Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"تفجير دراكار"... أن تهبط مسرح الجريمة متأخرا 40 عاماً

لماذا تطالب فرنسا بإعادة فتح الملف بعد كل هذه السنوات وكيف يمكن أن يؤثر في العلاقات مع لبنان؟

تدرك فرنسا أن القضاء اللبناني أعجز من أن يقوم بالتحقيق في مثل هذه القضايا التي تطاول فيها التهم "حزب الله" (أ ف ب)

ملخص

معظم #العمليات_الانتحارية التي اتهم بها #"حزب_الله" ونفذت في لبنان بقيت من دون تحقيق، فما الجديد في قضية "تفجير دراكار"؟

في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 1983 اهتز لبنان والعالم على خبر تفجير مقري قوات البحرية الأميركية (المارينز) ووحدة المظليين الفرنسيين في بيروت.

بعد 40 عاماً حركت فرنسا الملف النائم عندما أرسل القضاء الفرنسي إلى النيابة العامة التمييزية في لبنان، في خطوة مفاجئة بمضمونها وتوقيتها، مراسلة يطلب فيها استجواب شخصين توافرت لديه شبهات حول تورطهما في عملية تفجير مقر كتيبة المظليين الفرنسيين بواسطة شاحنة مفخخة.

تسريب الخبر لم يبدأ من لبنان. وربما كان الأمر مقصوداً حتى لا يتم التعتيم على هذه المراسلة، ذلك أن السلطة اللبنانية ستكون محرجة في طريقة التعاطي مع هذه المراسلة، خصوصاً في ظل الفوضى القضائية والسياسية والأمنية التي يعيشها لبنان.

أكثر من دخول فرنسي

تأتي هذه المراسلة بعد شهر تقريباً على بث التقرير الوثائقي في فرنسا "حزب الله - التحقيق الممنوع"، وبعد حضور وفد قضائي فرنسي إلى لبنان لمتابعة تحقيقات خاصة في مسألتين: الأولى متعلقة بالاتهامات الموجهة إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في ملفات يتابعها القضاء الفرنسي، والثانية التحقيق في قضية تفجير مرفأ بيروت.

في القضية الأولى حضر محققون فرنسيون إلى قصر العدل في لبنان، والتقوا قضاة في النيابة العامة التمييزية. وفي الثانية التقى قضاة فرنسيون أيضاً المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، الذي قرر بعد هذا اللقاء استعادة صلاحياته في التحقيق بعد أن اعتبر الدعاوى المقدمة ضده لمخاصمته وعزله وكف يده بلا قيمة قانونية، وأنه معين من مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير العدل وموافقة مجلس القضاء الأعلى، ولا يمكن لأية هيئة قضائية أن تبت بهذه الدعاوى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكنه بعد أن استعاد هذه الصلاحيات ادعى عليه مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، الأمر الذي أدى إلى تريثه في التحقيق مع المتهمين الذين استدعاهم، وكان حدد لهم مواعيد جلسات خلال شهر فبراير (شباط) الماضي. وهو ما يأتي بعد تجربة ثالثة تتعلق بالتحقيق مع كارلوس غصن رئيس مجلس إدارة تحالف شركات سيارت "نيسان" و"رينو" سابقاً، عندما استمع إليه محققون فرنسيون أكثر من مرة في مكاتب النيابة العامة التمييزية بحضور قضاة لبنانيين في التهم التي وجهتها إليه فرنسا وتتعلق بتجاوزات مالية نفاها كلها.

تدرك السلطات السياسية والقضائية في فرنسا صعوبة إعادة فتح ملف تفجير مقر المظليين الفرنسيين في هذه المرحلة. وتدرك أيضاً أن القضاء اللبناني أعجز من أن يقوم بهذه المهمة لأنها تعرف أن التحقيق في مثل هذه القضايا التي تطاول فيها التهم "حزب الله" ممنوع. فلماذا إذاً تحرك هذا الملف في قضية مر عليها الزمن، وقد يكون ملفها ضاع في القضاء اللبناني، وهي تدرك أن هذه القضية لا تشبه إطلاقاً قضايا رياض سلامة وكارلوس غصن وتفجير المرفأ؟

ملفات سابقة نائمة

بين فرنسا ولبنان أكثر من ملف نائم من هذا النوع. في 4 سبتمبر (أيلول) 1981 اغتيل سفيرها لدى لبنان لويس دولامار، واتهمت وقتها الاستخبارات السورية بقتله من دون أن تحصل محاكمة في القضية.

واغتيل عام 1986 أيضاً في الحازمية بضواحي بيروت الشرقية، الملحق العسكري الفرنسي كريستيان غوتيار.

وفي وقت لاحق للجريمة اعتقل أحد عناصر "حزب الله" حسين طليس، وكان عريفاً في الجيش اللبناني وهو يحاول أن يفجر سيارة مفخخة. وحوكم في هذه القضية وحكم عليه بالسجن المؤبد. وتعرف السلطات الفرنسية أن مسلحين هربوه في 24 فبراير 1998 من السجن بعد نقله إلى أحد المستشفيات لتلقي العلاج بحجة المرض. ومنذ ذلك التاريخ لم يعثر له على أثر. وقد كان يحاكم أيضاً بتهم تتعلق بتفجير عدد من السيارات المفخخة في المناطق الشرقية بين عامي 1986 و1987، أدت إلى مقتل نحو 300 شخص، وأيضاً بتهمة محاولة اغتيال رئيس الجمهورية الأسبق كميل شمعون بسيارة مفخخة انفجرت خلال مرور موكبه في يناير (كانون الثاني) 1987.

الملحق العسكري غوتيير اغتيل قرب مقر السفارة الفرنسية في حي مار تقلا في الحازمية، عندما أطلق عليه طليس النار من مسدس كاتم للصوت. وكانت باريس قد نقلت سفارتها من بيروت الغربية إلى بيروت الشرقية بعد أن كانت بدأت عمليات خطف الرهائن الأجانب في لبنان في مرحلة صعود "حزب الله" منذ عام 1982، ومن بين المخطوفين كان هناك عدد من الفرنسيين.

بين باريس و"حزب الله"

عملية تفجير مقر القوات المظلية الفرنسية في بيروت التي لم يسبق أن شهدت القوات الفرنسية مثلها منذ الحرب العاليمة الثانية بعد أن سقط فيها 58 جندياً فرنسياً في ضربة واحدة، طغت عليها قضية تفجير مقر قوات "المارينز" الأميركية قرب مطار بيروت، والتي تكبد فيها الجيش الأميركي أكبر عدد من القتلى بلغ 241 قتيلاً، في أكبر ضربة تلقتها الولايات المتحدة أيضاً منذ الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام. سبع دقائق فصلت بين التفجيرين اللذين نفذهما انتحاريان بواسطة شاحنتين محملتين بالمتفجرات اقتحمتا المقرين في عمليتين معقدتين ومدروستين بدقة. وخلال 40 عاماً بدا وكأن الاهتمام الأميركي بتفجير مقر "المارينز" كان أكبر من الاهتمام الفرنسي، خصوصاً أن واشنطن لم تتوقف عن ملاحقة مسؤولي "حزب الله" الذين تتهمهم بأنهم كانوا وراء عمليات تفجير المقر وخطف الرهائن والطائرات. وقد أعلنت باستمرار عن تخصيص جوائز بملايين الدولارت لمن يدلي بمعلومات عنهم، كما وضعتهم على لوائح المطلوبين للعدالة.

 

صحيح أن الجهة التي أعلنت مسؤوليتها عن تفجير المقرين كانت "حركة الجهاد الإسلامي"، لكن الشكوك كانت دائماً تذهب باتجاه تحميل "حزب الله" المسؤولية طالما أنه لم يكن قد أعلن عن نفسه بعد، وطالما أنه لم يتوان، في مراحل لاحقة، عن التفاخر بهذه العمليات في الحرب المستمرة الدائرة بينه وبين واشنطن بشكل رئيس، من دون التركيز بالقدر نفسه على العداء مع الدولة الفرنسية التي بدورها لم تتعاط مع الحزب بوضعه على لائحة الإرهاب كما فعلت واشنطن، ولا اعتبرته بالتالي تنظيماً إرهابياً.

لكن، حتى لو لم تعلن باريس أنه تنظيم إرهابي، على المستوى السياسي بما يتعلق بسياسة الدولة العليا، وبما يتصل أيضاً بعلاقاتها مع إيران، إلا أن التقييم الأمني في باريس لـ"حزب الله" وللعمليات التي نفذها ضد المصالح الفرنسية، لا يخرج عن هذا الإطار. ومن هذه الزاوية يمكن النظر إلى مسألة المراسلة الجديدة المتعلقة بالشخصين اللذين تتهمهما بأن لهما علاقة بعملية تفجير مبنى دراكار، ولو بعد 40 عاماً، وهما يوسف الخليل وسناء الخليل.

يوسف وسناء

الاسمان لا يوحيان بأي علاقة مع قضايا سابقة من هذا النوع، ولم يتحدد السبب المتعلق بطلب التحقيق معهما. فمنذ 40 عاماً بقي الغموض يلف قضيتي تفجير مقري المارينز والمظليين الفرنسيين. والمعلومات التي كانت تنشر حولهما تحدثت باستمرار عن علاقة مسؤول الأمن في "حزب الله" عماد مغنية بهذه العمليات. وقد تحول منذ ذلك التاريخ إلى ما يشبه الشبح الذي تطارده معظم أجهزة الاستخبارات الغربية والإسرائيلية في العالم حتى اغتياله في حي كفرسوسة بدمشق في 8 فبراير 2008، الأمر الذي شكل ضربة موجعة لـ"حزب الله"، لكنها لم تكن قاضية.

في 13 مايو (أيار) 2016 اغتيل أيضاً نائبه الذي حل محله مصطفى بدر الدين، لكن المسؤولية الجزائية لا تنحصر فقط بالمسؤولين الذين أعطوا الأوامر للتنفيذ، بل تتعداهم أيضاً إلى الأشخاص الذين تولوا عمليات التنفيذ. ففي أي مستوى مثلاً يقع الاسمان الجديدان: يوسف وسناء الخليل؟

انتحاريون بلا أسماء

منذ عام 1982 نفذ انتحاريون عمليات تفجير اتهم "حزب الله" بالوقوف وراءها، لكن دائماً ما بقي اسم الانتحاري مجهولاً. وقضية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري مثال حي على هذا الأمر. فالتحقيقات اللبنانية وبعدها التحقيقات الدولية كشفت هويات الأشخاص الذين تولوا عملية المراقبة والتخطيط والتنفيذ، لكن لم يتم تحديد هوية الشخص الانتحاري الذي قاد الشاحنة المفخخة وفجرها أو فجرت به.

 

هذا الغموض الشديد لا يزال يلف قضيتي تفجيري "المارينز" والمظليين وغيرهما من قضايا مماثلة، كتفجير السفارة الأميركية في عين المريسة في 18 أبريل (نيسان) عام 1983، ثم في عوكر في سبتمبر (أيلول) عام 1984. من هم الانتحاريون الذين قادوا الشاحنات المفخخة إلى داخل هذه المقار، وهل فجروا أنفسهم فيها أم فجروها عن بعد؟ تلك أسرار لم تكشف بعد.

بصرف النظر عن علاقة الخليلين بالعملية، وعن سبب إحياء باريس لهذا الملف، لا يبدو أن القضاء اللبناني سيتعاطى بإيجابية مع هذه القضية. ولا يمكنه تحت أي ضغط أن يعيد فتح الملف. لا يعود هذا الأمر إلى اعتبار أن القضية سقطت بمرور الزمن، أو لأن هناك من يعتبر أنها مشمولة بقانون العفو الذي صدر عام 1991، ويتعلق بإسقاط الملاحقة المتصلة بالجرائم المرتكبة في زمن الحرب، وهذا جدل قانوني وقضائي يتعلق أيضاً بمسألة ما إذا كانت هذه القضية غير مشمولة بالعفو على أساس أنها تدخل ضمن مفهوم الاعتداءات على البعثات الدبلوماسية.

الولايات المتحدة الأميركية مثلاً اعترضت بشدة لدى السلطات اللبنانية، بعد أن اعتبر القضاء اللبناني أن جريمة اغتيال السفير الأميركي لدى لبنان فرنسيس ميلوي، في 16 يونيو (حزيران) 1976، خاضعة لقانون العفو، وأصدر حكماً بالإفراج عن المتهمين بارتكابها.

والولايات المتحدة الأميركية اعترضت عندما أعادت ألمانيا إلى لبنان في 21 ديسمبر (كانون الأول) 2005، محمد علي حمادة، المتهم بخطف طائرة الـ"تي دبليو أي" الأميركية في يونيو 1985، بعد أن أمضى 18 عاماً في السجون الألمانية، من دون أن توقفه السلطة اللبنانية، أو أن يكون هناك ملف قضائي لقضية خطف الطائرة.

هذه القضية مثل قضايا أخرى مماثلة مشمولة بما كشفت عنه باريس في الوثائقي "حزب الله - التحقيق الممنوع". وطالما تعرف هذا الأمر فلماذا تطالب بإعادة فتح ملف قضية حصلت قبل 40 عاماً، ولماذا تذكرتها اليوم؟ مثل هذه القضية لا يمكن أن يعاد فتح ملفها في لبنان لأن السلطة اللبنانية لم تفتح ملفات كثيرة مماثلة لها علاقة بـ"حزب الله"، وتدخل حكماً تحت عنوان "التحقيقات الممنوعة". حال واحدة يمكن أن تكسر هذه القاعدة، وهي توقيف المتهمين المذكورين. فهل حصل هذا الأمر؟ وأية معلومات لدى باريس حولهما من أجل أن توجه التهمة إليهما؟

ففي حال توقيفهما يجب تقديمهما إلى العدالة. وعندها تعتبر إعادة فتح الملف واجبة، لأنه يتوجب على القضاء البت بمسألة توقيفهما أو إطلاقهما على قاعدة اعتبار أن هذه القضية سقطت بمرور الزمن، أو لأن قانون العفو يشملها. وبخلاف ذلك يبقى موضوع المراسلة الفرنسية بمثابة زيارة مفاجئة لمسرح الجريمة لن تكون لها آثار ونتائج، ولن تعيد إحياء القضية النائمة والتحقيق الممنوع.

المزيد من تقارير