Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان أمام اختبار تطبيق العدالة وطي الانتهاكات

انطلاق ورشات عمل في الأقاليم لمناقشة قضايا العدل والإنصاف ومطالب باستقلالية الأجهزة العدلية

يتساءل كثيرون عن مدى إمكانية تطبيق العدالة بحق كل من ارتكب جرماً أياً كان مدنياً أم عسكرياً (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

يؤكد قانونيون #سودانيون أن تطبيق #العدالة أمر مهم ولا مكان لطريق يقود إلى "عفا الله عما سلف"

انتظمت في عدد من أقاليم السودان أخيراً نقاشات حول قضايا العدالة خلال الفترة الانتقالية التي تعد أكبر التحديات التي تواجه البلاد في رحلة العبور إلى الدولة المدنية، نظراً إلى عدم بت كثير من القضايا المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة من أبرزها قتل المتظاهرين الذين بلغ عددهم أكثر من 500 شخص منذ اندلاع ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير، وبينما طالبت تلك الورش التي نظمها "التحالف المدني للعدالة الانتقالية" بالتعاون مع "الآلية الثلاثية" (الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة الإيغاد)، بضرورة استقلالية الأجهزة العدلية تحقيقاً للتحول الديمقراطي، يتساءل كثيرون عن مدى إمكانية تطبيق العدالة بحق كل من ارتكب جرماً أياً كان مدنياً أم عسكرياً، وطي صفحات الانتهاكات إلى الأبد، وتأسيس مستقبل جديد للسودان.

قتل واغتصاب

يقول رئيس مجلس أمناء "هيئة محامي دارفور" المكلف، الصادق علي حسن "إن تطبيق العدالة أمر مهم من خلال كشف الحقائق ومحاسبة المتورطين في شتى أنواع القضايا، ولا مكان إلى طريق يقود إلى "عفا الله عما سلف"، فما حدث من عنف مفرط تجاه عديد من المواطنين العزل سواء في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة للجيش في الثالث من يونيو (حزيران) 2019، أو قتل المتظاهرين السلميين بعد انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، هو عمل إجرامي مكتمل الأركان بخاصة أن هذه الجرائم تمت بواسطة عناصر مسلحة بعضها ارتدى أزياء الشرطة، وآخرون ارتدوا ازياء قوات أمنية مختلفة، إضافة إلى مجموعات عسكرية ملثمة، مستخدمين السلاح والأوبلن والبمبان في ممارسة القتل الجزافي، فضلاً عن ارتكاب جرائم جسيمة أخرى بالنمط ذاته من قتل جنائي عمد وإتلاف للممتلكات واغتصاب النساء".

وأضاف حسن أن "كل هذه الجرائم المرتكبة ممنهجة على نسق واحد متكرر، وأن المسؤول المباشر عنها هو قائد الانقلاب البرهان ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو بالاشتراك الجنائي مع الذين يقومون بتنفيذ هذه الجرائم، والوصف القانوني السليم لهذه الجرائم أنها من شاكلة الجرائم المستمرة التي بدأت بتقويض الشرعية الدستورية القائمة في 25 أكتوبر، وتندرج كل هذه الجرائم المرتكبة ضمن جريمة تقويض الوثيقة الدستورية على رغم عيوبها وعدم صلاحيتها للتأسيس الدستوري السليم".
وتابع أن "الإجراء السليم في شأن هذه الجرائم المرتكبة، ولمنع الإفلات من العقاب يتمثل في أن تباشر النيابة العامة التحقيق فيها باعتبار أن القصد الجنائي من ارتكابها واحد، بخاصة أنه تم تحصين القوات النظامية من قبل قائد الجيش بالقانون وحرص على إطلاق يدها بموجب أحكام الطوارئ لممارسة القتل الجزافي والترويع، فالعساكر الذين يتصدون للثوار السلميين لم يفعلوا ذلك نتيجة لغبن ذاتي أو مشكلات خاصة، لكنهم ينفذون تعليمات الجهات العليا ويتفانون في تنفيذها بإراقة الدماء، بيد أن هؤلاء الجنود هم مجرد أدوات قتل وحينما ينفذون التعليمات ويصبحون جناة تطاردهم اللعنات والعقاب، بل تتخلى الجهات العليا عنهم ليواجهوا مصيرهم المحتوم".


احترام القانون

وزاد رئيس "مجلس أمناء هيئة محامي دارفور" المكلف أن "القانون الجنائي السوداني الساري المفعول لعام 1991 يدين هذه الجرائم تحت أحكام القتل العمد والإتلاف واستخدام القوة الجنائية ومواد أخرى، كما تم تعديل للقانون في عام 2009 بتضمينه الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية لتصبح جزءاً لا يتجزأ من القانون الوطني، وبشكل عام ليس هناك مشكلة في القانون لكن المشكلة في مدى الالتزام باحترامه وتطبيق أحكامه، لذلك فإن الإتجاه السليم هو الضغط المجتمعي لإجبار النائب العام للتحقيق في مثل هذه الجرائم وصولاً إلى مرتكب الجريمة والجهات العليا التي أصدرت التوجيهات".
وواصل "أما بالنسبة إلى الحصانات فمنصوص عليها في قوانين أخرى، وحينما يتم تحريك إجراءات جنائية في مواجهة مرتكبي الجرائم ضد المتظاهرين السلميين من عناصر قوات النظام يتم تعطيل الإجراءات الجنائية بواسطة الحصانات الإجرائية المنصوص عليها في القوانين مثل قانون القوات المسلحة والشرطة والأجهزة الأمنية والدعم السريع".
ولفت حسن إلى أن الوثيقة الدستورية السارية المفعول والدساتير السابقة كفلت الحق في حرية التعبير والتنظيم التي من وسائلها المسيرات السلمية، بالتالي فإن الحق في التظاهر حق دستوري، والقوانين واللوائح تنظم فقط ممارسته ولا تصادره"، لافتاً إلى أنه "في ظل الظروف الحالية التي تمر بها البلاد من عدم استقرار وتشكيك في نزاهة الأجهزة العدلية، فإن كل الاحتمالات واردة ومثلما تخلت الشرطة السودانية عن المتهم بقتل الطالب إبراهيم مجذوب من عناصرها، خلال تظاهرات الأول من مارس (آذار) الجاري، يمكن مثلاً في هذه الحالة محاكمته وإدانته بالإعدام وقد ينفَذ الحكم أو قد يعرقل بسبب الوضع القائم وقتذاك، ولكن هل الشرطي الذي مارس القتل فعل ذلك بقصد جنائي ذاتي أم تنفيذاً لتوجيهات عليا؟ وهنا مربط الفرس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


حصانة إجرائية

في سياق متصل، أوضح المحامي عبدالله آدم عمر أن "المجتمع السوداني شأنه شأن أي مجتمع بشري يقوم على دولة تجمع شمله وتمسك كيانه وتصون مقومات وجوده وتمثل شكله القانوني، لكن إقحام الجيش في الحياة السياسية وإعلان حال الطوارئ وتعطيل نصوص الدستور تحت أي ذريعة سواء كانت انقلاباً عسكرياً أو انتخابات مزورة أو افتراض حالة الحرب، حتماً لن يؤدي إلى أزمة سياسية فحسب، بل يتعداها من الناحية القانونية إلى التشكيك في قيام السلطة القضائية كمؤسسة دستورية مناط بها إدارة العدالة في حال عجزها عن القيام بوظيفتها وربما ترسخت في إرادة الجماهير حالة من حالات محو الكيان الأدبي والمعنوي لهذا الوطن في دنيا الأوطان".
ومضى قائلاً "كما هو معلوم أن القوات المسلحة السودانية والشرطة والأجهزة الأمنية كافة تتمتع بحصانة إجرائية تقيد فتح دعوى جنائية في مواجهة متهم من عناصرها بارتكاب فعل يُعد جريمة إلا بإذن من الجهات المختصة، وهذا في حالة المتهم المعلوم، أما في حالات المتهم المجهول (المدعو بالطرف الثالث وفق التسمية المتعارف عليها) فالأزمة أكبر بكثير في ظل غياب المحكمة الدستورية، بخاصة أنها تمثل الجهاز المختص بنهائية الأحكام القضائية التي تمس حقوقاً دستورية للمحكومين، لكن القانون الجنائي السوداني لعام 1991 وتعديلاته المتنوعة يضمن حق العقاب في جرائم القتل حصراً لأولياء الدم".
وخلص المحامي السوداني إلى أن "مسألة العدالة والمحاسبة في السودان ومدى صلاحية السلطة القضائية في البلاد لناحية إقامة العدل والمساواة أمام القانون، لا يمكن أن تترسخ بمعيار الرغبة والقدرة على محاكمة الجناة في الجرائم الكبرى إلا بعد تحقق شرطين أساسيين هما شرعية الحاكم المستمدة من الاتفاق السياسي المرتقب ورضا المحكوم، بخاصة أهل الضحايا، فالأمر في غاية التعقيد والمشقة، فضلاً عن أنه يعد امتحاناً شديد القسوة لإرادة وخبرة قوى النضال الثوري".

الاتفاق الإطاري

وكان كل من قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) وقعا في الخامس من ديسمبر 2022 اتفاقاً إطارياً مع قوى سياسية ومهنية أبرزها مكونات "الحرية والتغيير"، يتعلق بتسليم السلطة إلى المدنيين بعد التوافق على خمس قضايا في ورش عمل، فيما تجري مشاورات لتوسيع قاعدة المشاركة في الاتفاق الإطاري عبر ضم قوى أخرى، تمهيداً لتشكيل حكومة مدنية في غضون الأيام المقبلة.
وعقدت القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، ورش عمل عن أزمة شرق السودان وتقييم اتفاق السلام وتفكيك بنية النظام السابق، فيما شرعت في عقد ورش العدالة، وينتظر أن يعقبها مؤتمر عن إصلاح قطاعي الأمن والدفاع.
ونص الاتفاق الإطاري على إطلاق فترة انتقال جديدة مدتها 24 شهراً بقيادة مدنية، يعقبها إجراء انتخابات عامة في البلاد.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات