Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

متى نعتمد التربية الجنسية ونخبر أولادنا بأنهم لم يولدوا من "الملفوفة"؟

للأهل دور حتى لا يتوجه الأطفال إلى مضامين جنسية مؤذية ومنتدى الجنسانية يدرب الأهالي والمربين ويساعد بكتب وصور توضيحية

كتابان للمراهقين (اندبندنت عربية)

ملخص

للأهل دور حتى لا يتوجه #الأطفال إلى مضامين #جنسية مؤذية  

ما إن نذكر عبارة التربية الجنسية حتى نبدو وكأننا ألقينا بلغم في المجتمعات العربية التي تتنصل من الأمر لعل الزمن يقوم بالمهمة العبء، ولكن إلى أين يؤدي هذا الإنكار؟

"من وين جيت؟"، يسأل الطفل وهو ينظر ببراءة إلى أعين أهله الحائرة الباحثة عن جواب شافٍ يرضي عقل الطفل من دون استخفاف، وبين العيب والحرام يضيع حق الطفل في المعرفة. وقد يأتيه الجواب من حيث لا يجب.

 

لم نولد في "ملفوفة"

تقول رانية إنها لم تعرف كيف تجيب ابنتها، "قال لي أهلي إنني ولدت من الوردة، ولأخي إنه ولد من الملفوف. كنت أعاير أخي من دون أن أدري أي خيبة نعيش بها. وعندما فهمت، أصبحت في البداية أكره أهلي، وأصبحوا في نظري (زعران وكذابين)، حتى كبرت وفهمت القصة. مع أطفالي ذهبت إلى متخصصة في علم النفس، وسألتها كيف يجب أن تكون أجوبتي، وكنت مرتعبة إلى أن بدأنا خطوة خطوة، ونجح الأمر، وبالطبع تحدثت معهم، بحسب عمرهم، وأخبرتهم أنهم لم يولدوا في (الملفوفة)". ومع هذا خجلت رانية من رواية تفاصيل الأسئلة والإجابات.

الرادع الديني

لطالما سمعنا مقولة "لا حياء في الدين"، حتى لو كان الأمر محرجاً، ويختص بالأمور الجنسية. عند بلوغ الصبيان والبنات يصبح لزاماً للأهل الإجابة عن أسئلة أولادهم لارتباطها بالحلال والحرام. يحضر الأهل أطفالهم أحياناً لفهم الجوانب المتعلقة بالأمور والأعضاء الجنسية قبل أن يتصادموا بها مع أنفسهم وأقرانهم، ولاحقاً مجتمعاتهم، لكن فعلياً متى يجب أن نبدأ بهذا الحوار مع الطفل؟ وهل توجد جهات متخصصة توصل الفكرة من دون اجتزاء؟

"التابو" في اللغة

متخصصة التربية الجنسية الفلسطينية صفاء طميش التي حصلت على ماجستير "التربية الجنسية واستشارة زوجية وأسرية" في أميركا، وعادت للعمل مع المجتمع الفلسطيني في هذا الإطار تقول لـ"اندبندنت عربية" إنها عملت ميدانياً لخلق نواة من ناشطات ونسويات بعد تأسيس منتدى الجنسانية عام 2006، وهو مؤسسة مجتمعية تعمل على تعزيز الحقوق الجنسانية من خلال برامج ومشاريع فاعلة، "صحيح أن موضوع الجنسانية ليس مطروحاً في الحيز العام، لكنه حاضر في الخاص ومنذ القدم، ونستذكره مع الأجداد. وكان حاضراً حتى في الأدبيات العربية والإسلامية". وتتحدث عن المشكلة في تناول الموضوع من منظور حداثي يحترم ويخاطب عقول الأطفال والشباب، حيث لا يوجد سياقات تسمح بفتح هذا الموضوع، إضافة إلى اللغة العربية، حيث لا توجد المصطلحات بشكل أصيل، "وهي مأخوذة من ترجمات وتعريفات في الغرب الذي سبقنا في موضوع العلم والأبحاث، وبخاصة في القضايا المتعلقة في السلوك والممارسات والتعابير الجنسية".

تشير طميش إلى أن تناول موضوع التربية الجنسية "يواجه بمقاومة تصل إلى خطاب إقصائي، يتهم من يتناولونه أنهم أذناب الفكر الغربي، وأنهم يروجون لمفاهيم وأفكار تتناقض مع معاييرنا الأخلاقية. والواقع أن هذا الأمر غير صحيح، بل نحن نحاول تحديث لغتنا ومصطلحاتنا لنتعامل مع موضوع الجنسانية كموضوع حاضر لدى الناس بقوة، بخاصة أن الأطفال اليوم محاطون بكم هائل من المعلومات ومصادر المعرفة المليئة بمضامين وإثارات جنسية، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي من دون وجود حوار لا في المؤسسات التربوية ولا داخل الأسرة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العدالة الجندرية في تسمية الأعضاء

تقول طميش "التربية الجنسية جزء من ثقافة المجتمع، وثقافة المجتمع تعكسها اللغة والمصطلحات، على رغم أن أدبنا القديم غني جداً بالمصطلحات والتسميات الجنسانية، فإننا نجد صعوبة في إيجاد مصطلحات متفق عليها للأعضاء الجنسية مقبولة لدى المجتمع لاستخدامها والتعامل مع الأطفال لنشرح لهم".

تعتبر طميش أن التربية الجنسية يجب أن تبدأ بجيل مبكر جداً، منذ أن نبدأ بالغناء للطفل وتعليمه عن أعضائه عامة. فنفهم الطفل أن جسمه يحتوي على أعضاء مختلفة لكل منها وظيفة، وهذا يشمل الأعضاء الجنسية، ونسميها بأسمائها، "فالعضو الذكري اسمه قضيب، والعضو الأنثوي فرج، وهما مختلفان بين البنات والصبيان بدلاً من أن نقول إن للصبي (حمامة أو فرفورة)، والبنت لا تملكها. فعندما نقول إنه يملك عضواً وهي لا تملك، فإننا نبدأ بالتأسيس لعدم العدالة الجندرية. وعندما نتحدث بالتسميات نبدأ حينها بتأسيس للتعددية والاختلاف، بالتالي الأدوار الاجتماعية والهوية الجنسية والأحاسيس وتعريف الإنسان لهويته أو هويتها".

عندما يسأل يكون جاهزاً

تبدأ التربية الجنسية في عمر صغير، وبحسب طميش، يمكن البدء أولاً بتسمية الأعضاء، ثم بوظائفها وتركيبة الأعضاء الجنسية، ثم الاهتمام بالممارسات والسلوكيات والعلاقات والحب، والتعرض المبكر للأطفال للمواد الإباحية، "شئنا أم أبينا فإن الأطفال يتعرضون لمضامين جنسية، لذا يجب التحدث مع الأطفال عنها، وعن التعددية في الهوية الجنسية، بخاصة أن بعض المراهقين يتخبطون لمعرفة هويتهم الجنسية وميولهم. ووضعها في سياقها الحقوقي والإنساني. ولكل عمر مضمون مختلف. المبدأ أنه عندما يسأل الطفل، فهو جاهز للإجابة. ولا نستطيع إلغاء حب الاستطلاع لديه أو الحاجة إلى المعرفة، بخاصة أن الأطفال معرضون لمعلومات تثير الأسئلة. مع ضرورة تعليمهم التمييز بين ما نقوم به في الحيز العام وما نقوم به في الحيز الخاص، وهذا تجنباً لما قد يتعرض له الأطفال من أطفال أكبر منهم أو بالغين بحجة تعليمهم ممارسة الجنس. وعند معرفتنا أن الطفل تعرض لمضمون معين ممكن حينها الحديث عنه وتصويب المعلومات".

متى نقلق؟

تشير طميش إلى أنه إذا أصبح الطفل في عمر ثماني سنوات ولم يسأل من أين أتيت، علينا كأهل معرفة السبب، ونبادر ونفتح الموضوع معه بأي طريقة ممكنة من خلال فيلم أو كتاب أو حدث أو خبر، فكلها محفزات لفتح مواضيع مع الأطفال، بخاصة أن منظمة الصحة الدولية تعتبر أن الفتاة تبدأ المراهقة في الثامنة والصبي في التاسعة.

وتخبر طميش أن منتدى الجنسانية أصدر كتاباً "من وين جيت؟" باللغة العربية، وهو "كتاب أصيل من جميع النواحي بالتوجه والرسومات والتصميم وملامح الشخصيات. والمهم كأهل إذا أردنا الإجابة عن هذا السؤال احترام عقل الطفل ولا نكذب ونتحدث ببساطة، فنخبره أنه كي يتكون طفل نحن في حاجة إلى أب وأم، وليتكون الجنين نحن في حاجة إلى حيوان منوي وبويضة يلتقيان عبر علاقة جنسية، ونخبره كيف يكبر في رحم الأم... كل ذلك من خلال رسومات توضيحية، حتى يصبح الجنين جاهزاً ويخرج من فرج الأم، فيبكي لأنه خائف، ثم يبدأ بالابتسام عندما يلتقي بأهله. مع التركيز على الحب والقرار الواعي بين الأم والأب للإنجاب، وإلى أن العملية الجنسية لا تتم بسرعة، وتكون ضمن سياق إنساني وأخلاقي".

من يقوم بهذه المهمة؟

بالنسبة إلى طميش لا بد أن تكون المقدمة بالتركيز على الجوانب البيولوجية، ثم ننتقل إلى الجوانب الأخرى. ويقوم بمهمة التربية الجنسية بالأساس الأهل في البيت، ثم في المدرسة، حيث توضع المعلومات في سياقها العلمي، في حين يركز الأهل على الجانب الأخلاقي والحدود في الممنوع والمسموح بكل أشكال الممارسات والنهج والتصرف. وتعتبر طميش أن من حق كل أسرة أن تنقل القيم الملائمة لها والمنسجمة مع منظومتها الأخلاقية، طالما لا نعتدي على حق الطفل في المعرفة والحصول على المعلومات الدقيقة والعلمية التي تحترم عقله.

يحتاج الأهل والمربون إلى دورات تأهيل، بحسب طميش، "وقد لمسنا هذه الحاجة من خلال مئات ورش العمل مع أهالٍ ومعلمين، فنحن ككبار تربويين وأهل كلنا نعرف كيف ولدنا، ولكن عندما يأتي طفل ويسأل أنا أعرف أنني خرجت من الفرج، ولكن كيف دخلت إلى بطنك، قلة تشعر بالارتياح في شرحهم للطفل وإيصال المعلومة الدقيقة ببساطة ومن دون حرج، كأننا نتعرى أمام الأطفال عندما نشرح لهم العملية الجنسية". وتضيف "أحياناً تنقص المعرفة، وأحياناً ينقص الأسلوب. مثلاً، البعض لا يعرف أن عملية الاستمتاع الذاتي لدى الأطفال تختلف عنها عند المراهقين، وإذا كانت مقتصرة على المراهقين أم أنها تمارس من قبل الكبار، وهل إذا مارسها المتزوجون يعني ذلك خللاً في علاقاتهم الزوجية وغيره من المعلومات، إلى التعددية الجنسية، وإذا كانت المثلية الجنسية طبيعية أم مرضية، وكيف نتعامل مع الطفل الذكر إذا قال إنه أنثى، أو العكس. الكل في حاجة إلى المرور في مسارات فيها فرصة للتعلم عن الجنسانية من منطلق حقوقي وطبي وعلمي".

في هذا السياق تؤكد طميش التوافق بين الأهل والمدرسة حول كيفية التعامل مع أسئلة الأطفال، وكيفية الإجابة عنها أو تفاديها والحفاظ على ماء الوجه التربوي أمام الطلاب في آنٍ.

وتخبر أن الأهالي يطلبون منهم أن يوصلوا الفكرة للأطفال، لأن الأهالي لا يعرفون كيف يقدمون الفكرة أو يخجلون، أو لأنهم لا يملكون معلومات كافية، ولكن من المهم أخذ موافقة الأهل وإشراكهم قبل إخبار الطفل، باعتبار المسألة تربوية تشاركية بين الأهل والمدرسة.

الجنس في المناهج العربية

تقول طميش إنه في المناهج المدرسية في الدول العربية يتم التعاطي مع التربية الجنسية فقط من خلال المعلومات المتعلقة بالمبنى "الفيسيولوجي" من دون التطرق للسلوكيات. ويوجد مبادرات في فلسطين ومصر للتوسع أكثر. وتعتبر أن تونس هي البلد العربي الوحيد الذي وضعت فيه التربية الجنسية كمنهاج، لكنه ما زال محدوداً بعض الشيء مقارنة بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة UNESCO، وصندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA.

القاعدة الذهبية

وعند سؤال طميش إذا كانت هناك قاعدة ذهبية لمقاربة التربية الجنسية في العالم العربي، أجابت، "الحوار والحديث عن التربية الجنسية يخلقان حدوداً تحمي الطفل وتساعده على أخذ قرارات سليمة، وفهم ما هو مناسب أو غير مناسب له، ومتى يقول نعم أو لا، في حين أن عدم الحوار يخلق ثقافة صمت لها أثمان. وثقافة الصمت تجعلنا نسكت عن الأذية التي قد نتعرض لها، سواء كانت جسدية أو جنسية أو استغلالاً في العلاقات. الصمت لا يعطي الطفل فرصة لإيجاد مساحة آمنة مع أهله ليتحدث إلى أشخاص يثق بهم عما يعانيه أو يؤذيه، أو عن الأمور التي في حاجة إلى معرفتها أو في حاجة إلى نصح بها. وينبثق من قاعدة الحوار قاعدة ثانية، فإذا لم نقم كأهل أو تربويين بهذه المهمة وإعطاء الأمان والمعلومات، فنحن ندفعهم إلى البحث بعيداً، وقد لا تكون مساحة آمنة، بالتالي يخلق لدى الطفل مرجعيات أخلاقية متعددة تخلق نوعاً من اللغط، فلا يعرف المرجعية الصحيحة هل هي الأصحاب أو الجيران أو الإنترنت".

وتختم "عندما نتحدث عن التربية الجنسية، فهي ليست مجرد تزويد بالمعلومات، بل وضع المعلومات الجنسية في السياق الأخلاقي والإنساني والقيمي الملائم لنا كأسرة، لفهم الحدود وكيف وأين يطرح الموضوع، هذا هو الفرق بين التربية الجنسية وإعطاء المعلومات. ويقع كثيرون في هذا الفخ فيقولون ابني يعرف أكثر مني، ولكن من المهم إفهام الأهل أن دورهم التربوي لا يقتصر على إعطاء المعلومة، إنما وضعها في السياق القيمي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير