Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصمغ العربي... ثروة سودانية يهددها التصحر

الرمال تزحف على غابات الهشاب والطلح وتغول مشاريع الزراعة الآلية والقطع الجائر يفاقم المعاناة

من أبرز المهددات هي عمليات الاحتطاب العشوائي والانتشار الكثيف للقرى على امتداد شريط أشجار الصمغ (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

تراجع إنتاج #السودان من #الصمغ_العربي من 80 في المئة إلى ما لا يزيد على 50 في المئة من الإنتاج العالمي

يعيش قطاع الصمغ العربي في السودان انتكاسة بعد تصحر مساحات كبيرة من حزام غابات الهشاب المنتجة لتلك المادة، مما دفع بمجلس الصمغ العربي إلى إطلاق تحذير عاجل من مغبة انهيار الحزام.

ودعا المجلس كل دول العالم المستفيد من هذا المحصول الحيوي، والمنظمات المهتمة، للمساهمة في إنقاذ حزام أشجار الهشاب المنتج لأجود أنواع هذا المحصول، من عمليات التصحر والتعدي الجائر، "مما جعله يتداعى بسرعة أشبه بذوبان لوح من الثلج كل يوم".

والصمغ العربي في السودان منتج طبيعي ليس له بديل، ولا غنى عنه، ويدخل في تصنيع نحو 82 صنفاً من الصناعات الغذائية والدوائية، والأسلحة، والطائرات، والسيارات، والدهانات، ومستحضرات التجميل، وورق البنكنوت وغيرها.

زحف التصحر

كشف رئيس مجلس إدارة مجلس الصمغ العربي في السودان، مصطفى السيد الخليل، لـ"اندبندنت عربية"، عن مخاطر حقيقية يتعرّض لها حزام أشجار الهشاب والطلح جراء الزحف الصحراوي وتغول مشاريع الزراعة الآلية وامتدادات القرى السكانية والقطع الجائر الذي يهدد كثيراً من الغابات، مطالباً بترقية الهيئة القومية للغابات إلى مستوى وزارة لتعمل على استزراع وحماية الغابات.

وحمّل الخليل السياسيين مسؤولية ما يحدث من تدن وتراجع في إنتاجية الصمغ نتيجة للتجاذبات السياسية والانفلات الأمني في مناطق الإنتاج، قائلاً "الحزام الشجري بات يذوب ويتناقص يومياً مثل لوح الثلج". محذراً من أن العالم كله "سيخسر هذا المحصول المهم، وذلك بعد أن تراكمت مشكلات اللجوء والنزوح، بخاصة في مناطق القضارف والنيل الأزرق، لتفاقم كارثة تدمير هذا الغطاء الشجري الحيوي".

 

 

وأوضح رئيس مجلس الصمغ، أن من أبرز المهددات هي عمليات الاحتطاب العشوائي والانتشار الكثيف للقرى على امتداد شريط أشجار الصمغ بما لا يقل عن 800 قرية، إلى جانب آلاف المعسكرات الصغيرة للعمالة أو ما يعرف بـ"الكنابي" داخل المشاريع الزراعية التي تستخدم منازل القش (القطاطي) تستهلك فيه القطية الواحدة نحو 13 شجرة كبيرة يجري تجديدها كل عامين إلى جانب مخاطر الحرائق المتكررة.

تراجع كبير

لفت الخليل إلى أن ولاية القضارف تراجعت من حيث الإنتاج من الدرجة الثانية إلى العاشرة ضمن الـ13 ولاية المنتجة للمحصول، وذلك بسبب تدهور الغابات وزحف الزراعة الآلية واللجوء والنزوح الداخلي.

وحمل مجلس الصمغ قرار مجلس الوزراء الاتحادي رقم لسنة 1992 القاضي بتخطيط الأراضي شرق منطقة الرهد على أساس الحرم الشرقي لمحمية الدندر الطبيعية، وتحديد وزير الزراعة السابق حبيب مختوم دائرة قطرها نحو 15 كيلو كحرم لكل قرية كان بالخصم تماماً على الغطاء النباتي، مما شكل، بحسب المجلس، "أكبر كارثة مرت على حزام الصمغ العربي، إذ حدثت بموجبه هجمة ومذبحة غير مسبوقة على الأراضي والغطاء النباتي، اختفت خلالها أنواع مهمة من الأشجار هناك، مثل الطلح والدربة والجوغان والكليت والدروت، مما أثر في التنوع الحيوي، وفي الوقت نفسه لم يتحقق غرض حماية المحمية".

في ولاية شمال كردفان ذات الإنتاج الكبير، تضافرت عوامل التصحر والفقر وتوسع مشاريع الزراعة الآلية وانتشار القرى، لتشكل مزيداً من المهددات على حزام أشجار الهشاب المنتجة لأجود أنواع الصمغ، نتيجة تفضيل المزارعين قطعه كفحم وزراعة محاصيل محله بعد تدني أسعاره.

شيخوخة الحزام

كما أسهم تعرض أشجار الهشاب للشيخوخة في اضمحلال حزام الصمغ، إذ تجري إزالتها من غير تعويض أو إحلال، بالتزامن مع انتشار عمليات الرعي الجائر والحرائق الكبيرة وتنامي الصراعات في ولاية غرب كردفان، إذ توجد أجود أنواع الأصماغ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما كشف عن مساعٍ إلى تغيير اسم مجلس الصمغ العربي السوداني إلى "المجلس القومي للأصماغ الطبيعية" بالنظر إلى أن السودان ينتج نحو 13 من أصناف الأصماغ الطبيعية، اتهم الخليل الشركات والوكلاء العاملين فيها المجال بالعجز عن تقديم معالجات مستدامة، وتركيزها على الحلول الموقتة بسياسة إطفاء الحرائق، فضلاً عن غياب المسوحات والمتابعة الدورية.

وأضاف، "يخطط مجلس الصمغ لعقد منتدى علمي وسياسي وتنفيذي واسع خلال الأشهر المقبلة بالتضامن مع جامعة الخرطوم يضم علماءً ومتخصصين، بمشاركة سياسيين وصناع قرار، في إطار البحث عن تفكير تنموي لإنقاذ القطاع، كما يعمل على حصر كل الجهود للمنظمات العاملة الوطنية والأجنبية في هذا المجال لإعادة توجيهها نحو تطوير حزام الصمغ".

ودعا رئيس مجلس الصمغ إلى اعتباره سلعة وطنية سيادية، وجعل شجرة الهشاب رمزاً وشعاراً للبلاد يحميها قانون العلم، كونها هي التي أسست نهضة السودان الحديثة، حينما كان الصمغ هو المحصول الأول في بناء ودعم الاقتصاد الوطني، وبنيت بموارده غير الناضبة معظم المشاريع التنموية والخدمية الرائدة في البلاد، على رأسها خزان سنار ومشروع الجزيرة.

تحذيرات وانتقادات

من جهته اعتبر المتخصص في مجال الصمغ العربي، محمد عثمان دقنو، وجود معسكرات النازحين في مناطق حزام الصمغ أحد أبرز المهددات التي تمارس القطع والاحتطاب الجائر لغابات الهشاب والطلح بكميات كبيرة بوصفه مصدراً رئيساً لفحم الطهي، نتيجة عدم توفر الغاز وارتفاع أسعاره. لافتاً إلى أن مأساة الغطاء الغابي المنتج للصمغ تتكرر على وجه آخر في مناطق أخرى منتجة للصمغ في ولايات النيل الأزرق وشمال كردفان.

وحذر دقنو من أن الزيادة المرتقبة في أسعار غاز الطهي تنذر بمزيد من الاعتداء على الغطاء النباتي، وعاملاً مساعداً في زيادة التعدي على غابات الصمغ. منوهاً بأن دولة مثل السودان كان ينبغي أن لا تتجاوز سعر أنبوبة الغاز فيها 1000 جنيه (دولار ونصف أميركي)، مع توصيلها إلى تلك المناطق النائية، حيث حزام الغابات والأشجار، من أجل تعزيز حماية الغطاء الغابي عموماً والصمغ العربي على وجه الخصوص.

 

 

وانتقد دقنو "التصديق على استثمارات أجنبية في مجال الفحم النباتي كونها تدمر من دون رحمة أشجار صمغ الطلح والهشاب المغرية بجودة فحمها وصلابته". مطالباً بوقف أي تصديقات في هذا الخصوص وحظرها تماماً، مقترحاً تنظيم حملات تستهدف إنتاج الفحم من أشجار المسكيت الضارة بالبيئة والمنتشرة بكثافة في ولايات البحر الأحمر والجزيرة، لتحقيق أهداف مزدوجة بالقضاء عليها، وتخفيف العبء عن أشجار الصمغ، مع إمكانية إبرام اتفاقات ثنائية مع دول الجوار لمبادلة فحم المسكيت بغاز الطهي.

وتساءل عن كيفية التفريق بين القطع الجائر والمنظم وفق التصديقات، التي تصدرها هيئة الغابات في هذا الصدد، وعن دور هيئة المواصفات في التمييز بين ما إذا كان الفحم المنتج من أشجار الطلح أو الهشاب المميزة بالفحم الجيد المرغوب والمطلوب بكميات كبيرة، بصورة تهدد الغطاء الأخضر وهجرة الطيور والثروة الحيوانية، وكذلك البشر أنفسهم من تلك المناطق، بسبب الجفاف والتصحر وشح الأمطار، ومن ثم تدمير المنظومة الحيوية بأكملها.

تعظيم الفائدة

على الصعيد نفسه قطع المتخصص في خواص وتصنيع الصمغ العربي، عصام صديق، بأن القطع الجائر لأشجار الهشاب لن يتوقف إلا برفع الطلب على الصمغ المنتج منها بوصفه يعزز الجهاز المناعي وعنصراً هضمياً فعالاً غنياً بالألياف الطبيعية ومطلوباً عالمياً، مما سيرفع أسعاره أضعافاً مضاعفة، بالتالي يحفز أصحاب الحيازات لإعادة استزراع أراضيهم مرة أخرى.

ويستدل صديق على ذلك بإقدام طبيبين سودانيين، أحدهما متخصص في أمراض الجهاز الهضمي والآخر في النساء والتوليد، على استزراع غابات من الهشاب بمناطق غرب تندلتي وشرق الخوى بولاية شمال كردفان، بعد تأكدهما من ميزات خواص صمغه العلاجية والطبية.

ويمتد حزام الصمغ العربي في السودان بـ 13 ولاية من الحدود الشرقية مع إريتريا وإثيوبيا إلى الحدود الغربية مع دولة تشاد وأفريقيا الوسطى، ويسكن فيه أكثر من 14 مليون نسمة، يعمل خمسة ملايين منهم في أنشطة ذات علاقة بالصمغ.

ورغم تراجع إنتاج السودان من الصمغ اليوم من 80 في المئة إلى ما لا يزيد على 50 في المئة من الإنتاج العالمي، لكنه لا يزال يمثل المنتج الأكبر عالمياً، وتتصدر الولايات المتحدة الأميركية، قائمة مستهلكي الصمغ بما يقدر بنسبة 80 في المئة من الإنتاج العالمي.

وقضى قرار حكومي سابق بزراعة نحو 10 في المئة من مساحة كل مشروع زراعي مطري بأشجار منتجة للصمغ العربي من إجمالي المساحات التي تزرع مطرياً بالبلاد المقدرة بنحو 50 مليون فدان، وكذلك للمساهمة في مكافحة الزحف الصحراوي والمحافظة على هذا الغطاء النباتي والمورد المهم بالبلاد.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات