Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أحداث "6 يناير" تكشف عن انقسامات عميقة في الحزب الجمهوري الأميركي

يود كبير المشرعين ميتش ماكونيل الابتعاد عن التطرف فيما يبدو زعيم الغالبية في مجلس النواب كيفن مكارثي سعيداً بالترويج لأكاذيب دونالد ترمب

أظهرت استطلاعات الرأي مطلع العام تذبذب دعم ترمب بين الناخبين الجمهوريين واكتساب حاكم فلوريدا ديسانتيس زخماً أكبر (أ ف ب)

ملخص

يواجه #الحزب_الجمهوري انقسامات حادة مع تضارب مواقف قاداته إزاء برنامج تلفزيوني قلل من فداحة أحداث #6_يناير #ترمب

إن الأمر الوحيد الذي يحفز زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل هو السلطة. إن فوز أو خسارة النفوذ يؤثر في تفكيره وقراراته. إن الدورات الانتخابية الأخيرة التي أظهرت تدني فرص الحزب الجمهوري الانتخابية والتي أدت إلى خسارة الحزب لغالبيته في مجلس الشيوخ، قد أدت بالطبع إلى تبدل حسابات ماكونيل، لكن المشكلة التي تواجهه هي أن بقية أعضاء الحزب لم يغيروا حساباتهم، وذلك يؤدي إلى تشققات في الحزب الجمهوري. وبكلام آخر يبدو أن الجمهوريين في حالة من الفوضى.

فليس من مثال أفضل على عمق الانقسام الذي يواجهه الحزب الجمهوري من رد فعلهم على سردية الإعلامي في قناة "فوكس نيوز" الإخبارية، تاكر كارلسون لأحداث السادس من يناير (كانون الثاني) [اقتحام الكابيتول]. فبعد أن قام رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي (جمهوري - كاليفورنيا) بتسليم أكثر من أربعين ألف ساعة من تسجيلات الفيديو المتعلقة بالهجوم على مبنى الكابيتول إلى مذيع قناة "فوكس"، قام كارلسون ببث البعض منها في سعيه للإيحاء بأن التمرد الذي جرى على أنه كان سلمياً. كل ذلك تسبب بموجة حادة من الانتقادات ليس فقط من الديمقراطيين الليبراليين، ولكن أيضاً من أعضاء الحزب الجمهوري. في المحصلة فإن مثل ذلك التصرف قد أدى إلى إثارة نقاش داخلي عما إذا ما كان الحزب الجمهوري سيواصل دعم سردية "الكذبة الكبيرة" Big Lie، وترشيح دونالد ترمب.

يوم الثلاثاء الماضي، سئل ميتش ماكونيل عن رأيه في مضمون برنامج تاكر كارلسون. وقام ماكونيل برفع مذكرة من رئيس شرطة مبنى الكابيتول الأميركي توم مانجر، ونددت المذكرة بكارلسون ومحاولاته "المسيئة والمضللة" لتنقيح أحداث السادس من يناير من صور "الفوضى والعنف" اللذين سادا وقت الهجوم، وقال ماكونيل إن الرسالة أو مذكرة قائد الشرطة، تصف بشكل دقيق ما حدث على أرض الواقع، وقام باتهام قناة "فوكس" الإخبارية بشكل مباشر، قائلاً "إن قناة فوكس ارتكبت خطأ، برأيي من خلال عملها على عرض صورة تختلف تماماً عن سردية قائد جهاز الشرطة التابع لمبنى الكونغرس وما يعتقد أنه وقع في حينه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أعضاء كبار في مجلس الشيوخ الأميركي الجمهوريون كرروا ما قاله ماكونيل، حتى إن بعضهم ذهب بشكل أبعد في التعبير، فقد وصف ثوم تيلليس (جمهوري - كارولينا الشمالية) سردية كارلسون "أعتقد أنها هراء". أما السيناتور ميت رومني (جمهوري - يوتاه) فقال "أي محاولة لتبسيط اعتداء عنيف على مبنى الكابيتول الأميركي ليس من شأنه إلا تشجيع آخرين على القيام بمثل ذلك العمل في المستقبل". أما السيناتور جون كينيدي (جمهوري - لويزيانا)، والذي لم يكن لديه أي مشكلة في التعاطي مع حروب ثقافية أخرى خاضها الحزب الجمهوري، قال عن حلقة كارلسون التلفزيونية، "لقد كنت هناك. لم يكن ما جرى سلمياً. كان عملاً بغيضاً جداً".

والحق أن كل ذلك كان نهجاً مختلفاً بشكل واضح عن مواقف مكارثي وحلفائه مثل الموقف الذي اتخذته النائبة مارجوري غرين تايلور (جمهورية - جورجيا). فإضافة إلى قيام مكارثي في إعطاء التسجيلات الخاصة بمبنى الكابيتول إلى تاكر كارلسون، قام مكارثي أيضاً بعدة خطوات للمساهمة في حملة التضليل التي تسعى إلى إعادة كتابة تاريخ اعتداءات السادس من يناير. ففي مساعيه لإرضاء الجمهوريين التابعين لتيار "اجعلوا أميركا عظيمة من جديد" MAGA، المؤثرين في أغلبيته الضئيلة في مجلس النواب، قام مكارثي في منح الدعم للمتطرفين من أنصاره في الحزب لشن حملة مؤيدة للمتمردين لطرح سردية مغايرة عن أحداث السادس من يناير. فمثله مثل تاكر كارلسون، يعلم مكارثي جيداً أن تلك السردية خاطئة، ولكنه يروج لها في كل الأحوال ليكسب رضا قاعدته الشعبية.

أعضاء آخرون من قادة الحزب الجمهوري في مجلس النواب قاموا بالترويج لمساعي كارلسون لإعادة تصوير ما جرى، ومن بين هؤلاء رئيسة مؤتمر الحزب الجمهوري في مجلس النواب إليز ستيفانيك (جمهورية - نيويورك). ستيفانيك قامت بنشر عدد من التغريدات تتعلق بما أذاعه كارلسون، قائلة بشكل مغلوط إن "سردية الديمقراطيين غير الصادقة يتم تدميرها"، وأطلقت على لجنة التحقيقات البرلمانية الخاصة بأحداث السادس من يناير بأنها "لجنة تزييف" وعملية "مطاردة للساحرات" [محاولة النيل من طرف لأسباب واهية]. وذهب بعضهم أبعد من تأييد كارلسون كلامياً، إذ يبدو أن الجمهوريين في مجلس النواب يقومون بإعداد العدة لإطلاق عدد من التحقيقات المتعلقة بأحداث السادس من يناير بما في ذلك ضد لجنة "6 يناير" ذاتها. وهم من خلال ذلك يسعون لاستهداف الطرف الوحيد الذي سعى البحث عن الحقيقة وواجه مزاعم "الكذبة الكبيرة".

إن ردود الفعل هذه التي تظهر انقسام الحزب الجمهوري حيال برنامج تاكر كارلسون وتسجيلات الفيديو لأحداث السادس من يناير هي نسخة مصغرة عن الحرب الأهلية المتوقعة في 2024 [الانتخابات الرئاسية] بين أوساط الحزب. في صلب ذلك النقاش هو مدى التطرف الذي قد يستطيع الحزب الجمهوري مواصلة اعتناقه. من جهة، هناك ميتش ماكونيل وبعض أعضاء مجلس الشيوخ الذين نددوا بالجهود هذه، التي تسعى لإعادة كتابة تاريخ ما جرى في السادس من يناير، وفي الجهة المقابلة، لدينا مكارثي ودونالد ترمب الذين يعتنقون سردية مؤيدة للتمرد.

يبدو أن ماكونيل قد استخلص الدروس من الخسائر الانتخابية التي تكبدها الجمهوريون في 2018، 2020، 2022، ويود أن يمضي قدماً للابتعاد عن التشدد العلني، لكن الرئيس ترمب وأتباعه يودون التصعيد. السيناتور ماكونيل يميل لانتهاج تشدد أكثر أدباً وبعداً عن الصخب، لا يشمل الصراخ في وجه الشعب "أنا متطرف وأكره الديمقراطية!"، إن التشدد المهذب هو ما كان يعتمده الحزب الجمهوري في السابق، من خلال "الاستراتيجية الجنوبية" [استراتيجية انتخابية للحزب الجمهوري تقوم على محاكاة متعمدة لعنصرية عديد من البيض الجنوبيين رغبة في اكتساب دعمهم].

وكانوا يحاولون في الماضي على الأقل ستر راديكاليتهم خلف قناع، حتى قيام نيوت غينغريتش في تسعينيات القرن الماضي بتغيير اللعبة، عندها قامت مؤسسة الحزب الجمهوري، بتفويض دونالد ترمب خلع القناع تماماً من خلال حملته ورئاسته المعاديتين للديمقراطية. ماكونيل اليوم يود أن يمضي بعيداً من ذلك كي يتمكن الجمهوريون من الفوز في الانتخابات، لكن مكارثي من جديد يمنع حدوث ذلك.

بعد الانتخابات النصفية في 2022، توافرت لدى الجمهوريين فرصة جديدة أخرى لمحاولة طي صفحة مرحلة ترمب. الغالبية العظمى لمرشحي الولايات المتأرجحة الذين دعمهم فشلوا في الفوز، وفشل من يواصلون إنكار نتائج الانتخابات في سباقات أساسية في الولايات الحاسمة. لقد جاء إعلانه ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية في 2024، كحدث غابت عنه الحماسة الانتخابية. كانت هناك لحظة كان خلالها الحزب الجمهوري يقوم بمناقشة الأسباب التي تدفعهم إلى ضرورة طي صفحة ترمب علانية والتخلي عن تكتيكاته، لكن مرة أخرى، وتماماً مثل ما حدث بعد اعتداءات السادس من يناير، كان هناك كيفن مكارثي جاهزاً لإعادة إحياء توجهات ترمب. من خلال تخصيص مكارثي الوقت لإعادة فتح القضايا المتعلقة بأحداث السادس من يناير، وبذلك فهو من يعيد الترويج للسرديات المؤيدة لترمب التي من شأنها فقط أن تساعده للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات التمهيدية لرئاسيات 2024.

إذاً لدينا شريحة صغيرة من الحزب الجمهوري والتي تود أن يمضي الحزب قدماً بعيداً من الرئيس ترمب، وأحداث السادس من يناير. وهناك الشريحة الأكبر من الحزب التي تود أن يضاعف الحزب من نسبة ذلك التطرف. أي فريق سيحرز النصر؟ على الأرجح فإن غالبية قاعدة الحزب الجمهوري ستود رئيساً مثل ترمب أو مرشح يشبهه من دون أن يكون لديه سوابق [تؤثر في رئاسته] ــ مرشح مثل حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس ربما، والذي سيكون بنفس خطورة ترمب إذا لم نقل أكبر.

لو أراد الحزب الجمهوري أن يكون أكثر جدية بخصوص محاولة منع ترمب من الحصول على الترشيح لولاية جديدة، فلا يمكنه اقتراف نفس الأخطاء التي ارتكبوها في عام 2016. فترمب يستفيد من نسبة متفرقة عريضة من المرشحين الذين ما زالوا في مناصبهم على الرغم من انقضاء الدهر على جدواهم. وفي غياب مرشح بديل يلتف حوله [الراغبون في التخلص من ترمب]، فإنه ما زال بإمكان ترمب أن يكتسح الساحة.

لو أن التاريخ يقدم لنا مؤشراً، فإن دونالد ترمب سيخسر الرئاسة مرة جديدة، حال نجح في الحصول على ترشيح الحزب الجمهوري. لأن ذلك هو ما يفعله ترمب. إنه يخسر، ويأخذ الحزب الجمهوري معه خلال سقوطه كما في كل مرة، وهذا هو تحديداً ما يود السيناتور ميتش ماكونيل أن يمنع حدوثه، هذا لا يتعلق بالفضيلة أو المبدأ، إنها قضية مرتبطة بالسلطة. ماكونيل يعتقد أن الطريق لاستعادة السلطة والاحتفاظ بها قد تتحقق في حزب جمهوري أميركي يتخلى عن ترمب، لكن فيما يخص موقف مكارثي، فإنه ليس واضحاً إذا ما كان ينتهج مواقف بعيدة المدى إطلاقاً، أو أنه فقط مستهلك في تدبير الأمور اليومية، في مجلس حزبه المنقسم على نفسه، ولا ينجح في رؤية الأمور من منظار أوسع.

بغض النظر عما سيحدث، فإن نتائج انتخابات 2024 ستكون منطقية. إن المخاطر مرتفعة. وما زلنا بعيدين جداً ويمكن أن يحدث أي شيء، لذلك فإنه من غير الواضح كيف ستتطور الأمور، لكن أمراً واحداً هو مؤكد: مجدداً سيكون مستقبل الديمقراطية مرهوناً بأوراق الاقتراع.

© The Independent

المزيد من آراء