Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روسيا تبحث عن مخرج لعزلتها الدولية عن طريق "العشرين"

كشفت مع الصين عن خطة أميركية لتحويل آسيا الوسطى إلى أوكرانيا جديدة في المنطقة

بوتين كان أكد أن مجموعة "الثماني الكبار" ليست إلا نادياً غير رسمي وساحة لبحث أهم القضايا الدولية والاقتصادية بين الدول الغربية وروسيا (أ ب)

ملخص

تريد #موسكو من #مجموعة_العشرين وغيرها من #المنظمات_الإقليمية_والدولية أن تكون جسر خلاصها من العزلة

منذ الخروج الاضطراري لروسيا من مجموعة "الثماني الكبار" بعد تعليق عضويتها، والتراجع عن القمة التي كان من المقرر عقدها في سوتشي على ضفاف البحر الأسود، في أعقاب قرارها "ضم" شبه جزيرة القرم في عام 2014، والرئيس فلاديمير بوتين لا يكف عن اعتبار هذه المجموعة الدولية، وغيرها من المنظمات والتحالفات التي تخضع لسيطرة وضغوط الإدارة الأميركية، على غير وفاق مع توجهات ومصالح بلاده. وكان بوتين أكد، آنذاك، أن مجموعة "الثماني الكبار" ليست إلا نادياً غير رسمي، وساحة لبحث أهم القضايا الدولية والاقتصادية بين الدول الغربية وروسيا. وعلى رغم أن موسكو أكدت أنه لا توجد أية عملية محددة لاستبعاد أي عضو من أعضاء المجموعة، بسبب عدم وجود صفة رسمية لها، قالت مصادر رسمية إن روسيا يناسبها أكثر التعاون مع "مجموعة العشرين" على اعتبار أنها تمثل "الكتلة الحقيقية" لاقتصادات العالم.

في مواجهة الاستقطاب الأميركي

وها هي ذي تعود ثانية إلى ذلك الموقف بعد سلسلة من التصادمات والخلافات مع الإدارة الأميركية التي نجحت في استقطاب بلدان الاتحاد الأوروبي وغيرها من البلدان التي تشاطرها توجهاتها ويبلغ عددها زهاء 50 دولة. وتشير شواهد كثيرة إلى أن موسكو وجدت في "مجموعة العشرين" ما قالت إنه سوف يكون بديلاً لكثير من التجمعات والتحالفات التي تخضع عملياً لهيمنة الولايات المتحدة، وكشفت اجتماعات وزراء خارجية بلدان "مجموعة العشرين" في نيودلهي عن نجاح موسكو في تجاوز كثير من محاولات واشنطن وحلفائها في إحكام ربقة العزلة حول روسيا، وهو ما تمثل بعضه في ما اتخذته كل من روسيا والصين من جهود أسفرت عملياً عن إحباط صدور أية بيانات مشتركة عن هذا الاجتماع، تدين ما تصفه البلدان الغربية بـ"غزو" روسيا أوكرانيا. وتقول المصادر الروسية إن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف انتزع تصفيق غالبية الحاضرين ترحيباً بما قاله حول رفض بلاده وبلدان أخرى كثيرة سياسات "المعايير المزدوجة"، و"الكيل بمكيالين"، وإشاراته إلى عديد من الممارسات والسياسات الأميركية في العراق وليبيا وسوريا وأفغانستان ويوغوسلافيا. وقد توقف مراقبون قريبون من مصادر صناعة القرار في موسكو عند الدور الذي لعبته الهند التي ترأس الدورة الحالية لبلدان "مجموعة العشرين"، في احتواء كثير من الضغوط التي كانت تستهدف روسيا، لدى تناول كثير من القضايا المطروحة للنقاش. وعزا مراقبون دوليون ذلك إلى العلاقات التي تربط الهند بروسيا، ومنها ما يجمعهما من منظمات وتحالفات مشتركة، على غرار مجموعة "بريكس"، التي تضم، إلى جانب الصين وروسيا والهند، كلاً من البرازيل وجنوب أفريقيا، فضلاً عن منظمة شنغهاي للتعاون التي تضم أيضاً كلاً من الصين وروسيا والهند وبلدان آسيا الوسطى وإيران وباكستان.

وفي هذا الصدد، نقلت وكالة أنباء "تاس" عن الممثل الخاص لرئيس روسيا الاتحادية لشؤون منظمة "شنغهاي" للتعاون، بختيار حكيموف، تصريحاته عقب زيارته بكين حول تزايد عدد الطلبات المقدمة من بلدان كثيرة أخرى للعضوية في المنظمة، ومنها البحرين والإمارات العربية المتحدة وميانمار، ما اعتبره مراقبون في موسكو إشارة جديدة صوب تحول روسيا إلى الاعتماد على ما تشارك فيه من تنظيمات وتحالفات إقليمية.

فرصة مناسبة

من هنا يعلو الحديث في موسكو، وعلى نحو يزيد من أي وقت مضى، حول ضرورة حشد الجهود الرامية إلى دعم اتصالات روسيا مع بلدان هذه المجموعة التي لطالما وجدت مع كثير من أعضائها ساحة أوسع نطاقاً للتفاهم والتعاون حول مختلف قضايا العالم السياسية والاقتصادية. وهناك من يشير أيضاً إلى أن الظروف الراهنة التي ترتبط في كثير من جوانبها برئاسة الهند للدورة الحالية لـ"مجموعة العشرين" يمكن أن تكون فرصة مناسبة لروسيا لتطوير هذه التوجهات خلال الدورتين المقبلتين اللتين سوف ترأسهما كل من البرازيل وجنوب أفريقيا، وهما شريكا روسيا في مجموعة "بريكس".

وثمة ما يشير إلى أن الجدل الذي يحتدم حول هذه القضايا يتسم بأهمية أكبر، لكونه يتفق في توقيته مع ما يتعالى من تعليقات حول ما أسفرت عنه من نتائج زيارات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عدداً من بلدان آسيا الوسطى، التقى خلالها مع كل من رئيسي كازاخستان قاسم توكاييف، وأوزبكستان شوكت ميرضيايف، إلى جانب نظرائه في كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان. وقد توقف المراقبون عند ما حملته تصريحات بلينكن خلال هذه الزيارات واللقاءات بين طياتها من "تحذيرات" غير مباشرة، من مغبة تعميق علاقات هذه الدول مع كل من روسيا والصين، وإن جاءت مقرونة بكثير من "الهدايا" والوعود بالعون والمساعدة من أجل حل كثير من المشكلات الاقتصادية لهذه البلدان، وذلك ما كشف عنه صراحة، دونالد لو مساعد بلينكن، الذي استبق هذه اللقاءات والزيارات بتصريحات قال فيها إن الغرض منها هو "إظهار أن الولايات المتحدة شريك موثوق به، وأننا نرى الصعوبات التي تواجهها اقتصادات بلدان آسيا الوسطى. ومنها ارتفاع أسعار الغذاء والوقود وارتفاع البطالة والصعوبات في تصدير سلعها، والتعافي البطيء من الوباء، والتدفق الكبير للمهاجرين من روسيا. نرى هذه الصعوبات ونعمل على دعم الناس في المنطقة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولم تكن موسكو بغافلة عن حقيقة أهداف جولة بلينكن، وهو ما أوضحته وكالة أنباء "تاس" في تعليق لها جاء فيه أن "أهداف زيارة بلينكن إلى آستانا وطشقند، واضحة ومفهومة لأي شخص عاقل". وأشارت الوكالة الروسية الرسمية إلى أن الهدف من هذه الجولة "هو إضعاف نفوذ روسيا والصين منافسي واشنطن الاستراتيجيين" في هذه البلدان، وذلك ما اتفقت حوله المصادر الروسية والصينية، ولا سيما تجاه ما يتعلق بكازاخستان التي تربطها بكل من هاتين القوتين روسيا والصين آلاف الكيلومترات من الحدود المشتركة التي تجعل منها ومن جيرانها من بلدان آسيا الوسطى هدفاً استراتيجياً يعيد إلى الأذهان، ما يبدو شديد الشبه بما يجري اليوم من تطورات ومواجهة عسكرية بين روسيا وأوكرانيا. ومن المعروف أن هذه المنطقة بموقعها الاستراتيجي في قلب القارة الآسيوية تبدو معه بمثابة الفناء الخلفي لكل من روسيا والصين، مثلما كانت أوكرانيا، ولا تزال، بالنسبة إلى روسيا، وبما يمكن معه أن تكون هدفاً للولايات المتحدة وهو ما تناولناه في تقرير سابق من موسكو، أشرنا فيه إلى أهداف جولة الأمين العام لحلف "الناتو" ينس ستولتنبرغ في كل من اليابان وكوريا الجنوبية، تمهيداً لخطة توسع "الناتو" في القارة الآسيوية حتى شواطئ المحيط الهادئ. وثمة من يقول صراحة إن الأهداف الآنية للولايات المتحدة تتمثل في خلق بؤر توتر ومصادر عدم استقرار، بما يمكن معه توفير الظروف المناسبة لتدخل الولايات المتحدة وتعزيز جهودها الرامية إلى بسط هيمنتها وتوسعة نطاق نفوذها، مثلما فعلت في مناطق شرق أوروبا وفي أجزاء أخرى من الفضاء السوفياتي السابق.

شراكات المنفعة المتبادلة

غير أن هناك من يقول إن "التربة" لا تزال غير صالحة لتكرار "التجربة الأوكرانية" في آسيا الوسطى، وذلك نظراً إلى كثير من الأسباب التي يعود معظمها إلى ارتباط اقتصادات هذه البلدان بكل من روسيا والصين من جانب، وابتعاد المنطقة جغرافياً عن مراكز النفوذ في القارة الأوروبية، وتأثيراتها السلبية، من جانب آخر، وذلك فضلاً عن أن البلدان الغربية لم تستطع بعد توفير الكوادر المحلية اللازمة للتأثير عملياً في شؤون الداخل الآسيوي، مثلما استطاعته مع بلدان شرق أوروبا وفي المناطق الغربية من الفضاء السوفياتي السابق. ومن هنا يقولون إن بلينكن ومن سبقه من المبعوثين الغربيين لا يزالون بعيدين عن تحقيق أي من الأهداف الرامية إلى بناء بنية تحتية اقتصادية وعسكرية، وإن استطاعوا عملياً النيل من "قدسية العلاقات التاريخية" التي لطالما ربطت روسيا مع هذه البلدان، وذلك ما يمكن استخلاصه من تصريحات الخبير السياسي الروسي غيفورغ ميزايان الذي قال إن "بلدان المنطقة ليست حلفاء متحمسين لروسيا، ولكنها تبني شراكات معها على أساس المنفعة المتبادلة. ولا يوجد سبب للخوف من أن تقوم هذه البلدان ببعض الحركة الحادة نحو تغيير جذري في سياستها تجاه روسيا. إنها الآن ممتدة منطقياً بين مراكز النفوذ. الصين هي المركز الاقتصادي للنفوذ، وروسيا هي المركز العسكري والسياسي. والولايات المتحدة ليس لها مكان في هذا التكوين".

على أن ذلك ليس بعد القول الفصل، فما حققته الدوائر الغربية والولايات المتحدة منها في المقدمة، كثير، وهو ما تبدى بعضه في ما شهدته كازاخستان من أحداث، مطلع يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، فضلاً عما سبق وشهدته قيرغيزستان في 2005 في أعقاب ما عصف بكل من جورجيا وأوكرانيا ومناطق أخرى من الفضاء السوفياتي السابق من "ثورات ملونة".

كما أن ما أفصحت موسكو عنه في شأن ضرورة التحول إلى المنظمات الإقليمية والدولية التي تشغل فيها موقع الصدارة مع الصين يجعلها أكثر قلقاً تجاه كون هذه البلدان تظل من البلدان المؤسسة لكثير منها، ولا سيما منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تلعب فيها روسيا الدور الرئيس، على غرار ما حدث في كازاخستان، وذلك إلى جانب المنظمات الأخرى التي تظل أساساً للتكامل الاقتصادي الذي لطالما أعلنته موسكو أساساً لعلاقاتها الأوروآسيوية.

ومن هنا يمكن القول إن "المواجهة الجيوسياسية" التي تظهر نذرها في هذه المنطقة لن تكون أقل حدة مما كانت عليه الأوضاع في الجزء الأوروبي من الفضاء السوفياتي السابق، قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية، وما تحولت إليه من "حرب ساخنة" تشارك فيها ما يقرب من 50 دولة بمشاركة مباشرة من جانب الولايات المتحدة، وذلك ما لا بد من أن تكون كل من موسكو وبكين له بالمرصاد، استناداً إلى ما تراكم لكل منهما من خبرات، وما يدركانه من كونهما يظلان في صدارة الأهداف التي لا تتورع الولايات المتحدة عن إعلانها صراحة، بين الفينة والأخرى.

المزيد من تحلیل