Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 المياه "نفط" القرن الـ 21 وحروبها غير مستبعدة 

المفكر الهندي براهما تشيلاني يبحث في آفاف الأزمة العالمية وسط غياب البدائل

المياه حياة وحروب (موقع الأمم المتحدة)

ملخص

المفكر الهندي براهما #تشيلاني يبحث في آفاف الأزمة العالمية لـ #المياه وسط غياب البدائل

في كتابه "المياه والسلام والحرب: مجابهة أزمة المياه العالمية" Water Peace and War Confronting the Global Water Crisis\، يقدم المفكر الهندي براهما تشيلاني Brahma Chellaney دراسة رائدة عن دور المياه كأحد المحددات العالمية لفرص السلام والتعاون الدوليين في القرن الحادي والعشرين. والكتاب الذي صدر بالانجليزية، وترجمه حمدي أبو كيلة أخيراً إلى العربية (المركز القومي للترجمة – القاهرة) يرصد ويحلل العلاقات العالمية بين المياه والسلام، ويطرحها أمام هؤلاء المهتمين بالقضايا المتعلقة بأكثر موارد العالم طبيعية وحيوية، وإن كانت لا تلقى الاهتمام الجدير بها. وبتوليفة محكمة بين حقول علمية متعددة تشمل علوم المياه والجيولوجيا والزراعة والطب والهندسة، يستعرض المؤلف الروابط الأساسية بين هذه التخصصات الأكاديمية المختلفة، مقدماً فهماً شمولياً للتحديات المرتبطة بقضية المياه. ومن خلال هذه الدراسة متعددة التخصصات يقدم الكتاب صورة مترابطة ومفصلة للآثار المترتبة على النزاعات أو حتى المنافسات حول المياه لجهة استتباب السلام والأمن العالميين، من عدمه.

وتشيلاني مفكر استراتيجي هندي ومحلل للاتجاهات الجيواستراتيجية العالمية، وهو أيضاً أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز بحوث السياسات في نيودلهي، وزميل معهد نوبل النرويجي في أوسلو الذي يمنح جائزة نوبل للسلام، وصدرت له عدة كتب حول قضايا المياه والعلاقات الإقليمية والدولية.

وهم الوفرة

 

يذهب المؤلف إلى أن قليلين توقعوا، عندما أنشئت المؤسسات الدولية الحالية بعد الحرب العالمية الثانية، أن يبرز نقص المياه العذبة كتحدٍ اقتصادي وأمني خطير. وقد اعتقد كثيرون في ذلك الوقت أن موارد المياه كانت وفيرة لدرجة أنها لن تنفد أبداً، تماماً كما اعتقد كثيرون أن كميات وفيرة من المعادن الثمينة وموارد الطاقة كانت توجد، تكفي للوفاء بالاحتياجات العالمية. ولكن العصر الذهبي للمياه الآمنة والرخيصة والمتاحة بسهولة بلغ نهايته في معظم أرجاء العالم، وحلَّ محله عصرٌ جديد من القيود المتزايدة على الإمدادات وعلى النوعية. حتى إن بعض المناطق التي كانت تقليدياً تتباهى بثروة من موارد المياه العذبة تعيش الآن في قلق جدي بشأن توفير مياه كافية في السنوات القادمة. والواقع – يقول براهما تشيلاني - أن توفر كل الموارد الطبيعية قد بدأ يتعرض للضغوط بسبب التوسع السكاني والاقتصادي العالمي الضخم، وبسبب مستويات الاستهلاك الآخذة في الارتفاع بشدة. ويرى تشيلاني أن المياه، بوصفها مصدراً خالقاً للحياة، وداعماً ومحسناً لها، تطرح أكبر التحديات بين كل الموارد الطبيعية؛ لأنها ليس لها بديل، كما أنها غير قابلة للتداول عالمياً، مثل النفط والغاز والخامات المعدنية، وهذا يجعل التكيف مع ندرة المياه أكثر صعوبة.

شبح الحروب

 

وقد برزت مشكلة عدم القدرة على الحصول على المياه النظيفة، على سبيل المثال، بوصفها واحدة من أكبر مشكلات الصحة العامة على مستوى العالم بالمساهمة في انتشار البكتيريا والكائنات الدقيقة المميتة وبروز التحديات النمتعلقة بالأوبئة. والواقع ، يقول المؤلف ، أنه حيث يدخل العالم عصراً غير مألوف من الإجهاد المائي water stress الخطر، مقترناً بتدهور أواستنفاد الكثير من مصادر المياه (الأنهار، والبحيرات، والطبقات الحاملة للمياه الجوفية)، فإن شبح الحروب حول المياه العذبة يحوم في الأفق. والإحهاد المائي المتزايد في أجزاء كبيرة من العالم، يمثل واحداً من تلك التطورات الجيو سياسية ذات الآثار المروعة البعيدة المدى. فالطلب العالمي يفوق طاقة الأرض من المياه المتجددة؛ مما يضطر المجتمعات إلى استغلال الطبقات الحاملة للمياه العميقة التي تراكمت فيها المياه ببطء عبر آلاف وربما ملايين السنين.

وفي هذا السياق تنبغي ملاحظة أن سعر التجزئة للمياه المعبَّأة أعلى من سعر البيع الفوري للنفط الخام. ومن ثم لم يعد أمراً مثيراً للدهشة، أن الكثير من المستثمرين بدأوا ينظرون للمياه باعتبارها النفط الجديد للقرن الحادي والعشرين. ولكن على خلاف النفط، المياه ليس لها بدائل معروفة، ما يجعلها أعلى قيمة من منظور طويل المدى. إن ثلثي كوكبنا مغطى بالمياه (معظمها مياه بحار) ولكن الجزء من سكان العالم الذي يعيش ظروف الإجهاد المائي، من المقدَّر له أن يرتفع أكثر قليلاً من النصف الآن، إلى الثلثين في عشرينيات القرن الحادي والعشرين. وهذه الظروف ستكون أسوأ في مناطق تترنح تحت الإجهاد المائي "العالي" مع نهاية العقد الحالي.

منافسة غير منظمة

 

بعض الخبراء ينظرون برومانسية إلى انتهاء الحرب الباردة بوصفه مبشراً بعصر جديد تفرض فيه الجغرافيا الاقتصاديةُ الجغرافيا السياسية، وهي فرضية تذكرنا بالاعتقاد الليبرالي في القرن التاسع عشر في أن التجارة المتنامية والاعتماد المالي المتبادل سوف يجعلان الحرب شيئاً عفا عليه الزمن. والواقع يتبين من الاتجاهات السياسية المائية الصارخة في الكثير من الأحواض، وعودة النزاعات الإقليمية التي اتسم بها عصر الحرب الباردة، فإن التجارة المزدهرة ليست ضماناً للاعتدال أو كبح الصراعات بين الدول. لكن الآثار المحتملة للمنافسة غير المنظمة تزيد أيضاً من أهمية التعاون السياسي، فاستنفاد الموارد المائية وتلوثها، وتدهور المحاصيل الزراعية والآثار البيئية والمناخية الأخرى، يمكن أن تعزز الظروف التي تضعف قدرة الدولة على التعامل مع مثل تلك الضغوط وتؤدي إلى حرب أهلية خطيرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن الدول غير الفاعلة، كما يتضح من أمثلة في عالم اليوم، تمثل قاعدة نشوء التطرف والإرهاب. والتأثيرات داخل الدول، بمضاعفتها للعوز المائي وتسببها في تدفقات اللاجئين ومشكلات أخرى، من المرجَّح أن تسفر عن أبعاد عابرة للدول مع مرور الوقت، وأن تزعزع استقرار الإقليم. والأمن المائي في حوض عابر للدول لا يمكن تحقيقه فعلاً على أي جانب من الحدود الرسمية المعترف بها وبمعزل عن التطورات عبر الحدود.

تعاون عابر للحدود

إن التعاون المائي العابر للحدود وأي معاهدة تستهدف دعمه، لا يمكن أن يتوقع لهما الاستمرار إذا لم تتعايش الدول المتشاطئة وظلت متخاصمة، كما يؤكد براهما تشيلاني. ولا يزال هناك الكثير مما يجب القيام به على المستوى العالمي، بما في ذلك ترجمة مبادئ متفق عليها للتعاون المائي والإدارة المستدامة إلى أفعال، بحسب تشيلاني. ويقول المؤلف إن تنمية تكنولوجيات مياه نظيفة أكثر كفاءة من حيث التكلفة والطاقة، يجب أن تكون هدفاً رئيساً للتعاون العلمي الدولي بشأن الموارد المائية. كما أن هناك حاجة إلى مبادرة تحالف عام / خاص، للمساعدة في تمويل بحوث عالمية لتكنولوجيات مياه أكثر تقدماً.

 ومع كل ما تقدم، يظل هناك أمل في أن يعيش العالم في سلام حول المياه والموارد الطبيعية الأخرى. فالعقل الإنساني مبتكِر. والتاريخ عبارة عن تقرير حول كيف نجحت الحضارة الإنسانية في التغلب على مواقف رهيبة، من خلال الجمع بين الإرادة السياسية والوسائل التكنولوجية الجديدة والقدرة المستمرة على التكيف. لقد قام نقص المياه في الماضي، كما ئؤكد المؤلف، بدور المحرك للبراعة الإنسانية، وتحفيز المجتمعات وإجبارها على إيجاد طرق للحد من الندرة، بما في ذلك بالسيطرة على الممارسات التقليدية المضرة بيئياً. ويضيف تشيلاني أن الافتقار للأمن المائي – بكونه تحدياً ضاغطاً عابراً يتطلب التعاون السياسي والسياسات المتكاملة والتكيف وحلولاً تكنولوجية جديدة – يتحدى الآن القدرة البشرية على الابتكار والتعايش في تناغم مع الطبيعة. ويختتم براهما تشيلاني بقناعته الخاصة بأن آليات السوق، والشراكة العامة / الخاصة، والممارسات والتكنولوجيات الجديدة، والمحافظة، والإدارة المائية الفطنة تستطيع أن تساعد في تطوير تكيف معقول، وبالتالي قد تفتح الطريق لعالم أكثر سلماً.

اقرأ المزيد

المزيد من كتب