Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 هل تعود حيلة "أخرجوا المشركين"... مع القوات الأميركية والبريطانية في الخليج؟

هكذا وظفت قطر والتنظيمات المتشددة وجود واشنطن في "أرض الحرمين" لتأجيج النقمة على الرياض

تعتبر قاعدة العديد في قطر أكبر القواعد الأميركية في الخليج العربي (القوات الجوية الأميركية)

لم تمر فترة طويلة على استقدام السعودية قوات أميركية على أرضيها وإعلان بريطانيا تشكيل قوة لتأمين الملاحة الدولية في مضيق هرمز بعد القرصنة الإيرانية، لكن الوقت، كان كافياً لاحتمال ظهور مؤيدين ومعارضين، ولسجال في الأوساط السعودية والعربية المختلفة، منذ أعلنت السلطات السعودية في يونيو (حزيران) الماضي الخطوة. إلا أن الظروف في 2019 لا يبدو أنها نظيرة المرحلة التي أعقبت غزو صدام للكويت في نهاية تسعينيات القرن الماضي.

لكن الاختلاف بين المرحلتين لا يعني أن ليس هناك ما يمكن قوله حتى في هذه المناسبة، التي أحاطتها تيارات عروبية وقومية بجدل سياسي، قبل أن تبادر التيارات الدينية باستدعاء خطابها المشهور، نحو تنزيل أحاديث "إخراج المشركين من جزيرة العرب" على حالات بعينها.

ويبرر المحافظون والمتشددون إحاطة السعودية بسياج التعليمات الدينية من دون بقية دول الخليج الخمس الواقعة أيضا في شبه الجزيرة العربية، بأن الرياض ذات خصوصية بوصفها "أرض الحرمين الشريفين"، كما كانت التنظيمات المتشددة وتيار "الصحوة" يسميها، في ما يعتبره سعوديون عدم اعترافٍ مبطن بدولة "المملكة العربية السعودية"، أو على الأقل تسجيل ما أمكن من موقف ضدها.

شيطنة هناك وترحيب هناك

ويصف كتاب سعوديون أمثال محمد آل الشيخ، تفاعل التيار الذي يتهمه بالانتماء لقطر والإخوان المسلمين بـ"المتناقض"، فهم صرخوا طويلاً ضد وجود قوات أجنبية في السعودية، ثم حين أنهت الرياض انتداب تلك القوات، تلقفتها قطر بالأحضان في قاعدة "العديد"، على الرغم من كونها المنبر الأشد ضراوة في تأجيج الضغينة ضد الأميركيين والرياض التي تستضيفهم منذ تحرير الكويت حتى 2003 مطلع هذا القرن.

وقال "هذه المرة لا نريد أن نسمع صوتاً منهم، وإن فعلوا فسوف يكون الرد قاسياً".

لكن القطري جابر الحرمي لم يحتج لوقت طويل للتعليق على مجيء الأميركيين إلى الرياض، فما إن نشرت وكالة الأنباء السعودية خبر إذن العاهل السعودي الملك سلمان باستقبال 500 جندي أميركي في قاعدة الأمير سلطان الجوية (جنوب الرياض) حتى استدعى سجالات قديمة له مع عدد من السعوديين، وقال "إن الرياض تصادق على قول ترمب إنها لا تستطيع العيش طويلاً من دون الحماية الأميركية".

وكان السعوديون في سياق الأزمة بين دول خليجية وقطر، يوبخون القطريين على استقبال جنود أتراك لحمايتهم على الرغم من استضافتهم أكبر قوة أميركية في المنطقة. كما عابوا على أمير قطر لدى زيارته واشنطن إنفاقه السخي على تلك القاعدة في مناسبة مع ترمب في البيت الأبيض، في حين كانت آلته الإعلامية شديدة النقد للسعودية في عقدها صفقة عسكرية بالمليارات مع واشنطن، على مدى 10 سنوات.

هذا الكرت "احترق"

في غضون ذلك قال مدير الدراسات في مركز الملك فيصل للبحوث الأمير الدكتور عبدالله بن خالد آل سعود لـ"اندبندنت عربية" إن هذا القرار سيتم استخدامه وتوظيفه في الدعاية الإعلامية للتنظيمات الإرهابية مثل "القاعدة" وداعش وغيرها، وهذا غير مستغرب فمنذ التسعينيات كان هذا القرار محورياً لدى التيار الديني مثل الصحوة ورموزها والقاعدة وأسامة بن لادن. الفرق أن البيئة تغيرت ولم يعد هناك مصدر واحد للرأي، الآن هناك تعددية وسعة في الآراء المختلفة. جيل الشباب السعودي تغيرت آراؤه وتوجهاته، كما أن رمزية الشيخ ورجل الدين تغيرت كثيراً ولم يعد المعني بكل صغائر الأمور وكبائرها كما كان من قبل. في السابق كان الشيخ مصدر المعلومة ويتم الوثوق به بشكل كبير في الجانب الديني والسياسي وغيره. الآن صار هناك احترام كبير للتخصص.

مع كل ذلك يؤكد آل سعود أنه يتوقع اجترار حجة إخراج المشركين من جزيرة العرب من جانب القاعدة والدول الداعمة ضئيلة لخلاياها النائمة في التحرك. لافتاً إلى نقطة وصفها بالجوهرية في الاختلاف بين مرحلة اليوم، وعهد التسعينيات، "فخلال العقود الثلاثة الماضية التي تفصلنا عن استدعاء التسعينيات، تم تقديم أنواع من الدعم المادي والإعلامي والسياسي للتنظيمات الإرهابية من قبل دول مثل قطر التي تستضيف أكبر قاعدة للقوات الأميركية في المنطقة. وكان هناك تغاض عن هذا الجانب أو عدم انتقاده على الأقل بالحدة ذاتها التي انتقدت بها السعودية، بما يعني أن هذا الكرت حتى وإن تم اللعب به فسيكون احترق بسبب التناقض والتباين في المواقف".

ويرى أن قطر ليست الوحيدة التي كانت تستثمر في تحريض المتشددين ضد السعودية، ولكن أيضاً ثمة دولة غربية أخرى، ظلت تأوي مناوئين للسعودية كانوا من أنصار القاعدة، التي كان استهداف الغربيين وعلى رأسهم الأميركيين في الخليج أهم مبررات وجودهم. في إشارة إلى بريطانيا التي كانت تستضيف من يصفون أنفسهم بالمعارضة السعودية، مثل سعد الفقيه ومحمد المسعري.

القوات الأجنبية تهديد أكثر منها تأمين؟

لكن من زاوية أخرى يعتقد المحلل الفلسطيني المقيم في بريطانيا عبدالباري عطوان في تصريحات على قناة "بي بي سي العربية"، أن استضافة السعوديين قوات أميركية جديدة على حدودها، يزيد من احتمال تهديد البلاد من طرف الإيرانيين الذين أعلنوا أن القواعد الأميركية في المنطقة ستكون هدفاً مشروعاً لهم في حال اندلاع أي هجوم عسكري غربي ضدهم.

لكن عطوان كان صريح التأييد لحزب الله اللبناني وإيران، إذ أكد في إطلالة على "يوتيوب" أخيراً، أن أي تحالف غربي جديد في المنطقة لمواجهة إيران، هدر للمال الخليجي واستنزاف للثروات. وهو في الوقت نفسه ينصح إيران بعدم التخلي عن صواريخها البالستية التي قال إنها غيرت المعادلات في المنطقة لصالح المقاومة، على حد قوله.

بينما يلخص المحلل السعودي موقف الرياض بالتأكيد على أنه "لا مجال لإملاء الطريقة والكيفية التي تحمي بها كل دولة نفسها وحدودها، طالما أن ذلك يتم وفق الأعراف والاتفاقات الدولية، وليس عبر القرصنة والإرهاب والميليشيات"، في إشارة إلى طهران ووكلائها في المنطقة.

موقف هيئة كبار العلماء

ومع أن استقدام القوات الأجنبية وعلى رأسها الأميركية لتحرير الكويت 1991 استدعى استصدار فتوى من أعلى مؤسسة دينية في السعودية، وتدعى "هيئة كبار العلماء"، إلا أن استضافة الأميركيين هذه المرة لم تعلن قبله أي فتوى دينية تبرره أو تباركه، فيما بدا أنه ضمان مسبق لموقف الهيئة التي أكدت في تغريدة ثابتة على حسابها في "تويتر" منذ 2017 أنها "مع ولاة أمرنا في كل ما يرونه مصلحة للبلاد والعباد، وهذا مقتضى البيعة الشرعية".

ولدى سؤال "اندبندنت عربية" الأمانة العامة للهيئة عن موقفها من الاستدعاء الجديد للقوات الأميركية في بلادها والبريطانية في الخليج، رفضت التعليق، لكن الخبير السعودي في الشأن الديني بدر العامر كشف أن المنطق الشرعي للاستعانة بأي قوة لضمان الاستقرار في البلاد، يأتي من مشاركة نبي المسلمين قبل بعثته في "حلف الفضول" الذي قام على نصرة المظلومين، ثم لما أصبح رسولاً، امتدح مبدأ ذلك الحلف وقال "لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت".

وتسود تكهنات عدة بشأن غياب موقف رسمي من الهيئة نحو الخطوة العسكرية الجديدة في البلاد المحافظة، منها أن هناك قانوناً ينص على أن المنظمة الرسمية لا تصدر فتاويها وبياناتها في قضايا الشأن العام إلا بـ"طلب رسمي من الدولة". أي أن الدولة هي التي تقرر متى تحتاج إلى تدخل الهيئة ومتى لا تحتاج.

الزمن تغير

كما أن هناك تفسيراً آخر، بأن القوة الجديدة يأتي دخولها البلاد في ظرف مختلف تعيشه السعودية بعد رؤية 2030 التي أعادت تنظيم العلاقة بين الممارسة السياسية والدينية في البلاد، أو أنها اعتبرت العدد الجديد ليس مثل إعلان الحرب الذي يحتاج الاستنفار على كل المستويات الدينية والاجتماعية والسياسية، مثلما أنه يمكن اعتبار الموقف القديم من الهيئة في مباركة استضافة الأجانب كافياً في تقدير بعض المراقبين، ممن لا يستبعدون أيضاً أن "الهيئة بصدد التحضير لموقف أكثر حشداً يدعم موقف القيادة السياسي في أجواء التوتر القائمة في الخليج".

ومع أن "النظام الأساسي للحكم" في البلاد ينص على أن القرآن والسنة هما دستور المملكة، ويضع اعتباراً خاصاً لهيئة كبار العلماء في البلاد إلا أنه لا ينص على وجوب موافقة المؤسسة الدينية على إعلان الحرب أو استدعاء القوات الأجنبية، وإنما جرت العادة بذلك في التحولات الكبرى، في مثل حرب تحرير الكويت التي شكلت فيها الهيئة بقيادة مفتي السعودية الراحل الشيخ عبدالعزيز بن باز "رأس حربة" الجانب الديني وسط جدل كبير، أصرت فيه على دعم موقف الدولة باستدعاء الأجانب لتحرير الكويت دينياً، على الرغم من المعارضة الشديدة التي واجهتها خارجياً، ومحلياً من جانب بعض الدعاة النجوم (الصحوة) الخاضعين لتعاليم الإفتاء قبل إعلان موقفها ذاك من استقطاب القوات الأجنبية.

وإذ اعتبر الباحث عبدالله آل سعود، المرحلة مغايرة من زاوية القوة الاعتبارية والاجتماعية لرجل الدين، فإنه يقلل من فرص أي فريق معارض لاستخدام القوات الأجنبية، في تأجيج الرأي العام المحلي على نحوٍ مما وقع في التسعينات الماضية، فلا يتوقع حدوث ردود فعل غير اعتيادية من خلايا التنظيمات الراديكالية النائمة.

منطلقات التحفظ وبعد النظر

واستدعى الخبير بدر العامر إبان التسعينيات حين غزا صدام الكويت "وهدد دول الخليج بخطته التوسعية الثورية القومية، والغدر بالجيران وما يسببه ذلك من انهيار عارم في المنطقة وفتح باب الشقاق استعانت المملكة بالقوات الأجنبية وعملت مجلس قيادة مشتركاً حتى تمكنت قوات التحالف من إخراج صدام ورجوع الكويت لأهله الذين شردوا منه ظلماً وعدواناً".

 وكان اللافت في النظر بحسب العامر أن هيئة كبار العلماء الذين يتقدمهم في ذلك الوقت سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله أفتوا بجواز هذا الفعل شرعاً، وفي مقابل ذلك وقف المؤدلجون ودعاة الصحوة في ذلك الزمان ضد هذا القرار من منطلقين:

-      الأول منطلق يعتمد على حرمة هذا التصرف من المنطلق الشرعي، وقد خالفوا في ذلك العلماء الرسميين.

-      والثاني يعتمد على حالة تهويل من أن قدوم القوات الأمريكية هو بهدف احتلال الخليج والبقاء فيه.

وقد أثبتت الأيام بعد نظر وصحة رأي العلماء الكبار في مثل تلك الحادثة وأن "سياسة السعودية كانت راشدة في إدارة الأزمة والخروج منها بأقل الخسائر، فمهما كانت التوقعات من خطط الغرب وطموحه إلا أن الاستعانة بهم يومها كان في صالح المنطقة، وقد طلبت السعودية من الأميركيين الخروج من الدولة بعد انتهاء مهمات الغزو والانتقال إلى قاعدة العديد والسيلية في قطر".

طور جديد من المواجهة مع الإخوان المسلمين

وفي نظر الباحث العامر الذي تخصص في سجال تيارات الإسلام السياسي والتنظيمات المتشددة مثل "القاعدة" وداعش على المنتديات ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن الحناجر الإخوانية المدعومة من قطر وتركيا، بدأت في الاعتراض على الموقف السعودي الجديد، وإن قلل هو الآخر من أهمية تلك الأصوات في إقناع الرياض بتغيير سياساتها "فهدف هؤلاء هو التشغيب على كل قرار يصب في مصلحة المنطقة وهدوئها".

وأقر بأن توجه السلطات الرسمية في بلاده "مع موافقته للمصالح العليا، وطبيعة التوازنات العسكرية والسياسية، وضرورته لإيقاف إيران عند حدها لم يسلم من سهام المؤدلجين الذين لا يتوبون ولا هم يذكرون، وهم في حقيقة الأمر لم يرفعوا بالمصالح رأساً، ولا بالحل والحرمة رأياً، وإنما هدفهم التشغيب على كل قرار يصب في مصلحة المنطقة وهدوئها، وتصعيداً لحالة التوظيف الأيديولوجي الذي يستهدف دول المنطقة والذي تقوده قطر وإيران وتركيا وجماعة الإخوان وجيوبها الظاهرة والباطنة، مستخدمين في ذلك اختلال المعايير وازدواجها".

وعاب على الفريق المناوئ أنه  ينكر على السعودية مثل هذه الإجراءات التي تحفظ أمنها وترد عدوان المعتدي، بينما يغض الطرف عن قطر التي تبني وترمم وتوسع القواعد الأميركية على حسابها الخاص، وتركيا التي استلم أردوغان السلطة وفيها 3 قواعد عسكرية للناتو، وبينما يوجد فيها الآن 40 قاعدة للناتو والأميركيين والتعاون الكبير والاستراتيجي مع إسرائيل عسكرياً، ومع ذلك لم يفتح هؤلاء المؤدلجون من الإخوانيين والعروبيين وغيرهم أفواههم لاستنكار مثل هذا، وهذه طريقة قد اعتدناها من هؤلاء لأن أهدافهم ليست إصابة الحق والحقيقة، وإنما توظيف المفاهيم والخطابات العاطفية لتمرير أجندات معدة لتستهدف السعودية في كل تصرفاتها ورؤيتها ومواقفها السياسية، فهم في كل موقف سياسي يمر على السعودية تجدهم في صف خصومها مهما تنوعت مشاربهم وتباعدت ديارهم.

في عين العاصفة

وفي التسعينيات الميلادية، شهدت الساحة الخليجية على وقع دخول القوات الأجنبية المنطقة استقطاباً دينياً شرساً، بين التيارات المتشددة من جانب، والمحسوبين على السلطات الرسمية من جانب آخر. وفيما يمثل الفريق الأول دعاة مثل الدعاة السعوديين سفر الحوالي وسلمان العودة وناصر العمر، ينشط في الاتجاه الثاني مفتي السعودية الشيخ بن باز وأعضاء هيئة كبار العلماء وكتاب سعوديون مثل الوزير الأسبق غازي القصيبي الذي كانت زاويته حينها في الزميلة "الشرق الأوسط" منبراً للدفاع عن موقف الرياض ضد مناوئي خطواتها في الاستعانة بقوات التحالف الأجنبي لتحرير الكويت في الداخل والخارج.

ومن بين ما اشتهر في ذلك الوقت زاويته "في عين العاصمة"، وقد جمعتها دار "جداول" للنشر في كتاب ضخم، كما ذاع صيت بعض أدوات الخطاب المضاد لدعاة الصحوة، الذين وظفوا "الكاسيت" في التعبير عن مواقفهم، وكان من ضمنه شريط "فستذكرون ما أقول لكم"، الذي كان عنوان محاضرة للداعية سفر الحوالي على خلفية حرب تحرير الكويت.

ويعود ذلك إلى أن غزو الكويت على يد حزب البعث العراقي شكّل تحدياً جديداً لم يكن معهوداً للتيار الصحوي الذي يمثل المحاضر أحد رموزه، بالإضافة لتسارع الأحداث. وهذا ما سبب بعض الارتباك، والتباين في الآراء والتحليل والموقف الذي يجب اتخاذه من الأزمة، إذ لم يكن الحدث والموقف منه واضحين بصورة جيدة منذ البداية. ومن هنا دعت الحاجة إلى عقد مجلس هذه المحاضرة التي تعد أهم ردود فعل التيار الصحوي على الموقف الذي اتخذ من الأزمة.

وركز مضمون المحاضرة على مزاعم بوجود منكرات كثيرة لا بد من تغييرها، وأن اللجوء إلى الغرب خلل في مبدأ الولاء والبراء، موضحاً أن من أهم أهداف الحشود الأجنبية في منطقة الخليج ضرب الصحوة الإسلامية، مختتماً حديثه بالرد على الاستدلالات التي أوردها من يقول بجواز الاستعانة بغير المسلمين في مثل هذه الأحداث، في إشارة إلى المؤسسة الدينية في البلاد التي أيدت خطوة الدولة في الاستعانة بأميركا والحلفاء لتحرير الكويت.

كما ألقى الدكتور سفر الحوالي الموقوف حالياً من جانب السلطات السعودية محاضرته الشهيرة (ففروا إلى الله) في جامع الملك خالد بالرياض، وكان مضمونها وعظياً، كما هو المعتاد في الخطاب الصحوي حينذاك، وفي بعض أجزائه كلام عن الاختلاف بين العلماء في القضايا الفقهية، ثم الإشارة إلى أن من مصلحتنا أمام الغرب أن يكون لنا رأيان كما يوجد عندهم!

اشتهرت المحاضرة التي غدت "كاسيت" متداولاً، كأنها إعلان رفض علني لقدوم القوات الأميركية، وبعد هذه المحاضرة بدأت المواقف الصحوية تنكشف وتتمايز بشكل أوضح، وقيل في حينه أن اسم سفر الحوالي جرى تداوله في الصحافة الأميركية، وهذا ما جعل الأمر أكثر حساسية.

لم يتفهم الصحويون حجم هذا الإحراج، فبدأ بعضهم يثير تساؤلات وشكوكاً بشأن بيان هيئة كبار العلماء في ما يتصل بالاستعانة بالقوات الأجنبية. واعتبر الآخرون ذلك خروجاً غير مألوف عن مؤسسة لها صبغتها الدينية ومكانتها الرسمية، وهذا ما أعطاها هيبة وحصانة لدى الجميع.

هكذا تنامى التحريض على خطوات الدولة والمحسوبين عليها حتى بلغ ذروته عام 1994 - 1995. فكان لا بد من اتخاذ موقف يحد من هذا الخطر الذي يزداد شيئاً فشيئاً، فأصدرت هيئة كبار العلماء القرار المشهور بتوقيف سفر الحوالي وسلمان العودة، وعدد من الدعاة.

المزيد من تحقيقات ومطولات