Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوتين يكرر سؤاله أمام "أوليغارشيا العصر": ماذا عن الآن؟

ناشد رجال الأعمال "كونوا مع الوطن، وساهموا في الاهتمام بتطوير اقتصاده وقضاياه"

ظل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحذر رجال الأعمال من مغبة الإبقاء على أموالهم في الخارج (أ ف ب)

ملخص

الرئيس الروسي فلاديمير #بوتين يلتقي بالصناعيين وكبار #رجال_الأعمال ما يعيد إلى الأذهان "قصته" مع أبرز رموز #الأوليغاركيا الذين سبق وانفردوا بثروات #روسيا

في لقائه مع الصناعيين وكبار رجال الأعمال في روسيا أعاد الرئيس فلاديمير بوتين إلى الأذهان "قصته" مع أبرز رموز الأوليغارشيا الذين سبق وانفردوا بثروات روسيا، وتحكموا في سياساتها واختيار حكوماتها، إبان سنوات حكم الرئيس الأسبق بوريس يلتسين في تسعينيات القرن الماضي. وكان سبعة من هؤلاء، وقفوا وراء إعادة انتخاب يلتسين رئيساً لروسيا عام 1996 لفترة ولاية ثانية، في مقابل "انفرادهم" بكل مقاليد الثروة والسلطة في ذلك الحين، ومنهم من وقف وراء اختيار يلتسين لبوتين خليفة له على عرش الكرملين. 

رؤية بوتين

وكان بوتين بادر بجمعهم في الكرملين ليطرح عليهم رؤيته تجاه ما يمارسونه من نشاط، منه ما كان في غير وفاق مع "الدستور والقانون". وننقل عن يفجيني بريماكوف رئيس وزراء روسيا الأسبق، ما قاله حول أن بوتين صارحهم آنذاك بأنه لن يصادر أو يؤمم أياً من ممتلكاتهم التي "آلت إليهم عن غير حق"، لكن شرط الالتزام بأمور أوجزها في عجالة. وكانت شروطه تنص على ضرورة التزام من كانوا يسمونهم بـ"أوليغارشيا العصر" بضرورة التوقف عن تهريب الأموال إلى الخارج، وعدم التهرب من سداد الضرائب، إلى جانب تطوير ما استولوا عليه من ثروات الوطن ومنها النفط والغاز والمعادن. أما الشرط الثالث فكان ينص على دفع مرتبات مناسبة للعاملين في هذه المجالات بما يساهم في خلق طبقة متوسطة مناسبة، بينما كان الرابع والأهم "التوقف عن التدخل في السياسة!"، وذلك ما لم يلتزم به بعضهم لينتهي بهم المطاف إما في سجون سيبيريا، مثلما كان الحال مع الملياردير ميخائيل خودوركوفسكي قبل الإفراج عنه بعد ما يزيد على عشر سنوات، لاذ بعدها بالفرار إلى الخارج حيث يقف اليوم في صدارة معارضي بوتين، أو الهرب إلى إسرائيل مثلما فعل أمبراطور الإعلام الروسي السابق فلاديمير غوسينسكي وآخرون كثيرون، أو بريطانيا التي لقي فيها الملياردير بيريزوفسكي حتفه "منتحراً" في مسكنه في قلب العاصمة لندن في مثل هذا الشهر من عام 2013. وكانت المصادر الرسمية الروسية وجهت إلى كثيرين منهم الاتهامات التي كان منها، إلى جانب تهريب الأموال والتهرب من سداد الضرائب، جرائم التورط في اغتيال منافسيهم.

"كبار الصناعيين"

وتلك كانت مقدمة مناسبة لتوضيح بدايات العلاقة مع "كبار الصناعيين ورجال الأعمال" في روسيا، وتفسيراً لما أشرنا إليه من اعتقال وسجن بعض منهم، وهرب بعضهم الآخر، في الوقت الذي التزم الفريق الثالث بما طرحه بوتين من شروط، وهم من يواصلون نشاطهم حتى اليوم داخل روسيا، وإن يظل بعضهم يخرج "قليلاً" عما طرحه بوتين من شروط. وكان الرئيس الروسي عاد في أكثر من مناسبة إلى مناشدتهم إعادة هذه الأموال، ومواصلة استثماراتهم في الداخل، في ظل ما راحت السلطات التشريعية تسنه من قوانين توفر لهم فترات سماح مناسبة، لإعادة ما سبق تهريبه من أموال، جرى إنفاق الجزء الأكبر منه في شراء العقارات واليخوت والطائرات والأندية الرياضية في عديد من الدول الأجنبية. ويذكر المراقبون في موسكو وخارجها ما ظل بوتين يردده من تحذيرات إلى رجال الأعمال الروس من مغبة الإبقاء على أموالهم في الخارج، وأخطار احتمالات مصادرتها أو ضياعها، من دون أن يجد استجابة تذكر، من جانب غالبيتهم الساحقة. وظل الأمر على هذه الحال، حتى بدايات الأزمة الأوكرانية، وما صاحبها من قرارات وعقوبات تتزايد عاماً بعد آخر، لتشمل تقريباً، كل رجال الأعمال الروس وأقاربهم داخل روسيا وخارجها، إلى جانب ممثلي دوائر صناعة القرار في موسكو وذويهم، وكل من يرتبط بهم بشكل أو بآخر.

وها هو بوتين يعود في لقائه الأخير مع أعضاء اتحاد كبار الصناعيين ورجال الأعمال على هامش مؤتمرهم الذي عقد في موسكو خلال الأيام القليلة الماضية، لتذكرة الحاضرين بما سبق وأطلقه من تحذيرات. وبعد برهة مما هو أشبه بصمت القبور، الذي لم يستمر طويلاً، نطق بوتين بما صار أقرب إلى القول المأثور:

"وماذا عن الآن؟".

 وكأنما أراد بهذه الكلمات الثلاث أن يقول لهم:

" ألم أحذركم مراراً وتكراراً؟ فماذا أنتم فاعلون الآن؟".

وكانت البلدان الغربية سارعت إلى مصادرة ممتلكات وأصول وأموال الغالبية الساحقة من رجال الأعمال الروس، ممن سبق وقال بوتين ومعه ملايين من أبناء الشعب الروسي منذ عقود طويلة، إنها "آلت إليهم عن غير حق". وسارعت المصادر الغربية لتبرير أسباب المصادرة بإعلان أنها ستذهب لصالح الشعب الأوكراني، ولإعادة بناء أوكرانيا. وتقول المصادر الروسية إن البلدان الغربية قامت وبموجب ما أصدرته من عقوبات، بتجميد ومصادرة ما قيمته 68 مليار دولار من الأصول الروسية بموجب الإحصاءات الصادرة حتى نهاية 2022، ذلك إلى جانب تجميد الدوائر الغربية لما قيمته 300 مليار دولار، سبق وجرى إعلانها مع بدايات الحرب في أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غير أن هناك ما يشير أيضاً إلى أن السلطات الروسية لم تكن حاسمة بالقدر الكافي لدى التعامل مع "أثرياء روسيا الجدد"، ممن كانت ثرواتهم تراكمت "عن غير حق" تحت سمع وبصر، وأحياناً بـ"مباركة" السلطات الرسمية في تسعينيات القرن الماضي! بل وهناك من شهادات ومذكرات شاهدي العصر، ما تقول إن الرئيس بوتين لجأ إلى كثير منهم للعثور على التمويل المناسب لعديد من المشاريع القومية، ومنها الدورة الأولمبية الشتوية في سوتشي عام 2014. وكان بوتين أوكل إلى كثير منهم بناء الفنادق والمنتجعات السياحية إلى جانب الطرق والجسور وكثير من مشاريع البنية التحتية للمدينة وضواحيها، إلى جانب المطار الجديد الذي جرى تشييده وفق أحدث تكنولوجيا العصر، على أن تؤول ملكيتها إليهم بعد انتهاء دورة الألعاب الأولمبية. وكان من اللافت أيضاً، تسلل كثير من هؤلاء إلى البرلمان بغرفتيه مجلسي الاتحاد والدوما، مما كان محور تعليقات كثيرة في ذلك الحين، تناولت بين طياتها خطورة التمادي فيما كان يسمى "بتزاوج الثروة والسلطة". ويذكر المراقبون كثيراً من أسماء مشاهير ذلك الزمان، ومنهم من يظل حتى اليوم على علاقة "طيبة" بدوائر صناعة القرار في موسكو. ومن هؤلاء رومان أبراموفيتش الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية، وعرفه العالم بما عقده من صفقات في العاصمة البريطانية منها شراء "نادي تشيلسي" لكرة القدم. وكان أبراموفيتش فاز بعضوية مجلس الدوما مع بوريس بيريزوفسكي، عن الحزب الحاكم في مطلع القرن الحالي، إلى جانب منصب "محافظ تشوكوتكا" في شمال شرقي روسيا. ومن اللافت أن أبراموفيتش عاد في العام الماضي، ليظهر مجدداً إلى جانب ممثلي الكرملين في أول مباحثات سلمية بين الجانبين الروسي والأوكراني، جرت في بيلاروس وإسطنبول.

أثرياء روسيا

ومن هذه الأسماء أيضاً، تشير المصادر الروسية والغربية إلى الملياردير الروسي علي شير عثمانوف الأوزبكي الأصل، بما يملكه من قصور وعقارات وطائرات ويخوت وأندية رياضية في بريطانيا تبلغ قيمتها السوقية ما يقرب من 20 مليار دولار. ذلك فضلاً عن "ملك الألومنيوم" أوليج ديريباسكا بثرواته التي تقدرها وكالة "رويترز" بما يقرب من 40 مليار دولار. وبهذه المناسبة أشارت "رويترز" إلى أن عدد المليارديرات الروس تجاوز 100 ملياردير، كان منهم، وحتى وقت قريب، 12 مليارديراً في مجلس الدوما وحده.

وإلى هؤلاء وغيرهم، كان بوتين توجه في أكثر من مناسبة يناشدهم سرعة تصفية ممتلكاتهم في الخارج والعودة بها لروسيا مع ضمان الإعفاءات القانونية كافة، التي تكفل لهم حياة مستقرة وظروفاً مناسبة لاستثماراتهم في الداخل. وها هو يعود ثانية في مؤتمر اتحاد الصناعيين ورجال الأعمال الروس، إلى التوجهات ذاتها، ليؤكد أن روسيا نجحت في تجاوز كثير من العراقيل والعقوبات، و"أن الاقتصاد الروسي الآن يكتسب خواص نوعية جديدة، ويبدأ في التطور وفقاً لنموذج جديد، وأن التوجهات الإيجابية في الاقتصاد الروسي تزداد قوة، ومن المتوقع حدوث زيادة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي لروسيا".

ومن اللافت في هذا الصدد ما نشرته صحيفة "فيدومستي" وهي إحدى أكثر الصحف الروسية رصانة وصدقية من تقارير قالت فيها، إن الرئيس بوتين يمكن أن يكون ضماناً لاستمرار عدد كبير من الصناعيين والمصرفيين ورجال الأعمال داخل روسيا. وكانت "فيدومستي" نشرت نتائج استطلاع للرأي أجراه مركز "ليفادا" لقياس الرأي العام في روسيا، تقول إن 28 في المئة ممن شاركوا في ذلك الاستطلاع يعتبرون أن بوتين يعبر عن مصالح أولئك "الصناعيين المصرفيين ورجال الأعمال". ومع ذلك فإن هذه النسبة تقل عن مثيلتها التي تقول إن الرئيس بوتين يعتمد أكثر على ممثلي مؤسسات القوة أو من يسمونهم بـ"السيلوفيكي"، أي ممثلي الجيش والشرطة والاستخبارات والقضاء. لكن هناك أيضاً نسبة 18 في المئة تقول إن بوتين "يهتم أكثر بمصالح الطبقة الوسطى من أجل العبور بروسيا إلى بر الأمان وتحقيق ما تصبو إليه من مكانة، وهو ما قد يفسر ما أسفرت عنه نتائج استطلاع الرأي وما وصلت إليه من أن نسبة 48 في المئة خلصت إلى أن بوتين يعتمد أكثر على ممثلي مؤسسات القوة التي أشرنا إليها.

ممثلو الأوليغارشيا

ولعله كان من الغريب والمثير معاً، أن يعود بوتين إلى ما سبق واستهل به ولايته الأولى في لقائه مع كبار ممثلي الأوليغارشيا في روسيا، إذ نقلت وكالة "تاس" عنه ما قاله في مؤتمر كبار الصناعيين حول القضايا ذاتها التي أثارها في مطلع القرن الحالي. قال بوتين: "إن رجل الأعمال المسؤول هو مواطن حقيقي في روسيا... في بلده، ومواطن يفهم ويتصرف لمصلحته، ولا يخفي أصوله وممتلكاته في الخارج، ولكنه يسجل شركاته داخل الوطن، بعيداً من اتصالاته وخضوعه لسلطات الآخرين في البلدان الأجنبية". ومضى الرئيس الروسي ليعيد ما سبق وقاله منذ ما يزيد على عقدين من الزمان، حول إن رجل الأعمال الحقيقي لا يبتعد في نشاطه عن قضايا منطقته ومواطنيه، ولا بد له من المساهمة في تطويرها والاهتمام بشؤون هؤلاء المواطنين من خلال استثماراته في قضايا التعليم والصحة، إلى جانب ما يوليه من رعاية لأسرته وأطفاله، إدراكاً منه أن رفاهية الأسرة هي أساس التنمية الديموغرافية وزيادة نسبة المواليد ومتوسط العمر المتوقع. وللتخفيف من وطأة ما قال، أكد بوتين أن "فهم الأعمال التجارية لهذه النقاط يقلل في نهاية المطاف من تكاليف الشركة ويحسن ظروف التشغيل، ويؤدي إلى نتائج أكبر وأفضل"، فيما عاد ليتساءل:

"ماذا عن الآن؟".

وهو سؤال تترك روسيا لأثريائها "الجدد - القدامى" الرد عليه!

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات