويبدو أن لغة الجسد تشدد على ذلك. فمع أن بوتين كان المضيف ومنظم المناسبة، فقد بدا وكأنه يحترم نسبياً رغبات ضيفه الذي بدا أقوى وألطف منه. ولم يظهر للعلن إلا تلميح بأن بوتين بحاجة إلى هذه الزيارة أكثر بقليل من شي جينبينغ، وبأن دولاب التقدم في السن، وكذلك النفوذ، ربما بدأ يدور.

لعل ميزان القوى بدأ يتبدل من الآن فصاعداً، وليس فقط من الغرب إلى محور من بلاد الشرق، لكن من روسيا إلى الصين ضمن هذا المحور. بنظر روسيا، سيبدو أي حل سلمي في أوكرانيا كالمرحلة الأخيرة من تفكك الاتحاد السوفياتي الذي انتهى منذ وقت طويل، بالتالي لم يكن كلام شي جينبينغ عشوائياً، عندما قال، بينما كان وافقاً إلى جانب بوتين في موسكو، إن "الصين تقف على الجانب الصحيح من التاريخ".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء