Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مهرجان تسالونيك الوثائقي يختزن أسرار زمن المآسي

حادثة القطارين سيطرت سلباً على الجو والجائزة الكبرى لفيلم سوري

من فيلم "عفرين العظيمة: في زمن السيول" (ملف الفيلم)

ملخص

حادثة #القطارين سيطرت سلباً على الجو والجائزة الكبرى لفيلم #سوري

تسالونيك مدينة عمرها أكثر من 23 قرناً، وهذا التاريخ الغني لا يترك مناسبة من دون أن يطل برأسه من بين حطام الزمن. على رغم الحيوية التي تفاجئك في كل حي تمر به، فهي أيضاً هادئة ومتناغمة بسبب البحر والإطلالة البانورامية عليه. يكفي أن يبتعد الإنسان من ميدان أرسطوتيلوس والأحياء الموازية له والمتفرعة منه، كي يجد نفسه في قرية "متوسطية" حيث شجرة تظلل مقهى وتزقزق فوقها العصافير. لا يمكن فصل تسالونيك عن فكرة التبادل بين الحضارات منذ أن سماها كاساندروس، ملك مقدونيا، على اسم زوجته. ومن هنا كوزموبوليتها، إذ إن سكانها خليط من حضارات مختلفة، مما يجعلها معبراً ونقطة لقاء بين الديانات والثقافات. هذه بقعة جغرافية معلقة بين تقاليد شرقية وانتماء أوروبي.

تشتهر المدينة بمهرجانين كبيرين، أحدهما متخصص بالأفلام الوثائقية، يُعقد في شهر مارس (آذار) من كل عام، ويُعتبر ثاني أهم تظاهرة للفيلم التسجيلي في أوروبا، باعتبار أن الأهم هو مهرجان أمستردام. هذا المهرجان الذي أقيم هذا العام من 2 إلى 12 الجاري، تتأرجح هويته بين رد الاعتبار إلى السائد من الإنتاجات البصرية وفتح نافذة على العالم السفلي للسينما الوثائقية والذي يتجسد بصرياً في الملصقات التي توزع على الجدران في كل دورة. في إحدى الدورات الماضية، كان الملصق عبارة عن مجموعة عود ثقاب على خلفية بيضاء، وكأن الهدف منه إشعال العالم بأفكار جديدة محورها الفيلم الوثائقي. أما هذا العام، فالدورة الخامسة والعشرون من المهرجان اقترحت على ملصقها الدعوة الآتية إلى الجمهور: "مشاهدة بانتباه وحرص".

 

كان المهرجان أصغر حجماً عندما عقدت دورته الأولى في 1999. اليوم يشهد إقبالاً لافتاً من الجمهور ويشارك فيه المخرجون وتغطيه الصحافة. كان الهدف من تأسيسه هو توفير مصدر مواز للمعلومات. فالقائمون عليه يعتبرون اليونان من البلدان المحافظة والملتزمة بالأخبار الصادرة عن الصحف المحلية والوكالات ومحطات التلفزة الوطنية. وبما أن وسائل الإعلام هذه تخضع لمنطق التلاعب والمراوغة، فولدت فكرة إعطاء الكلمة لمَن يذهب عن البحث في دهاليز الحقيقة بكل تعقيداتها، بعيداً من منطق الأسود والأبيض. عندما أسس الراحل ديمتري أيبيديس المهرجان، كان له الكثير من الهواجس المتعلقة بالفيلم الوثائقي، ماضيه وحاضره ومستقبله. والمهرجان خلاصة هذه الهواجس وعبّر عنها من خلال الدورات الـ25 التي أقيمت إلى الآن.

يتوه المشاهد داخل الكم الهائل من الأفلام التي يعرضها المهرجان ولا يعرف كيف يختار، وبناء على أي معيار يستند، ليختار هذا بدلاً من ذاك. هذه معضلة دائمة في تظاهرات الفيلم الوثائقي، بحيث نجد أنفسنا أمام أسماء جديدة لا نعرف الكثير عن قدراتها، فنعتمد في معظم الأحيان على ذائقة المبرمجين.

سينما الحقيقة

 

عشرات الأفلام في عشرات الأقسام عرضت هذا الفيلم في تسالونيك الذي افتتح بالفيلم الاسباني "لا سينغلا". من المسابقة الرسمية التي تضم 12 فيلماً وثائقياً طويلاً، إلى قسم "الوافدون الجدد"، وهو قسم تنافسي أيضاً ينطوي على 12 فيلماً من أحدث ما أُنتج في مجال الوثائقي. ولا يمكن تصوّر هذا الحدث من دون "آفاق مفتوحة" الذي انضوت تحت لوائه هذا العام 82 فيلماً من جميع أنحاء العالم. بيد أن أهم فكرة هذا العام تجسدت في إقامة استعادة لـ20 فيلماً تعتبر ذروة السينما التأملية أو "سينما الحقيقة"، التسمية التي أطلقها جان روش وإدغار موران (الذي لا يزال حياً وتجاوز الـ100 من العمر) في بداية الستينيات، عندما أنجزا معاً فيلمهما الأسطوري "وقائع ذات صيف". في هذا الإطار، عرض المهرجان العمل الآنف الذكر، وهو عبارة عن تحقيق مع مجموعة من الناس حول أمور الحياة اليومية والمواقف السياسية والأوضاع الاجتماعية. الفيلم اكتسب مع الزمن قيمة فنية كبيرة، خصوصاً أنه بات يُعتبر اليوم البيان التأسيسي لـ"سينما الحقيقة" التي كانت استفادت من ظهور معدات التصوير الخفيفة للخروج إلى الشارع والتقاط ما اعتبره الرائدان "الحقيقة" أو على الأقل نقيضاً لما كانت تقدمه السينما الروائية. كانت الفكرة خلف "وقائع ذات صيف" هي تصوير فيلم إثني، كالأعمال التي اعتاد روش تصويرها في أفريقيا، ولكن كان مسرحها هذه المرة فرنسا.

 

كلاسيكيات أخرى عرضت في إطار التحية إلى السينما التأملية، منها: "جنون تيتيكات" للأميركي الكبير فريدريك وايزمان الذي قام في عام 1967 بإنجاز أول أعماله، وهو اليوم يعدّ من الأعمال الأساسية التي تنتمي إلى التيار الذي عرف في أميركا بـ"السينما المباشرة"، وهي المرادف الأميركي لـ"سينما الحقيقة" الفرنسية. يدخلنا الفيلم على مدار 84 دقيقة داخل مستشفى حيث المرضى من الذين ارتكبوا جرائم، وهم يعانون مشكلات نفسية. يصور وايزمان ظروف سجنهم القاسية والبائسة، إذ إنهم يتعرضون لكل أنواع الذل على يد الفريق الطبي ورجال الأمن الذين يعملون في المؤسسة.

تفشي الوباء كان لا بد من أن يشكل مادة فريدة للفيلم الوثائقي. وهكذا، شاهدنا "رحلة عبر عالمنا" للثنائي الهولندي بيترا شيش وبيتر لاتاستر اللذين قدما نموذجاً غير سليم للفيلم الوبائي، إذ إنه كشف طبيعة الهموم التي شغلت الطبقة الميسورة التي تملك كل شيء، ولا هم لها سوى محادثة الأقارب عبر تطبيق "زوم" والتفكير في الطبخ. هذا فيلم لا يرى أبعد من حديقة البيت الفخم ولا يستضيف إلى المائدة سوى الجيران المملين.

 

المخرج اليوناني أنجيلوس راليس ذهب أبعد بكثير من عتبة بيته خلال الجائحة، فهو ظل يصور فيلمه "عفرين العظيمة: في زمن السيول" الذي واصل التصوير على رغم الجائحة. هذا فيلم يوثق تفاصيل من حياة سكان الجزر الواقعة على نهر براهمابوترا (بنغلاديش). تحول السيول بيوت الفقراء إلى صفائح عائمة على المياه. هذا الواقع المزري وجد له راليس وجهاً، وجه فتاة في الثانية عشرة تصبح بطلته ويتعقبها لسنوات مصوراً إياها بطريقة "ندية"، أي متماهياً مع وضعها وواضعاً نفسه في كل الظروف التي تعيشها. يختبر أنجيلوس كل ما تختبره الفتاة، فيخرج بنتيجة تحمل الكثير من الصدق تلقي نظرة سوداوية على البلدان التي تعاني من تداعيات التغير المناخي، لكن من خلال حكاية إنسانية يصعب علينا أن نفصل فيها الجانب الروائي عن الجانب الوثائقي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في أول دورة "طبيعية" مئة في المئة بعد تفشي الوباء، لم يسلم المهرجان من مآس، إذ خيم عليه شبح الموت بعد حادثة تصادم القطارين الذي أسفر عنه أكثر من 60 ضحية بسبب إهمال مؤسساتي لا مبرر له سوى الفساد والاستهتار بأرواح المواطنين. هذه الحادثة أشعلت الشارع اليوناني وجعلت المواطنين يشاركون في تظاهرات، مطالبين بالمحاسبة الفورية للمسؤولين عن هذه الجريمة. امتلأت الشوارع بالمتظاهرين، وهذا كله أثر سلباً في الإيرادات في الأيام الأولى للمهرجان الذي ألغى كل المظاهر الاحتفالية، تضامناً مع الضحايا، وحجب أمسيتا الافتتاح والختام، فاقتصرت حفلة توزيع الجوائز على تسليمها للفائزين من دون أي إضافة.

جائزة المهرجان الأكبر، "الأسكندر الذهبي"، أُسندت إلى الفيلم السوري "تحت سماء دمشق" لطلال ديركي وهبة خالد وعلي وجيه. بعد نحو ثلاثة أسابيع على مشاركته في مهرجان برلين السينمائي الذي شهد عرضه العالمي الأول، كانت للوثائقي محطة في مهرجان رافق أفلام ديركي منذ بداياته. الفيلم عن نسوة سوريات يطلقن صرخة في وجه الذكورية ويقررن إخراج مسرحية تستلهم تجربة نساء معنفات، اعتدن التستر على هذه الممارسات، بالتواطؤ مع السلطات القضائية والسياسية.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما