Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أكراد العراق يحيون ذكرى التمرد على صدام بـ"حصة مراجعة"

الشارع منقسم بين الندم والاحتفاء والقوى الحاكمة تدعو إلى حماية المكتسبات والمعارضة تتهمها بالخروج عن المسار

احتلت المناسبة مساحة رئيسة في تغطية وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي (أ ف ب)

ملخص

تتهم أصوات كردية معارضة في #العراق قوى السلطة باستغلال منجزات الانتفاضة ضد نظام #صدام_حسين لتحقيق مكاسب حزبية وشخصية ضيقة

في خضم انقسام متفاقم يعيشه إقليمهم شبه المستقل عن بغداد، أحيا أكراد العراق الذكرى 32 لانتفاضتهم ضد النظام السابق وسط سجال محموم حول المكتسبات الدستورية المتحققة ضمن العراق الاتحادي والإخفاقات الناجمة عن سوء الإدارة والصراع السياسي المزمن على الصعيد الداخلي في حين لم تخف أوساط فاعلة التعبير عن "الندم" والحاجة إلى "خوض انتفاضة جديدة".

ويعود انطلاق الشرارة الأولى للانتفاضة الكردية ضد نظام الرئيس الراحل صدام حسين إلى الخامس من مارس (آذار) عام 1991 في قضاء رانية شمال شرقي السليمانية، لتمتد لاحقاً إلى بقية المدن الكردية بإسناد من القوى الكردية وأبرزها الحزبان التقليديان "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني و"الاتحاد الوطني" بزعامة رئيس الجمهورية الراحل جلال طالباني.

وتمكنت الانتفاضة من السيطرة على كركوك الغنية بالنفط قبل أن تنتكس أمام هجوم مضاد للقوات العراقية تسبب في هجرة نحو مليوني كردي نحو الجارتين إيران وتركيا، ليصدر لاحقاً قرار أممي بفرض منطقة آمنة في نطاق المناطق الكردية شمال البلاد.

من أطلق الشرارة؟

احتلت المناسبة مساحة رئيسة في تغطية وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، فوصفها مناصرو "الحزب الديمقراطي" بـ"المنجز التاريخي"، قائلين إن "الانتفاضة بقيادة الرئيس مسعود بارزاني وبفضل قوة وإرادة الشعب وضعت كردستان على خريطة العالم"، بينما نسب حزب "الاتحاد" ومناصروه الشرارة الأولى للحراك إلى "خلايا الحزب السرية" آنذاك، في حين اتهمت أصوات معارضة الحزبين "باستغلال الانتفاضة لاحتكار المقدرات".

يأتي ذلك في وقت أرجأ الحزبان لمرتين متتاليتين خلال الأسبوع الجاري اجتماعاً ثانياً كان مقرراً أن يعقداه على مستوى مكاتبهما الانتخابية، على أثر ضغط أميركي لإنهاء خلافاتهما تمهيداً لإجراء انتخابات نيابية قبل نهاية العام الحالي بعدما حققا بعض التقدم في مشاوراتهما لاعتماد نظام الدوائر المتعددة وبيانات وزارة التجارة الاتحادية والتنسيق مع مفوضية الانتخابات الاتحادية حول سجل الناخبين مع بقاء الخلاف حول الدعوات إلى وضع صيغة جديدة لآلية انتخاب مقاعد الأقليات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتباينت المواقف الرسمية والشعبية حول ما حققته الانتفاضة من مكتسبات، بحيث اعتبرت قيادات "الديمقراطي" أنها "حققت مكاسب دستورية للشعب الكردي" من دون إغفال "الحاجة إلى استقاء الدروس منها لتوحيد الصف"، في إشارة إلى حال الانقسام القائمة، وفق رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني، في حين شدد مسعود بارزاني على أن "كيان الإقليم هو ثمرة الانتفاضة التي يجب مواجهة أية محاولة لتحريف أهدافها".

لكن زعيم "الاتحاد" بافل طالباني أقر في خطاب حماسي ألقاه أمام الآلاف من أنصار حزبه في مدينة رانية بأن "الشعب تعرض لظلم كبير بحرمانه من أبسط الخدمات"، مبدياً عدم الرضا "عن الوضع القائم" ومستدركاً "على رغم ذلك عليكم بالتفاؤل، حزبكم (الاتحاد) في أفضل أحواله".

ولفت إلى أن حزبه "لا يريد تقسيم الإقليم لأننا قدمنا تضحيات كبيرة، لذا فإن يدنا ممدودة للسلام والحوار من أجل مصالحة الشعب".

وتواجه حكومة الحزبين الائتلافية منذ أعوام صعوبة في تأمين مرتبات موظفي القطاع العام على رغم تصديرها للنفط بمعزل عن بغداد، وذلك جراء أزمة اقتصادية ناجمة عن تعثر تفاهماتها مع الحكومة الاتحادية انعكست سلباً على المستويين الخدمي والمعيشي، وأحدثت لاحقاً شرخاً سياسياً وإدارياً حول "آلية إدارة الحكم وتقاسم الإيرادات" بين منطقتي نفوذ الحزبين، كما تسببت بتأجيل الانتخابات النيابية لعام واحد، وصولاً إلى إعلان فريق حزب "الاتحاد" الوزاري قبل أشهر مقاطعته اجتماعات الحكومة التي يقودها "الديمقراطي".

الخروج عن الأهداف

في الطرف المقابل رأت القوى المعارضة والأصوات الناقمة على إدارة الحزبين أن الانتفاضة "خرجت عن مسارها بعدما استغلتها طبقة أوليغارشية منتفعة لخلق فوارق طبقية"، فاتهم أحد قادة الانتفاضة والمعروف بـ"مام روستم" القوى الحاكمة بـ"الإساءة إلى الانتفاضة عبر استبعاد المضحين وتسلق المنتفعين، لذا فإن الشعب اليوم في حداد وليس احتفال لأنه يرغب في انتفاضة جديدة ضد الظلم والاستبداد".

من جانبه وجه زعيم "جماعة العدل" الإسلامية علي بابير انتقادات لاذعة لسياسة الحزبين، قائلاً "باستثناء الطفيليين المحيطين بالسلطة، لا يشك أحد في أن الشعب يعيش خيبة أمل ومعاناة عميقة وحال من الندم وهو يرى برلماناً وحكومة فاشلين عاجزين عن تحقيق أبسط الحقوق الأساسية"، بينما اكتفى زعيم "الاتحاد الإسلامي" المعارض صلاح الدين بهاء بتحميل "قوى السلطة مسؤولية الخروج عن أهداف الانتفاضة".

كما صدرت مواقف مماثلة عن حراك "الجيل الجديد"، أكبر القوى المعارضة من حيث عدد المقاعد النيابية، وكذلك عن حركة "التغيير" المشاركة في الائتلاف الحكومي، مفادها بأن "الانتفاضة انحرفت عن مسار أهدافها الحقيقية نتيجة للسياسات الخاطئة وغياب استراتيجية وطنية".

انتقادات المعارضة لاقت غضباً شديد اللهجة من قبل قيادات في حزب بارزاني، إذ أكد القيادي علي عوني رداً على موقف زعيم "جماعة العدل" علي بابير أن الأخير "وأمثاله يتوقون إلى زمن الخضوع، فلم يكن لهم أي دور في الانتفاضة ضد الديكتاتورية، على رغم أنهم يتنعمون اليوم بالمكتسبات من دون أن يقدموا أي جهد".

كما شنت وكالة "باسنيوز" المقربة من رئيس الحكومة هجوماً على بابير قائلة إنه "في كل تاريخه كان مع الأعداء وكان يكرم الخونة في الخفاء ويأتي اليوم ليظهر حرصه على الإقليم كبقية الأحزاب التي تشغل المواطنين بقضايا ثانوية بغية التستر على إرهابها ونهبها للمقدرات".

وأردف أن "شعب كردستان انتفض على ظلم حزب البعث، واليوم يدعم مؤسسات الإقليم ومكتسباته التي لم تأت عبر انقلاب، بل عن طريق الاقتراع".

وتجمع العشرات من أهالي ضحايا النظام السابق في إحدى المقابر بمنطقة كرميان التابعة للسليمانية، متهمين الجبهة الكردية التي تشكلت إبان الانتفاضة "بارتكاب أول خيانة لدماء الضحايا عندما قررت الإعفاء عن المتورطين في ارتكاب الجرائم بحق الشعب"، كما اتهموا "قوى السلطة بإهمال حقوق أهالي الضحايا"، بينما أقدم نجل أحد الضحايا على نزع اسم والده من على ضريح في قضاء رانية احتجاجاً على "استغلال السلطة الإعلامي لمآسي الضحايا من دون تلبية أحلامهم".

مراجعة وإعادة تقييم

حال الشد والجذب حول تقييم منجزات الانتفاضة لدى الشارع الكردي أصبحت ظاهرة تتكرر خلال الأعوام الأخيرة، وفي هذا الإطار يرى الباحث ياسين طه أن "النقاش حول السؤال الدائر في ما إذا كانت الانتفاضة سلبية أو إيجابية لا طائل منه لأن مسار التاريخ هو الذي سيحدد كيف وإلى إين سيتجه ولن يتوقف على أحد".

ونوه إلى أهمية أن تصبح أحداث ما بعد الانتفاضة موضوعاً للمراجعة والنقد والتقييم والبحث، "عدا ذلك فإنه لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء".

من جانبها تقول الناشطة نياز عبدالله إن "الانتفاضة اندلعت ضد الديكتاتورية بقرار من الشعب، فالإقليم كما لم يكن ملكاً لحزب البعث فلن يكون أيضاً ملكاً للقوى الحاكمة الحالية، وعليه فإن نظام صدام لم يكن ذلك الحكم الذي يجعل الشارع يندم على الانتفاضة ضده، وكذلك فإن سلطة الحزبين ستنتهي يوماً ويبقى الشعب، وأي ندم أو مقارنة الوضع الآني بزمن حكم البعث الذي ارتكب الجرائم والقتل الجماعي يمثل عاراً وتواطؤاً"، مردفة "من هذا المنطلق يجب مواصلة النضال وتقديم التضحيات ضد الظلم ومقاضاة الظالمين من أجل تحقيق نظام ديمقراطي سليم".

أما المحلل سرتيب جوهر، فيقدم رؤية حول المتغيرات التي طرأت طيلة تاريخ الحركات الكردية، قائلاً إن "الحركات المسلحة انطلقت في بداياتها تحت شعار وهدف التحرر، لكنها كانت تتحول إلى كانتونات مسلحة ومصدر للإحباط يجعل الناس تتوق إلى الماضي".

ولفت إلى أن "الكرد لم يشعلوا ثورة تتمكن من تحقيق تغييرات اجتماعية جذرية، وها نحن نعيش اليوم حقيقة مرة هي أن الجماهير متشائمة تجاه المستقبل بسبب غياب العدالة واحتكار المقدرات من قبل أقلية أصبحت غنية بمستوى قياسي".

المزيد من تقارير