Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يشعر كوكبنا بعدم الاستقرار في الوقت الحالي؟

"الأنظمة غير الخطية" في العلوم الفيزيائية والبيولوجية والاجتماعية تعني حصول فترات غير متوقعة ومتقطعة بعد مرحلة استقرار

ناشطون من جمعية "غرينبيس" في المغرب دعماً لسلامة المحيطات (من موقع غرينبيس الإلكتروني)

ملخص

#أدوية_المستقبل القريب ستجعلنا نفكر بشكل أسرع وستدخل #تقنيات_تكنولوجية منتهية الصغر لتساعدنا على التركيز بما يتجاوز القدرة البشرية العادية

هناك نوعان من الأحداث التي يمكننا توقعها، أي الوصول إلى نتائج بعد دراسة تأثير أمر ما في مجريات سائر الأمور المتسلسلة، كأن يؤدي تزايد نسبة ثاني أكسيد الكربون في الهواء إلى الاحتباس الحراري، فيكون الحل تخفيض نسبة الغاز الضار، وهناك تنبؤات نعرفها، ولكن لا يمكننا الوقوف في وجهها، مثل التنبؤ بانفجار بركان فنعرف أنه سينفجر خلال أيام أو أن تسونامي سيقع بعد زلزال قوي، ولكن هذا التوقع لن يفيد في درء الضرر الذي سيقع، ولكن هناك جوائح لا يمكننا توقعها أبداً مثل الزلازل والهزات الأرضية. أو حرب نووية تبدأ بالخطأ، أو انقراض مفاجئ لنوع معين من الحشرات أو انتشار فيروس معين أو هبوط اقتصادي ومالي في العالم يؤدي إلى كارثة كبرى، هذا النوع من الجوائح يجعل الناس في حالة من القلق الدائمة خصوصاً بعدما ضرب الوباء العالمي ما كان قد تبقى لدى سكان العالم من طمأنينة، ثم تلاه التضخم الذي أدى إلى انكماش اقتصادي يهدد سبل عيش الجميع على اختلافهم من دون التمييز بين نفسياتهم وأعمالهم وثقافاتهم وحدود دولهم، إذاً السؤال المطروح هو من أين نزلت علينا كل هذه المصاعب دفعة واحدة؟

مفاجآت الاستقرار الدائم

الباحث في موقع "بي بي سي" تيم بالمر كتب حول موضوع "الأنظمة غير الخطية" في فبراير (شباط) 2023، واعتبر أن هناك سبباً عاماً للكوارث المفاجئة غير المتوقعة، وهو شيء شائع في عديد من "الأنظمة غير الخطية" في العلوم الفيزيائية والبيولوجية والاجتماعية، ويتم شرحها على أنها عدم الاستقرار المتقطع الذي ينتج بعد فترات طويلة من الاستقرار الذي سيؤدي إلى سلوك يمكن التنبؤ به، فتصبح هذه الأنظمة أو "السيستم" فجأة غير متوقعة في ردود فعلها وتظهر التقلبات الشديدة، هذا ينطبق على أنظمة الطبيعة المعقدة وعلى أنظمة البشر الغريزية أو الناتجة من العقد الاجتماعي، ويمكنه أن ينطبق على أنظمة الكومبيوتر والأنظمة السياسية وغيرها من الأنظمة التي تحرك كل شيء على كوكب الأرض.

مثلاً من خلال الاستمرار في إطلاق الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي يسخن الهواء فيميل نظامنا المناخي غير الخطي نحو مزيد من عدم الاستقرار المتقطع، ويرتبط أحد أكثر أنواع عدم الاستقرار تدميراً بنقطة تحول مفاجئ مثل تفكك صفيحة جليدية كبيرة تؤدي إلى ارتفاع كبير في مستوى سطح البحر، وفي مثل هذه الحالة يكون التوقع والعلم بالنتائج لا يؤديان إلى تغييرها قبل وقوعها.

تحديات كبيرة سنجابهها في العقود المقبلة

من بين التحديات الأولى اليوم السماح بتطوير التحكم بالشيفرة الوراثية أو الجينات والحمض النووي، على رغم أن هذه المشكلة لا تزال بعيدة الأثر ومفاهيم التغييرات التي قد تحدث نتيجة هذا التطور لا تزال غير متداولة على نطاق واسع بما يكفي لاعتبارها "تحدياً كبيراً" حالياً، إلا أن التطور المتصاعد في هذا المجال يجبرنا على الاستعداد لتداعياته.

نيكولاس أجار أستاذ الأخلاق في جامعة فيكتوريا في نيوزيلندا يرى أن "من الصعب تخصيص الوقت للتفكير الأخلاقي حول الاكتشافات الكبيرة في شيفراتنا عندما يبدو أن الإمكانات التكنولوجية الجديدة سريعة بشكل كبير".

أما المشكلة الثانية التي سنجابهها في السنوات الآتية فهي أن عدد سكان العالم ينفجر، وبات الناس يعيشون عمراً أطول من أي وقت مضى، وكبار السن هؤلاء سيحتاجون إلى رعاية دائمة وكثيفة خلال العقود المقبلة، وفي الواقع سوف يتضاعف عدد المعمرين أكثر من 50 مرة بحلول عام 2026، ما سيؤدي إلى سياسات جديدة تتعلق برعاية المسنين وربما السماح لمزيد من المهاجرين بتعويض القوى العاملة المسنة وانخفاض معدل الولادات.

هناك أيضاً مشكلة ارتفاع مستوى سطح البحر، وقد أثرت هذه الجائحة المستجدة والمتوقعة في حال استمر الاحتباس الحراري على ما هو عليه، في تصميم المباني في مدن كثيرة بصرف النظر عن الحاجة لمزيد من الأسوار البحرية حول المدن، فقد نضطر إلى التصالح مع فقدان مساحات كاملة من المدن والجزر والمناطق المنخفضة التي بات عدد كبير منها معروفاً لعلماء البيئة والمناخ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والجوائح المنتظرة لن تكون طبيعية فقط، بل هناك ما يسببه تطور البشر الاجتماعي أيضاً، مثل وسائل التواصل الاجتماعي التي أدت إلى تعقيد الطريقة التي نتواصل بها، ثم هناك أيضاً مشكلة نظامنا الغذائي المعلوماتي الذي يجب مراعاته، مثل تحديد الوسائل التي نحصل من خلالها على معلوماتنا والامتناع عن تناول الأخبار المزيفة، فإذا أمضينا أشهراً أو سنوات أو حتى عقوداً من حياتنا نحصل على معلوماتنا من مصادر غير موثوقة فقط، فإن ذلك لا يبشر بالخير للمجتمعات البشرية بأكملها، ولن ينتهي الأمر بالتوترات الجيوسياسية المتكاثرة منذ الحرب في أوكرانيا وانتقال التوتر إلى الصين وتايوان، فالتوترات السياسية غير المشتعلة والخامدة تحت الرماد قد تشكل تهديداً للاستقرار العالمي في العقدين المقبلين، وهذا أحد التحديات المهمة أيضاً.

وتبرز مشكلة تضاؤل الموارد من المعادن التي تتطلبها جميع التقنيات والأجهزة الجديدة التي تميز القرن 21، مثلاً يحتوي الهاتف الذكي على أكثر من 60 مكوناً من معادن ومن خليط من معادن مصنعة وهذا سيشكل ضغطاً على الموارد الطبيعية للكوكب، ففي الصين حيث يوجد 90 في المئة من المعادن الأرضية النادرة في العالم، فإن مناجمها بحسب التقديرات العلمية ستفقد في العقدين المقبلين جزءاً كبيراً من مواردها ما سيشكل ضغطاً كبيراً على الصناعة العالمية في حال لم يتم تفادي هذه المخاطر منذ اليوم.

عقاقير القوة والذكاء الاصطناعي

المشكلة المعاصرة والمستجدة أكثر من غيرها من بين التوقعات المختلفة عقاقير تعزيز القوة العقلية من القهوة إلى عقاقير "مودافينيل" وما بينهما. يشاع في الأوساط الطبية وصناعات الأدوية أن أدوية المستقبل القريب ستجعلنا نفكر بشكل أسرع مما هو ممكن حالياً، وستدخل تقنيات تكنولوجية منتهية الصغر لتساعدنا على التركيز بما يتجاوز القدرة البشرية العادية لساعات أو أيام، وتنشر دوريات علوم النفس والاجتماع تأثير مثل هذه الأدوية في أنواع البشر المستقبليين، ويظن كثر منهم أن التحديات التي يفرضها تعزيز الاستخبارات بدأت للتو في الظهور.

ويمكن اعتبار هيمنة الذكاء الاصطناعي على حياتنا في الإطار ذاته الذي سيؤثر فيه التحكم بشيفراتنا الجينية أو أدوية تسريع عمل الدماغ، وبرأي العالم راي كورزويل فإن الذكاء الاصطناعي سيصبح يوماً ما أقوى من الذكاء البشري ويحسن نفسه بمعدل أسرع، وكما هي الحال في حالة تحرير الجينات سيحتاج مجتمع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى النظر في الآثار الأخلاقية والاجتماعية للذكاء الاصطناعي في المستقبل.

هناك الفيروسات التي باتت اليوم أكثر خطراً مما كانت عليه في ماضينا لأن انتشارها بات أسرع بسبب الانفتاح العالمي والعولمة، ففيروس كورنا لم يكن متوقعاً، ثم تأخر التنبؤ بقدرته على الانتشار في المراحل المبكرة من المرض.

ويأتي الاقتصاد العالمي بعد الانهيار المفاجئ في سوق المصارف، وكذلك بسبب تطور العملات الرقمية، وبسبب التضخم الكبير الذي يضرب جزءاً كبيراً من دول العالم التي أنهكتها فترة الإغلاق المديدة والأكثر تضرراً، التي أنهكت مجدداً تحت وطأة الحرب الروسية في أوكرانيا، وهكذا يكون التنبؤ بالوضع الاقتصادي العالمي خلال العقود المقبلة من بين الأمور الأصعب، ولكنه سيبقى واحداً من التحديات المهمة التي سيجابهها البشر خلال الأعوام المقبلة. 

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة