Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من يدرأ التصحر؟ بلاد الرافدين تفتش عن مياهها

خطر الجفاف يطاول مواقع التراث العالمي والحكومة تحذر: "الفرات سيفنى إذا استمرت تركيا بمنع الحصص المقررة"

ملخص

تعتبر #الأهوار المدرجة على قائمة #التراث_العالمي الأكثر تضرراً بعد قطاع الزراعة جراء شح المياه في العراق

يواجه العراق خطر شح المياه الذي تسبب في اتساع التصحر وتقليص المساحات الزراعية وعلى رغم أن الحكومات المتعاقبة بعد 2003 لجأت إلى الطرق الدبلوماسية عبر الحوار مع دول المنبع لإطلاق كميات تتسع لحاجة البلاد، فإن تلك المحادثات تؤكد فشل بغداد مع تلك الدول في التوصل إلى حل نهائي يرضي الأطراف.

وباتت أزمة شح المياه من التحديات التي تواجه الحكومات العراقية، إذ تهدد الأزمة مواقع مدرجة في لائحة التراث العالمي، لا سيما الأهوار وانخفضت مناسيب نهري دجلة والفرات وكذلك روافده التي باتت عبارة عن أنهر جافة تلاصقها مساحات صحراوية بعدما كانت خضراء.

وقال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال مؤتمر صحافي عقده في مقر الحكومة مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأربعاء الماضي إن "العراق يواجه تحديات المناخ وارتفاع نسبة التصحر، وهناك مواقع مدرجة في لائحة التراث العالمي مهددة بسبب شح المياه"، مضيفاً "ننتظر من الأمم المتحدة دعم الجهود لمواجهة تلك التحديات".

معالجات قانونية وتنفيذية

وترأس السوداني الخميس الماضي الجلسة الأولى للجنة الوطنية العليا للمياه بحضور وزراء الموارد المائية والإعمار والإسكان والبلديات والزراعة والبيئة وأمين عام مجلس الوزراء والمديرين العامين في الوزارات القطاعية وممثلين عن هيئة المستشارين.

وشهدت الجلسة مناقشة الشح المائي في العراق وآثاره على الواقع الإنساني والزراعي وآليات دعم وزارة الموارد المائية في خططها المعدة لمعالجة الأزمة، فضلاً عن مناقشة الجهود الدبلوماسية في هذا الإطار.

وأكد السوداني أن شح المياه أزمة عالمية لا تقتصر على العراق فقط، كما يجب ألا تقتصر معالجتها على وزارة الموارد المائية وهي تتطلب قرارات تنفذ بشكل سريع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبين السوداني، بحسب بيان للمكتب الإعلامي، أن هناك معالجات قانونية وتنفيذية تعتمد على الحوار مع دول المنبع وعلى المصالح المشتركة والتعاون مع المنظمات الدولية في هذا المجال.

ووجه رئيس مجلس الوزراء بضرورة العمل على إدارة المياه بشكل مهني ومدروس وأخذ التدابير الاحترازية لمواجهة التغيرات المناخية والعمل على جملة من المعالجات الكفيلة تخفيف أزمة شح المياه وتأثيراتها في الواقع الزراعي، وبينها اللجوء إلى تقنية معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها في الري وإزالة التجاوزات على مياه الأنهر.

وتخللت الجلسة أيضاً مناقشة الخطة الزراعية والعقبات التي تعتريها واتخذ قرار بمنح قروض ميسرة إلى الفلاحين الذين يستخدمون الآليات الحديثة في الري من خلال اعتمادهم على الري بالرش والري بالتنقيط.

الفرات ودجلة

إلى ذلك حذر وزير الموارد المائية عون ذياب من جفاف نهر الفرات إذا استمرت تركيا في سياستها المائية، مبيناً "لم نصل إلى اتفاق في شأن نهر دجلة".

وقال ذياب في مقابلة صحافية إن "مخزون المياه في العراق قليل وإن  هناك اتفاقاً بينه وتركيا وسوريا يخص نهر الفرات لتوزيع المياه بين الدول الثلاث"، موضحاً أنه "تم الاتفاق على إطلاق 500 متر مكعب في الثانية من تركيا إلى العراق وسوريا ولكن أنقرة امتنعت عن تجهيز هذه الكمية، فما تجهزه حقيقة هو نصف الكمية المتفق عليها".

وأضاف أن "نهر الفرات سيجف إذا استمرت تركيا بهذه السياسة، وفي خصوص نهر دجلة لم نتوصل إلى اتفاق محدد بالأرقام مع أنقرة في شأن حصة بغداد من مياه النهر، وتم التوصل إلى توقيع اتفاق مع الرئيس رجب طيب أردوغان على أن تزود بلاده العراق بكمية معقولة من المياه، لكن للأسف لم يتم الاتفاق على هذه الكمية".

وبيّن ذياب أنه "كان من المفروض عقد لقاء لوضع حد لهذا الموضوع، وطالبنا رئاسة الجمهورية والوزراء والبرلمان بالاتفاق مع تركيا في شأن كميات المياه الواردة للبلد".

ولفت إلى أن "مبدأ تقاسم الضرر بين دول المصب والمنبع قد تم الاتفاق عليه مع تركيا، لكن الأخيرة لم تطبق هذا المبدأ معنا، مما أدى إلى وقوع الضرر الأكبر على العراق".

وأكد أن "أنقرة لم تفتح أي من سدودها بعد كارثة الزلزال لأنها تعتمد على توليد الطاقة الكهربائية من السدود وهي آمنة من الزلازل".

وأوضح أن "هناك خططاً قريبة وبعيدة لحل مشكلة المياه، ونحن بصدد مواجهة مشكلة الصيف المقبل الذي سيشهد أزمة كبيرة في المياه ونأمل من الجارة تركيا في أن تسمح بكميات من المياه لتأمين المخزون المائي في البلد".

الأزمة في إدارة

إلى ذلك وصف الباحث السياسي علي البيدر أزمة المياه في العراق بأنها أزمة إدارة وليست أزمة واقعية بدليل أن بعض المناطق تغرق في الشتاء وتفيض في الصيف .

وتابع "هناك تغيير مناخي حاد أدى إلى تراجع كميات المياه الواصلة إلى البلاد، لكن ذلك لم يمنع تعمد دول كتركيا وإيران قطع المياه عن الأراضي العراقية، مستغلتين حال الفوضى والضعف اللتين عاشتهما البلاد بعد عام 2003".

وزاد "على العراق استخدام الرد الاقتصادي بخفض صادرات الدولتين إلى السوق العراقية من أجل زيادة كميات المياه، ومن دون ذلك لا يمكن لتلك الدول الرضوخ لمطالب العراق أو حتى الذهاب إلى تدويل القضية".

وأضاف البيدر لـ"اندبندنت عربية"، "على العراق بناء سدود وخزانات لاستغلال مياه الأمطار فيه فضلاً عن الروافد والأنهار وعدم تبديدها، كما أن هناك هدراً في المياه عبر الري بالغمر والتبذير من قبل المواطن وحتى مؤسسات الدولة".

الأهوار التي تضيع

أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي يؤكد أن العراق يضم عدداً من المواقع الطبيعية والأثرية المهمة ضمن قائمة التراث العالمي وموقع أهوار جنوب العراق واحد من هذه المواقع المهمة لأنه من أهم الأنظمة البيئية المائية في العالم بما يحمله من قيمة عالمية استثنائية. ومن أجل ذلك نفذت مبادرة مشتركة بين وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) ومنظمة "يونيسكو" تهدف إلى الاستفادة من عملية ترشيح الأهوار كموقع تراث عالمي مختلط (طبيعي- ثقافي).

ويكمل السعدي "للأسف الواقع صعب الآن، إذ إن سكان الأهوار في جنوب العراق الذين كانوا في عهد النظام السابق من المتضررين الرئيسين جراء تجفيف الأهوار وتهجيرهم من مناطقهم، يعانون اليوم أيضاً خطر تجفيف أهوارهم مرة ثانية بسبب شح المياه، وتعتبر الأهوار الأكثر تضرراً بعد قطاع الزراعة جراء شح المياه في العراق الذي بدأ يسجل ارتفاعاً ملحوظاً بسبب قلة الأمطار في موسم الشتاء الحالي".

وزاد أن الأهوار خسرت ما يزيد على 70 في المئة من مياهها العادية، بالتالي باتت عرضة للتصحر خلال الفترة المقبلة، منوهاً بأن السبب الرئيس لذلك هو اعتماد العراق على المياه التي تتدفق إلى البلاد من نهري دجلة والفرات، فضلاً عن عدد من الروافد الآتية من تركيا وإيران، ونتيجة لهذا الاعتماد، فإن تقييد تدفقات هذه الأنهار الناتجة من تطوير الزراعة عند المنبع والنمو السكاني والتنمية الصناعية وبناء السدود وتحويل مجاري المياه الأخرى يضع العراق في موقف ضعيف.

وتزداد حاجة العراق إلى المياه، بحسب السعدي، في ظل نقطة الضعف المتمثلة في الافتقار إلى وجود اتفاقات دولية بين دول المنبع والمصب لتقسيم حصص المياه للأنهار الرئيسة، أو نوعية المياه التي تصل إلى الحدود العراقية. وجراء أزمة المياه في البلاد، خسرت المحافظات الجنوبية معظم مساحاتها المائية لأنها ضمن محافظات المصب لا المنبع.

على الجانب الاقتصادي، يؤكد السعدي أن "تداعيات أزمة نقص المياه التي تضرب العراق لها انعكاسات خطرة على الزراعة والأنشطة الاقتصادية والاستيطان والأحوال الاجتماعية والبيئة وغيرها، كما تؤدي إلى تراجع حاد في الاكتفاء الذاتي وقلة الإنتاجية وازدياد نسبة الفقر بين سكان المناطق الريفية، ناهيك عن الصناعات التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، وتراجع السياحة الداخلية المرتبطة بالمجاري المائية وتدهور الطاقة الكهربائية وموجات النزوح والمشكلات الاجتماعية التي تحصل بين المزارعين والصيادين بسبب نقص المياه، لذا فإن التداعيات خطرة جداً على العراق وتحتاج إلى وقفة جادة من قبل المجتمع الدولي لإنقاذ البلد من كارثة باتت قريبة للغاية".

أحد تحديات القرن

إلى ذلك تعتبر الأستاذة الأكاديمية نهلة عبدالله نجاح أن "مشكلة شح المياه من التحديات التي تواجهنا في القرن الـ21، وهي مشكلة عالمية لها آثارها وانعكاساتها السلبية على التنمية المستدامة، وتعد المياه مصدراً حيوياً واستراتيجياً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما أثار المخاوف في شأن أمن المياه بالعراق".

وتشير إلى أن "مشكلة شح المياه تتصاعد مع تزايد أعداد السكان في العالم وترتبط بمشكلات أخرى، بخاصة التغير المناخي والاحتباس الحراري ومشكلات بيئية أخرى".

وتضيف نجاح أنه "على رغم التحذيرات التي أطلقتها المنظمات الدولية قبل أعوام، ومنها ’يونيسكو‘ التي أشارت إلى جفاف نهر دجلة عام 2030، فإننا لم نشهد اهتماماً من قبل الجهات المعنية بمشكلة ندرة المياه".

ولفتت إلى أن الدول النامية تفتقد الاهتمام بهذه القضايا، وهي مشكلة عامة لدى الحكومات المتعاقبة في العراق وتشهد تراجعاً كتراجع وضع الزراعة والتعليم وغيرهما، فضلاً عن قلة اهتمام وسائل الإعلام بهذا النوع من القضايا وانشغالها بالأزمات السياسية التي تزداد يوماً بعد آخر.

وتدلل نجاح على ذلك بقرار دمج وزارة البيئة مع وزارة الصحة، وهو قرار خاطئ من وجهة نظرها، يبين مدى وعي الحكومة التي تتعامل مع البيئة كقضية ثانوية وليست أساسية، في وقت نجد حرص الدول المتقدمة على وضع استراتيجيات وخطط للاهتمام بقضايا التنمية المستدامة.

موقف القانون الدولي

يوضح المتخصص القانوني علي التميمي أن هناك اتفاق 1982، أو ما يسمى "قانون البحار" الذي صادق عليه العراق عام 1985، وتوجد محكمة مختصة بذلك وفق هذه الاتفاق، مقرها هامبورغ، وتتكون الدول المنظمة لهذا الاتفاق من 196 دولة منها العراق وتركيا، إذ أعطت المادة 297 من هذا الاتفاق الحق للدول المتضررة باللجوء إلى هذه المحكمة في حال استعصاء الحلول الثنائية.

ويتابع "يمكن للعراق أن يطلب مساعدة الولايات المتحدة وفق المادة 27 من الاتفاق الاستراتيجي لعام 2008، فالإضرار بالاقتصاد يعني جريمة ضد الإنسانية تجيز للبلاد اللجوء إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن وطلب إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية".

كما يحق للعراق، بحسب التميمي، اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، إذ سبق له أن أقام هذه الدعوى على تركيا أمام هذه المحكمة، لكنه خسرها بعدما ردتها المحكمة على أساس أن البلاد لا تستفيد من فائض المياه التي تذهب سدى إلى شط العرب، مضيفاً "كان ذلك عام 1987، لكن الحال الآن تغيرت وبنت تركيا السدود ومنعت المياه بشكل كامل، وهذا مخالف للقوانين الدولية والاتفاقات".

وأوضح أن "بإمكان العراق أن يلجأ إلى التحكيم الدولي، فهناك دول لجأت إليه في فض النزاعات كما في نزاع الصين والفيليبين، وروسيا وجورجيا، وقطر والبحرين، كما توجد اتفاقات دولية تنظم موضوع المياه، منها اتفاق لوزان 1923 واتفاقات وبروتكولات ثنائية بين العراق وتركيا أعوام 1977 و1997 و2007، وأيضاً قانون المجاري الدولية 1977 وقواعد الأمم المتحدة 1964".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير