Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تعتمد أوروبا في الدفاع على أميركا إلى اليوم؟

لا تصدق المبالغات فالحرب بأوكرانيا أدت إلى تغيير طفيف

أفراد طاقم دبابة في أوغستدورف في ألمانيا، فبراير 2003 (رويترز)

ملخص

#الدفاع_الأوروبي_متقادم  وهش و#حرب_أوكرانيا لم تعززه

عندما غزت روسيا أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، بدا أن ذلك سيكون انعطافاً بالنسبة إلى الأمن الأوروبي. ويرتب على أوروبا القيام بتنظيم أمورها الدفاعية على نحو فعال، ولكن ها هي السنة الثانية دخلت من دون أن يتحقق تحول كهذا إلى اليوم. وتقع [مسؤولية] الجمود على عاتق أطراف عدة، هي بعض دول أوروبا، وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، والاتحاد الأوروبي. ولجأت كلها إلى ممارسات الماضي المريحة على أمل أن تتمكن من الحفاظ على الوضع الراهن الذي لا يمكن الدفاع عنه.

وهذا لا يعني أن أوروبا لم تتغير جراء الحرب، فقد تضامنت الجماهير الأوروبية وقياداتها على دعم أوكرانيا، والاستمرار في دعمها على رغم زيادة أسعار الطاقة زيادة كبيرة، وعلى رغم التضخم المرتفع. وقدمت الدول الأوروبية إلى أوكرانيا كميات هائلة من الأسلحة، وإن لم تكن بضخامة ما زودتها به الولايات المتحدة. وتقدمت كل من فنلندا والسويد بطلب الانضمام إلى حلف الناتو، كما تلقت أوكرانيا معدات فتاكة بمليارات [اليورو] من الاتحاد الأوروبي الذي يتولى تدريب قوات أوكرانية. ويتجلى بوضوح الشعور بالصدمة الذي انتاب القادة الأوروبيين، وبضرورة المبادرة رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا، في زيادات الإنفاق الدفاعي. وتقترب معظم الدول الأوروبية في حلف الناتو من بلوغ هدفه القاضي بإنفاق العضو ما لا يقل عن اثنين في المئة من ناتجه المحلي الإجمالي على الدفاع، علماً بأن بعض الدول مثل بولندا ودول البلطيق تنفق على الدفاع أكثر من ذلك بكثير.

ولكن، عند إلقاء نظرة من كثب، تبدو هذه التغييرات أقل من تحول حقيقي. فعلى رغم أن ارتفاع مستويات الإنفاق الحالية قد يدل على تحول، فإن تأثير هذا التحول قد لا يذكر إذا ظلت القضايا الأساسية التي يعانيها الدفاع الأوروبي من دون معالجة.

وبدلاً من تحفيز معالجة المشكلات الهيكلية العميقة التي يعانيها الدفاع الأوروبي، لم تفعل الحرب سوى تعميق هذه المشكلات. فالقوات الأوروبية، اليوم، في وضع أسوأ مما كان يظن سابقاً. فهي استنفدت مخزونات أسلحتها، وفقدت القدرة على دعم أوكرانيا. وإذ تسعى أوروبا إلى إعادة التسلح، تجد صناعاتها الدفاعية غير مناسبة لهذا الغرض. والجهود لأجل تنسيق المشتريات الأوروبية غير مجدية، فكل بلد يعمل منفرداً مما يفاقم الخلل الوظيفي العام. وظهر جلياً أنه لا يمكن للأمن الأوروبي أن يستغني عن الولايات المتحدة، كما ظهر اعتماد أوروبا على واشنطن. ويبدو أن القادة الأوروبيين قد قبلوا هذا الأمر باعتباره الوضع الطبيعي. وأعلن كثيرون من هؤلاء أن صفحة السعي وراء تحقيق "الاستقلال الاستراتيجي" طويت تماماً، ويتجاهلون التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. ويبدو أن طلائع الزخم المؤيد للإصلاح والتغيير في أثناء العقد الماضي تلاشت.

وعلى رغم تداول مقترحات لمعالجة هذه المسائل، فإن أياً منها لم يبلور مبادرة شاملة من النوع اللازم لإصلاحها. وفي اختصار، لا يزال الوضع الراهن، والانهيار الذي يدل عليه، على حاله.

ولكن الوضع الحالي لا يحتمل. وقد يكون جو بايدن آخر رئيس أميركي يؤمن بوجوب تعزيز العلاقة بين ضفتي الأطلسي فعلاً، ولا شك في أن مجيء جيل جديد سيؤدي إلى تغيير في السياسة الأميركية، في نهاية المطاف. وفي حين أن قادة الأمن القومي الأميركي الذين شبوا في القرن العشرين كان الأمن الأوروبي يشغلهم، وذلك من الحرب الباردة إلى توسع الناتو وحروب البلقان، ينصرف اهتمام جيل الشباب عن الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب، إلى الصين. وإذا لم يتول الأوروبيون إصلاح قواهم الدفاعية المتشظية وأنظمة مشترياتهم، الآن، تقهقروا قريباً إلى حيث كانوا قبل الغزو الروسي لأوكرانيا. وبناءً عليه، تتلاشى فرصة تغيير الدفاع الأوروبي التي أتاحتها الحرب الأوكرانية.

أسوأ مما كان يخشى

والحرب كشفت عن حال الدفاع الأوروبي المروعة. فأوروبا لم تستثمر في قواتها المسلحة طوال العشرين عاماً الماضية. وانصرف التمويل القليل الذي التزمت تقديمه إلى بناء قوات من أجل أداء المهام الإنسانية، ومكافحة التمرد والإرهاب في مناطق بعيدة عن القارة، كما هي الحال في أفغانستان. ولذا لا تملك الجيوش الأوروبية الأبنية الأساسية التي تحتاج إليها من أجل خوض حرب تقليدية تدور على مرمى حجر منها. وتفتقر معظم البلدان الأوروبية إلى مخزونات الذخيرة الاحتياطية الضرورية. فلدى القوات المسلحة الألمانية، على سبيل المثال، مخزون من الذخيرة يكفي لبضع ساعات من يوم قتال واحد. وتراجع مستوى سلاح الدبابات في كل أنحاء أوروبا من حيث العدد والجاهزية. فباتت ألمانيا تملك 300 دبابة ليوبارد2 على الورق، وتعمل منها 130 واحدة فقط. وليست هذه حال ألمانيا وحدها. فلدى إسبانيا أكثر من 300 دبابة ليوبارد، إلا أن ثلث هذه الدبابات عاطل عن العمل، وهو في حال سيئة إلى حد كبير. وليس لدى الأوروبيين أعداد كافية من المدافع، وهم يستنزفون قواهم من أجل دعم أوكرانيا. وقد أرسلت فرنسا، على سبيل المثال، أكثر من ثلث ما لديها من مدافع الهاوتزر إلى أوكرانيا، بينما نزلت الدنمارك عملياً عن كل ما تملكه من قطع المدفعية. وعلى رغم أن الدول الأوروبية التزمت، في وقت سابق من هذا العام، إرسال دبابات ليوبارد إلى أوكرانيا، فإن الوقت الذي تستغرقه إجراءات تجهيزها للقتال غير محدد.

وأبرز حلف الناتو، في إطار قمة حلف الناتو في مدريد الصيف الماضي، اهتمامه المتجدد بالتهديد الروسي، وبمقتضيات الحرب التقليدية. وأجمع أعضاؤه على هدف إنشاء قوة جاهزة قوامها 300 ألف جندي، مما يمثل زيادة واضحة على العدد الحالي، وهو 40 ألف جندي، ولكن كون الناتو منظمة متعددة الأطراف، يحمله هذا على وضع أهداف يوكل بلوغها إلى الدول الأعضاء دولة دولة. ولم يسع أحد أن يشرح كيف ستبلغ المنظمة، جماعياً، مثل هذا الهدف الطموح. فليس لدى هؤلاء القادة الأوروبيين العازمين على دعم أوكرانيا، وتعظيم قدراتهم الدفاعية إلى الحد الذي يردع روسيا، ترسانات الأسلحة، وسلاسل التوريد، والقدرات الإنتاجية، وإجراءات الشراء، التي يشترطها تنفيذ المهمة المطروحة.

وفي الأثناء، خسرت القاعدة الصناعية الدفاعية الأوروبية مقوماتها. ويعود أصل المشكلة إلى تقلص الإنفاق الدفاعي الأوروبي. والقضية الأوسع هي افتقار أوروبا إلى سوق دفاع مشترك تلبي حاجات الأمن الأوروبي. وما تملكه هو أكثر من 25 بنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) مختلفة، ولكل منها مشترياتها الوطنية الخاصة. وهذا المشهد المبعثر يجعل تنسيق المشتريات مهمة سياسية وبيروقراطية ضخمة. لذا، فالإنفاق الدفاعي الأوروبي مجزأ على نحو يقصره على دعم المجمعات الصناعية العسكرية الوطنية.

كشفت الحرب عن حال الدفاع الأوروبي المروعة.

 

والدور الذي تؤديه الولايات المتحدة يسهم في تردي الوضع. وغالباً ما قوبلت الجهود المبذولة لتحسين التعاون الصناعي الدفاعي، وعلى الخصوص تلك التي قام بها الاتحاد الأوروبي، بمعارضة الولايات المتحدة الشرسة. ومقاولو الدفاع الأميركيون هم من يستفيد من توقيع عقود أولاً، في أنحاء أوروبا، ويحرم شركات أوروبية من الفائدة، بالتالي فإن الجهود التي تبذلها أوروبا لتنظيم عملها الصناعي بشكل ناجع، تواجه مقاومة الإدارات الأميركية الشديدة. ولا تتكتم الشركات الأميركية على مخاوفها من استبعادها من السوق الأوروبية. وعلى سبيل المثال، بعد أن أعلن الاتحاد الأوروبي عن خطط إنشاء صندوق دفاع أوروبي جديد، ومبادرة لتطوير أنظمة أسلحة جديدة، اعترض وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس، ومسؤولون آخرون في إدارة ترمب بشدة، ونظموا حملة في سبيل تأمين وصول الشركات الأميركية إلى أموال الاتحاد الأوروبي الضئيلة. ولم يتبدد القلق الثانوي، من دور الولايات المتحدة في سوق الدفاع الأوروبي، في عهد بايدن. فإدارة بايدن مارست ضغوطاً قوية على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمصلحة مبادرات دفاعية. وعلى رغم اندلاع الحرب الدائرة، أصرت واشنطن، والرئيس الأميركي، على إدارة الحوار الأمني بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، على وضع اللمسات الأخيرة على "ترتيب إداري" لا يضر بحصول الولايات المتحدة على أموال ينفقها الاتحاد الأوروبي على الدفاع.

كان للمعارضة الأميركية تأثير مخيف كبير في محاولات تحسين التنسيق [الدفاعي على المستوى الأوروبي]. ولا يتطلب الأمر سوى شعور بضع دول متقلبة من أعضاء الاتحاد الأوروبي بالقلق من رد فعل الضامن الأمني [أميركا]، لكي تتصرف بمزيد من الحذر والبطء وصولاً إلى تعطيل جهود الاتحاد الأوروبي الجماعية. ويعود السبب في تدني مستوى التعاون الدفاعي الأوروبي في العقد الماضي، جزئياً، إلى هذه العرقلة. وطبقاً لوكالة الدفاع الأوروبية، فإن الإنفاق المشترك على المعدات العسكرية في عام 2021، أي تعاون دول أعضاء على جمع المال من أجل شراء الأسلحة بشكل مشترك، بلغ 18 في المئة فقط من إجمالي مشتريات الدول المعنية المعدات الدفاعية. وهذا أقل كثيراً من المستوى الذي حدده الاتحاد الأوروبي للمشتريات التعاونية البالغ 35 في المئة، وعلى هذا، يخالف قطاع الدفاع القطاعات الاقتصادية الأوروبية الأخرى. فهذه دمجها إنشاء السوق الأوروبية الموحدة دمجاً قوياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والنتيجة، في آخر المطاف، هي أن القوات الأوروبية، من غير استثناء، تستخدم معدات مختلفة، مما يعرقل تنسيق عملها. والحال، يستعمل الأوروبيون 29 صنفاً من المدمرات المختلفة، و17 من الدبابات أو ناقلات الجنود، و20 من الطائرات المقاتلة، مقارنة بما تستخدمه الولايات المتحدة، وهو أربعة أصناف من المدمرات، وصنفاً واحداً من الدبابات، وستة من طرز الطائرات المقاتلة. وهذا يخلق فجوات كبيرة في القدرات، لا سيما ما يتصل منها بالنقل والاستطلاع والمراقبة والدفاع الجوي. وتتحمل الولايات المتحدة مسؤولية سد هذه الثغرات، وهذا يعني أن الجيوش الأوروبية تبقى عالة على واشنطن حتى في أبسط المهام العسكرية. وعلى سبيل المثال، عندما سحبت الولايات المتحدة معظم قواتها من أفغانستان في عام 2021، اعتمد الأوروبيون على القوات الجوية الأميركية لإجلاء رعاياهم.

اختلاس النظر  إلى الداخل

وفي نهاية المطاف، لا ريب في أن الأخطار التي تتهدد القوات المسلحة الأوروبية تتحمل الحكومات الأوروبية المسؤولية عنها. ولا بأس من التحقق كذلك من دور الناتو في مصير الوضع إلى هذه الحال. وليس السبب في فوضى الدفاع الأوروبي "تكرار" الاتحاد الأوروبي صنيع حلف الناتو. وتعليق اضطلاع الاتحاد الأوروبي بدور دفاعي، على مدى العقدين الماضيين، أفسح المجال [لهيمنة] حلف شمال الأطلسي والدول الأعضاء فيه. وتتحدث نتائج ذلك عن نفسها.

وفي وسع حلف الناتو تنسيق القوات ودمجها، وتجميع الوحدات من جيوش بلدان متفرقة، وتشكيل جسم متماسك يقاتل بفاعلية، لكنه أثبت قصوره عن دمج أكثر من 25 وزارة دفاع وفرقاً أوروبية مختلفة التسلح. ونازع حلف الناتو إلى الدفاع عن قوته ووحدته يتستر على حال العجز التي تشكو منها القوات الأوروبية.

وكان ردم ثغرات الناتو والولايات المتحدة في القدرات، يدعو إلى تحميل أميركا أولاً مسؤولية الدفاع الأوروبي في الوقت الذي يطالب الأوروبيون فيه بزيادة الإنفاق. وتميل الدول الأوروبية إلى تقليص الاستثمارات في الأنظمة (العسكرية) التي من شأنها تقليل اعتمادها على واشنطن. فعلى سبيل المثال، لم يتمخض "الانعطاف" (Zeitenwemde) الألماني [الخطاب الشهير الذي أعلن فيه المستشار أولاف شولتز عن إعادة هيكلة سياسة الدفاع بشكل جوهري بسبب غزو أوكرانيا] عن إيذان ببناء طائرات نقل جديدة. فذلك يلقى على عاتق الولايات المتحدة. وبدلاً من [صناعة المعدات العسكرية]، تعطي الحكومات الأوروبية الأولوية للمشتريات من الشركات المحلية أو الموردين من بلدان أخرى، مثل الولايات المتحدة، وفي سبيل تعزيز العلاقات الدفاعية بواشنطن.

أين الطموح؟

وما لا شك فيه هو أن مهمة الناتو الأساسية هي تنظيم جيوش الحلف المختلفة في سبيل القتال معاً. والناتو لا يشتري أسلحة، ولا يعود إليه تحديد مستويات الإنفاق أو التنسيق بين وزارات الدفاع. وهو المجال الذي يسع الاتحاد الأوروبي القيام به، ففي مستطاعه دمج الإنفاق الدفاعي الأوروبي وتنسيقه واستكماله، تماماً كما فعل في القطاعات الاقتصادية الأوروبية الأخرى. وعلى الاتحاد الأوروبي أن يوجه جهود التسلح الأوروبية ويحفزها، والتيقن من شراء الدول أنظمة تعمل معاً، ولا تتجاهل شركات الدفاع الأوروبية، من أجل موردي بلد آخر، في شتى المجالات.

وإلى اليوم فشل الناتو في القيام بذلك. وبعد أن أرسل أعضاء الاتحاد الأوروبي كميات ضخمة من المعدات إلى أوكرانيا، وأنفقوا مالاً كثيراً على الدفاع، أخذوا يبحثون، وهذا أمر مفهوم، عن حلول سريعة. وهم يعتقدون أنهم لا يستطيعون الانتظار ريثما ينجز المنتجون الأوروبيون تصاميم أنظمة السلاح الجديدة، ويزيدون الإنتاج. وبدلاً من الانتظار، تسعى الدول الأوروبية في تجديد مخزون ترسانتها بسرعة، واستبدال أنظمة يمكنها شراؤها بسهولة من الشركات المصنعة في بلدان خارج أوروبا بالمعدات التي أرسلت إلى أوكرانيا. فمثلاً، اختارت بولندا التوصية على دبابات من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية العام الماضي، بدلاً من انتظار توفر "نظام القتال الأرضي الرئيس"، وهو مشروع بدأته فرنسا وألمانيا في عام 2012، ويهدف إلى استبدال دبابات القتال الأوروبية الرئيسة العاملة في الخدمة حالياً. والمشكلة هي أنه عندما تشتري دولة ما نظام أسلحة رئيساً، فإنها تنخرط في اتفاق يلزمها شراء تلك الدبابة، أو هذه الطائرة، وبصيانتها لعقود، مما يؤخر الوقت الذي تسنح فيه الفرصة التالية للتخلي عن الموردين وتعزيز تقسيم العمل الأوروبي.

وعليه، تحتاج أوروبا إلى خطة تقوي التكامل الدفاعي، وتبدأ تشغيل قاعدة الصناعة الدفاعية الأوروبية. وتنوي المفوضية الأوروبية إنفاق 530 مليون دولار (293.49 مليون جنيه استرليني)، في العامين المقبلين، على تحفيز الدول الأعضاء على شراء المجموعة نفسها. وإذا فعلوا ذلك، واشتروا من الموردين الأوروبيين، سيقوم الاتحاد الأوروبي بتعويض بعض كلف التعاون. ويعتبر ذلك استمراراً لعمل ـصندوق الدفاع الأوروبي الذي أنشأه الاتحاد الأوروبي أخيراً، وهو يدعو الدول الأعضاء إلى العمل معاً في البحث والتطوير الدفاعيين.

غلبت مبيعات الأسلحة الأميركية إلى أوروبا على حساب التحالف الأطلسي.

 

إلا أن ميزانية البرنامج الجديد الأوروبي، لن تغير سلوك الدول الأعضاء. واقترحت المفوضية صندوق المشتريات هذا كبرنامج تجريبي يرسي أسس برنامج استثمار دفاعي أوروبي أوسع نطاقاً، وأكثر طموحاً. ومن المرجح أن يشتمل البرنامج على ميزانية أكبر، وإجراءات إضافية مثل إعفاءات ضريبية عن برامج المشتريات المشتركة. والحق أنه مشروع تجريبي صغير بالكاد يلبي حاجات الوقت الراهن. والمشكلة هي أن ميزانية الاتحاد الأوروبي الحالية، وإلى سبع سنوات مقبلة، قررت قبل الحرب في أوكرانيا بوقت طويل، مما ترك لدى المفوضية الأوروبية القليل من التمويل للاستفادة منه. وفي مراجعة مقبلة لميزانية الاتحاد الأوروبي، يمكن للدول الأعضاء تخصيص مزيد من الموارد للدفاع. وإلى اليوم، تبدو الحماسة لتخصيص تمويل ضخم فاترة. واقترض الاتحاد الأوروبي 800 مليار دولار (نحو 671 مليار جنيه استرليني) استجابة لجائحة كوفيد-19، لكنه لم يفعل الشيء نفسه رداً على الحرب. وبدلاً من حمل الاتحاد الأوروبي على زيادة الميزانية، وتشجيع الدول الأعضاء على التعاون، مارست الولايات المتحدة ضغوطاً وراء الستار لضمان استفادة الشركات الأميركية من التمويل الأوروبي.

فبدلاً من أن تكون الحرب انعطافة في سياسة الدول الأوروبية، ضاعفت هذه من اعتمادها على الولايات المتحدة، وفشلت في التنسيق في ما بينها. ويصوغ الاتحاد الأوروبي أفكاراً ذكية، ولكنه يحجم عن تمويلها. وتستمتع الولايات المتحدة بالقرائن القوية والواضحة عن احتياج أوروبا إليها، بينما تقوض بمهارة الجهود الأوروبية المشتركة التي قد تؤدي إلى تقليل أرباح شركات الدفاع الأميركية. أما حلف الناتو، فمنشغل بتشبيه وهم القوة من طريق رسم أهداف ليست في المتناول، مثل إنشاء قوة جاهزة قوامها 300 ألف جندي في حين لا يبدو أن أياً من دبابات أوروبا جاهزة للعمل.

ولا شك في أن ما يمكن لمؤسسات الاتحاد الأوروبي أن تفعله للتأثير في سلوك الدول الأعضاء غير قليل أبداً. وتأثير الحوافز المالية يبقى محدوداً ما دامت الدول الأعضاء غير مستعدة للتغلب على غرائزها الحمائية، واتخاذ إجراء جريء في مجال التعاون الصناعي والدفاعي الأوروبي. وبعضهم بادر إلى تغيير مسلكه. وعلى سبيل المثال، قدمت رئيسة وزراء إستونيا كاجا كالاس، إلى الحكومات الأوروبية خطة تقضي بشراكتها في شراء قذائف المدفعية عيار 155 ملم بقيمة 4.2 مليار دولار (نحو 3.52 مليار جنيه استرليني)، بواسطة صندوق "مؤسسة السلام الأوروبي". وسبق استخدام صندوق المساعدة الأمنية الجديد، أحد مرافق الاتحاد الأوروبي، في توفير 3.7 مليار دولار (نحو 3.1 مليار جنيه استرليني) يسع أعضاء الاتحاد الأوروبي الذين يرسلون مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا التصرف بها. وأيدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، الاقتراح الإستوني في مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير، وجادلت بأن الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى إجراءات مشتركة، كما فعل في أثناء الوباء، وحصل أعضاؤه على اللقاحات معاً كتلة واحدة. وقد تكون هذه خطوة مهمة. فإذا استطاع الاتحاد الأوروبي الاشتراك في شراء الذخيرة، فليس ثمة ما يحول دون اتخاذه خطوات مماثلة، واشتراكه في شراء قطع المدفعية، أو زيادة إنتاج دبابة ليوبارد. والأمر المخيب هو أن الطلب على شراء أعداد جديدة من دبابات ليوبارد لم يبلغ المستوى الذي يدعو إلى زيادة الإنتاج، على رغم أن الرئيس التنفيذي لشركة KMW رالف كيتزل التي تصنع هذه الدبابات وتتخذ من ميونيخ مقراً لها، قال إن لدى الشركة القدرة على زيادة الإنتاج. وصرح في ميونيخ، الشهر الماضي، "لم يشر أحد إلى الآن [بأنه يريد مزيداً منها]".

تحتاج أوروبا إلى أسلحتها الخاصة

والتزام الإقدام على عمليات استحواذ مشتركة، يقتضي من الاتحاد الأوروبي، ودوله، تخصيص الأموال اللازمة. وفي هذا المجال يضطلع تشجيع واشنطن بدور راجح. وعلى رغم أن إدارة بايدن تستحق كثير الثناء على انخراطها، إلى جنب أوروبا وقيادتها، في الرد على الحرب الروسية في أوكرانيا، فإن الولايات المتحدة لم تحمل على إجراء إصلاحات هيكلية عميقة في الدفاع الأوروبي. وبدلاً من ذلك، فقد ساندت إدارة بايدن أولاً المبادرات التي وسعت نطاق الدور الذي تضطلع به الولايات المتحدة في القارة. وزادت واشنطن عدد القوات الأميركية المرابطة في أوروبا. أضافت قوات إلى الجناح الشرقي، وأنشأت قاعدة في بولندا، ووسعت دائرة الوجود البحري الأميركي في إسبانيا. وهذه الخطوات منطقية، واستقبلها الأوروبيون بامتنان، ولكن استدامة عمليات الانتشار [الأميركية] في أوروبا غير محل تكهن، لا سيما أن البنتاغون يولي الصين الأولوية المطردة.

وتبدو إدارة بايدن خاوية الوفاض من الأفكار التي تجعل أوروبا أقل اعتماداً على الولايات المتحدة. وتلقى الولايات المتحدة صعوبة بالغة في حسم الاختيار بين هدفين متناقضين: إما الحفاظ على وضعها قوة لا غنى عنها في أوروبا، وإما تقليص اعتماد أوروبا عليها. فلجأت، جراء وقوعها في هذا الارتباك، إلى طرح مطلب الولايات المتحدة التقليدي، أي دعوة الدول الأوروبية إلى الإنفاق على الدفاع (والشراء من أميركا وليس من دول الاتحاد الأوروبي)، فوق ما تنفق. واليوم، بعد أن أنفقت الدول الأوروبية أخيراً ما يعادل اثنين في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، يشيع كلام على نية الولايات المتحدة الدعوة إلى الإسهام في إنفاق جديد على حلف شمال الأطلسي قد يبلغ ثلاثة في المئة، ولا شك في أن بقاء الإنفاق من غير تنسيق يقصر تأثيره في الدفاع الأوروبي على الهامش. وفي الوقت نفسه، لن يؤدي الهدف الجديد وغير العملي إلا إلى إثارة التوتر والإحباط داخل الحلف.

أما إذا انتهجت الولايات سياسة تشجع مبادرات التكامل الدفاعي الأوروبي، وتحض على زيادة تمويل هذا الضرب من الجهود، فقد يكون هذا النهج المواتي أحد المخارج من المأزق. وعلى الولايات المتحدة التوقف عن ممارسة نفوذها في سبيل مد يدها إلى أموال الدفاع في الاتحاد الأوروبي، واستخدام هذا النفوذ في حمل الدول الأوروبية الأعضاء، لا سيما في شمال أوروبا وشرقها، على دعم زيادة التمويل في برامج المشتريات الخاصة بالاتحاد الأوروبي. وإذا استعملت السفارات الأميركية، في أنحاء أوروبا، نفوذها في [إنجاح] هذه الجهود، بدلاً من [تسويق] مبيعات الأسلحة الأميركية، فقد يؤدي ذلك إلى تغيير ملحوظ.

وأصبح من الواضح أن مبيعات الأسلحة الأميركية إلى أوروبا إنما كانت على حساب التحالف الأطلسي. وتضعف كل عملية بيع أسلحة إلى أوروبا القاعدة الصناعية الدفاعية الأوروبية، وتحرم إحدى الشركات الأوروبية من سوقها الأولى، هذا ما يحدث كلما اشترت دولة أوروبية نظام دفاع باتريوت الجوي من شركة رايتون Raytheon الأميركية، بدلاً من نظام SAMP/T من شركة MBDA، المنافسة الفرنسية والإيطالية والبريطانية لشركة رايتون، أو طائرة أف-16 من لوكهيد مارتن Lockheed Martin بدلاً من Saab Gripen السويدية، أو دبابة أبرامز بدلاً من شالنجير البريطانية، أو Leclerc الفرنسية، أو ليوبارد المانية. وسوف يدافع الدبلوماسيون الأميركيون حتماً عن شراء الأسلحة من الشركات الأميركية، تماماً على نحو ما يساند الدبلوماسيون الأوروبيون مقاولي بلدانهم العسكريين، ولكن عندما تتحدث الولايات المتحدة عن الدفاع عن أوروبا، يصغي الأوروبيون إليها. والفائدة الدبلوماسية التي تعود على الولايات المتحدة من هذه المبيعات ضئيلة، فواشنطن هي، سلفاً، حليف عسكري للدول الأوروبية. فعلى وزارة الخارجية الأميركية أن تنظر في تأثير مبيعات الأسلحة الأميركية في القاعدة الصناعية الدفاعية لحلف الناتو عندما تنظر في دفاعها عن مثل هذه المشتريات.

وعلى نطاق أوسع، على الولايات المتحدة، عوض الاكتفاء بحمل الدول الأوروبية على زيادة الإنفاق على الدفاع، أن تستخدم نفوذها في تشجيع التعاون العسكري الأوروبي. ويمكنها، أن تشجع تنسيق جهود التخطيط الدفاعي بين الناتو والاتحاد الأوروبي، وأن تحفز الإنتاج الأوروبي، وشراء قدرات حاسمة تراها المنظمتان ضرورية. وما دام الأوروبيون عاجزين عن التصرف والتفكير والإنفاق بشكل جماعي، فإن القارة لن تتخلص من [مشكلة] اعتمادها المفرط على واشنطن.

*ماكس بيرغمان هو مدير مركز ستيوارت وبرنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. وشغل بين عامي 2011 و2017، عدداً من المناصب في وزارة الخارجية الأميركية، بما في ذلك عضوية فريق تخطيط الدراسات

*صوفيا بيش زميلة أوروبية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

مترجم من فورين أفيرز، مارس (آذار) 2023

المزيد من آراء