Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تسرب فيروس كورونا من أحد المختبرات؟

ترى بعض الوكالات الحكومية الأميركية أن هذه الفرضية صحيحة، لكن إثبات ذلك يحتاج لمزيدٍ من الأدلة لتحديد

تعتقد بعض الوكالات الحكومية الأميركية أن "كوفيد" نشأ من تسرب مختبري في الصين (غيتي)

ملخص

أشار تقرير صحافي أن محققين تابعين لوزارة الطاقة الأميركية، توصلوا إلى استنتاج نسبة التأكد فيه متدنية أن وباء #كوفيد_19 كان مصدره على الأرجح، تسربٌ من مختبر في مقاطعة #ووهان في الصين

نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في أواخر فبراير (شباط) الفائت تقريراً مثيراً للصدمة جاء فيه أن محققين تابعين لوزارة الطاقة الأميركية، توصلوا إلى استنتاج نسبة التأكد فيه متدنية مفادُه أن وباء "كوفيد-19"، كان مصدره على الأرجح، تسربٌ من مختبر في مقاطعة ووهان في الصين.

هذه الخلاصات يبدو أنها تتناقض مع تأكيداتٍ مدروسة من جانب علماء ومسؤولين حكوميين أصروا على أن المرض - شأنه شأن جميع الأوبئة الأخرى التي تفشت قبله - نشأ عندما انتقل فيروسٌ من الحيوان إلى البشر في وقتٍ ما في خريف عام 2019 في الصين. وبدا أن الاستنتاج الأخير قد أثبت في غضون أيام قليلة، صحة مزاعم سياسيين في الحزب "الجمهوري" إضافة إلى صقور صينيين على حد سواء، والتي سبق أن رُفضت باعتبارها من قبيل نظريات المؤامرة، والتناحرات الحزبية المتوترة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"مكتب التحقيقات الفيدرالي" (أف بي آي) FBI توصل هو أيضاً - إلى استنتاج نسبة التأكد فيه معتدلة - يفيد بأن تسرباً من مختبر "كوفيد" كان المصدر الأكثر ترجيحاً لانتشار العدوى، في وقتٍ يُبقي فيه "مجلس الاستخبارات الوطني" الأميركي National Intelligence Council (الذراع التحليلية لفرق "إدارة الاستخبارات الوطنية") وأربع وكالاتٍ حكومية أميركية عليا أخرى، على تقييم ذي مستوى نسبة التأكد فيه متدنية، بأن المرض كانت نشأته من الحيوان.

هل انقلب إذاً عالَم معرفة مصدر "كوفيد" رأساً على عقب؟ الجواب بحسب خبراء فيروس كورونا هو: ليس تماماً.

فاستناداً إلى أستاذ علوم البيئة والصحة المهنية البروفيسور جيرارد كانغيلوسي، وهو عميدٌ مشاركٌ للبحوث في كلية الصحة العامة التابعة لـ "جامعة واشنطن"، مثلت النتائج التي توصلت إليها وزارة الطاقة الأميركية - والتي أقرت بها الوكالة ("مجلس الاستخبارات الوطني") فقط بمستوى متدني من اليقين –  استنتاجاً هو "أفضل بقليل من تخمين وجه العملة المعدنية عند رميها في الهواء".

"جميع الأدلة المتاحة للتدقيق في شأن انتشار الجائحة، تشير إلى أن العدوى انتقلت من حيوانات حية إلى البشر"

عالمة الفيروسات أنغيلا راسموسن

البروفيسور كانغليوسي قال لـ "اندبندنت": "نحن لا نعرف شيئاً مؤكداً"، مشيراً إلى أن الأدلة التي قدمتها وزارة الطاقة على النتائج التي توصلت إليها، لم تُنشر على الملأ كي يصار إلى مراجعتها. وأضاف أن "أي شخص يزعم أنه يعرف كيف كانت نشأة الفيروس إنما يخدع نفسه. إذ يجب دائماً أن يتم إثبات ذلك والتأسيس عليه. إن الأمر يتطلب في الواقع وقتاً طويلاً للتوصل إلى نتيجةٍ حاسمة. وما زلنا لا نعرف بالضبط من أين جاء "فيروس نقص المناعة البشرية" HIV. ولا نعرف تحديداً من أين أتى فيروس الإنفلونزا في عام 1918. إن من الصعب للغاية الفصل في هذه المسألة".

ويفضل الخبير في علوم البيئة والصحة بدلاً من ذلك، أن ينطلق مما نعرفه في الوقت الراهن. ويتابع قائلاً: "إن كل مرض معدٍ اختبرناه، كان قد نشأ بشكلٍ طبيعي، وفي معظم الحالات من مصدرٍ حيواني. بمعنى أنه نشأ من حيوان ثم انتقل في ما بعد إلى البشر. هذا وحده يجعل الأمور تبدو منطقيةً للغاية، وهذه هي الطريقة التي نشأ من خلالها فيروس "سارس - كوف-2" SARS-CoV-2 .

ويرى البروفيسور كانغيلوسي أن المجموعة الأولى من الحالات التي بدأ تسجيلها في خريف عام 2019 في مختلف أرجاء ووهان في الصين، كان من الممكن أن تصيب عاملين كانوا يدرسون فيروسات كورونا في مختبراتٍ قريبة - بحيث أن فرضيتي التسرب من المختبر والأصول الطبيعية للفيروس "لا تتعارض إحداهما مع الأخرى" - لكن الخبير في الصحة العامة أشار إلى أنه لا يوجد دليلٌ يؤكد بشكلٍ ملموس أن "كوفيد" بدأ تجربةً في مختبر صيني، وانتشر في جميع أنحاء العالم بعد وقوع حادث، كما يعتقد كثيرون من اليمين السياسي.

وقال: "إن الأدلة التي عاينتُها والتي مفادُها أن الصينيين يخفون شيئاً ما، هي عرضية، ولا تُعد في الواقع قاطعة".

ويتفق خبراء علميون آخرون مع البروفيسور كانغليوسي. ففي مقالٍ نشرته صحيفة "واشنطن بوست" هذا الشهر، كتبت أنغيلا راسموسن عالمة الفيروسات في "منظمة اللقاحات والأمراض المعدية" Vaccine and Infectious Disease Organization التابعة لـ "جامعة ساسكاتشوان" في كندا، التي شاركت في تأليف إحدى الدراسات الرئيسية في عام 2022 عن أصول فيروس "كوفيد"، أن "جميع الأدلة المتاحة للتدقيق في شأن انتشار الجائحة، تشير إلى أن العدوى انتقلت من حيوانات حية إلى البشر".

وأضافت: "يبدو أن هناك جانباً واحداً يتفق عليه جميع الذين شاركوا في درس أصول ’سارس - كوف-2‘ بمَن فيهم ’مكتب التحقيقات الفيدرالي‘ ووزارة الطاقة الأميركية، وهو أنه لم يكن هناك أي تعديلٍ مختبري للفيروس. وفي الواقع، لم يُجرَ أبداً الإبلاغ عن أي عدوى نتيجة عاملٍ مسببٍ للمرض، نجم عما يُعرف بتجارب "أبحاث اكتساب الوظيفة" Gain of Function Research (GoFR) (وهو مصطلح يعني إجراء تجارب تهدف إلى تغيير صفات كائنٍ حي بطريقة تزيد من التسبب بالمرض).

بدلاً من ذلك، نحن أمام مزيج من عدم اليقين والتخمينات غير المؤكدة، وهي الحال عند القيام بدراسة الأوبئة، بحيث يتم غالباً احتساب المسارات الدقيقة لرحلة انتقال المرض حول العالم، على أساسٍ احتمالي، بدلاً من توخي الدقة الأكيدة التي تُعتمد عادةً في معاينة مسرح الجريمة.

يُشار إلى أن لجنةً بقيادة أعضاء "جمهوريين" في مجلس النواب الأميركي، عقدت أخيراً جلسة استماع علنية مثيرة للجدل حول أصول فيروس "كوفيد"، وهي الأولى في سلسلة مخططٍ لها، وتُعد مؤشراً على أن الجدل المتعلق بالأيام الأولى للوباء لن ينتهي في وقتٍ قريب. قد لا نعرف أبداً اللحظة الدقيقة التي انطلق فيها فيروس كورونا ليصيب البشر، لكن النزاع الطويل حول أصوله، لم يكشف عن وجود ثغراتٍ في حال التأهب لمواجهة وباء عالمي فحسب، بل أيضاً عن عاملٍ طويل من التحزب يلقي بظلاله على الأمور، من شأنه أن يعيق استجابتنا للأمراض المعدية الآتية لا محالة.

ويمكن تتبع المجموعة الأولى من حالات الإصابة بداء "كوفيد" التي سُجلت في "سوق هوانان لمبيع المأكولات البحرية " في ووهان Huanan Seafood Wholesale Market. ووفقاً للباحثين، فقد باع التجار هناك لحوم حيوانات، ككلاب الراكون والثعالب الحمراء، في أواخر عام 2019، التي يمكن أن تُصاب بالمرض المسبب لـ "كوفيد". وجرى تصوير تلك الحيوانات بالقرب من أكشاك البيع، حيث وجد العلماء في ما بعد آثاراً لفيروس "كوفيد" على أسطح الأقفاص والعربات والآلات التي تعالج الحيوانات المذبوحة.

وظهرت الأعراض على أول مريض تم تحديده في تلك السوق، التي أصبحت في ما بعد موقعاً لمجموعة مبكرة من الأعراض، وذلك اعتباراً من العاشر من ديسمبر عام 2019، عندما كان هناك ما بين 10 إلى 70 شخصاً فقط مصابين بـ "كوفيد" في مختلف أنحاء العالم، وفقاً لتحليلٍ جيني.

لدى الحكومة الأميركية سبباً للاعتقاد بأن عدداً من الباحثين داخل ’معهد ووهان لعلوم الفيروسات‘ أصيبوا بالمرض في خريف عام 2019، قبل اكتشاف أول حالة تفش للمرض

وزارة الخارجية الأميركية

 

مايكل ووروبي، عالم الأحياء التطورية في جامعة أريزونا الذي درس بشكلٍ مكثف الأيام الأولى للمرض، قال لـ "الإذاعة الوطنية العامة" في فبراير (شباط) الفائت، إن هناك مستوى "غير منطقي" من الأدلة التي تربط التفشي المبكر للعدوى بالمنطقة المحيطة بالسوق.

وأضاف: "إن لدينا تحليلاً واحداً يظهر بشكل أساسي أن فرصة وجود هذا النمط من الحالات (المتجمعة في مختلف أنحاء تلك السوق) هي واحدة من كل 10 ملايين (إذا لم تكن السوق مصدراً للفيروس). من هنا، فإننا نعتبر ذلك دليلاً قوياً في العلم. وتشكل التحليلات التي أجريناها محتوى متيناً للغاية. والدليل المتوافر هو من بين أفضل ما لدينا في ما يتصل بأي فيروسٍ ناشئ".

النتائج التي توصل إليها البروفيسور ووروبي، نُشرت في بحثٍ مستفيض قام بمراجعته أقرانٌ علميون في مجلة "ساينس" Science الصيف الماضي، لكن لم يكن هناك دائماً مثل هذا الدليل الملموس للاستناد إليه.

وقد كان على العلماء - في ظل وجود الكثير من المعلومات الغامضة والمجهولة عن أصول "كوفيد"، خصوصاً خلال أيامه الأولى - أن يدحضوا نظريات المؤامرة، في الوقت الذي كانوا يسابقون الزمن لتحليل المرض الذي أخذ يتفشى بسرعة.

وفي رسالة إلى مجلة "ذا لانسيت" The Lancet الطبية المرموقة في فبراير من عام 2020، دانت مجموعةٌ من كبار العلماء زعم البعض النشأة غير الطبيعية لفيروس "كوفيد"، وبأنه انتشر في مكانٍ ما في مختبر في الصين.

وجاء في الرسالة: "إننا نقف معاً لإدانة نظريات المؤامرة التي تشير إلى أن عدوى ’كوفيد - 19‘ ليست ذات نشأةٍ طبيعية. وقد نشر علماء من بلدانٍ عدة معلوماتٍ وحللوا جينومات مسببة للعامل المرَضي ’متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد الوخيم 2‘ Severe Acute Respiratory Syndrome Coronavirus 2 (المعروف اختصاراً بـ ’سارس - كوف-2‘) واستنتجوا بغالبيةٍ ساحقة أن فيروس كورونا هذا نشأ في الحياة البرية، شأنه شأن عددٍ من مسببات الأمراض الناشئة الأخرى.

تقارير العلماء لم تحل دون دخول جهات حزبية فاعلة تلك المعمعة، كالمستشار التجاري للبيت الأبيض بيتر نافارو الذي أطلق تكهنات قوية بأن الصينيين "يريدون استخدام فيروس ’كوفيد‘ كسلاح"، وبأنهم "أرسلوا مئات الآلاف من المواطنين الصينيين إلى (الولايات المتحدة) لزرع الفيروس ونشره". في غضون ذلك، تولى الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب، تكرار وصف الوباء بالعبارة العنصرية "كونغ فلو" Kung Flu (في إشارة إلى فنون الدفاع عن النفس الصينية "كونغ فو").

مع ذلك، دخلت في نهاية المطاف التساؤلات حول أصول "كوفيد" واحتمال تسربه من مختبر، إلى المزيد من الأوساط العلمية.

ففي شهر مايو (أيار) من عام 2021، طالبت مجموعةٌ أخرى من العلماء البارزين بالتحقيق في كل من الانتشار الطبيعي لعدوى "كوفيد" ونظرية التسرب المختبري. وكتبت في رسالة نشرتها مجلة "ساينس"، إن "معرفة طريقة ظهور فيروس ’كوفيد - 19‘ تُعد أمراً بالغ الأهمية لتزويد الاستراتيجيات العالمية بالمعلومات الوافية، للتخفيف من مخاطر تفشي أمراضٍ في المستقبل".

ديفيد ريلمان أحد مؤلفي الرسالة وهو أستاذ في علم الأحياء الدقيقة والمناعة في "جامعة ستانفورد"، رأى في عام 2021 أن "عدوى ’سارس - كوف-2‘ قد تكون أمضت بعض الوقت في المختبر قبل الوصول إلى البشر". وأضاف: "نحن ندرك أن بعض أكبر مجموعات فيروسات كورونا من الخفافيش في العالم - إضافةً إلى برنامج بحثي قوي يتضمن تكوين فيروسات من خفافيش ’خيالية‘، من خلال دمج تسلسلات جينية لفيروس كورونا غير مألوف مع فيروسات كورونا أخرى معروفة - كانت موجودة في وسط مدينة ووهان. ونحن نعلم أن الحوادث المختبرية تحدث في كل مكان توجد فيه مختبرات".

وفي ذلك العام، خلصت "منظمة الصحة العالمية" World Health Organization (WHO) بعد تحقيق مشترك أجرته مع الصين، إلى أنه "من غير المحتمل للغاية" أن يكون فيروس "كوفيد" قد تسرب من مختبر، وذلك على رغم انتقاداتٍ صدرت في الداخل والخارج بأن المسؤولين الصينيين لم يكونوا على استعدادٍ كامل للتعاون خلال العملية، الأمر الذي حال دون التوصل إلى بعض أشكال بيانات المرضى. وتم بهدوء تعليق المرحلة الثانية من التحقيق، بما فيها إمكان التدقيق في عمل مختبراتٍ فردية.

السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض آنذاك جين بساكي، قالت عن الصين بعد إصدار "منظمة الصحة العالمية" تقريرها الأولي، إن "(السلطات الصينية) لم تتسم بالشفافية ولم تقدم البيانات الأساسية. وهذا بالتأكيد لا يُعد تعاوناً".

وأضافت أن التقرير "لا يقودنا إلى أي فهمٍ أو معرفةٍ أكبر مما كان قد توافر لدينا قبل 6 إلى 9 أشهر عن نشأة الفيروس.

أما المسؤولون الصينيون فواصلوا من جانبهم الوقوف وراء ما توصلت إليه "منظمة الصحة العالمية".

واعتبر المتحدث باسم السفارة الصينية [في واشنطن] ليو بينغيو في تصريح لمؤسسة الصحافة الاستقصائية "برو بابليكا" ProPublica العام الماضي أن "الزعم بحدوث تسرب من مختبر هو أمرٌ مستبعدٌ للغاية. وينبغي احترام الاستنتاج... فمنذ البداية، اتخذت الصين موقفاً علمياً ومهنياً وجاداً ومسؤولاً، في طرق تتبع نشأة الفيروس".

وقال الناطق الرسمي إن بعض الأشخاص في المجالين السياسي والإعلامي الأميركي "يشوهون الوقائع والحقيقة، ويجب التوقف عن استخدام الوباء مادةً للتلاعب السياسي، وممارسة ’لعبة إلقاء اللوم‘".

ومع تفاقم الوباء، تصاعدت حدة ’لعبة إلقاء اللوم‘ بحيث واصل مسؤولون "جمهوريون" التأكيد على وجود حقيقة غامضة وراء أصول "كوفيد". ففي تبادلٍ مشين حصل في يوليو (تموز) من عام 2021، زعم السنياتور راند بول أن الدكتور أنتوني فاوتشي كذب في شأن تمويل الحكومة الفيدرالية أبحاثاً شبيهة بتجارب التغيير الوراثي GoFR للتحورات الجديدة لفيروس كورونا في ووهان، والتي كان من الممكن أن تجعلها أكثر عدوى، زاعماً أن قائد شؤون الصحة في الولايات المتحدة لفترةٍ طويلة، "كان يحاول إخفاء المسؤولية عن وفاة 4 ملايين شخص حول العالم نتيجة الوباء".

إلا أن الدكتور فاوتشي رد على الاتهام بالقول: "سيناتور بول، بصراحة تامة، أنت لا تعرف ما تتحدث عنه. وأريد أن أقول ذلك رسمياً، أنت لا تعي حقيقة ما تقوله. فأنت تلمح إلى أن ما فعلناه كان مسؤولاً عن مقتل أفراد، وأنا مستاءٌ من ذلك تماماً. وإذا كان من أي شخص يكذب هنا، فهو أنت أيها السيناتور".

تجدر الإشارة إلى أنه في ذلك الخريف، تحدث موقع "ذا إنترسبت" الصحافي The Intercept عن وثائق تظهر أن "المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية" National Institute of Allergy and Infectious Diseases التابع لـ "المعهد الوطني للصحة" Institute of Health، الذي كان يترأسه الدكتور فاوتشي في ذلك الوقت، قام في الواقع بتمويل منظمة غير ربحية تُسمى "إيكو هيلث آلاينس" EcoHealth Alliance، التي سبق أن عقدت شراكةً مع "معهد ووهان لعلم الفيروسات" Wuhan Institute of Virology (WIV) ، الأمر الذي أضفى تعقيداً على الشهادة التي أدلى بها الدكتور فاوتشي في مايو (أيار) عام 2021، بأن "المعهد الوطني للصحة" لا يمول ولم يمول مثل هذا العمل.

واستناداً إلى ما تقوله "ذا إنترسبت" فإن من غير الواضح ما إذا كان الدكتور فاوتشي على علمٍ بعمل منظمة "إيكو هيلث آلاينس". فقد ذكرت إحدى جوائز عام 2014 لمعهد أبحاثٍ صيني صراحةً أنه لا يمكن استخدام الأموال لدعم بحوثٍ تهدف إلى "التغيير الوراثي للكائنات الحية"، ولا يرتبط أي من الفيروسات المدرجة في لائحة التجارب التي تم إجراؤها بموجب منح مالية، على نحو وثيق بما يكفي بفيروس "كوفيد - 19"، لإحداث تطور عرضي في المرض. وقد أبلغ "المعهد الوطني للصحة" الموقع الإخباري بأنه راجع عمل المنظمة غير الربحية، وخلص إلى أنه لا يُعتبر من الأبحاث الهادفة إلى إدخال تعديلاتٍ وراثية على المرض، وهو تحليل شكك فيه بعض العلماء.

في المقابل، أدت جهود أخرى قادها "جمهوريون" إلى طرح مزيدٍ من الأسئلة المحددة حول نشأة فيروس "كوفيد".

ففي مجلس الشيوخ، صدر تقريرٌ في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 عن لجنة الصحة والتعليم والعمل والمعاشات التقاعدية - بقيادة السناتور آنذاك ريتشارد بور من ولاية كارولاينا الشمالية، الذي حظي بالتقدير لعمله في قضايا الدفاع البيولوجي – جاء فيه أن من "الأكثر احتمالاً أن يكون ’كوفيد‘ ناجم عن حادث متعلق بالبحوث".

وأشار محققون تولوا التدقيق في تقارير الحكومة الصينية الغامضة المتعلقة بالعمل الجاري في مختبر في ووهان، إلى وجود ثقافةٍ مهيمنة تقضي بفرض ضغوطٍ شديدة من أجل تحقيق اكتشافاتٍ علمية مهمة، يشوبها مزيجٌ من الثغرات المقلقة في مستويات السلامة، والجهود الهادفة إلى توسيع نطاق نظام الأبحاث الحيوية في البلاد، قبل أن تكون هناك قدرة على الإشراف عليه بالطرق الصحيحة.

وتضمنت تقارير غامضة محفوظة لدى "معهد ووهان لعلم الفيروسات" معلوماتٍ تنذر بالسوء، عن وجود مؤشرات واضحة على مشكلات سابقة تتعلق بالسلامة والأمن البيولوجي داخل المختبرات. وتطرقت إلى الاستجابات السريعة "في كل مرة كان يحدث فيها ذلك" والمبادرات العاجلة من زياراتٍ واتصالات قام بها كبار مسؤولي الحكومة الصينية في خريف عام 2019، في ما يتعلق ببعض المسائل التي لم يُصر إلى تحديدها. وقد وجدت عمليات تفتيشٍ سابقة للمنشأة في الفترة الممتدة ما بين عام 2011 وعام 2018، مشكلاتٍ تتعلق بتخزين العينات الفيروسية، فيما خلصت لجنة مجلس الشيوخ إلى أن "معهد ووهان لعلم الفيروسات" لقي مصاعب في الحفاظ على مستوياتٍ رئيسية تتعلق بالسلامة الحيوية في مختبراته عالية الاحتواء من المستويين الثالث والرابع على التوالي BSL3 وBSL4"، في إشارة إلى معايير السلامة البيولوجية المعتمدة في تصنيف المختبرات التي تجري أعلى مستويات البحوث الفيروسية حساسية.

إضافةً إلى ذلك، ذكرت لائحة بيانات صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية، رُفعت عنها السرية، أن "لدى الحكومة الأميركية سبباً للاعتقاد بأن عدداً من الباحثين داخل ’معهد ووهان لعلوم الفيروسات‘ أصيبوا بالمرض في خريف عام 2019، قبل اكتشاف أول حالة تفش للمرض، مع وجود أعراض تشير إلى فيروس ’كوفيد - 19‘ وغيره من الأمراض الموسمية الشائعة".

واستناداً إلى الوثيقة، فإن المسألة "تثير تساؤلات حول صدقية ادعاء كبير الباحثين في المعهد شي غينغلي، الذي نفى وجود "أي إصابة" بين الموظفين والطلاب في المعهد بعدوى ’سارس - كوف-2" أو أي فيروسات مرتبطة بـ ’سارس‘".

غير أنه حتى المحاولات التي بدت محايدة ظاهرياً للعثور على معلومات تتعلق بنشأة "كوفيد"، سرعان ما أصبحت مثار جدل حاد، وعرضةً لوابل من الاتهامات بالتستر عن الحقيقة.

ففي عام 2022، قام الخبير الاقتصادي البارز جيفري ساكس بحل لجنة "لانسيت" Lancet رفيعة المستوى التي كانت تعمل على تحديد مصدر جائحة "كوفيد"، بحجة وجود تضاربٍ في المصالح بين العلماء الذين أسهم في اختيارهم للإشراف على المشروع، متهماً إياهم بإخفاء أعمالهم السابقة مع "معهد ووهان لعلوم الفيروسات" ومنظمة "إكوهيلث آلاينس" EcoHealth Alliance. (المشاركون في اللجنة زعموا أنهم كانوا على تواصل طبيعي مع المعهد، وهو مركز بحوث فيروسية دولية، يعمل مع باحثين خارجيين بشكلٍ منتظم، ولديه علاقات قوية تجعله أكثر أهليةً للمساهمة في العمل مع لجنة التحقيق).

في غضون ذلك، أثار السيد ساكس انتقاداتٍ لمحاولته المشاركة إلى جانب أعضاء اللجنة في لقاءاتٍ تكون أحياناً حساسة مع باحثين صينيين، وإجراء مقابلة "بودكاست" في أغسطس (آب) من عام 2022 مع روبرت كينيدي جونيور، أحد كبار مناهضي حملات التطعيم.

وعلى ما يبدو، في كل مرة اجتمع فيها أي فريق من الخبراء والمسؤولين، كان يطغى على أجوائها التوتر، وتُثار حولها شكوك، وتلقي السياسة بظلالها على المناقشة العلمية وتميل إلى حجبها، حتى أنها باتت بمثابة ثقافة متوارثة يمكن الشعور بها حتى ضمن إطار البيانات العلمية الجافة نسبياً في المجلات الأكاديمية.

وفي أكتوبر عام 2022، نشرت مجموعة أخرى من الخبراء استنتاجاتها حول أسباب نشأة "كوفيد" في المجلة العملية Proceedings of the National Academy of Sciences (تُعنى بالأبحاث المهمة التي تغطي العلوم البيولوجية والفيزيائية والاجتماعية).

وذكرت أن "أدلةً علمية مهمة تمت مراجعتها من جانب نظراء علميين، تعزو سبب تفشي "كوفيد - 19" إلى عدوى حيوانية المصدر، ضمن قطاع تجارة الحياة البرية، كما كانت الحال في عددٍ من حالات تفشي أمراض سابقة، بينما لا يمكن استبعاد حدوث تسرباتٍ مختبرية، لا تتوافر أدلة أو بيانات علمية يمكن التحقق منها لدعم هذا التفسير".

غير أنهم أشاروا إلى "إمكان وقوع حوادث في المختبرات، وصعوبة إجراء تدقيقٍ رسمي مستقل لمنشآت مختبر ووهان في أعقاب الصراعات الجيوسياسية الناشئة".

وإزاء هذه الاختلافات وحال عدم القين، يتفهم البروفيسور كانغلوسي في "جامعة واشنطن"، نوعاً ما، الجاذبية التي تتمتع بها نظرية التسرب المختبري، والمتمثلة في أن ظاهرة معقدة وبعيدة المدى مثل جائحة "كوفيد" قد يكون وراءها شخص مذنبٌ ارتكب خطأً في لحظة ما. لكنه يحذر من استخدام التحقيقات الجارية لتحديد مصدر المرض، سلاحاً للتراشق والاتهام السياسي. وأضاف أنه بدلاً من ذلك، ينبغي أن يتمحور الهدف حول مساعدتنا في منع تفشي أمراضٍ أخرى في المستقبل.

وأضاف: "هذا الوضع قد يدفع بأناس، حتى الذين ليست لديهم ميول سياسية أو نياتٍ سيئة، إلى المطالبة بما يخالونه حلاً بسيطاً، وهو إغلاق المختبرات في الصين. وفي الواقع، إن ذلك لن يجدي نفعاً على الإطلاق".

في نهاية المطاف، سيواصل الناس والحيوانات العيش جنباً إلى جنب. وسيمضي البشر في إجراء أبحاثٍ حول الفيروسات. وستبقى المختبرات تواجه مشكلات. ويقول البروفسور إن النقطة الرئيسية تكمن في استخلاص الدروس والعبر من هذا الوباء، ولا سيما تلك المتعلقة بفاعلية لقاحات "أم آر أن أي" mRNA، والحاجة لإنشاء أنظمة مراقبة الفيروسات تكون سريعة وواسعة الانتشار، وأهمية تأمين مخزوناتٍ ضخمة من معدات الوقاية الشخصية، وضمان جاهزيتنا لمواجهة أي جائحة مقبلة.

قد لا نتمكن مطلقاً من التوصل إلى معرفة مصدر هذا المرض المعدي، لكننا على يقين تام من أنه لن يكون الأخير من نوعه.

© The Independent

المزيد من صحة