Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سعد القرش يستشرف المستقبل إفتراضياً في رواية "2067"

الزمن أساس في بنية النص السردي وحركة الشخصيات واثره على المكان

لوحة للرسام وليد علاء الدين (صفحة الرسام - فيسبوك)

ملخص

"2067" هو عنوان رواية جديدة للكاتب المصري #سعد_القرش، ويأتي اختياره للعام 67 في الألفية الثالثة محملا بدلالات تاريخية لارتباطه في القرن الماضي بهزيمة شهيرة، فهل يريد بذلك أن يستشرف المستقبل؟

يعد سعد القرش من الأصوات السردية المهمة بعد إصداره مجموعة من الروايات التي أثبتت حضوره الإبداعي اللافت، ومنها "حديث الجنود"، "باب السفينة"، "أول النهار"، "ليل أوزير"، "وشم وحيد"، و"المايسترو". ويمكن القول إن الزمن هو العنصر البنائي الأكثر حضوراً في روايته الجديدة "2067" (المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، ليس فقط انطلاقاً من عنوانها اللافت؛ بل لكون الزمن داخلاً في بنية النص الروائي، مشكلاً حركة الشخصيات، وتاركاً آثاره على المكان. ولنا أن نتأمل اختياره للعام 67 في الألفية الثالثة بما له من دلالة في التاريخ المصري والعربي الحديث؛ لارتباطه في القرن الماضي بهزيمة شهيرة، يقال عنها تخفيفاً نكسة. واستشراف المستقبل على هذا المدى البعيد نسبياً يذكرنا بروايات عدة، من أشهرها "1984" لجورج أورويل. وتحمل رواية القرش الكثير من ملامح "الديستوبيا"، حيث نجد أنفسنا أمام واقع مُقبِض تكثر فيه الكاميرات الثابتة التي ترصد حركة الجميع أينما وجدوا، بالإضافة إلى شرائح التتبع المثبَّتة في أجساد الكثيرين، والأشباح التي لا يراها أحد أثناء قتلها لضحاياها، و"الآليين" الذين "لا قدرة لأحد عليهم، لا تمنعهم إلا صاعقة أو انفجار كبير"، في إشارة إلى الانتفاضة الشعبية التي اجتاحت ميادين مصر في بدايات عام 2011. هؤلاء "الآليون" الذين أصبح من المعتاد أن يراهم "رشيد" – بطل الرواية – "في غسق المدينة القديمة، "وسط البلد" ويتفاداهم، يأسى على شوارع مستباحة صامتة تئن من الوطء الخفيف".

أجواء كابوسية

 ويتسم المكان بالغموض الذي يوحي بأجواء مرعبة حيث تتم الإشارة – دائماً- إلى ما يسميه الكاتب بـ"الكيان"، و"الكنترول"، من دون توضيح لهويتهما. كما يتسم المكان بالتبديل حيث يتحول – مثلاً- "ميدان التحرير"، إلى "ميدان أفندينا"، ويختفي تماماً من يشير إليه باسمه القديم الذي جرى محو كل ذكر له في ما يحتويه أرشيف الدولة الرسمي. وتذكرنا الرواية في بعض مشاهدها برواية "الهؤلاء" لمجيد طوبيا حيث يستبدل سعد القرش بالهؤلاء تلك العيون الخفية التي ترصد أي شخص "يفكر" في إزعاج ما. ويتضافر هذا الكابوس العام مع حياة رشيد الخاصة مع زوجته التي لا تبادله أي مشاعر، وتكاد تكون العلاقة الحميمة بينهما منقطعة. ومن الطبيعي أن ينتج من هذه الزيجة طفل فاقد النطق، في إشارة دالة على حال الجميع في ظل حكم مستبد. وعلى العكس من ذلك يجد رشيد نفسه مندفعاً في حبه لـ "سونهام" المتزوجة وعندما يعرض عليها الزواج بعد أن تنفصل عن زوجها تظهر الوجه الطبقي الحاد، فهي ترى أن علاقتهما علاقة عمل وإن تطورت فلن تكون أكثر من نزوة عابرة، أما الزواج فينبغي أن يقوم على التكافؤ كما هي الحال بالنسبة إلى زواجها من أستاذ في معهد السينما. أما رشيد، فهو – كما يصف نفسه – مجرد "محام يتيم".

حلم بعيد

هكذا يظل الارتباط بسونهام، في نظر رشيد، أمنية غير قابلة للتحقق، حين يشبهها – مثلاً- بأنها "جمرٌ يغوي من حيث لا تقصد، تلهم وتستعصي"، أو أنها – في محاولة لأسطرتها – "امرأة أجل من أن يحظى بها زمنٌ واحد وأكبر من أن يستأثر بها رجلٌ أياً كان". يهيمن "الزمن" على بنية السرد عامة، وذلك من خلال التصريح المباشر كما في العنوان، أو ذكر تاريخ بيان الجيش المصري في "يوليو 1952"، أو الإشارة إلى الحدث من دون التاريخ لشهرته مثل "العدوان الثلاثي" الذي تحوَّل معه وبسببه انقلاب الجيش إلى "ثورة شعبية". وتحتل أحداث يناير (كانون الثاني) 2011 مساحة بارزة في السرد، حين يستعيد السارد "جمعة الغضب" القديمة، ويستشرف أخرى في عام 2067، وذلك لأن "شمس 25 يناير لا تغرب بسرعة". لكن للحدث جوانب أخرى حين يصفه بأنه كابوس أو فصل كارثي لا ينتهي. بالإضافة إلى ذلك نجد إشارات إلى ما يسمى بالزمن الطبيعي، حين يقول إن مالك محل "الأنتيكات" يظن نفسه في سويسرا إذ يضبط توقيت الإغلاق وفقاً لساعة إيقاف، "وينسى أنه في بلد ترتبط توقيتاته بحركة الشمس". وهكذا نجد أنفسنا أمام مقابلة زمنية تعكس درجة التحضر بين مجتمعين، أحدهما يحسب أوقاته بدقة متناهية، والآخر ينتظر حركة الطبيعة من حوله.

ذاكرة الشعب

وامتداداً لذلك يمكن القول إن سونهام تعيش واقعها مضطرة أو شاعرة بالاغتراب ونلتمس ذلك من سؤالها الدال لرشيد: "فسر لي أسباب بقائنا، دون الشعوب، بلا زي وطني؟"، ثم تستطرد موضحة سبب ذلك: "دراستي للكتابات والنقوش الجدارية في المعابد والمقابر تقدم مشروع تفسير. كان لنا زي والغازي يبدأ بتدمير ذاكرة الشعب: الزي اللغة، الفنون، الحرف اليدوية، العلوم التي يسطو عليها وينسبها إلى نفسه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم سرد الكثير من المعلومات عن بناة الأهرام وتضمين بعض أبيات الشعر خاصة هذا البيت الذي يعكس مطلق الصراع البادي على الرواية: "عجبت لسعي الدهر بيني وبينها / فلما انقضى ما بيننا سكن الدهرُ"، أو الإشارة إلى قول صلاح جاهين: "لا في إيدي سيف ولا تحت مني فرس"، والربط بين إيزيس وحورس من ناحية ومريم والمسيح (عليهما السلام) من ناحية أخرى، فإن السارد يعتمد على الصور الكنائية الدالة، ومن ذلك: "انطلق غرابان من قبة مبنى مهجور، كان متحفاً للحضارة المصرية في محيط دار الأوبرا القديمة، لمطاردة حمامة احتمت في صمت متحف محمود مختار". وكأننا أمام صورة تعبيرية عن مطاردة الآليين والأشباح للشباب وصناعة جيل مهزوم اكتفى بالتحسر على قتل أحلامه.

البعد الاجتماعي

هذا التقابل يأتي على العكس من تناغم الروح والجسد في عمل الموديل الذي أشار إليه "سامي"؛ الفنان صديق رشيد، حين قال له إن الموديل "لا تعمل إلا مطمئنة، لا يشغلها شاغل فتتكدر وتتعكر روحها وترتبك وتعطي أوضاعاً غير صحيحة تنعكس في النسب غير المضبوطة ويتمرد جسدها عليها وعلى الفنان". ولا يتجاهل الكاتب البعد الاجتماعي وما به من جوانب فساد، حين يقول: "إذا كان اليتامى أبناء الله، فكيف يجرؤ مجترئ على اختلاس حق بنت يتيمة؟ هذا العم يتسع بطنه لأرض أخيه ثم يسد باب الأمل على ابنته وأرملته". والملاحظ أن الكاتب يتبع ما يسمى بالبنية التعاقبية، حيث يسلم آخر سطر في الفصل "12" إلى أول سطر في الفصل "13" وكأننا أمام فصل واحد بلا انقطاع. ويتمثل الأمل قرب نهاية الرواية في إحياء الذاكرة حين تفكر سونهام في "إنشاء متحف إلكتروني نوعي للثورة. توثيق لصعود تلك الروح في ذروة تجلياتها بالصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو وإبداعات الشعب في إطلاق الشعارات ورسوم زيَّنت الجدران"، وهو ما أثبت حضوره الكبير حين تضاعفت أعداد متابعيه. هذه رواية استشرافية زاخرة بالأحداث والرؤى المتقابلة التي قدمها الكاتب في سبيكة سردية ممتعة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة