Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أربعة عقود على ملف المفقودين في لبنان والذاكرة تقاوم التجاهل الرسمي

"الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفَين قسراً" تسعى جاهدة إلى عدم طمس قضيتهم

ملخص

في #لبنان وبعد 40 عاماً مصير 17 ألف مفقود و622 معتقلاً في #السجون_ السورية لا يزال مجهولاً

في عام 1990، سكتت أفواه البنادق مؤذنةً بنهاية الحرب الأهلية، وعبر لبنان نحو السلام البارد، فيما ساد صمت عميق حول مصير 17 ألف مفقود ومخطوف، وبقي غامضاً مصير 622 معتقلاً في السجون السورية، ومنذ ذلك الحين، يستمر نضال الأهالي لمواجهة مرور الزمن، وإعلان وفاة قضيتهم.

الانتظار المر

منذ 40 عاماً، بدأت مسيرة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان، وانطلقت معها مقاومة من نوع آخر للحفاظ على الذاكرة الجماعية الحية، وانتزاع الاعتراف بأحقية مطالبتهم، فخلال الأعوام القليلة الماضية خطف الموت عدداً من أمهات المفقودين، وخسرت الحركة "محاربات شرسات"، لم تمنعهن الشيخوخة من البحث المضني عن مصير أبنائهن وذويهن، وأخيراً، أطلقت اللجنة سلسلة من الفعاليات ضمن معرض "خط زمني" من أجل توثيق مسار أربعة عقود، تخللها "البحث عن أحبة بلا أضرحة" منذ عام 1982.

الاعتراف المتأخر

شكل إقرار القانون 105 الصادر عام 2018، نقطة انطلاق لتشكيل "الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفَين قسراً"، واعترافاً ضمنياً بأحقية مطلب الأهالي بجلاء مصير ذويهم، وبعد مرور عامين على القانون أصدرت الحكومة في يوليو (تموز) 2020 مرسوماً قضى بتعيين أعضاء الهيئة، التي شهدت استقالات متعاقبة، وآخرها رئيسها القاضي سليم الأسطا، يؤكد زياد عاشور (رئيس الهيئة بالإنابة) لـ "اندبندت عربية" أن الهيئة منشأة بقانون ولها مهمة رئيسة ومباشرة هي الكشف عن مصير المفقودين والمخفَين قسراً في لبنان، وتقديم الحقيقة للأهالي، ناهيك عن "منع تكرار هذه التجربة"، و"تحصين المجتمع اللبناني ضد هذه الظاهرة"، و"بناء الهوية الوطنية الصحيحة بعيداً من خيانة هذه القضية القيمية"، متحدثاً عن وجود مجموعة عقبات، حالت وتحول دون بلوغ الهيئة أهدافها على وجه السرعة، فمن جهة "أعضاء الهيئة ليسوا من المتفرغين، ولا يتقاضون معاشات عن عملهم"، كما أنه لم يوفر للهيئة مقر "فهي تجتمع في مكان خاص"، كما لم ترصد موازنة لها، ولم يكتمل تشكيلها في انتظار تعيين عضوين إضافيين، مشيراً إلى ازدياد صعوبة المهمات الموكلة بها في ظل الانهيار المالي والاقتصادي.

المهمة غير سهلة

تحاول الهيئة "مأسسة عملها"، لذلك انصبت مهمتها منذ عام 2020 على وضع النظام الداخلي، والنظام الإداري المالي، ومدونة السلوك، ووضع خطة عمل، والبحث عن اعتمادات لتمويل الهيئة من الدولة، وشركاء محليين، ودوليين حسب زياد عاشور، الذي يشدد على أن "الهيئة تعمل على بناء خطاب مختلف عن خطاب الآخرين، نظراً لطبيعتها المختلطة، فهي من ناحية جزء من النظام السياسي الرسمي القائم، ولكنها في المقابل مولجة بمعالجة قضية إنسانية، لذلك فهي ستكون مؤثرة فيه"، لذلك تسعى لتشكيل مرجعية على مستوى "الداتا" وقاعدة البيانات، والتموضع بين المؤسسات القائمة والمجتمع المدني والإعلام باعتبارها "مدخلاً جديداً على النظام".

من هنا، يعتقد عاشور أن "الهيئة شكلت انعطافاً نوعياً في نظرة الدولة اللبنانية لهذا الملف بعد سلسلة من اللجان غير المنتجة، وكان عملها غير مقنع وغير مكتمل"، قائلاً "علينا تكوين مؤسسة لتسليمها إلى أعضاء الهيئة الجدد مكتملة العناصر القانونية والتقنية والمالية" لعدم تكرار سلسلة الإخفاقات.

يتطرق عاشور إلى "المدى القانوني" لعمل اللجنة، فهي محصورة بالإطار القانوني المحدد لها في نطاق القانون الدولي الإنساني، "فهي ملزمة التعامل مع من هم في السلطة بغض النظر عن مسؤوليتهم في ملف الاختفاء القسري، وأي خروج شعبوي عن هذه الولاية لا يفيد القضية مطلقاً"، موضحاً "تتمتع الهيئة بشخصية معنوية، ولها وجود قانوني مستقل، فهي من أشخاص القانون العام، بالتالي فإنها قادرة على الادعاء عندما تجد ذلك ضرورياً، كما يمكنها الطلب من السلطات العامة والقضاء التحرك في سبيل تحقيق مهمتها الإنسانية". وهي معنية بالمخفَين والمخطوفين كافة على الأراضي اللبنانية، بالتالي يدخل في نطاقها الموجودون في سوريا، "علماً أن الهيئة لا تمتلك الإمكانات الكافية لتنفيذ الخطة على المستوى الوطني والخارجي". 

خطوة نحو المصالحة

ينوه عاشور بالدور الذي لعبته لجنة أهالي المفقودين للحفاظ على القضية حية، ولكن في المقابل "خسرنا كثيراً من الوقت والأشخاص قبل الوصول إلى الحقيقة حول مصير 17 ألف مفقود". ويلفت من جهة أخرى إلى تعاون مستمر مع الصليب الأحمر الدولي، من أجل تطوير قدرات الهيئة ومساعدتها لتصبح "مرجعية لبناء قاعدة بيانات وطنية" في ملف المخفَين قسراً والمقابر الجماعية، وصولاً إلى نسبة الرفات إلى ذويها، متأسفاً إلى "نزف في البيانات خلال المرحلة الماضية بفعل وفاة أهالي المفقودين والمخفَين قسراً، وكذلك التمدد العمراني الذي يهدد المقابر الجماعية ويعبث بها".  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

    

عائد من جهنم

خلف جدران التجاهل تستمر معاناة 622 معتقلاً داخل السجون السورية، ويختصر علي أبو دهن (رئيس جمعية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية) تجربة 13 عاماً "من العذاب النفسي والجسدي" بين جدران سجن تدمر بعبارة "عائد من جهنم"، عندما دخلنا إلى السجن موثقين بالجنازير والحديد، استقبلنا السجان بـ "ها قد أتيتم إلى مثواكم الأخير"، "لا تستنجدوا بالله أو بـ حافظ الأسد، كل سجان منا هو الله ويمكنه إنهاء حياة أي واحد منكم ساعة يشاء".   

يجزم أبو الدهن أن "هناك توثيق رسمي للمعتقلين في السجون السورية بموجب شهادات شهود وجهد منظمات دولية، حيث بلغ الرقم الأصلي 628 معتقلاً، أعيدت رفاة ثلاثة منهم إلى لبنان، فيما عاد ثلاثة منهم أحياء". يؤكد أبو الدهن "جميع من اعتقل لأسباب سياسية لدى النظام السوري، اعتقلوا بطريقة تعسفية، وقد حصلت إما من طريق الخطف أو التسليم من قبل أحزاب لبنانية تابعة للنظام"، مشيراً إلى أن "المعتقلين موزعون على سجون وفروع أمنية عدة، بعضها غير معروف الموقع". يقول "اعتقلنا لمدة خمس سنوات في مكان لا يعرفه أحد، وحده الذباب الأزرق كان قادراً على الوصول إلينا"، و"لم يخبرونا أو يخبروا أهالينا عن مكان تواجدنا مطلقاً". انتهج الخاطفون أسلوب "سلب الاسم الشخصي واستبداله برقم، فعلى سبيل المثال تحول علي أبو الدهن إلى المعتقل رقم 13"، وبقي على هذه الحال إلى حين خروجه من المعتقل بموجب عفو رئاسي صادر عن الرئيس السوري –المنتخب آنذاك- بشار الأسد في 12 ديسمبر (كانون الأول) 2000، إثر وفاة والده الرئيس حافظ الأسد في 10 يونيو (حزيران) 2000.

يصف علي أبو الدهن سجن تدمر بـ "المنفى" الذي لا يخرج منه إلا صاحب الحظ الكبير، وهو "أسوأ من سجن أبو غريب الشهير في العراق"، وينطبق عليه القول الشهير "الداخل مفقود، والخارج مولود". هناك، يعيش المعتقل تحدياً يومياً ولحظياً مع "الموت المحتم"، يروي أبو الدهن "كنا نتعرض للتعذيب مرتين يومياً"، وكان غذاؤنا حبة زيتون عند الترويقة وملعقة شاي صغيرة، وملعقة صغيرة يومياً لبنة أو حلاوة أو مربى، مع رغيف خبز.

يشكل استرجاع تلك اللحظات "ضغطاً نفسياً" شديداً على المعتقلين السابقين، يتحدث أبو الدهن أن "الكوابيس تستمر في ملاحقته حتى اللحظة بعد عقدين من الخروج".        

لا مبالاة حكومية

يطالب العائدون من سوريا بـ "المساواة مع أقرانهم المحررين من السجون الإسرائيلية". ويجزم أبو الدهن "لم تقدم لنا الدولة اللبنانية أي شكل من أشكال المعونة، فنحن لا تشملنا الرعاية الصحية أو الاستشفائية والاجتماعية، كما لا نحظى بالاعتراف الرسمي بمظلوميتنا لأننا كنا في سجون دولة شقيقة حسب تقديراتهم". ويضيف "بعد تحرير الجنوب في مايو (أيار) 2000 حظي الأسرى المحررون من سجن الخيام بعناية فائقة، بينما نحن خرجنا بعدهم بسبعة أشهر، ولم يجرؤ أحد على الحديث إلينا، خوفاً من تعرضهم للملاحقة".

اليوم، يبقى السؤال راهناً عن آلية متابعة أوضاع 622 معتقلاً في السجون السورية، ويشير أبو الدهن "لا نعرف شيئاً عنهم، والدولة اللبنانية مقصرة تجاه المعتقلين من شعبها خارج أراضيها"، مستدركاً في عام 2005، تشكلت لجنة لبنانية - سورية لمتابعة الملف، اجتمعت اللجنة مرات عدة، وأصر الجانب السوري أن "المعتقلين ليسوا عندنا". ولكن مع اندلاع الثورة السورية تسربت وثائق بينت وجود معتقلين لبنانيين في السجون السورية، وعن تعرض بعضهم للإعدام، متمسكاً بوجود توثيق رسمي لـ 622 معتقلاً لدى الجهات الرسمية اللبنانية والجمعيات الحقوقية والأهالي، كما يلفت إلى أنه "تبلغنا في 2021، كان هناك صديق لي في السجن، اسمه نبيل.خ عرفته عام 1992، وبقينا معاً حتى عام 2000. وكذلك صديق من عام 1987 يدعى حسن.ح، وخرج متوفىً في 2019، مما يدل على وجود معتقلين لا نعرف أين هم في ظل سلسلة النفي، وعدم تحرك السلطات اللبنانية".

يكشف أبو الدهن أن لدى الجمعية نية لرفع دعوى قضائية دولية ضد النظام السوري، ولكن ذلك يتوقف على توفر التمويل لأنها "خطوة مكلفة"، ولم نحصل على مساعدة من أي جهة محلية أو دولية، كما يتطرق إلى توثيق تجربة 23 معتقلاً لبنانياً في السجون السورية في إطار درامي ضمن الفيلم السينمائي "تدمر" الذي فاز بسلسلة جوائز دولية، كما أنجز هؤلاء مسرحيتين، من بينها "بلا عنوان" التي منعت من العرض في لبنان بعد عرضين فقط، ووثّق علي أبو الدهن تجربته في عمله الروائي "عائد من جنهم" ذكريات سجن تدمر، بعد قضاء 13 عاماً في السجون السورية.  

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير