Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف انعكست الأزمة الاقتصادية على صناعة الكتاب في لبنان؟

هناك من يتوقع التعايش بين النموذج الرقمي وغريمه التقليدي

يفضل الأطفال بشكل خاص لمس الكتاب وقلب صفحاته فينجذبون إلى الورقي أكثر (اندبندنت عربية)

ملخص

لمجموعة من #دور_النشر آراء متفاوتة لكن المؤكد أن الأزمة الاقتصادية في #لبنان أثرت في القدرة الشرائية وتراجعت نسب مبيعات #الكتب

مجموعة من الميزات أعطت الكتاب الرقمي طابعاً خاصاً، فأصبح له أنصار في فئات مجتمعية معينة، ولو عدنا سنوات إلى الوراء مع بدايات الثورة التكنولوجية لبدا أن الكتاب الورقي لن يصمد أمام ميزات الرقمي، خصوصاً بالنسبة إلى جيل الشباب في عصرنا هذا.

إنما تبدو الأمور مختلفة اليوم، فنلاحظ أن الكتاب الورقي لا يزال ينافس للحفاظ على منزلته، ولا نزال نسمع عبارات مثل "رائحة الحبر والورق" وأن "الكتاب الورقي خير جليس" وعن "متعة تصفح الكتاب الورقي التي لا تضاهى" من كثيرين منعهم شغف المطالعة عن التخلي عن الكتاب بنسخته التقليدية، وبلغت المنافسة بينهما أوجها خلال السنوات الأخيرة مما يدعو إلى التساؤل حول ما إذا كان أي منهما يمكن أن يلغي الآخر في أي وقت من الأوقات، لكن تبدو التحديات أمام الكتاب الورقي أكثر صعوبة في لبنان بسبب الأزمة الاقتصادية إذ لم يعد في متناول الكل مع انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع أسعار الكتب بمعدل أضعاف، وكأن الأزمة أتت بالضربة القاضية على الكتاب الذي لطالما كانت له مكانة مهمة لدى اللبنانيين.

لمجموعة من دور النشر آراء متفاوتة في هذا المجال، لكن المؤكد أن الأزمة أثرت في القدرة الشرائية للمواطنين وتراجعت نسب مبيعات الكتب، فبدا تأمين الحلول ضرورياً.

ميزات تلائم الحياة العصرية

للكتاب الرقمي ميزات كثيرة تلائم متطلبات الحياة العصرية السريعة، فهو سهل الحمل والتحميل على الجهاز الإلكتروني أو الهاتف الذكي ويسهل وصوله إلى القارئ في أي مكان وزمان، وباختصار هو عابر للحدود، كما أن الكتاب الرقمي استطاع أن يتخطى تحديات كانت تزيد كلفة الكتاب الورقي مثل كلف الطباعة والشحن والنقل والحبر والورق، وهو أرخص وقد يتوافر مجاناً أحياناً.

وفي الوقت نفسه يمكن تخطي مشكلة المساحة التي يتطلبها حفظ الكتب الورقية والتي يشكو منها كثيرون، ويمكن الوصول إلى أي كتاب إلكتروني في العالم بأية لغة كانت مما يجعله متاحاً على نطاق أوسع.

هذه الميزات كلها قد توحي بأن ثقافة الكتاب الإلكتروني هيمنت بعد أن سهل العالم الرقمي القراءة مع تطور الحياة المعاصرة، وبعد أن حقق الكتاب الرقمي حلم القراء بالحصول على نسخات من الكتب بسهولة.

الأزمة في لبنان تهديد أكبر

وفي لبنان بشكل خاص بدا وكأن الأزمة أتت بالضربة القاضية للكتاب الورقي وأفسحت المجال أكثر لهيمنة الإلكتروني. "كان الكتاب أول المتأثرين بالجائحة أولاً ومن بعدها الأوضاع الاقتصادية المتردية، لكن على رغم أن المكتبات أقفلت أبوابها خلال الجائحة إلا أنه كانت هناك فرصة ليرمم القارئ علاقته بالكتاب، وعلى رغم أنه كان للكتاب الإلكتروني مساحة إلا أنه لم يحل محل الكتاب الورقي ولم يغن عنه بشهادة القراء، إلا لمن لم يجد سبيلاً لاقتنائه بسبب إرتفاع الورق عالمياً وأكثر في لبنان"، كما صرح مدير دار الرافدين أحمد غريب، مشيراً إلى أن ارتفاع سعر الصرف انعكس على الأعمال التجارية وليس على الكتاب وحسب.

وللكتاب كلف مرهقة بالعملة الأجنبية ولا يمكن التحدث عن ارتفاع أسعار الكتاب، فعلى رغم الظروف الصعبة لم يتخل القارئ في لبنان عن الكتاب الورقي، ولم يستبدله بالكتاب الرقمي نظراً للعلاقة القوية التي تربط بينهما والتي قد تتأثر لكنها لا تزول.

وفي المقابل أصبح القارئ يخصص موازنة شهرية ليقتني بعض الكتب، فيما كان عشاق الكتب يزورون المكتبات في أي وقت كان ويشترون كتباً عدة يعجزون عن مقاومتها، أما بالنسبة إلى دار النشر ففي الأزمة كان الحل في تقديم الكتب بأسعار مخفضة وحسومات تصل إلى 40 في المئة من سعر الكتاب الأصلي، تشجيعاً للمواطنين على القراءة واقتناء الكتب.

هذا ما تؤكده أيضاً مديرة مكتبة "لبنان - ناشرون" إليونور مرهج، مشيرة إلى حسومات كبرى على الكتب لتشجيع القراء في هذه الأوضاع الصعبة، وإلا لما أقدموا على اقتناء الكتب بأسعارها الأصلية.

أما بالنسبة إلى أثر الكتاب الرقمي على مبيعات الدار فلم يكن كبيراً لأنها أصلاً تبيع الكتب الإلكترونية أيضاً، علماً أن الكتب الرقمية أسعارها أقل مقارنة بالكتب الورقية وترتفع بشكل خاص مبيعات الموسوعات والمجموعات الأكاديمية منها، ويبدو واضحاً أن طلاب الجامعات أكثر ميلاً إلى الكتب الإلكترونية لسرعة الحصول على المعلومات التي يحتاجونها بدلاً من اللجوء إلى الموسوعات الورقية، فيما الشريحة العمرية الأكبر سناً أكثر تمسكاً بالكتاب الورقي.

 

"تأثرت مبيعات الكتب الورقية لكن هذا الأثر كان متفاوتاً، فتحظى الموسوعات الإلكترونية باهتمام الأكثرية فيما حافظت الكتب الورقية الخاصة بالأطفال على نسبة المبيعات نفسها، وللأهل والمدرسة الدور الأبرز هنا، فيفضل الأطفال بشكل خاص لمس الكتاب وقلب صفحاته فينجذبون إلى الورقي أكثر، أما الروايات فترتفع نسبة مبيعاتها اليوم أكثر من أي وقت مضى لأن المواطنين يختارون القراءة كهواية للتسلية والمتعة مع ارتفاع كلف النزهات، ونعول على وجود نسبة من المثقفين والقراء تعتبر الكتاب أولوية، كما يبدو واضحاً لنا أن القراء ينجذبون حتى اليوم إلى الكتاب الورقي بشكل خاص ولو بوجود الرقمي على رغم الأزمة، شرط الحصول على الحسومات لتشجيعهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أزمة كتاب أو أزمة قراءة

وإضافة إلى الأزمة والثورة الإلكترونية لم تستطع المناهج التربوية مواكبة التطور الحاصل وتشجيع الجيل الجديد على القراءة، فقد تكون هناك أزمة قراءة وليس أزمة كتاب أحياناً، مما يدعو إلى القلق ويستدعي توجيه الأطفال نحو القراءة، وللأهل والمدارس دور مهم في ذلك، فعشق المكتبة والكتب أساس لتعزيز الرغبة في القراءة، ويخشى من أن تكون هناك أزمة ثقافية في مجتمعاتنا تفقد الإنسان مقومات الرقي وما له من خصوصية.

وفي زمن الصورة والعالم الرقمي فمن الطبيعي أن تكون المنافسة حادة، إنما بحسب عدنان عليان في دار الكتاب التربوي فقد بدا واضحاً أن التعليم عن بعد هو فعلاً بعد عن التعليم.

يقول، "المثلث التربوي قائم على الطفل والأهل والمدرسة، ولا بد من تربية الطفل وتوجيهه نحو حب القراءة من سنواته الأولى، ونحن ندرك أنه ليس كل الأهل تربويين لكن ثمة تراجعاً في معدلات القراءة بين الطلاب مما يستدعي إعادة توجيههم نحو الاتجاه الصحيح".

أما بالنسبة إلى أسعار الكتب فقد تراجعت بالدولار الأميركي، على حد قوله، مقارنة مع السنوات السابقة، وهناك حسومات تصل إلى 70 في المئة على الكتب لتشجيع القراء من مختلف الفئات على اقتناء الكتب.

 

للكتاب الورقي عشاقه

وبحسب الكاتب حارث البستاني يبقى الشغف موجوداً لدى الناس، ويشهد إقبالاً متزايداً في كل حفل توقيع كتاب له، "وبالنسبة إليّ فلقراءة كل ما هو ورقي من جريدة وكتاب متعة خاصة".

من جهته يؤكد مدير "دار النهار" زياد شبيب أن الكتاب الورقي ليس منتجاً نشتريه ونقرأه وحسب، بل هو موضوع تبادل بين عشاق القراءة ولا يمكن أن يلبي الكتاب الإلكتروني هذه التطلعات.

وعلى رغم ميزات الكتاب الرقمي وتخطي عوائق الكلف والمساحة المطلوبة لحفظه وتميزه بطابع تفاعلي إلا أنه لم يتمكن من إزالة الورقي من المشهد الثقافي، فبعكس ما توقع كثيرون حصل نوع من التعايش بين نوعي الكتاب، ولم يحل الرقمي محل الورقي.

ووفق إحدى الدراسات في فرنسا مثلاً فإن عدد القراء في تزايد لافت، ويلجأون إلى النوعين لتلبية الرغبة في القراءة مما يدعو إلى التفاؤل، كما أكدت دراسة في كندا أن الورقي أكثر قدرة في الحفاظ على التركيز وزيادة الاستيعاب والفهم.

"استطاع الكتاب الورقي الصمود والخروج قوياً من هذا الاختبار كوسيلة لا غنى عنها لنشر المعرفة، وكدار نشر نشهد إقبالاً وحركة يومية على الكتاب الورقي بغض النظر عن القدرة الشرائية، هذه الحركة لا تقتصر على شريحة معينة من الناس بل على مختلف الشرائح والخلفيات ومن مختلف الأعمار، وهو ما يبدو لافتاً في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، لذلك يمكن القول إن الكتاب لا يزال بخير ويبقى الوسيلة الفضلى لنقل الثقافة والمعرفة والإبداع، كما أدعو الكل إلى التعاون حفاظاً على الكتاب لأن بقاء الكتاب الورقي رهن ببقاء الكتاب عامة وصمود المطالعة، وقد أظهر استفتاء أن معظم القراء يفضلون الورقي ومعظممهم من الجامعيين والخريجين الجدد خصوصاً عند القراءة للمتعة، أما للدراسة فهم يختارون الرقمي".

وقد تكون القراءة عامة تأثرت إلى حد ما بالثورة الإلكترونية خلال السنوات الأخيرة، ومن هنا تظهر أهمية رسم سياسات تحاكي الشباب لتقربهم من الثقافة والمعرفة والقراءة، وفي لبنان كثرت التحديات في مواجهة الكتاب عامة والكتاب الورقي بخاصة أكثر من أي مكان آخر خصوصاً في هذا الوضع المعيشي الصعب، إنما يبقى للكتاب عشاقه الذين يتمسكون به أياً كانت الظروف، فما من متعة تضاهي متعة القراءة في الكتاب الورقي ولمس صفحاته بشهادة كثيرين.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات