Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سوناك والمصالحة مع الاتحاد الأوروبي

كيف تأمل المملكة المتحدة في رأب الصدع مع أوروبا؟

 رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في وندسور، المملكة المتحدة، فبراير 2023 (رويترز)

ملخص

 يراهن #سوناك على أن تسوية المشكلات بين #المملكة_المتحدة و #الاتحاد_الأوروبي من شأنها أن تؤدي إلى تشريع الأبواب في الولايات المتحدة وأنحاء العالم

منذ استفتاء "بريكست" في يونيو (حزيران) 2016 عندما صوّت البريطانيون على الخروج من الاتحاد الأوروبي تشهد العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي تردياً مريراً، والنظرية السائدة بين المحافظين أنصار "بريكست" في لندن هي أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي تصرفوا مثل عشاق سابقين مغبونين، فهم تقبلوا على مضض نهاية العلاقة لكنهم عقدوا العزم بعد ذلك على جعل المملكة المتحدة تدفع ثمن قرار مغادرتها.

أما مسؤولو الاتحاد الأوروبي من جهتهم فقد سئموا من التصرفات البريطانية، إذ في كل مرة توافقوا فيها مع المملكة المتحدة خلف الأبواب المغلقة على مستقبل العلاقة بينهما، كان يتم تسريب تلك التوافقات أو التملص من الالتزام بها، وفوق هذا فإن الاتحاد الأوروبي نفر من حقيقة عدم إفصاح الحكومة البريطانية أبداً عن التنازلات الكامنة في مغادرة الاتحاد، فالسيادة الأكبر تطلبت ثمناً اقتصادياً كبيراً، فيما شعرت بريطانيا أن ما تقوم به مبرر بفضل اقتناعها المزمن القائل إن لدى الاتحاد الأوروبي مشكلة مع الديموقراطية، إذ إن بروكسل بدت عازمة على تصعيب مهمة لندن المتمثلة في التقيد بما يريده الناخبون البريطانيون ويختارونه، على أن بريطانيا أخيراً، للأفضل أو للأسوأ، غادرت سوق الاتحاد الأوروبي الموحدة وقوانينه في يناير (كانون الثاني) 2021 بعد سنوات من المفاوضات المريرة والمسرحيات السياسية.

وعلى رغم أن الآثار الكاملة لذلك الطلاق في المملكة المتحدة بقيت في البداية محجوبة بتأثيرات جائحة "كوفيد 19" إلا أن الثمن الحقيقي لـ "بريكست" بدأ يتضح نهاية عام 2022، فقد أدت إعادة الالتزام بالحواجز التجارية غير الجمركية، مثل عمليات التفتيش والإجراءات الأخرى، إلى زيادة كلف التجارة والأعمال مع أوروبا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي النتيجة تخلف النمو البريطاني عن معدلات النمو في جميع دول "مجموعة السبع الكبار"، ويبقى أمام معدل الاستثمار (في بريطانيا) مهمة استعادة عافيته كي يبلغ المستويات التي سجلها قبل استفتاء "بريكست".

وقد بدت مشكلات التعاملات التجارية والاقتصادية تلك حادة على نحو خاص في إيرلندا الشمالية التي تتشارك الجزيرة الإيرلندية مع جمهورية إيرلندا، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، إذ عانت (إيرلندا الشمالية) من اختلال فريد في حركتها التجارية مع بريطانيا العظمى (التي تضم الأجزاء الثلاثة الأخرى المكونة للمملكة المتحدة: إنجلترا وإسكتلندا وويلز)، وقد ذاق كل من بريطانيا والاتحاد الأوروبي الأمرّين لتجنب خلق حدود قاسية جديدة بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا، إذ مثّل رفع الحدود المادية بينهما بحكم الواقع ركيزة أساسية لاتفاق "الجمعة العظيمة 1998".

إيرلندا الشمالية تطرح أسئلة حول جدوى الافتراق عن أوروبا والمدة التي يمكن لبريطانيا فيها أن تبقى موحدة

لذا قام رئيس الوزراء بوريس جونسون سنة 2019 بالتفاوض حول "بروتوكول إيرلندا الشمالية" (NIP) الذي رسم حدوداً جمركية جديدة في البحر الإيرلندي بين إيرلندا الشمالية وبريطانيا العظمى، وقد أسهم ذاك الحل التوافقي في إبقاء إيرلندا الشمالية ضمن الاتحاد الجمركي وسوق البضائع الموحدة للاتحاد الأوروبي، إلا أن الأمر عقّد علاقة إيرلندا الشمالية مع المملكة المتحدة الأكبر، وخلق مشكلة سياسية للأحزاب الاتحادية في بلفاست التي بات عليها اليوم أن تعيش بقدم في الاتحاد الأوروبي وقدم أخرى في المملكة المتحدة.

في هذا الإطار، وبالمبدأ، حصلت إيرلندا الشمالية على الأفضل من هذين العالمين، إذ أمكن لها الوصول على نحو كامل إلى السوقين الموحدتين لكل من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، لكن من الناحية العملانية فإن قوانين عدة أقرت في وستمنستر بقيت غير منطبقة على إيرلندا الشمالية، كما بقي متعذراً على الإيرلنديين الشماليين إبداء أية كلمة تجاه إجراءات وتدابير الاتحاد الأوروبي المطبقة عليهم.

إلى هذا يخضع اليوم كثير من الأنشطة التجارية الروتينية وعمليات السفر والنقل والانتقال، بدءاً من تجديد مخزون متاجر السوبرماركت بالمنتجات المصنوعة في بريطانيا إلى عبور الحدود (بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا) رفقة حيوانات أليفة إلى المزيد من إجراءات التدقيق المتضمنة معاملات ورقية كثيرة والمتسببة بتأخيرات، وقد أدى حضور موظفي الجمارك التابعين للاتحاد الأوروبي لتطبيق الإجراءات الجمركية في المرافق البحرية الإيرلندية الشمالية إلى إغضاب الاتحاديين الذين يشددون على إن إيرلندا الشمالية هي جزء لا يتجزأ من المملكة المتحدة، فإيرلندا الشمالية تتواءم بغرابة مع عالم ما بعد "بريكست"، مستدعية الأسئلة حول إمكان وجدوى الافتراق عن أوروبا، وحول المدة التي يمكن لبريطانيا فيها أن تبقى موحدة.

فجر جديد

وفي هذا السياق الأوسع أصبح ريشي سوناك رئيساً للوزراء في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، بعد فترة رئاسية كارثية دامت 49 يوماً تولتها سلفه ليز تراس، وكانت حكومة تراس إثر جنازة الملكة إليزابيث الثانية في سبتمبر (أيلول) الماضي أحدثت صدمة في الأسواق المالية عندما أعلن وزير المالية في حكومتها، كواسي كوارتنغ، سلسلة من الخفوض الضريبية وإعانات الطاقة غير الممولة، في إطار خطته السيئة الذكر الآن المعروفة بـ "الموازنة المصغرة".

سوناك الذي خسر أمام تراس سباق القيادة قبل أسابيع قليلة، عاد وتولى زمام الأمور في "10 داونينغ ستريت" إثر استقالتها، وعلى رغم تعهده باستعادة الاستقرار والنظام في القطاع المالي فقد بدأ أيضاً العمل بهدوء مع الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى حل ناجع بالنسبة إلى "بروتوكول إيرلندا الشمالية"، إذ إنه كوزير خزانة سابق لجونسون، فهم أن الاستثمارات الخاصة، الأجنبية والوطنية، لن تباشر العودة للاقتصاد البريطاني إلا عندما يتم التوصل إلى تسوية حقيقية بالنسبة لـ "بريكست".

وقد لمّح على الفور لنظيرته في الاتحاد الأوروبي، رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بأنه جدي في الوصول إلى حل وأنه مستعد لمواجهة وإقناع متشددي "بريكست" ضمن حزبه كما في أوساط حزب الاتحاد الديموقراطي في إيرلندا الشمالية لتحقيق الحل المنشود.

وقد رأى سوناك أن المفاوضات ينبغي عقدها بسرية ومن دون تسريبات، وكان مستعداً للمخاطرة برئاسته من أجل الوصول إلى نتيجة.

فون دير لاين من جهتها قررت أن بوسع الاتحاد الأوروبي تحمل تقديم تنازلات إلى سوناك أكثر مما قدم إلى جونسون، لأن سوناك على عكس الأخير يمكن الوثوق به من ناحية الوفاء بالوعود.

وفي الـ 27 من فبراير (شباط) الماضي قام سوناك مبتهجاً وإلى جانبه فون دير لاين التي بدى عليها الارتياح، بالإفصاح عن "إطار عمل وندسور" لتطبيق "بروتوكول إيرلندا الشمالية".

للمرة الأولى تقوم الحكومة البريطانية بالإقرار بأن في "بريكست" مقايضات وتنازلات حقيقية أوضحها ما يحصل في إيرلندا الشمالية

وضمن إطار العمل الجديد هذا سوف تسلك معظم البضائع المصدرة من بريطانيا إلى إيرلندا الشمالية الآن طريقها عبر "خط أخضر" يتميز بحد أدنى من التدابير الجمركية والمعاملات الورقية، فيما 90 في المئة من البضائع المستهلكة في إيرلندا الشمالية لن يكون عليها اتباع قواعد السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، وسيكون للإيرلنديين الشماليين الحق في معارضة أي قوانين أوروبية جديدة للبضائع إن قام عدد كاف من أعضاء برلمانهم برفضها عبر "آلية ستورمونت" أو "مكبح ستورمونت" Stormont Break.

وفي المقابل وعد سوناك بالتخلي عن جزء من قانون مقترح كان سيسمح للحكومة البريطانية في إلغاء البروتوكول من طرف واحد في أي وقت، وقد كان أحد المسؤولين في الاتحاد الأوروبي وصف ذاك القانون المقترح بأنه "مسدس ملقم" على الطاولة.

على أن "إطار عمل وندسور" ليس مثالياً، إذ صحيح أن الاحتكاكات والتوترات التجارية بين إيرلندا الشمالية وبريطانيا العظمى قُلصت إلى حد كبير، إلا أنها لم تنته كلياً، لأن البضائع المتوجهة إلى جمهورية إيرلندا لا تزال مضطرة إلى سلوك "خط أحمر" يتضمن التدابير الجمركية كافة، لكن الاتفاق تجاوز كل التوقعات المحتملة والتي جرى تداولها قبل أشهر قليلة، فالاتحاد الأوروبي تخلى عن تشدده (تجاه بريطانيا) وسلك اتجاهاً تفاوضياً عندما تعلق الأمر بحماية سلامة سوقه الموحدة، متيحاً مزيداً من الحلول البراغماتية في ضوء موقع إيرلندا الشمالية الغريب والاستثنائي.

كذلك وللمرة الأولى تقوم الحكومة البريطانية بالإقرار ولو على نحو متأخر بأن في "بريكست" مقايضات وتنازلات حقيقية أوضحها ما يحصل في إيرلندا الشمالية.

وعلى رغم أن بلفاست ستجبر على الالتزام بقواعد سوق الاتحاد الأوروبي الموحدة من دون التصويت على تلك القواعد والقوانين في بروكسل، إلا أن البروتوكول المعدل سيقوم أيضاً بوضع إيرلندا الشمالية في موقع فريد يؤمن لها صلة تجارية خالية من الاحتكاكات والخلافات في السوقين الموحدتين البريطانية والأوروبية.

ويأمل سوناك الآن في أن حله التفاوضي المتمثل بتطبيق أكثر براغماتية للبروتكول سيؤدي إلى تمهيد الطريق أمام "حزب الاتحادي الديموقراطي" (في إيرلندا الشمالية) للتخلي عن معارضتهم الانضمام إلى الحكومة الإقليمية بمشاركة الجمهوريين، أي الـ "شين فين"، والبدء في ممارسة الحكم، وذاك من شأنه التخفيف من أية مطالبات عاجلة باستعادة الوحدة الإيرلندية قد ينادي بها "الجمهوريون" الذين يعتبرون أن نظام "التفويض الحكومي" الذي وضع في إطار "اتفاق الجمعة العظيمة"، لم يعد يعمل.

إلى ذلك وبعد الصدمة المتأتية من استقالة نيكولا ستيرجن من قيادة "الحزب القومي الاسكتلندي" ومن رئاسة وزراء اسكتلندا، فإن حركة الاستقلال الإسكتلندي خسرت رمزاً من أقوى رموزها وشخصية من أكثر الشخصيات تأثيراً، إذ إن الحماسة العامة للاستقلال تراجعت سلفاً على نحو لافت مقارنة بما كانت عليه خلال عامي الجائحة 2020 و2021، وذلك عندما أثبتت سياسة ستيرجن في مواجهة "كوفيد-19" تفوقها الكبير على سياسات جونسون، وحين كان أكثر من 50 في المئة من الإسكتلنديين يؤيدون مغادرة المملكة المتحدة والاستقلال عنها، ففي الاستطلاعات الأحدث أظهرت نسبة تتراوح بين 40 و45 في المئة من المستطلعين استمرار قناعتهم باستقلال إسكتلندا في مقابل 45 إلى 50 في المئة عارضوا الاستقلال، ومن هنا فإن المملكة المتحدة بالفعل تبدو فجأة اليوم أكثر وحدة مما كانت عليه قبل 10 أعوام، وكل مغامرة لانتقال تدريجي إلى صيغة مثل "المملكة المتحدة السابقة لإنجلترا وويلز" تعاني في الوقت الراهن حال خفوت.

الضباب ينحسر

لكن الجائزة الأكبر لسوناك والتي ستأتي من "إطار عمل وندسور"، إن تمكن فعلاً من تمريره في البرلمان، ستتمثل بالبدء في استعادة العلاقات الجيدة بالاتحاد الأوروبي، فالأخير يبقى الشريك التجاري الأهم للمملكة المتحدة ومن شأن النيات الطيبة بين الطرفين، التي ولدها الاتفاق الجديد حول إيرلندا الشمالية، أن تقود إلى اتفاقات عدة في المستقبل.

لقد وعد الاتحاد الأوروبي وعلى المدى القريب بتعزيز معاهدة تعاون تجمعه ببريطانيا تمثل مقدمة لتمكين المملكة المتحدة من معاودة الانضمام إلى برنامج الاتحاد المعروف بـ "أفق أوروبا" (Horizon Europe)، فمشروع الاتحاد الأوروبي الريادي والبالغ قيمته 100 مليار يورو والمخصص لتمويل البحث العلمي، استثنى تقريباً كل الباحثين البريطانيين على مدى العامين الماضيين نظراً للخلافات المستمرة حول "بريكست"، لذا لم يكن مفاجئاً مسارعة العلماء البريطانيين إلى الترحيب بالاتفاق.

كذلك يأمل سوناك في أن يقوم "إطار عمل وندسور" بتمهيد الطريق لتعاون أوثق مع فرنسا، خصوصاً في موضوع الهجرة إلى المملكة المتحدة، إذ إن كثيراً من طالبي اللجوء والمهاجرين من أجل العمل والاقتصاد ينطلقون من سواحل شمال فرنسا للقيام برحلات محفوفة بالأخطار بواسطة قوارب صغيرة نحو الشواطئ البريطانية، ومنذ توليه رئاسة الحكومة استثمر سوناك بشكل كبير في علاقته مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فالرجلان من الجيل نفسه وماكرون حيّا "إطار عمل وندسور" واعتبره قراراً مهماً.

وفي نهاية المطاف ينبغي من الثقة المتبادلة التي استعيدت عبر الاتفاق الأخير أن تسهم أيضاً في تسهيل الوصول إلى اتفاقات تعاون في الخدمات التجارية والمالية والثقافية والترفيهية، إن أردنا ذكر القليل من القطاعات التي اختلت بفعل الاحتكاكات والخلافات التجارية، وتلك قطاعات لم تشملها الاتفاقات التجارية التي وقعت في ديسمبر (كانون الأول) 2020 بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

كما سيقوم "إطار عمل وندسور" أيضاً بتنقية العلاقة الموصوفة بـ "الخاصة" بين بريطانيا والولايات المتحدة من أي شائبة أصابتها، فالرئيس الأميركي جو بايدن، الفخور بجذوره الإيرلندية، عبّر مراراً عن قلقه تجاه التوترات المتصاعدة في إيرلندا الشمالية بفعل البروتوكول، وقد شجع بايدن الحكومات البريطانية المتعاقبة على تسوية كل المشكلات العالقة مع الاتحاد الأوروبي بغية المحافظة على التوازن الهش بين معظم الأوساط الكاثوليكية الجمهورية الإيرلندية وبين الأوساط البروتستانتية الإيرلندية المؤيدة عموماً للوحدة (مع بريطانيا).

وطالما لم تحل هذه المسألة فلن يكون أمام المملكة المتحدة سوى أمل ضئيل في الوصول إلى اتفاق تجارة حرة مع الولايات المتحدة، المكافأة التي يرغب فيها منذ زمن بعيد كثيرون من أنصار "بريكست"، وإلى هذا فإن الاتفاق قد يفتح الطريق أمام الاستثمارات الأميركية في إيرلندا الشمالية، خصوصاً وإن الأخيرة ستحظى الآن بموقع فريد لصلتها الكاملة بالسوقين الموحدتين لكل من بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وبالفعل ضمن هذا السياق أمضى وزير الدولة لشؤون إيرلندا الشمالية كريس هيتون -هاريس وقتاً غير قليل في الولايات المتحدة، وخصص طاقة كبيرة خلال الأشهر الستة الماضية وهو يحشد المصالح الأميركية للاستثمار في إيرلندا الشمالية، وبعض تلك الاستثمارات الموعودة وأموالها لن تجد طريقها إلى إيرلندا الشمالية إلا بعد تنفيذ الاتفاق.

انفراد كامل

من المؤكد هنا أن سوناك سيبقى يواجه تحديات سياسية واقتصادية جسيمة إن أراد تحدي الصعاب كي ينتخب مرة ثانية رئيساً للوزراء مع حزبه العنيد في معظم الوقت، حزب المحافظين، وذلك في أواخر عام 2024 عندما يحين موعد الانتخابات العامة المقبلة، كما أن "بريكست" من جهته يبقى بحد ذاته هدفاً اقتصادياً ضخماً، إذ كانت الأعوام القليلة الماضية التي شهدت اضطراباً جيوسياسياً متزايداً وتنامي عدم الاستقرار الاقتصادي، أثبتت بجلاء النعمة الحقيقية التي تحيا في ظلها الأمم المتآلفة ضمن كتل اقتصادية وسياسية أكبر.

اسألوا الأوكرانيين عما يقاتلون من أجله اليوم، وستكون "العضوية في الاتحاد الأوروبي" من أول أجوبتهم.

الانفراد الكامل كبلد صغير وحديث ومزدهر قد تكون فكرة جذابة في عالم أكثر سلماً وأكثر ديموقراطية وانفتاحاً من الناحيتين السياسية والاقتصادية، وهذه الصيغة العالمية الأخيرة لم تعد موجودة للأسف.

كان سوناك محقاً بسبب الاجتياح الروسي لأوكرانيا في فهم أن الحاجة إلى الوحدة الغربية الآن تتفوق على أي خلافات داخلية غربية حول "بريكست"، لكن وإزاء مراهنة كل من الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على سياساتهم الصناعية بغية إتاحة انتقالهم نحو الطاقة القابلة للتجدد، تبقى بريطانيا أمام خطر التخلف عن الركب، فالسياسات الصناعية لا تعمل إلا ضمن المقاييس والأطر الكبرى وعلى نطاق واسع، وذاك أمر بوسع الاتحاد الأوروبي أن يتيحه عبر مستهلكيه الذين يبلغ تعدادهم 450 مليوناً، وسيكون على المملكة المتحدة الخوض في عالم باتت التجارة الحرة فيه ومظاهر رفع القيود وتقدم الديموقراطية أموراً من الماضي، لذا جاء رهان سوناك متمثلاً في تبادل القبل وتسوية الأمور مع الاتحاد الأوروبي حول إيرلندا الشمالية، على أمل أن يؤدي هذا التصالح إلى فتح الأبواب في الولايات المتحدة وباقي العالم، لكن التغاضي يبقى غير ممكن عن حقيقة أن الأكثرية الراجحة من البريطانيين اليوم تتساءل بجدية إن كانت مقامرة "بريكست" تستحق كل هذه المتاعب والصعاب.

 ماتياس ماتهيس، أستاذ مشارك بمادة الاقتصاد السياسي الدولي في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونس هوبكنز وباحث بارز في الشؤون الأوروبية بمجلس العلاقات الخارجية

 مترجم عن فورين أفيرز 9 مارس (آذار) 2023

المزيد من آراء