Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخيم عين الحلوة دولة فلسطينية في المنفى اللبناني

سلاح وفوضى وتنظيمات وحروب لا تنتهي ومن هناك بدأت حرب لبنان

حركة "حماس" في المخيم (غيتي)

ملخص

مخيم #عين_الحلوة الفلسطيني هو التجمع الأكبر للفلسطينيين في #لبنان والأكثر اضطرابا أمنيا

الوضع الأمني داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان يبقى مصدر قلق دائم. ولا يكاد ينتهي اشتباك بين مسلحي الفصائل المتخاصمة ويسقط قتلى وجرحى، حتى يحصل اشتباك آخر ويبدأ مسلسل الرعب من جديد، خوفاً من حصول اشتباكات واسعة، ويبدأ خروج المدنيين إلى مناطق أكثر أمناً. المخيم الذي خرج كثيرين من القيادات الفلسطينية وله تاريخ حافل في محطات كثيرة في الأحداث اللبنانية وفي الحرب مع إسرائيل، يكاد يتحول إلى عبء على القضية الفلسطينية وعلى الأمن في لبنان.

متاريس وعمليات قتل

يوم السبت 4 مارس (آذار) سادت حالة من التوتر مخيم عين الحلوة على خلفية مقتل عضو حركة "فتح" وجهاز الأمن الوطني الفلسطيني محمود زبيدات. وشهد المخيم حالة استنفار عسكري محدود ومتبادل بين حركة "فتح" وجماعة "عصبة الأنصار" والتنظيمات المحسوبة عليها، وانتشر المسلحون في الأحياء والطرق وأقيمت الدشم والمتاريس. طالبت حركة "فتح" بتسليم القاتل خالد جمال علاء الدين الملقب بـ"الخميني". وأحضرت عناصر تابعة لها من المخيمات الأخرى في لبنان تحضيراً لعمل عسكري ضد "عصبة الأنصار". وشهد الشارع الرئيس المسمى "الشارع الفوقاني" وضع دشم وشوادر، ولا سيما قبل جامع الصفصاف وبعده ولجهة حي الطيري. نتيجة تدخل الجيش اللبناني وهيئة العمل الفلسطيني المشترك (التي تتمثل فيها كل القوى الفلسطينية الوطنية والإسلامية)، وافقت "عصبة الأنصار" على تسليم القاتل "الخميني" إلى القوة الفلسطينية المشتركة لتقوم بدورها بتسليمه إلى السلطات اللبنانية.

 

هذا الوضع المتفلت وصفه قائد القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة في المخيم العقيد الفلسطيني عبدالهادي الأسدي بـ"السوداوي ولا يبشر بالخير". ودعا إلى تغليب الحكمة منعاً لإعادة المخيم إلى الوراء وإلى زمن المربعات الأمنية والاغتيالات بالتالي تدميره. وهو تخوف ناتج عن معايشة يومية للوضع المتدهور.

ليست هذه الحادثة الأولى بين حركة "فتح" التي تتمركز في منطقة البركسات داخل المخيم والعصبة التي تتمركز في حي الصفصاف. ولا تنحصر الأحداث بطبيعة الحال بينهما، بل تتعداهما إلى تنظيمات مختلفة بعضها يتشكل من مجموعات صغيرة مسلحة. فالمخيم ينقسم عملياً إلى أحياء، وكل حي له عائلاته وعاداته وتقاليده وتنظيماته المسلحة، ويعكس صورة الانقسامات الفلسطينية بكل أشكالها، بما فيها عمليات الثأر التي تضعه دائماً على فوهة بركان، لذلك يشكل المخيم دولة فلسطينية في المنفى، وفد إليه اللاجئون من قرى فلسطينية عدة أعطته خصوصياتها التي حافظت عليها. إضافة إلى هذا التقسيم القروي ينقسم المخيم إلى مربعات أمنية وإلى تنظيمات مسلحة عريقة أو حديثة الولادة، معظمها من الإسلاميين واللاجئين إلى المخيم.

تاريخ المخيم

أنشئ المخيم عام 1948 من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر بهدف إيواء نحو 15 ألف لاجئ فلسطيني هجروا من قرى الجليل في شمال فلسطين أيام النكبة إثر قيام دولة إسرائيل. وهو يقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة صيدا، على قطعة أرض استأجرتها الدولة اللبنانیة من قبل اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر عام 1949، سكن اللاجئون في الخيام حتى عام 1952 عندما بدأ تشييد مساكن أسمنتية بمساعدة وكالة غوث اللاجئين الدولیة، وهو يسمى أيضاً عاصمة الشتات الفلسطيني.

نزح سكان مخیم عین الحلوة من شمال فلسطین من 36 قریة متاخمة للحدود اللبنانیة، منها قرى عمقا وصفورية وشعب وطيطبا ولوبيا والمنشية والسميرية والنهر والصفصاف وحطين والرأس الأحمر والطيرة وترشيحا والزيب وعكبرة وغوير أبوشوشة ونمرين وسعسع والسموعي في شمال فلسطين، إلا أن المخيم استمر باستقبال لاجئين فلسطينيين من مخيمات أخرى خلال الحرب الأهلية اللبنانية، إضافة إلى لاجئي عام 1967 بعد النكسة، ليصبح المخيم الأكبر في لبنان من حيث عدد السكان والمساحة. ووفد إليه في مرحلة الحرب في سوريا نازحون من مخيم اليرموك قرب دمشق. وتعتبر حركة "فتح" التنظيم الأكبر في المخيم، ولكنها فقدت مع الوقت السيطرة الكاملة عليه خصوصاً بعد صعود حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، ورعايتهما أكثر من تنظيم أو فصيل أصولي. حتى حركة "فتح" نفسها شهدت ولا تزال انقسامات داخلية أسهمت في إضعافها بالتالي تفلت الوضع في المخيم نتيجة عدم وجود أي قوة موحدة قادرة على السيطرة عليه، حتى القوات الفلسطينية المشتركة الموحدة أو الأمن الوطني الفلسطيني، القوة الرسمية الفلسطينية داخل المخيم. وتنقسم هذه القوى بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وتضم حركة "فتح" و"الجبهة الشعبية" و"الجبهة الديمقراطية"... وتحالف القوى الفلسطينية، الذي يمثل ثمانية فصائل غير منضوية ضمن المنظمة، ومن بينها حركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي" و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة"... وقوى فلسطينية غير منضوية في منظمة التحرير أو تحالف القوى، وهي بمعظمها فصائل إسلامية متفاوتة الأيديولوجيات، وأبرزها "عصبة الأنصار" و"أنصار الله" و"الحركة الإسلامية المجاهدة" و"جند الشام" و"حزب التحرير الإسلامي" و"جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية".

 

سلاح بداية الحرب

يعتبر مخيم عين الحلوة المكان الذي انطلقت منه الحرب الأهلية في لبنان مع التظاهرات التي انطلقت في مدينة صيدا وأدت إلى اغتيال نائب المدينة سابقاً معروف سعد في فبراير (شباط) 1975. "اتفاقية القاهرة" بين لبنان ومنظمة التحرير التي سمحت للفلسطينيين بالعمل المسلح في لبنان سهلت خروج السلاح من المخيم لدعم فصائل محلية في منطقة صيدا وغيرها من المناطق. ومنه انطلق المسلحون للمشاركة في أكثر من معركة. وكانت له جولة قتال قاسية مع جيش النظام السوري في يونيو (حزيران) 1976 عندما حاول هذا الجيش الدخول إلى صيدا في ظل الخلاف مع منظمة التحرير الفلسطينية.

ولذلك كان هذا المخيم بفعل تسليحه وامتداده وتحصيناته هدفاً للاجتياح الإسرائيلي في عام 1982. لم تعمل القوات الإسرائيلية على اقتحامه، بل حاصرته وتجاوزته في الطريق نحو بيروت لتعود إلى الاستيلاء عليه بعد فرار المسلحين الفلسطينيين منه، ولكن بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في المرحلة الأولى في عام 1985 أعاد الفلسطينيون تسليح أنفسهم في هذا المخيم وفي المخيمات الأخرى. ومرة جديدة عاد مخيم عين الحلوة ليلعب دوراً رئيساً في مجرى الأحداث اللبنانية ويعيد الاعتبار إلى دور البندقية الفلسطينية كأحد العوامل المؤثرة في الصراع الداخلي في لبنان. تجلى هذا الأمر في الحرب ضد محاولة حركة "أمل" الشيعية المدعومة من سوريا السيطرة على المخيمات الفلسطينية في بيروت والجنوب في عام 1986، ولكن بعد محاصرتها مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة في بيروت، تمكن المسلحون في عين الحلوة من الخروج من المخيم والتمدد نحو المناطق المتاخمة له مسجلين انتصارات على "أمل". نتيجة هذا الأمر اضطر "حزب الله" إلى الفصل بينهما، هذا التوسع امتد إلى البلدات التي شكلت امتداداً لمدينة صيدا حتى مدينة جزين التي بقيت تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية.

 

ضعف "فتح" وصعود الأصوليين

بعد انتهاء الحرب اللبنانية وانتخاب الرئيس إلياس الهراوي عملت السلطة اللبنانية على استعادة السيطرة على الأرض. عندما رفض الفلسطينيون العودة إلى داخل المخيم وتسليم الأسلحة الثقيلة حصلت مواجهة مع الجيش اللبناني في يوليو (تموز) 1991 نجح خلالها الجيش في ردهم إلى داخل حدود المخيم مستفيداً من دعم سوري مباشر، في ظل استمرار الصراع بين النظام السوري وياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية. فالنظام السوري الذي دعم الانشقاق عن حركة "فتح" في البقاع والشمال، وسيطر من خلال التنظيمات الفلسطينية المحسوبة عليه على مخيمات المنطقتين، حاول القضاء على نفوذ ياسر عرفات في المخيمات في بيروت والجنوب من خلال حركة "أمل". وبعد أن فشلت الحركة في تحقيق هذا الأمر نجح جيش النظام السوري في فرضه بعد عودته إلى بيروت في فبراير 1987، وبعد عام 1990 حاول أن يضع حداً لنفوذ عرفات في الجنوب في مخيمي عين الحلوة قرب صيدا والرشيدية قرب صور.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

منذ ذلك التاريخ طوق الجيش اللبناني المخيم، ولكنه لم يدخل إليه ولم ينفذ شرط تسليم السلاح، لذلك تحول المخيم ملجأ للمسلحين الفارين من وجه العدالة. لجأ إليه مثلاً منفذو عملية اغتيال الشيخ نزار الحلبي، رئيس "جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية" المدعومة من الاستخبارات السورية في وجه "الجماعة الإسلامية"، في عام 1996. وبعد أن انكشفت العملية وأوقف عدد من المشتركين فيها، وتبين أنهم ينتمون إلى "عصبة الأنصار" التي يتزعمها الشيخ أبومحجن، عبدالكريم السعدي، وكان اسمه يظهر للمرة الأولى بهذا الشكل مع هذا التنظيم، توارى أبومحجن ولم تنجح محاولات اعتقاله بعد أن تسرب قصداً أنه خرج من المخيم. وبعد أحداث الضنية (شمال لبنان) في مطلع الألفية الثانية بين الجيش اللبناني والمجموعات الأصولية، وبعد سيطرة الجيش اللبناني على الوضع، تمكن مسلحون كثيرون من التنظيمات الأصولية من الانتقال إلى مخيم عين الحلوة ليأخذوا اسم "جماعة الضنية". ربط نشوء قوة التنظيمات الأصولية في المخيم أولاً بنشوء تنظيم "القاعدة" وبالعلاقة مع أسامة بن لادن، خصوصاً أن معلومات كانت أشارت إلى ارتباط "عصبة الأنصار" به في قضية اغتيال الحلبي، إضافة إلى اتهام عدد من القيادات الفتحاوية في المخيم بتأمين الغطاء للأصوليين من خلفيات أصولية أيضاً. خلال هذه المرحلة كان بدأ تمدد حركتي "الجهاد الإسلامي" و"حماس" اللتين دخلتا بقوة إلى المخيم على حساب الترهل الذي أصاب حركة "فتح" بعد عودة عدد كبير من مقاتليها إلى الضفة الغربية بعد عودة عرفات في إثر "اتفاقات أوسلو".

 

انتحاريون بعد حرب القصير

بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان في عام 2000 برز تخوف لدى "حزب الله" من "فتح" نتيجة الخلاف مع عرفات حول موضوع السلام مع إسرائيل. ولذلك دعم الحزب حركتي "الجهاد" و"حماس" وبعض التنظيمات الأصولية الصغيرة داخل المخيم، ولكن بعد بدء الحرب في سوريا ووقوف "حماس" ضد النظام السوري حاول الحزب التقرب من "فتح". كان هناك خوف لدى الحزب من أن يستخدم السلاح الفلسطيني ضده في لبنان نتيجة عاملين: المواجهة التي خاضها بمخيم اليرموك في سوريا ضد النظام والانتماء المذهبي السني لأكثرية الفلسطينيين، هذا العامل ظهر مثلاً خلال الحرب التي حصلت بين الجيش اللبناني وجماعة الشيخ أحمد الأسير في منطقة عبرا (قرب المخيم) في عام 2013، وأدت إلى سيطرة الجيش اللبناني على مربعه الأمني وإلى لجوئه إلى المخيم. على رغم أن الجيش الذي يطوق المخيم من كل الجهات ويقيم حواجز على جميع مداخله ضغط أمنياً لتسليمه عدداً من المطلوبين، من بينهم مثلاً بديع حمادة الذي قتل ثلاثة عسكريين عام 2002، فإنه لم يفعل ذلك لتسليم الأسير. دائماً هناك مانع كبير يحول دون ذلك، وهو التخوف من حصول اشتباكات كبيرة تربك الوضع الأمني. وخوف "حزب الله" من السلاح الفلسطيني برز بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري واتهام الحزب بالعملية واحتقان الصراع السني - الشيعي في لبنان، والتحذير من فتنة مذهبية يكون السلاح الفلسطيني وقوداً لها، خصوصاً أن عمليات انتحارية كثيرة انطلقت مع منفذيها من مخيم عين الحلوة ومن مخيم الرشيدية في عامي 2012 و2013 إثر مشاركة "حزب الله" في الحرب في سوريا واحتلاله مدينة القصير في القلمون السوري وتهجير أهاليها، ولكن وبشكل دائم ومستمر استمر التمسك الفلسطيني بعدم العودة إلى استخدام السلاح في لبنان، وعدم الاستعداد لتوظيف هذا السلاح في خدمة أي طرف داخلي. صحيح أن هذا السلاح لا يخرج من المخيم، ولكنه بتفلته يجعل من هذا المخيم مكاناً غير آمن لسكانه الذين يفرون منه بعد كل اشتباك.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات