Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حرائق حوارة" تشعل السؤال: من يملك مياه الضفة؟

أججت قلق الفلسطينيين من نقص الكميات وتهالك البنية التحتية واتهامات متبادلة بين رام الله وتل أبيب بسرقتها

احترقت 100 مركبة و35 منزلاً بالكامل و40 أخرى بشكل جزئي وقدرت بلدية حوارة الخسائر بـ 5 ملايين دولار (اندبندنت عربية)

ملخص

في حين تتجه #السلطة_الفلسطينية نحو مطالبة الجهات الدولية بـ "وقف عدوان #تل_أبيب على المياه" تقول الإدارة المدنية إنها توفرها للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء

"لقد انهار كل شيء أمامنا، وقفنا مذهولين وحاولنا أن نساعد بأي شيء، لكن لا ماء لدينا لإخماد ألسنة النيران التي التهمت الأخضر واليابس، وكانت أصعب وأخطر من أن نسيطر عليها، وفرق الدفاع المدني الفلسطيني التي تعرضت مركباتها وطواقمها للاحتجاز والاعتداء وقفت عاجزة عن أن تخمد الحرائق، لقد فات الأوان وفقدنا كل ما نملك".

هكذا وصف ياسر خموس (45 سنة) من بلدة حوارة شمال الضفة الغربية ليلة الـ 26 من فبراير (شباط) الماضي، حين شن مئات المستوطنين هجوماً دامياً على البلدة رداً على مقتل أخوين من مستوطنة "هار براخا" القريبة، وأحرقوا 100 مركبة فلسطينية و35 منزلاً بالكامل و40 أخرى بشكل جزئي، وقدرت بلدية حوارة الخسائر الناتجة من اعتداءات المستوطنين بـ 18 مليون شيكل (5 ملايين دولار).

وسجل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية 849 هجوماً شنه مستوطنون العام الماضي أسفر عن ضحايا أو أضرار في الممتلكات بأنحاء الضفة الغربية، وهو أعلى عدد يعلنه المكتب منذ بدأ رصد الهجمات عام 2005.

ووفقاً لمنظمة "ييش دين" الإسرائيلية الحقوقية فإن 93 في المئة من التحقيقات المتعلقة بعنف المستوطنين في الضفة الغربية بين عامي 2005 و2022 أغلقت من دون توجيه اتهام.

الحروب الإسرائيلية
الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني طبع أجيالاً تلو الأخرى، في شرق أوسط لا يعرف السلام. ومن غزة إلى الضفة الغربية وصولاً إلى لبنان، تستمر حتى اليوم تداعيات هذا الصراع الذي انطلق قبل نحو 100 عام.
Enter
keywords

 

مياه شحيحة

وإزاء كل هذه الأحداث يرى متابعون في الشأن الفلسطيني أنها لم تكن مصادفة، فاستهداف المستوطنيين لبلدة حوارة بالحرائق بشكل مكثف وغير مسبوق كان لمعرفتهم المسبقة بالأزمة المائية الحادة التي تعانيها البلدة مثلها مثل عشرات القرى والبلدات الفلسطينية التي تقع في المنطقة "ج" والخاضعة للسيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية الكاملة، وبأن خزانات المياه التي يملكها الفلسطينيون في حوارة بالكاد تكفي استخداماتهم اليومية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتصل المياه إلى التجمعات السكانية الفلسطينية نحو 10 ساعات في الشهر، ويضطر الفلسطينيون إلى تخزين مياه الأمطار في حفر غير مؤهلة، أما الذين ليس لديهم آبار فيشترون المياه بكلفة عالية وبأسعار تبلغ أضعاف سعر المياه المزودة عبر الأنابيب، وزيادة على ذلك فإن هذه المياه، وفق متخصصين، ليست صالحة للشرب، إذ تعتبر معايير الصهاريج التي تنقل فيها المياه متدنية من حيث الحفاظ على الشروط الصحية.

وقالت كارين ليندنر، من منظمة "مراقبة الحواجز الإسرائيلية"، لصحيفة "زمن يسرائيل" إن "نقص المياه يصعب إخماد الحرائق كما حدث بعد الاضطرابات القاتلة في حوارة، فمعظم القرى الفلسطينية الصغيرة لا تحوي صنابير إطفاء الحرائق، لذلك فإن السياسة المائية الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية ذات شقين، كمية مياه قليلة جداً وبنية تحتية سيئة".

وأضافت أن "نظام المياه بأكمله في المناطق الفلسطينية منحاز لإسرائيل والمستوطنين، وصيانة المصادر المائية في المنطقة (ج) حيث يعيش 200 ألف فلسطيني، تتطلب موافقة إسرائيل التي تتفنن في منع وصول المياه إليهم، وهناك المئات من الحالات التي دمر فيها الجيش خزانات المياه والبرك والأنابيب بذرائع مختلفة أو نقلها إلى المستوطنات، أما في إسرائيل فتوجد إمدادات مياه منتظمة".

وكانت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أشارت في وقت سابق إلى أن هناك 200 بلدة وقرية فلسطينية في المنطقة "ج" من الضفة الغربية تعاني شحاً خطراً في الموارد المائية ولا ترتبط بشبكة المياه الإسرائيلية، مؤكدة أن بعض الفلسطينيين يستهلكون شهرياً 20 لتراً فقط.

مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد الأبحاث التطبيقية (أريج) سهيل خليلية يقول "إسرائيل لا تتعامل مع الفلسطيني على أن لديه حقاً في هذه المياه، بل تراه مستخدماً يزود بخدمة المياه، كما أن هناك زيادة كبيرة في فاقد المياه لأن شبكات التوزيع قديمة وبحاجة إلى تجديد، وهذا يجعل تدفقها إلى المناطق الفلسطينية ضعيفاً".

منح للإنقاذ

وفقاً لـ "اتفاقات أوسلو" 1993 و1995 و"بروتوكول باريس الاقتصادي" 1994 فإن إسرائيل تتحكم في احتياطات المياه الموجودة تحت أرض الضفة الغربية وإدارتها وتوزيعها، إذ يذهب 80 في المئة منها إلى شركة المياه الإسرائيلية (ميكوروت)، و20 في المئة فقط للسلطة الفلسطينية، كما أقرت الاتفاقات عدم تقييد حصول الإسرائيليين على المياه، بينما قيدت توريد المياه للفلسطينيين بـ 118 مليون متر مكعب، يضاف إليها ما بين 70و80 مليون مكعب من تنقيبات جديدة.

كما اقتضى الاتفاق أن يشتري الفلسطينيون من إسرائيل 31 مليون كوب إضافي كل سنة، وتوفر السلطة الفلسطينية المياه للفلسطينيين في منطقتي "ب" و "ج" بـ 60 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، بينما تقدر منظمة الصحة العالمية استهلاك المياه المخصص للفرد بـ 100 لتر يومياً.

ويبلغ متوسط استهلاك الفرد للمياه في إسرائيل قرابة 300 لتر يومياً، بما يزيد سبعة أضعاف على الاستهلاك في المناطق الفلسطينية الذي يتراوح وفق متخصصين بين 20 و 90 لتر يومياً.

وبينت ورقة بحثية صادرة من معهد الدراسات البيئية والمائية التابع لجامعة "بيرزيت" الفلسطينية أن "هناك صعوبة في توصيل شبكة المياه العامة لجميع القرى والمدن لأسباب سياسية، إذ تمنع إسرائيل الفلسطينيين من إقامة شبكات مياه جديدة أو حفر آبار ارتوازية، إضافة إلى الكلف المرتفعة لإنشاء شبكات جديدة من المياه، واعتماد ذلك بشكل أساس على الدول المانحة وارتباطه بالاستقرار السياسي".

هذه الأزمة دفعت البنك الدولي نحو إعلان أنه بداية من مارس (آذار) الجاري سيحول منحاً قيمتها 25 مليون دولار لمشاريع تحديث وتأمين البنية التحتية للمياه للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، و15 مليون دولار أخرى لتعزيز خدمات المياه البلدية القادرة على الصمود في الأراضي الفلسطينية.

ومن المقرر أن يشارك الصندوق الاتئماني متعدد المانحين للشراكة من أجل تطوير البنية التحتية الذي يديره البنك الدولي، في تمويل هاتين العمليتين بمبلغ إضافي قدره 33 مليون دولار.

وأكد المدير الإقليمي للضفة الغربية وقطاع غزة ستيفان إمبلاد أن هذه التحركات الضرورية تهدف إلى "زيادة إمدادات المياه للفلسطينيين وتعزيز أداء مؤسسات المياه وتوسيع الخدمات للفلسطينيين المحرومين والتخفيف من تأثير تغير المناخ والاستعداد للكوارث".

سيطرة كاملة

بدورها، اتهمت السلطة في رام الله إسرائيل "بسرقة" المياه الفلسطينية، وقال رئيس الحكومة الفلسطينية محمد أشتية خلال فعاليات محلية ودولية إن "السلطات الإسرائيلية تسرق 600 مليون متر مكعب من المياه الجوفية الفلسطينية البالغة نحو 800 مليون متر مكعب وتحولها إلى داخل مدنها ومستوطناتها، وأن ثلث مياه الضفة يتم استخدامها داخل إسرائيل".

وأضاف، "حفرت إسرائيل منذ عام 1967 آبار مياه في الضفة الغربية أكثر عمقاً من الآبار الفلسطينية مما أدى إلى سيطرتها على معظم المياه الجوفية وتسبب في جفاف الينابيع، وهذه السرقة أثرت في تحول نمط الزراعة في فلسطين، وانخفاض مساحة الأرض المروية من ستة إلى اثنين في المئة من الأراضي المزروعة، وتحول المزارعون من زراعة الحمضيات والموز إلى محاصيل تحتاج كميات أقل من المياه".

وفي حين رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن تبقى المياه الفلسطينية "رهن السيطرة أو الاستغلال غير القانوني"، فإنه أضاف في كلمته أمام المؤتمر العربي الرابع للمياه الذي نظمته فلسطين في جامعة الدول العربية بالعاصمة المصرية القاهرة، "سنتوجه إلى الجهات الدولية المتخصصة لوقف العدوان على مياهنا".

ووفقاً للمركز الإسرائيلي للمعلومات عن حقوق الإنسان (بيتسلم) فإن الفلسطينيين الذين تضاعف عددهم منذ عام 1995 يستخرجون نحو 60 في المئة فقط من كمية المياه التي حددها "اتفاق أوسلو"، وذلك لأسباب تقنية مختلفة في أعقاب إخفاقات غير متوقعة في التنقيب عن مياه جوفية جديدة بالحوض الشرقي الذي لا يسمح للفلسطينيين بالتنقيب خارجه، وكذلك بسبب عراقيل وضعتها إسرائيل مثل الامتناع من الموافقة على المشاريع أو إعاقة الموافقة عليها لفترات طويلة، ولذلك تضطر السلطة الفلسطينية إلى شراء مياه من شركة "مكوروت" الإسرائيلية بكميات أكبر بكثير من تلك المحددة في الاتفاقات.

تحسين وتطوير

من جانبه رفض مكتب المتحدث باسم منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية الاتهامات الفلسطينية، مؤكداً عبر صفحته الرسمية أن "وحدة إدارة المياه في الإدارة المدنية ستواصل توفير الحلول وأداء واجبها من خلال أكثر الطرق مهنية لتوفير المياه لجميع سكان المنطقة من فلسطينيين وإسرائيليين على السواء، وبذل أقصى جهود في مجال مد خطوط مياه ومجار لعشرات الكيلومترات لمساندة السكان الفلسطينيين بتوفير ما لا يقل عن 35 مليون متر مكعب، وقد تم استثمار ملايين الشواكل لتطوير البنى التحتية للمياه بواسطة شركة "ميكوروت".

وأضاف في بيان نشره عبر صفحة وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق أن "وحدة المياه في الإدارة المدنية تعمل على مدار الساعة لتطوير مجال المياه في يهودا والسامرة بالضفة الغربية من طريق إقامة محطات مياه والتأكد من توفيرها أمام جميع السكان"، معلناً أن وحدة المياه بدأت منذ نهاية فبراير الماضي بأعمال ربط القرى الواقعة جنوب مدينة نابلس بخطوط المياه الخاصة بالشركة الإسرائيلية كنوع من الاستجابة لأزمة المياه التي تشهدها هذه المنطقة، والذي أدى إلى حل أزمة المياه في هذه القرى".

وفي هذا السياق قال منسق شؤون المياه في الإدارة المدنية روعي أساياغ إن "الإدارة المدنية تولي أهمية بالغة للتعاون مع سلطة المياه الفلسطينية، وعندما رصدنا الحاجة إلى المساعدات لم نتردد للحظة وفكرنا في إيجاد حل مهني وسريع لمصلحة سكان المنطقة"، مضيفاً أن "الإدارة المدنية ستواصل العمل على تعزيز رفاهية جميع سكان يهودا والسامرة".

اتهامات متبادلة

وادعت صفحة "المنسق" عبر موقعها الإلكتروني أن "ثقافة سرقة المياه عند الفلسطينيين ألحقت أضراراً فادحة بالخطوط التي تضخ المياه للقرى الفلسطينية"، في ما زعمت لجنة الرقابة الإسرائيلية، وفقاً لما أوردته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، أن الفلسطينيين يسرقون سنوياً 5 ملايين كوب ماء من طريق الربط غير المشروع مع خطوط المياه التابعة لشركة "مكوروت" الإسرائيلية للمياه، وكذلك عبر حفر الآبار الارتوازية بصورة غير قانونية".

وقالت اللجنة في تقرير سابق لها إن عمليات "السرقة" تعرض المياه الجوفية الجبلية وخزان المياه تحت الأرض لخطر شديد، وطالب عضو "الكنيست" أمنون كوهين من "حزب شاس" بضرورة "وضع حد وردع هذه العمليات وفرض عقوبات اقتصادية على الفلسطينيين".

الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (الميزان) أشار بدوره إلى أن تنفيذ مشاريع المياه في المنطقة "ج" لا يزال مرهوناً بموافقة الإدارة المدنية الإسرائيلية التي تحدد كميات المياه المزودة للفلسطينيين، ولا تضع أية شروط أو ضوابط على كميات المياه الممنوحة للمستوطنات، إضافة إلى أن الجهات الفلسطينية "أقرت بموجب اتفاقات سابقة عدم أحقيتها بالعمل في المنطقة (ج) لأنها من المناطق المتنازع عليها".

ورفضت شركة المياه الإسرائيلية "ميكوروت" الاتهام بأن المستوطنين الإسرائيليين يسرقون المياه لمزارعهم، مؤكدة أن المشكلة تقع على الجانب الفلسطيني، وقالت لـ "موقع تايمز أوف إسرائيل"، "في إسرائيل يردع اللصوص عن السرقة لأنهم يعرفون أنه سيتم القبض عليهم، لكن في الضفة الغربية لا يوجد مثل هذا الخوف".

أما رئيس مجلس إدارة المستوطنات في الضفة الغربية يوسي داغان فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، مؤكداً أن "السلطة الفلسطينية تشجع مواطنيها على الإضرار بالبنية التحتية لأنها تخلق الفوضى التي يتعين على السلطات الإسرائيلية دفعها"، مضيفاً "هؤلاء الفلسطينيون يفكرون لأنفسهم، لماذا ندفع ثمن الماء إذا كان بالإمكان أن نسرقه؟".

من جهته، أكد مدير عام جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين الباحث عبدالرحمن التميمي أن "سلطة المياه الفلسطينية وافقت على جميع الطلبات الإسرائيلية الخاصة بمنشآت إمدادات المياه الجديدة لمستوطنات الضفة، في مقابل الموافقة على 37 في المئة فقط من طلبات الفلسطينيين خلال الفترة من 1995 إلى 2009، وحصول الفلسطينيين منذ 1993 على إذن واحد فقط من إسرائيل للقيام بحفر بئر في الحوض الغربي، واعتراض إسرائيل على كل طلب فلسطيني يتعلق بالآبار الجديدة في الحوض الغربي للخزان الجبلي الجوفي، وقيامه بتأخير الموافقة على تطبيقات أخرى مدة تصل إلى ثمانية أعوام".

المزيد من الشرق الأوسط