Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 حرب أميركا الخفية في الصومال تزداد ضراوة في ظل ترمب... ما مبرراتها؟

لا تشكل أي من مجموعتي "الشباب" و"داعش" في الصومال المتشددتين، تهديداً للولايات المتحدة، فهما يتقاتلان في ما بينهما، لكن لايبدو أن الرئيس الأميركي قادر على استيعاب ذلك

جنود من الاتحاد الإفريقي في مدينة كسمايوالصومالية (غيتي) 

لم يُقتل أو يُجرح سوى مدنيَّين اثنين خلال حملة القصف الأميركية على الصومال، حسبما أشار مركز "قيادة الولايات المتحدة في أفريقيا" (أفريكوم). لكن هل هذا صحيح؟  أشكّ بذلك. فالحملة ما زالت مستمرة منذ أكثر من عقد، والوثائق الداخلية التي حصلت عليها مؤسسة "انتَرسَبْت" ونشرتها الأسبوع الماضي، تقدم دليلا موثوقا به على أن الولايات المتحدة "كانت منذ وقت طويل على دراية بالهجمات المتعددة التي خلفت وراءها مدنيين قتلى او جرحى بعد عمليات عسكرية تقوم بها قوات أميركية أو حليفة".

ظلت الأسئلة حول عدد المدنيين الذين يُقتلون في حروب الولايات المتحدة بالطائرات المسيَّرة موضع جدال، لكن هناك سؤالا أكبر منها في هذه الحالة: ما الذي يفترض أن تحققه الحملة العسكرية الأميركية، بالضبط، في الصومال؟

يبدو أن الجواب المقنع لايتوفر إلا لدى قلة قليلة. إذ لا تشكل أي من مجموعتي "الشباب" و"داعش" في الصومال المتشددتين، تهديداً للولايات المتحدة، فهما يتقاتلان بعضهما مع بعض. و نحن لم نُحدث تغييرا في قدراتهما على شن هجمات محلية حتى بعد سنوات على الحملة الأميركية. ومع ذلك فنحن مستمرون في قصف الصومال بشكل منتظم، وإصدار بيانات بعدد الضحايا من المتشددين،  بينما يبقى الوضع الأمني من دون أي تغيير.

في نهاية المطاف، هذه الهجمات ليست سوى بادرة علاقات عامة من خلال سفك الدماء. نحن لسنا بحاجة إلى استعراض عضلاتنا والاحتفال بعدد "الإرهابيين" الذين قتلناهم. فالتدخل العسكري الأميركي لم يفعل شيئا كي يحبط الحافز الكامن وراء  المتمردين، بل لعله ساعد على خلق حافز جديد.

يجدر بنا أن نتذكر أن حركة الشباب موجودة بالدرجة الأولى كرد فعل على السياسة الخارجية للولايات المتحدة. لأكثر من عقدين، وبدءاً من أوائل تسعينيات القرن الماضي، كانت الصومال أشبه بفضاء فوضوي مع غياب أي حكومة مركزية، لكن في أوائل الـ 2000 دعمت الولايات المتحدة مجموعة من أمراء الحرب الأقوياء كي يحكموا البلاد مقابل تقديم دعمها لتعقب أعضاء القاعدة. كان أمراء الحرب هؤلاء شرسين وأصبحوا محل احتقار الجميع في كل مناطق العاصمة. 

وفي عام 2006 توحد عدد من الفصائل الإسلامية  التي استطاعت طرد أمراء الحرب من المدينة، ثم شكلت "اتحاد المحاكم الإسلامية" (آي سي يو) و سيطرت على معظم أجزاء جنوب الصومال ومدنه الرئيسية.

كان هناك عناصر من القاعدة في "اتحاد المحاكم الإسلامية" لكنهم كانوا يشكلون أقلية، إذ لم يزد عددهم عن بضع عشرات من المقاتلين الأجانب وقلة من الصوماليين ممن كانوا يطمحون للإسهام في الجهاد على المستوى العالمي، حسبما ذكر الصحافي الإستقصائي جيريمي سكاهيل. على العموم، ظلت اهتمامات "اتحاد المحاكم الإسلامية" ذات طابع محلي. مع ذلك فإن ذكرى هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية التي كانت لا تزال طرية، دفعت إدارة  بوش إلى تبني فلسفة شاملة  للتدخل في دول أجنبية، رمزت إليها عبارة"الوطن الأميركي هو الكوكب" التي أوردها التقرير أعدته اللجنة التي كُلّفت التحقيق في أحداث 11 سبتمبر.  وبموجب هذا الشعار  تعتبر أي عناصر إرهابية في أي مكان كان خطرا لايمكن لأميركا القبول به. ولذلك لم يكن مسموحا لـ "اتحاد المحاكم الإسلامية" أن يسيطر على الصومال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هكذا، أشرفت الولايات المتحدة على غزو للصومال من قبل الجارة أثيوبيا ما أدى إلى إلحاق هزيمة سهلة باتحاد المحاكم الإسلامية. بيد أن "حركة الشباب" انبثقت من رماد " اتحاد المحاكم"، لاحقاً  بدعم من القاعدة، وتمكنت  بحلول 2010  من السيطرة على أراض أكبر مساحة من تلك التي تحت سيطرة الحكومة الاتحادية الانتقالية.

وعلى الرغم من أن حركة الشباب أبعِدت من أكثر المناطق المدينية، فإن التدخل الأميركي هو المسؤول بالدرجة الأولى عن خلق هذا الوضع. فنحن أوجدنا "اتحاد المحاكم الإسلامية"بشكل غير متعمّد،  لكننا بعد ذلك طردناها، ممهدين الطريق لنشوء"حركة الشباب".  وأيضاً هكذا استطاعت "داعش" أن تحقق حضوراً جديداً في الصومال من خلال مئات من عناصرها الإرهابية. جدير بالذكر، في هذا الإطار،  أن ظهور داعش في العراق بادئ الأمر يعود إلى الحرب الكارثية التي خاضتها الإدارة الأميركية هناك.

"داعش" الصومالية و"حركة الشباب" عدوان. وفي الوسط تقف الولايات المتحدة، التي تسعى إلى إزالتهما معا، من دون التفكير في التداعيات غير المتعمدة التي أدت إلى ظهورهما في المقام الأول. بالطبع، لاتشّكل أي من المجموعتين تهديدا حقيقيا على مصالحنا القومية. إنه مجرد قصف من أجل القصف بالنسبة للسياسة الأميركية.

ومثلما هو الحال مع معظم سياساتنا الخارجية، فإن نشاط الولايات المتحدة في الصومال مدفوع بحدة خطر غير واقعي. الإرهاب والتمرد هما حقيقتان من حقائق الحياة، ولا يمكن اسئتصالهما نهائياً. غير أن وجودهما في أشكال مختلفة وفي أجزاء متعددة من العالم لا يشكل خطرا كبيرا عادة على وطننا. مع ذلك فإنه لسبب أو لآخر، زاد عدد الغارات الجوية ضد أهداف في الصومال‘ إذ تضاعف معدلها السنوي ثلاث مرات خلال ولاية الرئيس ترمب.

تُفيد التقديرات حاليا أن عدد أعضاء حركة الشباب يتراوح من 5 آلاف إلى 10 آلاف شخص، يسيطرون على قرابة 20% من الأراضي الصومالية. أما الفكرة التي توحدهم فهي معارضة الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب،  لذلك لايمكن للقصف الأميركي مهما اتسعت رقعته وازدادت قوته أن يقضي على مصدر إمداد  "الشباب" بالدعم الذي كان وراء ولادة حركتهم أول الأمر. بل إن القصف هو الذي يزيد من قوتهم.

انطلاقا من ذلك فإن على الولايات المتحدة أن توقف تمثيليتها الهزلية في الصومال، فنحن لا نجني منها أي فائدة مهمة ، لابل نذكي شعوراً بالكراهية لنا في سياق ما نفعله. وببساطة، اللاعبون غير الوديين في القرن الأفريقي لايشكلون خطراً حقيقياً على أمن الولايات المتحدة، وليس لنا أي مصالح تجارية هناك.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء