Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أول معرض لجماعة "الجسر"... لكن جسرهم لم يكن لمجرد العبور

ثورة فنية تفرق أصحابها قبل سن الرشد وأخمد النازيون بنيرانهم جذوتها بعد ربع قرن

"مشهد بالقرب من درسدن" من أعمال إريك هيكل (موقع الفنان)

ملخص

عندما اجتمع #رسامون_ألمان في حركة فنية أسموها #الجسر كان ما يحركهم هو نبض ثورة على الواقع، لكي يحققوا "حرية العمل والحركة ضد قوى النظام القديم الراسخة"

عادة ما يُنظر إلى المجموعة الفنية التي تؤمّن، في أحسن حالاتها، ذلك الانتقال الفني والتاريخي من تيار فني كبير إلى ما سيليه، بوصفها "لحظة عابرة" في تاريخ الفن، بل بوصفها جسراً وطريقاً للتحول من حال إلى حال فيحار المرء في تسميتها بما يليق بها. وعادة ما تكون المجموعة الفنية التي تنتمي إلى تلك اللحظة مؤلفة من مبدعين كبار أتوا من تيارات كبيرة سابقة، ولسوف يكونون في مرحلة لاحقة أعضاء مؤسسين في تيارات تالية تكون ذات أسماء راسخة. والطريف أن الأعضاء المؤسسين للجماعة التي نتحدث عنها هنا، توقعوا ذلك كله فكانوا من الجرأة والنزاهة بحيث أنهم هم أطلقوا بأنفسهم على تجمعهم اسم "الجسر" ما قد يعني أنهم كانوا من الواقعية إلى درجة استبقوا معها وجودهم بتجمعهم تحت اسم عابر يبقون هم من بعد زواله. فهل كان الأمر، كما سيكتب واحد من أعضاء الجماعة الفنية التي عرفت باسم "الجسر" إرنست كيرشنر، والذي سيبقى أكثرهم شهرة، مجرد صدفة تلك التي جمعت الأربعة المؤسسين للتيار معاً في معرض واحد، أم كان اللقاء طبيعياً فكانت حركتهم أقصر الحركات الفنية عمراً، بالنظر أن الجسر نفسه لا يمكنه أن يكون سوى معبر إلى فسحة أخرى؟

تأثير طويل المدى

إنه سؤال لافت لا بد دائماً من طرحه في كل مرة يؤتى فيها، ليس على ذكر تلك الجماعة، بل على ذكر التأثير الأطول أمداً الذي مارسته ليتجاوز عمرها الرسمي سنوات طويلة فلا تعود مجرد جسر عابر. والحال أن ذكر هذا الأمر إنما يقود إلى الرجوع في الزمن إلى أبعد كثيراً من السنوات القليلة التي عاشتها الحركة كتيار متماسك، ذلك أن جذورها تعود إلى سنوات طويلة سبقت ظهورها الرسمي. فالحركة التي نعنيها هنا، وهي "الجسر" (داي بروكة، بالألمانية)، كان من المنطقي منذ ظهورها بشكل رسمي يوم السابع من أيار (مايو) 1905، أي يوم افتتاح معرض جماعي ضم أعمالاً للأقطاب الأربعة من الفنانين الذين تأسست منهم المجموعة المؤسسة للحركة، لن تدوم طويلاً لكنها تمتد في ماضيها وحاضرها بشكل يجعلها صاحبة دور كبير في انتقال الفن التشكيلي الألماني من ماضيه كوريث لـ"الضواري" ولـ"ما بعد الإنطباعية"، إلى مستقبله "التعبيري" وهما ماض ومستقبل ينسياننا تماماً اسم "الجسر". مهما يكن أفلم نقل أن الجسر إنما هو رابط بين عالمين؟.

جماعة وأفراداً

لقد عاشت حركة "الجسر" حتى 1911 نشيطة منتجة بشكل جماعي وفردي، ليبدأ انفراط عقدها في 1912، وتحل نهائياً في 1913. وعلى هذا تكون حياتها الرسمية اقتصرت على ثمانية أعوام. ومع هذا لا تزال حتى اليوم تعتبر واحدة من أهم الحركات الفنية التي عرفها القرن العشرون، بل تعتبر التيار الرئيسي في المدرسة التعبيرية الألمانية. وإذا كان أقطاب حركة "الجسر" الرئيسيون وهم إرنست كيرشنر وإريك هيكيل وكارل شميت - روتلوف وفريتز بلييل، ومن بين المشاركين معهم والمنضمين إليهم لفترة، كل من ماكس بيشتاين وإميل نولده بل حتى فان دونغن، يعتبرون أنفسهم الامتداد الطبيعي لأعمال فان غوغ وغوغان وكليمت، من المؤكد والواضح أن تأثرهم الرئيسي كان بأعمال الرسام النرويجي إدفارد مونخ، ولا سيما منها لوحتاه "الصرخة" و"رقصة الحياة". فانطلاقاً من أعمال مونخ هذه تأسست الجماعة لتقدم معرضها الجماعي الأول ابتداء من ذلك اليوم. وكان كافة أعضائها المؤسسين من طلاب مدرسة درسدن التقنية التي كانت من أشهر معاهد الهندسة المعمارية في ألمانيا في ذلك الحين، وكان الفنان شميدت - روتلوف هو الذي اختار لها اسم "الجسر" انطلاقاً من إيمانه وإيمان رفاقه بـ"دور الفن في العبور إلى المستقبل، المستقبل الذي يتعين على أعمالهم نفسها أن تشكل جسراً للوصول إليه". كان الشعار، إذاً، واضحاً، غير أن أصحابه لم يتمكنوا أبداً من تحديد أساليبهم الفنية، ولا غاياتهم، ما جعل هذه الغاية تبدو على الدوام غامضة، مختبئة خلف مفهوم العبور والجسر والمستقبل.

ثورة على الواقع

في نهاية الأمر كان ما يحرك أولئك الرسامين نبض ثورة على الواقع، كانت غايتهم الأساسية أن يحققوا "حرية العمل والحركة ضد قوى النظام القديم الراسخة". وهم من الناحية العملية وقفوا أول ما وقفوا ضد ضروب الواقعية، ولكن بخاصة ضد الانطباعية التي كانوا يعتبرونها ترفاً لونياً لا أكثر. وهم لتعزيز موقفهم هذا تمكنوا من أن يبنوا أسلوباً حضرياً ينتمي في نهاية الأمر إلى التعبيرية، كما تجد جذورها، كما أسلفنا لدى فان غوغ وغوغان وتيار "النبيين" وتيار "الضواري"، ولكن أكثر من هذا وفي المجال التعبيري لدى مونخ. وهذا ما سهل انضمام فنانين آخرين إليهم ولو من بعيد، من أمثال فان دونغن. مثل جماعة "الضواري" عبّر "الجسريون" باكراً عن اهتمامهم بالرسم البدائي، كما اكتشفوه في أعمال معروضة في المتحف التابع لمعهد درسدن الاتنولوجي، الذي كانوا يمضون جل وقتهم فيه، ومع هذا فإن استلهامهم أعمال ذلك الفن اختلف في أساليبه كما في غاياته، عن أساليب وغايات الفنانين البدائيين، ومن هنا كان التأثر مجرد تأثر شكلي، وربما لوني في بعض الحالات، لا أكثر. وفي جميع الأحوال نراهم مهتمين برسم الأشكال البشرية والمناظر الطبيعية، كما نرى أغلب مشاهد لوحاتهم تدور خارج البيوت والغرف المغلقة، ناهيك عن عنف الخطوط ودفء الألوان لديهم بصورة عامة، تلك الألوان التي غالباً ما كان استخدامها لديهم استخداماً رمزياً (لدى كيرشنر بشكل خاص). أما الإنجاز الأهم الذي حققوه، في نظر مؤرخيهم الأميركيين الذين كانوا على الدوام أكثر اهتماماً بهم من المؤرخين الفرنسيين والأوروبيين عموماً، فكان إعادة إحيائهم لفن الحفر والطباعة على الخشب، وهو فن برعوا فيه بشكل خاص، وأنجزوا بفضله بعض أهم أعمالهم.

من درسدن إلى برلين

في عام 1910 انتقلت جماعة "الجسر" بنشاطها من درسدن إلى برلين حيث انضم إليها الفنان أوتو مويلر، وذلك قبل عامين من ضمور نشاط المجموعة ثم انفراطها كلياً. ويذكر أن أعضاء المجموعة كانوا في سنوات حياتها الأولى يعرضون معاً، ويعيشون معاً، ويزورون المعارض والمتاحف معاً، حيث يمضون ساعات طويلة بعد كل زيارة وهم يتناقشون بصدد ما شاهدوه. وهذا ما جعل حياتهم تلك تعتبر نموذجاً لحياة فنية جماعية. ولئن كانت المجموعة قد حلت في 1913، فإن أقطابها ظلوا يواصلون عملهم بالأساليب والاستخدامات اللونية نفسها، حتى وإن كان كل واحد منهم قد انصرف إلى فرديته التي راحت تتمايز شيئاً فشيئاً. وهكذا إذا كان مصير المجموعة قد حسم بأبكر مما ينبغي، فإن مصائر أقطابها كأفراد، ظلت متواصلة، بحيث صار بعضهم من كبار فناني القرن العشرين هذا، بينما اختفى البعض الآخر، وإن ظلت أعماله شاهدة على عبوره المؤثر لساحة الحياة الفنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأربعة الأساسيون

ولعل من الملائم هنا أن نتوقف بعض الشيء عند مسار المؤسسين الأربعة الذين سوف تطغي فرديتهم وفرادة إنجازاتهم على بقية رفاقهم والمجايلين لهم، ولنبدأ هنا بكيرشنر الذي عاش بين 1880 و1938 ليكون المبادر مع بلييل وهيكل وشميت - روتلوف في صياغة البيان الافتتاحي المعلن عن قيام المجموعة وانقلابها على السلف من خلال المعرض الجماعي الأول الذي أشرنا إليه. ولقد ترك كيرشنر إلى جانب لوحاته التي أنتجها طوال أربعة عقود، الكثير من الكتابات النظرية. وكذلك فعل رفيقه إريك هيكيل (1883 – 1970) الذي عُرف بمصادرة النازيين نحو 800 من لوحاته عام 1937 باعتبارها "فناً منحطاً" كما دمر قصف الخلفاء مدينته درسدن بعد ذلك محترفه تدميراً تاماً. وكان مشابهاً لذلك مصير ما يقرب من 760 لوحة لرفيقه شميت - روتلوف (1884 – 1976) الذي اعتبر النازيون أن فنه لا يقل انحطاطاً هو الآخر عن فن رفاقه. ولعل الوحيد الذي نفد بجلده من ذلك المصير، رابع المؤسسين فريتز بلييل (1880 – 1966) الذي لم يدم انتماؤه إلى الجماعة سوى عامين كان خلالهما من أشدهم حماسة إلى درجة أنه رسم بنفسه ملصق المعرض الأول الذي صادرته الشرطة ولكن فقط لـ"إباحيته"... وهو بعد ذينك العامين وبعد سلسلة بورتريهات بديعة صور فيها رفاقه تخلى عن الرسم لأسباب عائلية لا أكثر ولا أقل.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة