Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اتفاق السعودية وإيران يغزو أعمدة الصحافة الغربية

غاب المفاوض الأميركي وبرز نظيره الصيني

ربما لم تعتد الصحف الغربية على أن تعلن القنوات الرسمية اتفاق تطبيع للعلاقات في الشرق الأوسط من دون أن تستبقها بأحاديث المصادر من هنا وهناك. هكذا كانت تسير الأمور في عهد المفاوض الأميركي، عندما كان الموضوع الطاغي قبل سنتين ونصف تقارب إسرائيل من جيرانها، لكن الصحف نفسها لم تحز قصب السبق، الجمعة الماضي، عندما أعلنت السعودية وإيران بوساطة صينية استعادة العلاقات في غضون شهرين، فعلى رغم أن وفدين رفيعين أمضيا أربعة أيام يتباحثان في بكين الخطوات النهائية قبل إعلان الاتفاق، فإن تسريبات الإعلام غابت تماماً كما غاب المفاوض الأميركي، تاركاً إطار الصورة لابتسامات الوسيط الصيني الكتوم.

كان الاتفاق السعودي– الإيراني مفاجئاً لوسائل الإعلام من أكثر من بعد، فقبل أيام لم يكن أحد يعلم عن وساطة شين جينبينغ بين الرياض وطهران، ولم يجرؤ أحد على التنبؤ بأن المفاوضات المستمرة بين البلدين منذ عامين أخذت وتيرة متسارعة في الآونة الأخيرة، خصوصاً أن تصريحات الجانب السعودي لطالما خفضت سقف التوقعات، فضلاً عن أن السعودية وأميركا كانتا قبل خمسة أشهر تتبادلان معلومات استخباراتية عن "هجوم إيراني وشيك" ضد أهداف سعودية. ولذلك، لم تمر "مصالحة بكين" مرور الكرام لدى وسائل الإعلام الغربية، والأميركية بخاصة التي تطرقت لخطوة استئناف العلاقات باستفاضة مدفوعة بغياب واشنطن، فتباين الطرح ما بين التحذير من النفوذ الصيني المتزايد في الشرق الأوسط، والتفاؤل بإرساء السلام في المنطقة.

وهنا لمحة على أبرز ردود الفعل في الصحف الغربية:

"نيويورك تايمز": انقلاب صيني

اعتبرت "نيويورك تايمز" التقارب بين الخصمين الإقليميين "انقلاباً" صينياً و"مصدر ارتياح" لإيران التي تعاني الاضطرابات الداخلية والعقوبات والاقتصادية. وقالت إن السعودية في المقابل "لديها الكثير لتكسبه إذا ترسخ التعاون الجديد"، الذي من شأنه "المساعدة في تهدئة التوترات الإقليمية التي أشعلت الحروب، وأثارت الخلافات الإعلامية، وتسببت في استهداف شبه الجزيرة العربية بالصواريخ والمسيرات"، مشيرة إلى رغبة السعودية في حل النزاعات بينما تسعى إلى إصلاح اقتصادها، وتحويل البلاد إلى مركز عالمي للتجارة والثقافة. ولفتت إلى أن المفاجأة في الاتفاق الأخير تمثلت في أمرين، الأول توقيت المصالحة، إذ إلى وقت قريب كان المسؤولون السعوديون يقولون إنهم لم يحرزوا تقدماً يذكر في المحادثات مع إيران، والثاني هو الدور الذي لعبته الصين باستضافتها المباحثات الختامية التي تمخض عنها الاتفاق، وهو ما دفع عدداً من خبراء السياسة الخارجية في واشنطن إلى تصوير "التدخل الصيني بأنه تحد للهيمنة الأميركية المتضائلة في الشرق الأوسط".

"وول ستريت جورنال": كلفة العداوة

لم تقلل "وول ستريت جورنال" في مقالة افتتاحية من أهمية المصالحة التي قادتها الصين، واعتبرها مراقبون إنجازها السياسي الأكبر في المنطقة، مشيرة إلى أن رمزية الاتفاق لا يمكن إغفالها نظراً إلى أن "الديمقراطيين يفعلون كل شيء لمضايقة السعوديين وإزعاجهم". وقالت "لقد كبرنا بما يكفي لنتذكر وقتاً، قبل ثلاث سنوات تقريباً، كانت فيه الاختراقات الدبلوماسية في الشرق الأوسط خبراً سعيداً للولايات المتحدة، لكن الأمر ليس كذلك بعد ذوبان الجليد، الجمعة، بين السعودية وإيران"، الذي يظهر على حد تعبير الصحيفة، "كلفة عداوة الرئيس بايدن لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان"، مشيرة إلى أن "السيد بايدن تولى منصبه متعهداً عزل السعوديين، وتحديداً القائد الإصلاحي الشاب محمد بن سلمان". وقالت "أوقفت الولايات المتحدة دعمها للحرب التي تقودها السعودية ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن. ومارست التلاعب بوقف مبيعات الأسلحة للسعودية، وسعت إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي يعارضه السعوديون باعتباره تهديداً لأمنهم". ومع ذلك، تجنبت الصحيفة وصف الاتفاق بأنه "تحالف" وقالت إن "التأثير العملي لعودة العلاقات بين السعودية وإيران من المرجح أن يقتصر في المدى القريب على إعادة فتح السفارتين". واختتمت بالقول، "يتفاخر بايدن بقدرته على بناء التحالفات، لكنه أخفق مع السعوديين، وخصومنا يستغلون ذلك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"نيوزويك": بين بورتسموث وبكين

نشرت "نيوزويك" مقالة للمستشار السياسي السابق في القيادة المركزية الأميركية مايكل فولر ورئيس البعثة الأميركية في السعودية سابقاً ديفيد رونديل قارنا فيها بين اتفاق بكين الأخير بين السعودية وإيران ومعاهدة بورتسموث التي أنهت الحرب الروسية- اليابانية بوساطة أميركية في عام 1905. وكتبا "حسم اتفاق بورتسموث نزاعاً بسيطاً لكنه أذهل القوى العظمى آنذاك وأعلن بجرأة صعود واشنطن كوسيط دولي ولاعب مؤثر في دبلوماسية الشرق الأقصى". وأضافا "حدث أمر مشابه جداً الأسبوع الماضي، عندما توسطت الصين سراً للتقارب بين السعودية وإيران". وذكرت المقالة بأن "الاتفاق السعودي – الإيراني ليس خارقاً للعادة ولا مفاجئاً، فحتى الجيران المتعادون يحافظون عادة على علاقات دبلوماسية"، مشيرة إلى أن المفاوضات بين الرياض وطهران لتحسين العلاقات استمرت على مدار العامين الماضيين، وكانت الولايات المتحدة على علم بها، ولم تعترض، إلا أن الصين هي التي أوصلتها لهذه النتيجة.

"فايننشال تايمز": السلام البارد

لم تتوقف ردود الفعل على الصحف الأميركية، إذ ذكرت "فايننشال تايمز" البريطانية بأن خصمي الأمس ما زالا "حذرين" بعد عقود من انعدام الثقة بينهما. وأشارت إلى تسارع المتغيرات قائلة، "قبل خمسة أشهر حلقت الولايات المتحدة بطائرات حربية فوق الخليج لردع ما خشيت أن يكون تهديداً بهجوم إيراني وشيك ضد السعودية، في إشارة إلى تصاعد التوترات بين قوتي الشرق الأوسط المتنافستين، لكن يوم الجمعة، انضمت واشنطن بحذر إلى الدول العربية في الترحيب بإعلان الاتفاق على عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، بموجب اتفاق توسطت فيه الصين". وقالت الصحيفة، إن المشكلات الأساسية للسعودية مع إيران تخص اليمن، ومع ذلك، فإن لديها "مخاوف متعلقة بدعم إيران الجماعات الشيعية المسلحة مثل حزب الله في لبنان، وفصائل عراقية لا تعد ولا تحصى، فضلاً عن برنامج طهران النووي العدواني". ونقلت عن دبلوماسي عربي وصفه الاتفاق بـ"السلام البارد"، إذ إنه لن يضمن سلاماً حقيقياً، وإن قلت التوترات وتحسنت الأوضاع قليلاً.

"تلغراف": مصداقية بكين لا تعوضها دبابات واشنطن

قال مايكل ستيفنز بصحيفة "تلغراف"، إن اتفاق خريطة الطريق المبرم بين السعودية وإيران في بكين أتاح للعالم "نافذة مدهشة" على حقبة جديدة من الجغرافيا السياسية، لا تكون فيها الولايات المتحدة الحكم الوحيد في الشؤون الدولية، فعلى رغم أهمية تهدئة التوترات بين خصمين في منطقة توفر ما يقرب من 20 في المئة من إنتاج النفط يومياً، فإن حقيقة أن بكين وليست واشنطن من جمع الطرفين هي" القصة الكبيرة". وأشار إلى أنه وعلى رغم أن كثيراً من دول الشرق الأوسط يجدون صعوبة في قبول القيادة الأميركية، فإن هذه الدول لم تشكك أبداً في نفوذ واشنطن في المنطقة، حيث تنتشر مواردها العسكرية عبر قواعد في قبرص والعراق والكويت، والبحرين وقطر والإمارات. ولذلك، كانت الولايات المتحدة بحسب ستيفز القوة العظمى التي يعود إليها الجميع لحل المشكلات أولاً، وحدث ذلك حتى في الأوقات التي جعلت فيها "تحيزات واشنطن المتصورة الولايات المتحدة حكماً ضعيفاً"، وحتى عندما ابتكرت طرقاً لم تعكس تفرد أميركا بالقيادة كالآلية "الرباعية" لحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني أو "مجموعة E3 + 3" للمفاوضات النووية مع إيران، إذ ضمت هذه المفاوضات دولاً أخرى مثل روسيا، وفرنسا وبريطانيا، ومع ذلك، "كان الأميركيون هم من يضعون الأجندة" على حد تعبيره. وتابع "حقيقة أن الأميركيين لم يكونوا موجودين في الغرفة أثناء التوقيع ولم يحددوا معايير الاتفاقية لا يستهان بها، وهي علامة على ما هو قادم". وختم ستيفنز مقالته، "قد تفتقر بكين إلى القوة النارية المنتشرة لواشنطن (ولكن) هذا الاتفاق أظهر أن لديها شيئاً واحداً لا تملكه الولايات المتحدة وهو المصداقية، وهذا شيء لا يمكن لأي كم من الدبابات والطائرات والقنابل تعويضه.

"ذا هيل": نسخة "شرق السويس"

حذر الكاتب روبرت مانينغ في مقال بصحيفة "ذا هيل" من استعراض الصين طموحاتها ونفوذها المتزايد في الشرق الأوسط واعتبره نذيراً بنسخة أميركية من الانسحاب البريطاني من "شرق السويس" في عام 1971، واصفاً مصالحة بكين بأنها علامة على نظام إقليمي متغير، كما أنها تعكس "الإرهاق في المنطقة والسعي إلى تحقيق الاستقرار"، إضافة إلى التصور العام بأن الولايات المتحدة المنغمسة في حرب في أوكرانيا والصراع مع الصين على النفوذ في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تتراجع عن كونها ضامناً أمنياً موثوقاً به كما كانت. وذكر مانينغ أن السعوديين كانت لديهم دوافع متعددة من الاتفاق، فهو عكس "وجهة نظر مفادها أن العالم في المستقبل واتجاه 75 في المئة من صادراتها النفطية سيكون آسيوياً بدرجة أكبر وبتعدد أكبر للأقطاب"، مضيفاً أن الاتفاق مثل "صفعة" للرئيس بايدن، وعكس أملاً في أن تتمكن المنطقة من حل مشكلاتها، وشكوكاً حول موثوقية الولايات المتحدة ورغبتها في شركاء أكثر تنوعاً. وختم مقالته قائلاً "قد يكون من السابق لأوانه مقارنة المأزق الأميركي في المنطقة بسياسة "شرق السويس" التي أخرجت المملكة المتحدة من إمبراطوريتها في جنوب وشرق آسيا، لكن هذا التطور يجب أن يكون شرارة لإعادة التفكير في موقع المنطقة في الاستراتيجية الأميركية".

"واشنطن بوست": ضربة لإسرائيل

من جانبها اعتبرت الكاتبة في "واشنطن بوست" جينيفر روبن الاتفاق "ضربة دبلوماسية" تلقتها الحكومة الإسرائيلية في وقت حرج بينما تواجه تظاهرات وأعمال عنف مستمرة. وقالت "قد تكون هذه أكبر ضربة لنتنياهو، الذي يتخيل نفسه الدبلوماسي الذي بوسعه صنع السلام مع الجيران العرب، وتشكيل تحالف ضد إيران، وإرجاء أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية إلى أجل غير مسمى". وأشارت إلى أن "آخر ما يريده نتنياهو هو رؤية السعوديين يصلحون العلاقات مع عدو إسرائيل اللدود"، لافتة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي فضل تحميل "الضعف" الأميركي مسؤولية ما حصل. وأوضحت المقالة بأن خصوم نتنياهو المحليين سعداء جداً لأن الفرصة أتيحت لها لانتقاد رئيس الوزراء، إذ وصف يائير لبيد، رئيس الحكومة السابقة وزعيم المعارضة بأنه "فشل كامل وخطر للسياسة الخارجية للحكومة الإسرائيلية".

"بلومبيرغ": حظاً موفقاً للصين

وككثير من الصحف والوكالات، ركزت "بلومبيرغ" على الدور الصيني، لكنها رسمت صورة أكثر ضبابية للمآل الذي قد ينتهي بالقوة الآسيوية حائرة في دهاليز الشرق الأوسط المعقد بصراعاته وتنافس القوى الإقليمية والدولية، إذ قلل الكاتب بوبي غوش من دور الوساطة الصينية في التوصل للاتفاق بين السعودية وإيران، ونوّه بأن الدولتين عملتا لعامين على تحقيق الانفراجة الأخيرة، وبمساعدة عدد من الوسطاء وتحديداً العراق وعمان، قبل أن تدخل بكين الصورة متأخرة، بعد الاتفاق على الشروط، مضيفاً أنه "كان من المناسب للخصمين الإقليميين بأن يسمحا للصين بالإشراف على الخطوات النهائية، وأخذ الفضل، فهي في النهاية أكبر مشتر للنفط من السعودية وإيران". وعن جدوى التقارب، قال "وجود السفيران في طهران والرياض لم يفعل شيئاً يذكر في تخفيف العداء في الماضي، أما بالنسبة إلى الأمن الإقليمي، فإن التهديد الأكبر للخليج يتمثل في الهجمات الإيرانية التي تشن في الغالب من خلال وكلاء في اليمن والعراق على أهداف سعودية". وأضاف "يصعب الوثوق بالثعلب للتعاون على تأمين حظيرة الدجاج". وختم غوش بالنظر إلى الاعتبارات التي وصفها بـ"الصعبة" قائلاً  "من غير المرجح أن يغير الاتفاق المعلن في بكين احتمالات الصراع بين إيران والسعودية، لكنه يمنح الصين ملكية مشكلة لا يريدها أحد. حظاً موفقاً في ذلك".

"سي أن أن": تغيير قواعد اللعبة

نشرت "سي أن أن" تحليلاً أوضح أن التقارب بين السعودية وإيران يوعز ببداية حقبة جديدة تكون فيها الصين في المركز والمقدمة، مشيراً إلى أن الاتفاق "يغير قواعد اللعبة" في الشرق الأوسط، و"يعكس التحول الجاري في التحالفات الإقليمية بعد أن توترت العلاقات السعودية- الأميركية في السنوات الأخيرة، في حين ارتفعت مكانة الصين"، "التي أظهرت على عكس واشنطن قدرة على تجاوز الخصومات في المنطقة، فأقامت علاقات دبلوماسية جيدة مع دولها، مدفوعة بتعزيز العلاقات الاقتصادية، من دون المحاضرات الغربية حول حقوق الإنسان". وذكر التحليل أن "اتفاق الجمعة قد يبشر بنهاية عصر ملطخ بالدماء في الشرق الأوسط".

"أكسيوس": اليمن الاختبار الأكبر

اعتبر موقع "أكسيوس" اليمن "أكبر اختبار" أمام التقارب السعودي– الإيراني، وذكر أن الهدنة انتهت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، رغم استمرار الدبلوماسية وعدم استئناف "الحرب الشاملة". وأفاد الموقع نقلاً عن محللين بأن "السعودية لم تكن لتوقع اتفاقاً لإعادة العلاقات" مع طهران من دون تعهد الأخيرة بأنها ستتوقف عن تسليح الحوثيين وهو ما تنفيه إيران، وتضغط عليهم لوقف الهجمات العابرة للحدود ضد السعودية، لافتاً إلى أن اتفاق الجمعة أثار تفاؤلاً "حذراً" بسلام أكثر استدامة في اليمن.

"ذا غارديان": ليس إلا البداية

رغم أن الاتفاق كان موضع ترحيب، فإنه مجرد بداية، بالنسبة إلى صحيفة "ذا غارديان" التي أوضحت أن "احتواء التوترات السعودية- الإيرانية لن يؤدي بالضرورة إلى تقارب أعمق، ناهيك بإنهاء مشكلات لبنان أو الصراع المعقد والمتعدد الأوجه في اليمن". وقالت الصحيفة، إن اتفاق بكين كان "تذكيراً لإدارة بايدن بأن الرياض لديها أصدقاء آخرون"، خصوصاً وسط قلق السعودية بأنه لم يعد ممكناً "الاعتماد على الدعم المطلق من الولايات المتحدة، المنشغلة بأوكرانيا والمحيطين الهندي والهادئ". إما بالنسبة لإيران، فالاتفاق "خطوة أولى للخروج من العزلة السياسية والاقتصادية".

المزيد من متابعات