Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النسوية في مصر... 100 عام من الاندفاع والانكفاء

أنشئ الاتحاد النسائي المصري في عام 1923 وهو أول كيان منظم للمطالبة بحقوق المرأة في العالم العربي

هدى شعراوي رائدة السائرات على درب حقوق المرأة في مصر (مواقع التواصل)

ملخص

تشهد #مصر هذا العام مرور 100 سنة على إنشاء #هدى_شعراوي الاتحاد النسائي المصري

تاريخ طويل للنضال النسائي في مصر ودرب ممتد سارت فيه المصريات في سبيل نيل حقوقهن المشروعة على مدار أكثر من قرن من الزمان، وهذا العام تمر ذكرى فارقة في تاريخ الحركة النسائية المصرية إذ يمر 100 عام على إنشاء الاتحاد النسائي المصري الذي كان أول كيان منظم يُعنى بالعمل على المطالبة بحقوق المرأة من خلال أهداف ومطالب واضحة ويعد من الكيانات الفارقة في الحركات النسائية العربية بشكل عام وليس فقط المصرية.
وفي مارس (آذار) من كل عام يتم الاحتفال بيوم المرأة في مصر إذ شهد هذا الشهر أول تظاهرة نسائية إبان ثورة 1919 حين خرجت النساء رافضات للاحتلال في مسيرات حاشدة لتسقط أول شهيدة منهن. وفي هذا التاريخ أسست هدى شعراوي الاتحاد النسائي المصري، وفي عام 1956 حصلت المصريات على كامل حقوقهن السياسية حيث صار لهن الحق في الترشح للانتخابات النيابية والإدلاء بأصواتهن بعد نضال استمر لعقود.
طمحت النساء في مطلع القرن الـ20 في أن يكون تعليم البنات إلزامياً وأن يكون لهن الحق في العمل والمشاركة السياسية وأن يكون هناك إنصاف في القضايا الاجتماعية المتعلقة بالزواج والطلاق. وكان تعليم البنات أولوية قصوى عند الرعيل الأول من رائدات الحركة النسائية في مصر، فهو الأساس الذي سيتم البناء عليه وهو الانطلاقة الأولى للنهضة في أي مجتمع.
وفي مذكراتها التي نشرتها "دار الهلال" تشير شعراوي إلى انبهارها بمدارس البنات في أوروبا، الذي لمسته عندما سافرت إلى فرنسا مطلع القرن الـ20 حيث كتبت "توجهت لزيارة المدارس الصناعية والتدبير المنزلي للبنات وسرني جداً ما رأيته وأحزنني. سررت لهم وحزنت علينا. فرحت لتقدمهم وتكدرت لتأخرنا. يلزمنا جيل بطوله وعرضه لنحصل على درجتهم إذا مشينا وحذونا حذوهم، ولكن وأسفاه من أين لنا لنتحصل على هذه الروح الحية؟ نثبت في عملنا ونثابر عليه لنصل إلى هذه الدرجة من الكمال".
أكثر من 100 عام منذ انطلاق الإرهاصات الأولى للحركة النسائية في مصر التي تراوح منحناها على مدار هذه السنوات بين صعود ونكوص بفعل متغيرات كثيرة وأحداث سياسية، وظهور وأفول لحركات وأحزاب ونظم مختلفة للحكم دائماً ما كانت توجهاتها نحو قضايا المرأة تؤثر على تقدم أو تأخر الحركة النسائية في خلال فترة معينة.


مصطلحات ومفاهيم

مصطلحات ومفاهيم عدة ارتبطت بالنضال النسائي منذ خطواته الأولى وحتى عصرنا الحالي مثل "الحركات النسائية"، "النسوية"، "تمكين المرأة"، "تنمية المرأة"، وهي على نبل المحتوى الذي تهدف إليه والمتمثل في أغلب الأحوال في الحصول على حقوق أساسية للإنسان وليس فقط للنساء، مثل التعليم والعمل والمشاركة السياسية وعدم التمييز، إلا أنها أصبحت مثاراً لسجالات حتى يومنا هذا بين قطاعات من المجتمع لا تزال تنظر إلى حقوق المرأة على أنها انتقاص من حق الرجل، وأن الهدف الرئيس للحركات النسائية وكل أذرعها التي انتشرت حول العالم هو تمييز المرأة على الرجل وفرض سطوتها عليه في حين أن واحداً من أهداف الحركات النسوية الأساسية هو القضاء على التمييز.
وقد طرح مفهوم النسوية Feminism لأول مرة في مؤتمر النساء العالمي الأول الذي عقد في باريس في عام 1892 وتم تعريفه آنذاك بأنه الإيمان بالمرأة وتأييد حقوقها وسيادة نفوذها، فالنسوية هي حركة اجتماعية وسياسية تتبنى قضايا النساء في المجتمع من منطلق القناعة بوجود خلل في ميزان القوى الاجتماعية والسياسية بين الرجال والنساء، وتقوم على الوعي والفعل. وتتشكل الحركة النسوية من الأفراد والمجموعات والمنظمات التي تشترك في الموقف والهدف. وتعبر عن ذلك بالفكر والعمل.

موجات النسوية

للنسوية موجات متعددة اختلفت مفاهيمها باختلاف طبيعة العصر والمرحلة، وعنها يقول أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأفروآسيوية المفتوحة هاني جرجس عياد، "كانت الغاية النهائية للنسوية في موجتها الأولى هي نيل المرأة بعضاً من الحقوق العامة التي يتمتع بها الرجل، لذلك دأبت على تأكيد المساواة بين الجنسين، أي عملت على الاقتراب بالمرأة من النموذج الذكوري السائد وسارت في مسار التحجيم والطمس للخصائص الأنثوية المميزة باعتبار أن هذا هو السبيل الوحيد لتحريرها، ووصل صدى هذا الجدل إلى الشرق على يد الرواد مثل رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين وهدى شعراوي، بينما بدأت الموجة الثانية في الستينيات والسبعينيات من القرن الـ20، وفيها انتقلت الحركات النسوية من الكفاح الميداني إلى الاهتمام ببناء النظرية النسوية وهنا تحضر سيمون دي بو فوار كرمز لهذه المرحلة بكتابها ’الجنس الآخر’ الذي اعتبر عمدة المؤلفات الخاصة بالحركات النسوية في هذه الفترة". ويضيف عياد "اختلفت الموجة الثانية عن السابقة في أن الأولى اقتصرت على النضال سعياً وراء تحقيق هدفها في إنجاز مبدأ الحقوق المتساوية، بما في ذلك حق الاقتراع، وحق الملكية، وحق المواطنة الكاملة، أما الموجة الثانية فنقلت الاهتمام من الجوانب المطلبية إلى المفاهيم النظرية لتفسير أسباب اضطهاد المرأة فحفزت بذلك ظهور مؤلفات وتنظيرات في كتب ودوريات عدة في مجال الأنثروبولوجيا والإنسانيات، ومنها علم الاجتماع الذي لم يعر اهتماماً لموضوع المرأة في دراساته الكلاسيكية".

ما بعد النسوية

امتداداً لموجات النسوية ظهرت الموجة الثالثة في ثمانينيات القرن الماضي بفكر ورؤية مختلفين عما سبقاها، وعنها يقول عياد إن "الموجة الثالثة من النسوية ويطلق عليها أحياناً تسمية، ما بعد النسوية، بدأت منذ الثمانينيات من القرن الـ20 وهي مستمرة إلى اليوم، وتركز اهتمامها بشكل خاص على طرح مسألة الاختلاف بين الجنسين، والهوية الأنثوية، ونقد الموجتين السابقتين باعتبارهما ذكوريتي التوجه، إذ هدفت الحركة النسوية قبل الموجة الثالثة، إلى توسيع حقوق النساء لمساواتهن بالرجال، فكان هناك اعتراف بتفوق نمط الحياة الذكوري، وأنه كما لو كان تحرير النساء يتمثل في تحويلهن إلى رجال، وعلى النقيض من ذلك، بذلت الموجة الثالثة جهداً كبيراً في الاحتفاء بتجارب النساء كما يعشنها فعلاً، وتمكينهن من الفخر بجنسهن ومشاعرهن وخبراتهن باعتبارهن نساء. إن تعبير ما بعد النسوية قد جاء ليقول، إن المرأة هي قضية مجتمع، وحقوقها ليست معزولة عن حقوق المجتمع ككل".


ثورة 1919

شهدت فترة ثورة 1919 حراكاً كبيراً في المجتمع المصري آنذاك، فالنضال ضد الاحتلال وظهور قادة التفت حولهم جموع الناس مثل سعد زغلول وكل الأحداث السياسية التي ارتبطت بهذه المرحلة مروراً بقيام ثورة 1919 ونفي سعد زغلول ودور "حزب الوفد" شكلت كلها منطلقات لكثير من التغييرات التي شهدها المجتمع المصري، ومن بينها إعطاء دفعة للحركات النسائية الوليدة في هذه الفترة، حيث شاركت النساء في التظاهرات الرافضة للاحتلال والداعمة لسعد زغلول لأول مرة في مسيرة حاشدة في مارس 1919 لتسقط أول شهيدة مصرية في تاريخ النضال النسائي وهي حميدة خليل.
ووصف عبدالرحمن الرافعي الذي عد من مؤرخي ثورة 1919 مشهد الثورة النسائية في كتابه "ثورة 1919 تاريخ مصر القومي" قائلاً "سارت السيدات في صفين منتظمين، وجميعهن يحملن أعلاماً صغيرة، وطفن الشوارع الرئيسة في موكب كبير، هاتفات بحياة الحرية والاستقلال وسقوط الحماية، فلفت موكبهن أنظار الجماهير، وأذكى في النفوس روح الحماسة والإعجاب، وقوبلن في كل مكان بتصفيق الناس وهتافهم، وأخذت النساء يقابلنهن بالهتاف والزغاريد، وخرج أكثر أهل القاهرة رجالاً ونساء لمشاهدة هذا الموكب البهيج، الذي لم يسبق له نظير، وأخذوا يرددون هتافاتهن". وأضاف "كانت المتظاهرات في حشمة ووقار، وعددهن يربو على الثلاثمئة من عقائل العائلات، وأعددن احتجاجاً مكتوباً ليقدمنه إلى معتمدي الدول، طالبن فيه بإبلاغ احتجاجهن على الأعمال الوحشية التي قوبلت بها الأمة المصرية، ولكن الجنود الإنجليز لم يمكنوا موكبهن من العبور، فحين وصلت المتظاهرات إلى شارع سعد زغلول، قاصدات بيت الأمة، ضربوا نطاقاً حولهن ومنعوهن من السير، وسددوا حرابهم إلى صدورهن، وبقين هكذا مدة ساعتين تحت وهج الشمس الحارقة".
انتهى المشهد السابق بتقدم هدى شعراوي وهي تحمل العلم المصري صائحة في وجه الجنود قائلة بالإنجليزية "نحن لا نهاب الموت، أطلق بندقيتك إلى صدري لتجعلني ميس كافيل أخرى"، فتم فتح الطريق للسيدات اللاتي عبرن الطريق واستمررن في المسيرة. و"ميس كافيل" التي ورد ذكرها هي ممرضة إنجليزية كان الألمان قد أسروها إبان الحرب العالمية الأولى وأعدموها رمياً بالرصاص مما أثار غضباً كبيراً في العالم كله آنذاك.
وعن تأثير ثورة 1919 على الحركة النسائية في مصر، يقول أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة محمد عفيفي، إن "تطور فكرة حقوق المرأة والاهتمام بها ودعمها يمكن أن نتلمس بداياته عند رفاعة الطهطاوي الذي عمد إلى مقارنة حال المرأة المصرية مقارنة بنظيراتها في الغرب، ويظهر ذلك جلياً في مؤلفاته، ومن بينها كتابه ’المرشد الأمين في تعليم البنات والبنين’، ومن بعدها استمر تصاعد الاهتمام مع علي مبارك إلى حين الوصول إلى عصر الخديو إسماعيل وإنشاء أول مدرسة للبنات عرفت باسم مدرسة السنية، ولاحقاً بدأت الصالونات الثقافية التي أقامتها النساء ومن بينهن الأميرة فاطمة إسماعيل والأميرة نازلي فاضل، وكان لها أثر من حيث مشاركة النساء في الحركة الثقافية". ويضيف عفيفي أن "تصاعد الحركة الوطنية في مصر بالتواكب مع ثورة 1919 انعكس على الحركات النسائية التي شاركت في الأحداث وكان لها دور ومثلت هذه الفترة منطلقاً للمطالبة بكثير من حقوق النساء خصوصاً مع ظهور شخصيات ملهمة في المجتمع المصري مثل هدى شعراوي وصفية زغلول ووجود حراك فعلي في المجتمع متمثل في المطالبة بإنهاء الاحتلال وجاء ذلك بالتوازي مع بدايات انتشار التعليم النظامي للفتيات، إضافة إلى وجود كثير من الجاليات الأجنبية التي حصلت النساء فيها على بعض الحقوق فمثلن نموذجاً سعين إلى الاقتداء به".

المرأة المصرية والمشاركة السياسية

في مارس (آذار) 1956 صدر القانون الذي منح المرأة لأول مرة الحق في المشاركة السياسية وجاء تطبيقاً لما تضمنه دستور 1956 الذي أقر بأن للمرأة المصرية الحق في الترشح للبرلمان والانتخاب، وأجريت أول انتخابات شاركت فيها النساء في عام 1957 وقدرت الأصوات النسائية المشاركة حينها بنحو نصف مليون صوت. وفازت راوية عطية عن محافظة القاهرة لتصبح أول سيدة في البرلمان المصري. ولاحقاً عينت حكمت أبو زيد كأول وزيرة في الحكومة المصرية في عام 1962.
ويشير عفيفي إلى أن "الحركات النسائية في العالم كله تصاعدت بشكل متتابع فشكلت الثورة الصناعية نقطة مفصلية حيث احتاجت المصانع إلى كثير من الأيدي العاملة ومن بينها تلك النسائية، كما أن انتشار النظام الرأسمالي بمتطلباته وعلى رأسها أن الجميع يجب أن يعمل حتى يستطيع العيش، مروراً ببدايات مفاهيم حقوق الإنسان وانتشارها، فتدرج حصول النساء على حقوقهن في مصر مع انتشار تعليم البنات ودخولهن إلى الجامعة ومن بعدها خروجهن للعمل، وحدث هذا في مصر وخارجها، فالحقوق السياسية وحق الانتخاب والترشح في المجالس النيابية وشغل الوظائف الكبرى جاء في فترة لاحقة، ففي مصر عينت أول وزيرة في عهد ثورة يوليو التي أرادت إعطاء دفعة للطبقة المتوسطة بشكل عام واهتمت بالتصنيع والشركات وإتاحة فرص العمل فيها". ويضيف "نقطة أخرى جديرة بالأهمية في ما يتعلق بخروج النساء إلى العمل العام وهي الحروب التي شهدها العالم خلال القرن الـ20 الذي شهد حربين عالميتين دفع بالرجال خلالهما إلى جبهات القتال فكان على النساء الخروج إلى العمل. وكذلك الحال في مصر التي شهدت حروباً عدة جند فيها الكثير من المصريين؛ مما دفع النساء إلى العمل والوجود في أنشطة مرتبطة بالحرب مثل المستشفيات الميدانية والتطوع مع مؤسسات مثل الهلال الأحمر".


هدى شعراوي

عدت هدى شعراوي رمزاً وأيقونة عند الحديث عن تاريخ الحركة النسائية في مصر وبداياتها، فهي من حققت الانطلاقة الأولى، داعية إلى حصول المرأة على حقوقها الطبيعية وعلى رأسها الحق في التعليم. وواجهت هدى شعراوي وزميلاتها عقبات كثيرة إلا أنهن نجحن في الحصول على بعض المكتسبات ووضع الأساس الذي سارت عليه اللاحقات في المطالبة بحقوق المرأة.
في كتابها "وكشفت وجهها" رصدت حفيدة هدى شعراوي، الكاتبة سنية شعراوي، فصولاً من تاريخ جدتها في النضال من أجل حقوق النساء في مصر، وعنها تقول "كان هناك صحوة في الحركات النسائية بشكل عام خلال هذه الفترة، ليس في مصر فقط وإنما في الغرب أيضاً، وكانت هدى شعراوي تهدف بشكل أساس إلى حصول النساء على حقهن في التعليم والعمل والحقوق السياسية وأن يكون لهن رأي وقرار في حياتهن مثل أمور الزواج والطلاق. ولم يكن في مخيلة هدى شعراوي ورفيقاتها أي شيء يتعلق بمفاهيم التحرر والحرية الجنسية أو التمرد على الرجال التي ألصقها بعض المناهضين للحركات النسائية بأهدافها، فكانت هدى شعراوي تتمنى أن تكون مصر في أفضل حال ولن يحدث هذا إلا بإتاحة التعليم للجميع وحصول كل شخص على كامل حقوقه بما في ذلك النساء". وتضيف "لم تواجه هدى شعراوي فقط سطوة الرجال على النساء ورفض كثير منهم لهذه الأفكار باعتبارها لا تتناسب من المجتمع من وجهة نظرهم أو ستقلص نفوذهم الذكوري وإنما واجهت أيضاً سلطة الاحتلال الإنجليزي الذي فرض القيود على البلاد بشكل عام خلال هذه الفترة. وللمطالبة بدعم النساء في مصر توجهت هدى شعراوي مع نبوية موسى وسيزا نبراوي إلى الاتحاد النسائي الدولي في روما للاطلاع على نشاطهم والمشاركة في المناقشات واللجان المختلفة، وكان هذا الحدث يتم مرة في كل عام للحديث عن واقع النساء في العالم ومطالبهن. وبعدها أسست الاتحاد النسائي المصري ليكون فرعاً من فروع الاتحاد الدولي، فوجود فرع في مصر يعطي ثقلاً للحركة النسائية ومطالبها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وكشفت وجهها

واقعة كشف هدى شعراوي ورفيقاتها لغطاء الوجه وعلى رغم مرور أكثر من 100 سنة عليها لا تزال مثاراً لسجال عند بعض المناهضين لأي حق تحصل عليه المرأة من حقوقها المشروعة. وتعود هذه الواقعة إلى مطلع العشرينيات من القرن الماضي أثناء استقبال المصريين لسعد زغلول العائد من منفاه فاتخذت هدى شعراوي ورفيقاتها قراراً جريئاً في وقتها، حيث قمن بخلع النقاب علانية أمام الناس. وجاء في مذكراتها "رفعنا النقاب أنا وسكرتيرتي سيزا نبراوي، وقرأنا الفاتحة ثم خطونا على سلم الباخرة مكشوفتي الوجه. وتلفتنا لنرى تأثير الوجه الذي يبدو سافراً للمرة الأولى بين الجموع فلم نجد له تأثيراً أبداً لأن كل الناس كانوا متوجهين نحو سعد متشوقين إلى طلعته".
وتشير حفيدتها سنية شعراوي "نزعت هدى شعراوي ورفيقاتها غطاء الوجه الذي كان يطلق عليه اسم البرقع وقتها باعتباره عائقاً للتواصل وفي الوقت ذاته احتفظن بحشمة ملابسهن طوال الوقت. وحتى يومنا هذا لا يزال الجدال حول هذا الأمر رغم أن أهداف الحركة النسائية أهم وأكثر قيمة، فهدى شعراوي طمحت لأن ترتقي بالمرأة المصرية وأن تحصل على حقوقها الكاملة في التعليم والعمل، إضافة إلى الحقوق السياسية وكان لها نشاطات في مجالات اقتصادية متعددة وأتاحت كثيراً من فرص العمل للنساء فنشاطها الاقتصادي الهادف إلى تنمية المجتمع متصل بشكل كامل بدعمها لحقوق المرأة".

الاتحاد النسائي المصري

أُعلن عن إنشاء الاتحاد النسائي المصري الذي يشهد هذا العام مئويته، في مارس 1923 وشكل ذلك التاريخ نقطة فاصلة في نضال المرأة المصرية لنيل حقوقها إذ عد أول كيان منظم له أهداف ومطالب يهدف إلى العمل كي تنالها النساء في مصر، ولاحقاً صدرت كيانات ونشاطات متعددة معنية بالمرأة، إذ أصدرت درية شفيق مجلتها "بنت النيل" في عام 1945 لتكون أول مجلة نسائية موجهة للمرأة المصرية والعربية على السواء وبعدها بسنوات أُسس "اتحاد بنت النيل" عام 1949.

في عام 1953 حدثت واقعة مهمة حيث أغلق "الضباط الأحرار" بعد قيام ثورة يوليو (تموز) 1952، مكاتب "الاتحاد النسائي المصري" و"اتحاد بنت النيل" حيث اعتبروهما حزبين سياسيين. وفي عام 1956 حل "الاتحاد النسائي المصري" وأنشئ التنظيم النسائي بالاتحاد القومي ثم التنظيم النسائي بالاتحاد الاشتراكي، وهما كيانان تابعان للدولة بالكامل بحيث تصبح الدولة هي المتحدث الرسمي عن قضايا المرأة، فثارت ثائرة المدافعات عن حقوق المرأة آنذاك ونُظمت احتجاجات لم تسفر عن عودة الاتحاد النسائي، ولكن ربما تكون أدت إلى منح النساء حق المشاركة السياسية لأول مرة في عام 1956.
واستمر التصاعد والتراجع في ملف حقوق المرأة خلال السنوات اللاحقة فمع ظهور أدوار كثيرة للنساء تزامناً مع انتشار التعليم وحصول النساء على المؤهلات الجامعية بالتالي فرص العمل، وفترات الحرب، بما شهدته من المشاركات النسائية في الكيانات المهتمة بالدعم والعلاج وجمع التبرعات، وصولاً إلى حقبة السبعينيات وما شهدته من تصاعد للتيارات الدينية التي عملت على مقاومة تقدم المرأة في المجالات المختلفة وعملت على وضعها في إطار معين، ليستمر الوضع بين الشد والجذب ما بين جميع أطراف المجتمع والدولة، ويشهد عام 2000 إنشاء المجلس القومي للمرأة الذي يعد حالياً أحد أبرز الكيانات المعنية بحقوق النساء في مصر.
ويمكن القول، إن ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 مثلت نقطة جديدة في مسيرة المرأة المصرية وألقت حجراً في المياه الراكدة بما يتعلق بالنضال النسائي حيث كان للمرأة حضور كبير ومشاركات فعالة على جميع المستويات لتعيد إلى الأذهان الانطلاقة الأولى التي قامت بها المصريات إبان ثورة 1919.
وتقول هدى بدران رئيسة الاتحاد النوعي لنساء مصر، إنه "تم إحياء نشاط الاتحاد بعد ثورة يناير 2011 مع حالة الحراك التي شهدها المجتمع خلال هذه الفترة، ومن وقتها تبنى مشروعات على جميع المستويات مثل الأمية والبطالة وتنمية المرأة، وكان لدينا دائماً هدف أساس وهو محاربة التمييز بجميع أنواعه وخصوصاً لو كان مقنناً. ومن هنا كان لدينا اهتمام كبير بتعديل كثير من الأمور المتعلقة بقانون الأحوال الشخصية الذي يعد إحدى أهم المشكلات التي تواجهها النساء فانعكاسات هذه القضية على المجتمع كله، فالسياسات والقوانين يجب أن تكون عادلة للمجتمع كله وتنصف الرجل والمرأة على حد سواء من دون ظلم لأحد". وتضيف "قضايا النساء بشكل عام لا تنفصل عن مشكلات المجتمع ككل وإنما هي جزء منه، فالبطالة والأمية على سبيل المثال مشكلات يعانيها المجتمع كله ولكن تعانيها النساء بدرجة أكبر بسبب التمييز. وعلى مدار السنوات كان للاتحاد دور كبير في تنمية المرأة والمجتمع والعمل على مواجهة المشكلات الكبرى ولدينا بالفعل نشاطات متعددة في مجالات مثل التعليم والتوظيف والتدريب وتنمية المرأة الريفية".


واقع المرأة بعد 100 عام من النضال

رغم كل المكتسبات التي حصلت عليها النساء، التي أصبحت ربما مثار استياء لبعض الرجال المناهضين لحقوق المرأة، الذين يرون أن أي حق مشروع تحصل عليه النساء هو انتقاص من حقوقهم، فالنساء أصبحن يشغلن الوظائف القيادية ويحصلن على كامل الحقوق السياسية كما كان يأمل الرعيل الأول من النسويات إلا أنه يمكن القول، إن كثيرات منهن على المستوى الشعبي ما زلن يعانين من مشكلات عدة على رأسها التمييز، وما زالت قطاعات من المجتمع تجادل حول المفاهيم ذاتها التي كانت مطروحة منذ أكثر من قرن من الزمان، وكأننا لا نزال عند نقطة الانطلاق الأولى.
وتقول رئيسة الاتحاد النسائي، إن "الشيء المثير للدهشة هو أننا بعد أكثر من 100 عام على نضال النساء لنيل حقوقهن، لا تزال بعض فئات من المجتمع تجادل حول بديهيات من المفترض أن الزمن تجاوزها وأصبحت حقوقاً أساسية للإنسان بشكل عام وليس فقط للمرأة. ونأمل في احتفال المئوية أن نتبنى مبادرة لإنشاء متحف لهدى شعراوي لا يضم فقط مقتنياتها من الوثائق والنياشين والأشياء المادية، وإنما يكون منبراً وملتقى لفعاليات وأنشطة ودراسات متعلقة بتاريخ النضال النسائي وحاضره في مصر فسيكون هذا أفضل احتفاء بنضال النساء في مصر على مدار 100 عام".

المزيد من تقارير