Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما بعد اجتماع شرم: حسابات المكسب والخسارة للفلسطينيين والإسرائيليين

الرهان على الحل الأمني إخفاق لإسرائيل والسلطة الفلسطينية ربحت من استمرار قنوات التواصل والفصائل تقف في خانة المعترض الملتزم بالمخرجات

اجتماع سابق يجمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس (أ ف ب)

ملخص

تحركت #الإدارة_الأميركية في اجتماع #شرم_الشيخ من خلال توجيه البوصلة إلى زاوية الاستقرار المنشود أمنياً في المقام الأول مع تأجيل أية اتصالات سياسية. وتغيير سلوك #الحكومة_الإسرائيلية أو تغيير ائتلافها هو ما قد يكون مدخلاً لسيناريو مختلف.

جاء اجتماع شرم الشيخ في توقيت بالغ الأهمية من حيث سعي الشركاء الإقليميين والولايات المتحدة للعمل مجدداً، ومحاولة تقريب الفجوة الراهنة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وفي توقيت بالغ الأهمية من حيث التخوف من امتداد ما يجري في مدن الضفة، بخاصة جنين ونابلس، إلى سائر المدن الثائرة، إضافة إلى احتمالات دخول قطاع غزة على الخط في ظل ما سبق وأعلنت عنه حركة "حماس" من ترابط الجبهات الاستراتيجية بين القطاع والضفة.

كما دخلت حركة الجهاد الفلسطيني على الخط بعد اغتيال أحد قادتها في سوريا، وهو علي رمزي الأسود، أبو عبدالرحمن، وهو لاجئ فلسطيني مقيم بمخيمات اللجوء في سوريا، وقد التحق مبكراً في صفوف سرايا القدس، وأعلنت احتفاظها بحق الرد، مما يعني أن هناك أطرافاً فلسطينية وإسرائيلية رافضة لما يجري.

وليس خافياً كذلك ما قاله الوزير في وزارة الأمن بتسلئيل سموتريتش بخصوص الشعب الفلسطيني عقب انتهاء قمة شرم الشيخ، الذي أشار إلى أن الشعب الفلسطيني هو اختراع لا يتجاوز عمره 100 عام.

نتائج مهمة

جاء بيان اجتماع شرم الشيخ جيداً في بنوده، بخاصة أنه استحدث للمرة الأولى في مثل هذه الاجتماعات آلية منضبطة للمتابعة ومراجعة المشهد، وذلك ضمن تسع التزامات بشأن التهدئة والسعي لإحياء عملية السلام، والتزام حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينية التحرك فوراً لإنهاء الإجراءات الأحادية لفترة من ثلاثة إلى ستة أشهر، والتزام إسرائيل وقف مناقشة أي وحدات استيطانية جديدة لمدة أربعة أشهر، ووقف إصدار تراخيص لأي نقاط استيطانية ستة أشهر، وكذلك التزام إسرائيل الحق القانوني للسلطة الفلسطينية في الاضطلاع بالمسؤوليات الأمنية في المنطقة (أ) بالضفة الغربية، والعمل معاً من أجل تحقيق هذا الهدف.

وجرى الاتفاق على استحداث آلية للحد والتصدي للعنف والتصريحات والتحركات التي قد تتسبب في اشتعال الموقف، وآلية أخرى لتحسين الأوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطيني مع رفع هاتين الآليتين للاجتماع المقبل المرتقب في أبريل (نيسان) المقبل.

وفي مقابل ما يجري ترى بعض الفصائل الفلسطينية أن استمرار عقد اللقاءات الأمنية للسلطة مع إسرائيل بدعم أميركي لن تمنحها شكلاً سياسياً، وأنها في حاجة إلى مرجعية حقيقية يمكن البناء عليها في الفترة المقبلة تخوفاً من اندلاع مواجهات فجأة، ويعبر عن هذا التوجه إدانة حركة "حماس"، مشاركة السلطة الفلسطينية في اجتماع شرم الشيخ، كما دعت حركة الجهاد السلطة الفلسطينية لمقاطعة اجتماع شرم الشيخ، ووقف التنسيق الأمني مع إسرائيل.

على رغم ذلك فإن استمرار الاتصالات المباشرة يؤكد وجود قناعة أميركية ومن الشركاء الإقليميين بأنه من الضروري العمل معاً، وإلا فإن الموقف قد ينفجر فجأة، بخاصة مع استمرار حالة التشدد من قبل وزراء المستوطنين، الذين ما زالوا يراهنون على خيارات المواجهة، وهو ما تتخوف من تبعاته الولايات المتحدة، مع استمرار الرهانات على أن الاستقرار الأمني قد يكون لاحقاً مدخلاً لمقاربة سياسية، بعد أن تهدأ الأوضاع في إسرائيل، ولو نسبياً، بخاصة أن أجواء الاتصالات الأميركية - الفلسطينية تعمل في مسار بعيد عما يجري إعلامياً، ويقودها من الجانب الأميركي هادي عمرو، ومن الجانب الفلسطيني حسين الشيخ.

مخطط إسرائيلي

ذهب الوفد الأمني في اجتماع شرم الشيخ انطلاقاً من أن إسرائيل تريد الأمن وليس السياسة أو الاتصال الدبلوماسي مع السلطة في الوقت الراهن، إنما التوصل إلى التهدئة وتثبيت حالة الهدنة في قطاع غزة، وتمرير شهر رمضان بالأساس، على اعتبار أن ما يطرح أميركياً وإقليمياً هو العمل على فرض الاستقرار الأمني تخوفاً من اندلاع أحداث غير مسؤولة، وهو ما دفع مدير المخابرات المركزية ويليام بيرنز إلى التحذير من انتفاضة كبرى في الضفة، بل وحذرت تقارير جهاز الأمن الداخلي "شاباك" من تداعيات ما يجري، وأنه قد تندلع مواجهات شاملة في كل المدن الفلسطينية، وفي توقيت واحد وليس نابلس أو جنين فقط.

وستؤدي الإجراءات التي يتبناها الفريق الأمني في الداخل إلى مزيد من المواجهات، بخاصة مع تتالي استقالات قيادات أمنية في جهاز الشرطة نتاج ما يجري، والمعنى أن الوفد الإسرائيلي يركز على الأمن لا السياسة، وهو مطلب، بل وتوجه قد يؤدي في حال الاستقرار، ولو الهش، إلى إمكان الدخول في مسار سياسي لاحقاً، شريطة ضبط المشهد الراهن أولاً إلى حين الاجتماع المقبل، وهو ما يحتاج إلى إرادة سياسية وأمنية صارمة من المشاركين.

تحفظات أميركية

في إطار ما جرى في اجتماع شرم الشيخ جاءت تحذيرات الإدارة الأميركية لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو (أجرى معه الرئيس بايدن اتصالاً هاتفياً بعد أشهر عدة من القطيعة) بأن تركه لوزرائه يهرعون في تنفيذ مخططاتهم خارج وداخل ما جرى الاتفاق بشأنه في اتفاق الائتلاف قد يعجل بالصدامات المباشرة، ما يؤدي إلى حال من عدم الاستقرار، وعلى اعتبار أن ما يجري في إسرائيل يشير إلى وجود حكومتين، وليس حكومة واحدة تعمل في اتجاهين، مما قد يؤدي إلى تفجير الموقف ليس في الضفة فقط، بل في المنطقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ستدفع كل الظروف والمعطيات الإدارة الأميركية بعد اجتماع شرم الشيخ في هذا الاتجاه المباشر، الأمر الذي يتطلب التعامل الجاد عن طريق تغيير سلوك هذه الحكومة، وهو أمر صعب في ظل مزايدات إعلامية وسياسية واضحة المعالم قد تكلف إسرائيل الكثير، ومن ثم فإن الحل كما تراه مصادر أميركية رسمية إعادة بناء ائتلاف جديد، وهو ما يعمل عليه فريق الدبلوماسيين الأميركيين في القدس وتل أبيب خلال الفترة الأخيرة، حيث جرت مخاطبة قادة الأحزاب خارج الائتلاف الراهن للانضمام إلى أي تشكيل جديد، يمكن أن يكون بديلاً عما هو جار، وقد دخل على الخط أيضاً بعض قيادات اللوبي اليهودي في واشنطن، وعناصر وازنة في "إيباك" كبرى المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، والهدف تغيير الائتلاف الحاكم بدلاً من أية خيارات بديلة قد تكون مكلفة، ودفع ما يجري مع الشركاء الإقليميين إلى حيز التنفيذ مع إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بتهدئة الأوضاع في الكنيست، الذي بات موقعاً لإصدار سلسلة التشريعات السيئة السمعة التي تضر بسمعة ومكانة إسرائيل، الأمر الذي يتطلب مراجعة ما يجري، بخاصة أن تطورات ملف القضاء والسيطرة على مقاليده ستكون مدخلاً حقيقياً للسطو على المجتمع بكل ما فيه، وتوجيهه إلى زاوية أخرى، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من التحديات التي تمس أمن إسرائيل، وبعد أن فشل الرئيس الإسرائيلي هرتسوج في تسويق خطة جديدة للتوافق، التي أيدها الرئيس الأميركي جو بايدن.

تحرك منضبط

تتحرك الولايات المتحدة في اتجاهات مختلفة وفي توقيت واحد، وهو ما برز في تركيز هادي عمرو وحسين الشيخ على كثير من التفاهمات قبل عقد اجتماع شرم الشيخ، في إشارة لا تغيب بأن الإدارة الأميركية عازمة على التحرك، والضغط في اتجاهين: الجانب الفلسطيني أولاً بما جرى إطلاقه من خطة تحفيزية لتثبيت دور السلطة الفلسطينية على الأرض أولاً، ومحاولة تعويم دورها في إطار شامل مع الوعد بتنفيذ ما جرى إطلاقه منذ أكثر من عامين، وتتركز في إعادة افتتاح القنصلية في القدس الشرقية ومكتب منظمة التحرير في واشنطن، وإعادة ضخ المساعدات مجدداً مقابل استمرار عقد الاتصالات الأمنية بين رام الله وتل أبيب في إطار التنسيق الأمني المباشر بناءً على رغبة وتوجه الحكومة الإسرائيلية ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو شخصياً، وهو ما يؤكد أن الهدف عودة لجان الارتباط والتفاعل المباشر وتبادل المعلومات، وهو ما يهم جهاز الأمن الداخلي "شاباك" الذي يتهم الحكومة وعناصرها بقلة الخبرة، وعدم وجود رؤية حقيقية للتعامل مع أية تحديات مقابلة.

وتجاه الحكومة الإسرائيلية هناك مخاوف أميركية معلنة من تحركات مفاجئة يمكن أن تغير من وقائع ما يجري واندلاع أحداث في الاتجاهين قطاع غزة والضفة الغربية معاً مما يؤدي إلى تداعيات مكلفة، فللمرة الأولى تتحدث الإدارة الأميركية عن مسارات للتحرك في الداخل الإسرائيلي وخارجه، بخاصة بعد أن تمددت المواجهات والتظاهرات بصورة كبيرة.

وتخشى الولايات المتحدة من انفلات الأمور، ولهذا جاءت الضغوط المباشرة على الجانب الإسرائيلي بضرورة التحرك والتعامل بخاصة مع رؤية مستشار الأمن القومي جاك سوليفان ومدير المخابرات المركزية ويليام بيرنز بأن على إسرائيل أن تنصت للولايات المتحدة، وإلا فإن مساحات التجاذب ستتسع، وقد تؤدي إلى مزيد من التباين الحقيقي في المواقف، بخاصة مع دخول المنظمات اليهودية في واشنطن في ما يجري.

لن تعمل الإدارة الأميركية على خيارات حاسمة، أو طرح مقاربة محددة على اعتبار أن ما طرح في العقبة وشرم الشيخ مجرد تفاهمات أمنية محكمة يجب أن يلتزمها الجانبان أولاً، ثم تبدأ لجان الارتباط في العمل  المتعلقة بوقف الإجراءات الانفرادية من جانب واحد، والعمل في أكثر من اتجاه، بخاصة أن إسرائيل خالفت ما جرى طرحه.

لكن الولايات المتحدة والشركاء الإقليميين يعملون بكد وجهد لافت للتوصل إلى صيغة محددة ومهمة يمكن العمل بها، وهو ما يجب أن يتفهمه الطرفان وفقاً للطرح الأميركي، فما جرى طرحه في العقبة وفي شرم ليس كله مكرراً، إنما يتم في سياقات مهمة تعمل على فرض التهدئة خلال الأسابيع المقبلة وتمرير حدث رمضان باعتباره الهاجس الأكبر بخاصة مع التخوف لاحتمالات دخول فصائل غير منضبطة على الخط بهدف إرباك المشهد الراهن القابل للاشتعال في أي وقت في ظل استخدام الأجهزة الأمنية خيار المواجهة في مواجهة تمدد دور المنظمات الصاعد دورها، مثل عرين الأسود وخلايا جنين ونابلس، إضافة إلى ملاحقة العناصر النشطة في القدس.

ومن ثم فإن الإدارة الأميركية تحركت في شرم الشيخ من خلال توجيه البوصلة إلى زاوية الاستقرار المنشود أمنياً في المقام الأول مع تأجيل أية اتصالات سياسية، باعتبار أن هذا الأمر سيأتي في وقت لاحق، وفي ظل خيارات جديدة، وبعد التزام الجانبين، وتغيير سلوك الحكومة الإسرائيلية أو تغيير ائتلافها، وهو ما قد يكون مدخلاً لسيناريو مختلف.

ما دار خلال الساعات الأخيرة في شرم الشيخ بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي يؤكد أن هناك فرصة حقيقية للعمل في ظل حاجة الجانبين لتحقيق ولو تقدم ملحوظ، على رغم التقدير بوجود صعوبات، وإشكالات عدة على الجانبين مرتبطة بانتقاد ما يجري، والتحفظ على مساره في ظل الممارسات الإسرائيلية غير المسبوقة، واستخدام كل وسائل المواجهة تجاه الفلسطينيين.

والواقع يشير ومن خبرة ما كان يجري أن التصعيد يؤدي للاتجاه إلى اتفاق، وقد جرى ذلك قبل وبعد أوسلو على رغم كل ما يقال، بخاصة أن التربص بما يجري سيظل قائماً، وقد يفشل مع أول صاروخ يطلق من قطاع غزة، ويستهدف نقل رسالة إلى الجانب الإسرائيلي، وهو ما يؤكد أن هناك إمكانية نظرية للاستمرار في ما يجري، بخاصة مع الافتراض بأن حاجة الشركاء الإقليمين والولايات المتحدة تتجه إلى بناء شراكات حقيقية محكمة يمكن العمل من خلالها، ويدفع بهذا الاتجاه .

الخلاصات الأخيرة

ما دار في اجتماع شرم الشيخ من عناصر توافق، بصرف النظر عن الاتفاق أو عدم الاتفاق في شأنها على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي سيكون مرتبطاً بإرادة كل الأطراف للعمل، والاستمرار في مراقبة ما سيجري، بخاصة أن الوزن النسبي لكل سيناريو سيكون مقروناً بعوامل عدة، وضوابط أهمها التوقع بأن التوصل إلى تهدئة لن يكون سهلاً مع إمكان استمرار حالة التصعيد، وعدم الاستقرار في إسرائيل، بخاصة مع استمرار حالة التظاهرات، وصراع الأحزاب والشارع والمؤسسة العسكرية في ما يجري.

وفي حالة امتداد ما يجري إلى الضفة، فإن إسرائيل لن تتحمل أية مواجهة مع التوقع بأن مواجهات غزة ورام الله معاً ستؤدي إلى حالة غير منضبطة، ومواجهة مستمرة مكلفة، إضافة إلى الجانب الفلسطيني ممثلاً في السلطة الذي لم يعد له خيارات كبيرة وعديدة، بل ضاقت المشاهد وهمشت السيناريوهات. في إشارة إلى أن البديل لن يكون فقط حالة من عدم الاستقرار في الضفة، بل فوضى كاملة، واحتمال الذهاب إلى مواجهة فلسطينية شاملة، وفي ظل وجود القيادة الفلسطينية الراهنة واستمرار الفريق الأمني العامل بجوار الرئيس محمود عباس سيظل الأمر قيد العمل والتفاوض، على رغم تحفظ بعض قيادات منظمة التحرير وعدد من أعضاء اللجنة المركزية على الأداء والتحرك الراهن.

إذاً، سيظل المشهد الراهن محكوماً بتوجهات محددة، ومع القبول، ولو الضمني، بالتعهدات الأميركية التي دارت في الفترة ما بين عقد اجتماع العقبة وشرم الشيخ، فإن استئناف التنسيق الأمني قد يجري في أجواء محددة، وكرسالة مهمة للوسيط الأميركي والشركاء الإقليميين، الأمر الذي يؤكد على رغم ما يجري من تطورات على الأرض أن المشهد الراهن سيظل عملاً في ظل سيناريوهات متعددة محتملة، وليس سيناريو الخيار الأمني فقط، فلا بد من مقاربة سياسية ولو شكلية للمضي قدماً في هذا المسار، وإلا فإن البديل قد لا يتحمله أي طرف.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل