Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إفطار جيفرسون... كيف اتسع الاعتراف برمضان في أميركا؟

المدارس وأماكن العمل أصبحت أكثر تفهماً لمطالب مسلميها وفي الجيش قد لا يجدون الفرص الملائمة للصيام

مسجد الملك فهد في مدينة كولفر بولاية كاليفورنيا الأميركية (أ ف ب)

ملخص

وجود الإسلام في أميركا الشمالية يعود إلى تأسيس #الأمة_الأميركية حيث استقبل الرئيس #توماس_جيفرسون أول إفطار في البيت الأبيض عام 1805

لم تكن تهنئة الرئيس جو بايدن ووزارة الخارجية الأميركية بحلول شهر رمضان هذا العام استثناء، فهو تقليد متبع بدأ في البيت الأبيض عام 1996، لكن توماس جيفرسون الرئيس الثالث للولايات المتحدة وأحد الآباء المؤسسين، كان أول من استضاف إفطاراً للمسلمين في شهر رمضان عام 1805، وهو الذي أرسى حقوقاً متساوية للمسلمين واليهود وغيرهما في أميركا، ومع ذلك أخذ الاعتراف برمضان يتسع عبر جميع الولايات الأميركية في العقود الأخيرة، وامتد من المدارس والمستشفيات إلى أماكن العمل الأخرى على رغم بعض العوائق، فما ملامح الاعتراف برمضان في المجتمع الأميركي الآن، وكيف تطور عبر التاريخ؟

أول إفطار رسمي أميركي

على رغم الطبيعة الحديثة نسبياً للاحتفال رسمياً في الولايات المتحدة بشهر رمضان وتهنئة المسلمين به داخل أميركا والعالم، بما في ذلك إقامة مأدبة إفطار كل رمضان في البيت الأبيض منذ عام 1996 حين أدخل الرئيس بيل كلينتون هذا التقليد، فإن وجود الإسلام في أميركا الشمالية يعود إلى تأسيس الأمة الأميركية، كما توضح أستاذة التاريخ ودراسات الشرق الأوسط في جامعة تكساس أوستن دينيس سبيلبيرغ، حيث استقبل الرئيس توماس جيفرسون أول مبعوث مسلم في مهمة دبلوماسية من تونس، وهو سليمان مليملي، في البيت الأبيض عام 1805، ولأنه كان في شهر رمضان، فقد نقل الرئيس موعد مأدبة العشاء الرسمية من الساعة 3:30 مساء ليكون عند غروب الشمس، اعترافاً بالمعتقدات الدينية للمبعوث التونسي، وكان هذا أول احتفال رسمي أميركي بشهر رمضان.

وفي حين وصل المسلمون إلى أميركا الشمالية في وقت مبكر من القرن الـ17، وشكلوا ما يتراوح بين 15 و30 في المئة من سكان غرب أفريقيا المستعبدين في أميركا البريطانية، ولم يبدأ مسلمو الشرق الأوسط في الهجرة إلى الولايات المتحدة كمواطنين أحرار حتى أواخر القرن الـ19، فقد أظهر الآباء المؤسسون الأميركيون اهتماماً ملحوظاً بالعقيدة الإسلامية وممارسيها، وعلى الأخص جيفرسون الذي اشترى مصحفاً كطالب قانون في "ويليامزبرغ" بولاية فيرجينيا بينما كان في الـ12 من عمره، أي قبل 11 عاماً من مشاركته في صياغة إعلان الاستقلال للولايات المتحدة عن بريطانيا.

رمضان والثراء الديني

في حين لم يترك جيفرسون أي ملاحظات حول رد فعله الفوري عن القرآن، فإنه كان يريد تأسيس دولة تفصل بين الدين والسياسة، وليس كالكاثوليكية والإسلام بحسب ما كان يعتقد، ومع ذلك فقد أيد جيفرسون حقوق المسلمين واليهود وأصحاب الديانات الأخرى، وتوجد أدلة على أنه كان يفكر بشكل خاص في دمج المسلمين في بلده الجديد منذ عام 1776 بعد بضعة أشهر من توقيع إعلان الاستقلال، لهذا يعتبر بعضهم شراء جيفرسون نسخة مترجمة من القرآن رمزاً لعلاقة تاريخية أطول بين العالمين الإسلامي والأميركي، ورؤية أكثر شمولاً لوجهة نظر مبكرة من أميركا القوية للتعددية الدينية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

منذ ذلك الحين، لا يزال شهر رمضان يوفر لحظة لتذكر أن الإسلام يمارس منذ فترة طويلة في الولايات المتحدة، ويظل المسلمون جزءاً محورياً من تاريخ تأسيس الأمة الأميركية، حيث يذكر رمضان الأميركيين بالثراء الذي يضيفه المسلمون إلى النسيج الديني للحياة الأميركية، في ظل دستور يعزز الحرية والممارسات الدينية على رغم بعض الفترات الزمنية التي أظهرت فيها بعض التيارات السياسية المتطرفة العداء العام للإسلام وسط مشاعر "الإسلاموفوبيا"، وبخاصة بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001 الإرهابية على نيويورك وواشنطن.

ووفقاً لمركز "بيو" للأبحاث فإن عدد المسلمين حالياً في الولايات المتحدة يقدر بنحو 3.85 مليون شخص يشكلون نحو واحد في المئة فقط من عدد الأميركيين، لكن هذا العدد يتزايد بسرعة ومن المتوقع أن يصل إلى 8.1 مليون بحلول 2050، حيث سيصبح الإسلام ثاني أكبر ديانة في أميركا بعد المسيحية وقبل اليهودية.

اعتراف أوسع في المدارس

مع بداية شهر رمضان، طرحت عديد من وسائل الإعلام الأميركية أسئلة حول كيفية استعداد المدارس ومؤسسات العمل المختلفة مع الطلاب والموظفين المسلمين بسبب ساعات الصيام الطويلة وكيفية التوفيق بين متطلبات العمل أو الدراسة والمتطلبات الدينية الخاصة برمضان، ولأن هناك نحو 1.35 مليون طالب مسلم بالمدارس العامة الأميركية، تحركت بعض هذه المدارس نحو مزيد من الاعتراف بالشهر الإسلامي المقدس، وفقاً لما تقوله آمارا ديكوير أستاذة التربية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، حيث يحمي القانون الفيدرالي وبخاصة قانون الحقوق المدنية لعام 1964، جميع الطلاب من التمييز على أساس العرق أو اللون أو الأصل القومي، وهذا يشمل الطلاب من أي دين.

في عام 2020، أصدرت وزارة التعليم الأميركية إرشادات حول الصلاة والتعبير الديني المحمي دستورياً لجميع العقائد الدينية، ما منح مديري المدارس معلومات مفصلة عن الحماية الفيدرالية للطلاب الذين يسعون إلى ممارسة دينهم خلال اليوم الدراسي، وساعدت هذه الإرشادات المدارس في إعداد أماكن إقامة مناسبة للطلاب المسلمين على مدار العام، بما في ذلك خلال شهر رمضان، حيث يشير التوجيه على وجه التحديد إلى رمضان ويقول إن الطلاب المسلمين لديهم أيضاً حماية دستورية تسمح لهم بالصلاة في غير أوقات الدراسة، طالما أنها لا تزعج الطلاب الآخرين.

ونظراً إلى أن بعض الطلاب المسلمين يعانون التقييمات الأكاديمية والمهام المعقدة المقررة في وقت متأخر من بعد الظهر خلال شهر رمضان، تسمح لهم إدارات المدارس بالحصول على إذن لإجراء الاختبارات في وقت مبكر من اليوم الدراسي عندما يكونون أكثر يقظة وقدرة على التركيز، وقد تسمح للطلاب المسلمين الذين يتلقون دروساً في التربية البدنية خلال شهر رمضان بتجنب الأنشطة المرهقة للقلب عند الصيام لتفادي الإرهاق والجفاف، أو تمنحهم برامج مخففة.

جهود مستمرة

مع ذلك، فإن 15 منطقة تعليمية فقط في عموم الولايات المتحدة تسمح بإجازة عيد الفطر الذي يحل في نهاية شهر رمضان. وأضافت أربع مناطق تعليمية إضافية على الأقل العيد إلى التقويمات المدرسية كعطلة طلابية، وتتركز هذه المناطق التعليمية في ولايات نيويورك ونيوجيرسي وأوهايو وأيوا وفلوريدا وكونيتيكت، بينما يكافح الطلاب المسلمون وأهاليهم للضغط على إدارات المناطق التعليمية الأخرى، وهي بالآلاف، لجعل أيام عيد الفطر إجازة رسمية.

على سبيل المثال، أشار موقع "فوربس" إلى أن معركة كبيرة دارت منذ عامين وما زالت مستمرة بين الطلاب المسلمين وأهاليهم ومنطقة سان فرانسيسكو التعليمية حول عطلة عيد الفطر، لأن المنطقة التعليمية أقرتها ثم سارعت بإلغائها بعد أن تعرضت لضغوط، مما جعل اللجنة الأميركية العربية لمناهضة التمييز تقدم طلبات قانونية إلى منطقة سان فرانسيسكو التعليمية لمعرفة من وما هي المنظمات التي كانت وراء رد الفعل العنيف ضد تخصيص عطلة للعيد، حيث يعتقد أن مجلس الإدارة لمنطقة سان فرانسيسكو استسلم لرد فعل عنيف كان ذا دوافع سياسية ونشأ من مجموعات يمينية متشددة.

رمضان في الجيش

على رغم أن الآلاف من المسلمين خدموا في الجيش منذ الحرب الأهلية، فإنه وفقاً لتقديرات وزارة الدفاع الأميركية عام 2015، يوجد نحو 5900 جندي حددوا أنفسهم كمسلمين من نحو 2.2 مليون على مستوى وزارة الدفاع، وهو ما يشكل 0.3 في المئة فقط من إجمالي القوات الأميركية.

وفي حين يؤكد الملازم كين بومبرغر، من قسم الشؤون الدينية، على استيعاب البحارة المسلمين الذين يعملون على متن حاملة الطائرات "دوايت آيزنهاور" بحيث يتم تأمين احتفالهم بشهر رمضان وأداء صلواتهم اليومية باعتبار ذلك جزءاً من قانون الحقوق المدنية، لكن وحدات ومناطق أخرى لا يجد فيها المسلمون الفرصة الملائمة للصيام وأداء الصلوات.

يقول الرائد جاي ماكبرايد، مدير الموارد لمكتب الدعم الديني في قاعدة "فورت لي"، إن المكتب يبذل قصارى جهده لتلبية حاجات الجنود المسلمين، ولكن خلال شهر رمضان لم يتمكن عديد منهم من أداء فروضهم الدينية أثناء دعم بعض المهام، وعلى سبيل المثال يصوم المسلمون خلال شهر رمضان ويمتنعون عن شرب الماء أثناء النهار من شروق الشمس إلى غروبها، ولكن إذا كان هناك تدريب في الميدان، فلا يمكن للقائد أن يجعل ذلك الجندي يتخلى عن الطعام والشراب.

ويعاني الجنود المسلمون من نقص الأئمة، حيث لم يكن هناك سوى خمسة فقط لمجموعة دينية صغيرة في مقابل 2900 من القساوسة للجنود المسيحيين.

تفهم أكثر في أماكن العمل

لكن على خلاف الجيش، أصبحت أماكن العمل أكثر تفهماً لمتطلبات شهر رمضان، وهو تطور كبير مقارنة بالأعوام الـ15 الماضية، ففي عام 2008 خرج 300 عامل مسلم صومالي الأصل من مصنع "جيه بي أس سويفت" لتعبئة اللحوم في ولاية كولورادو، لأن الشركة لم تسمح لهم بفترات راحة خلال شهر رمضان لأداء صلاة المغرب، ولأنهم غادروا مكان العمل بشكل جماعي ومن دون إذن من الإدارة، فصلتهم الشركة.

لكن بعد رفع دعاوى قضائية من قبل لجنة تكافؤ فرص العمل، على اعتبار أن تصرف المصنع كان تمييزاً، وافقت الشركة عام 2010 على دفع 5.5 مليون دولار كتعويضات مالية لتسوية القضية، وفقاً لما ذكرته وكالة "أسوشيتد برس".

بحسب رئيس مؤسسة الحرية والأعمال الدينية برايان غريم، تحسن الاعتراف بالممارسات الدينية الإسلامية في أماكن العمل على مر السنين، فقد كانت تلك مشكلة حقيقية قبل 30 عاماً، حيث لم يكن شهر رمضان يدخل في اهتمام الناس، وعلى رغم أن ذلك لم ينتشر في جميع الصناعات، فإن عديداً من الشركات شهدت جهوداً متضافرة لتخصيص أماكن لإقامة شعائر دينية، ووجدت الشركات والموظفون المسلمون حلاً في مصانع الأغذية الأخرى، حيث نشأت خلافات في شأن الإجازات المتعلقة بشهر رمضان.

وتقول سمرين أحمد، رئيسة إدارة التغيير العالمي في مؤسسة "أسينشور"، إن المسلمين يريدون فقط أن يدرك الآخرون من حولهم أن هناك أموراً تحدث في رمضان ينبغي أن توضع في الاعتبار، حيث يظهر رمضان بطرق مختلفة، إذ قد يكون لدى الموظفين وقت فراغ أقل، وربما يتردد الذين يسافرون عادة للعمل في القيام بذلك لأنهم يريدون قضاء مزيد من الوقت مع أسرهم أو مجتمعهم، وقد لا يشارك الموظفون المسلمون في الاجتماعات التي تعقد على الغداء أو العشاء، وقد تشهد الشركات زيادة في طلبات العطلات خلال شهر رمضان، على حد قولها.

ويشير مجموعة من المتخصصين لموقع "ديزرت نيوز" إلى أن استيعاب الموظفين المسلمين خلال رمضان سيبدو مختلفاً وفقاً لطبيعة الصناعة التي يعملون بها ومتطلبات مهنتهم، وبشكل عام يعد الاحتفال بشهر رمضان أسهل بالنسبة إلى المسلمين الذين لديهم وظائف مكتبية، لكن الذين يعملون في الإنتاج أو في الصناعات التي تنطوي على الطعام أو خدمة العملاء فقد يعانون أكثر.

لكن بشكل عام، أصبح الآن لدى عديد من الشركات الأميركية رجال دين مسلمون أو مبادرات عبر الأديان، وكلها تسهل التواصل بين الموظفين المسلمين وقادة الشركات، ولأن عديداً من الشركات اعتبرت العرق جزءاً من مبادراتها المتنوعة للإنصاف والإدماج، فإن الدين يؤخذ في الاعتبار بشكل متزايد، وقد بات من المعتاد أن تتضمن سياسة الشركات لوائح وأحكاماً حول الممارسات الدينية. وتضيف سمرين أحمد أن التحديات التي تواجه الموظفين المسلمين تنبع في الغالب من أفراد ليسوا على دراية بالعقيدة الإسلامية.

ووفقاً لدراسة حديثة أبرزتها خدمة أخبار الدين، يرى المسلمون تمييزاً في مكان العمل أكثر من اليهود والمسيحيين، وغالباً ما تكون المضايقات والتحرشات التي تواجههم لفظية، وتظهر على أنها نكات أو سخرية أحياناً كما تأخذ شكل الإقصاء في أحيان أخرى، لكن ذلك لا ينفي أن أماكن العمل في الولايات المتحدة بشكل عام أصبحت أكثر وعياً بشهر رمضان ومتطلباته للمسلمين.

المزيد من تقارير