Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تجاوزات إيران في هرمز... هل تنقلب ضدها وتستدعي الحماية الدولية للمضيق؟

"استراتيجية طهران مقامرة تأتي بنتائج عكسية... وعلى مسؤوليها التعلم من هزيمة البحرية عام 1988 "

ناقلة النفط البريطانية ستينا إمبيرو التي احتجزها الحرس الثوري الإيراني (أ.ف.ب)

جاء احتجاز ناقلة النفط التي ترفع علم بريطانيا (ستينا إمبيرو) في مضيق هرمز من قِبل فيلق الحرس الثوري الإيراني كأحدث مثال على تصاعد التوترات بين إيران والقوى الدولية، في الممر المائي الاستراتيجي والحيوي لصناعة النفط في العالم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يأتي التحرك الإيراني الأخير بمثابة عمل استفزازي لدولة تمثل أحد أطراف الاتفاق النووي الدولي الذي عقد عام 2015، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس الحالي دونالد ترمب في مايو (أيار) 2018، مما تسبب في إثارة التوترات الحالية بين واشنطن وطهران.

ربما يعتقد الكثيرون أن التحرك الإيراني هو رد فعل انتقامي عن واقعة احتجاز القوات البحرية الملكية البريطانية في الرابع من يوليو (تموز) الحالي، لناقلة النفط الإيرانية (غريس 1) للاشتباه في نقلها شحنة نفط لسوريا مما يمثل انتهاكا للعقوبات الأوروبية المفروضة ضد النظام السوري، وهو التحرك الذي وصفه وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي بأنه "قرصنة".

وفى العاشر من الشهر الحالي، حاولت خمسة زوارق تابعة للحرس الثوري قطع الطريق على ناقلة النفط البريطانية  "بريتيش هيرتيدج" بالقرب من مضيق هرمز، وهو ما دفع المملكة المتحدة لتعزيز انتشارها العسكري في الخليج عبر تقديم موعد تناوب مقرر بين سفينتين حربيتين في المنطقة لضمان الحفاظ على "حرية الملاحة".

 

 

هدف إيران من التصعيد

غير أن المراقبين يرون أهدافاً إيرانية أخرى لمثل هذا التصعيد الخطير، إذ يحاول المسؤولون الإيرانيون أن يُظهروا للولايات المتحدة وحلفائها أن طهران قادرة على الضغط واكتساب النفوذ ضد سياسة "الضغط الأقصى" التي تتبعها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والتي شددت العقوبات الاقتصادية المفروضة ضد إيران منذ مايو (أيار) الماضي،  مما جعل من الصعب على الإيرانيين تصدير النفط في ضربة شلت اقتصاد البلاد.

يقول فرزين نديمي، الزميل لدى معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى والمختص في شؤون الأمن والدفاع لإيران ومنطقة الخليج، "إن الحرس الثوري الإيراني يعتبر أنه يتمتع بأفضلية جغرافية متميزة لتنفيذ هذه الاستراتيجية. فإيران، من وجهة نظره، تهيمن على الأجزاء الشمالية والشرقية من الخليج العربي ومضيق هرمز بأكمله الذي يعدّ من أكثر ممرات الشحن ازدحاماً في العالم حيث تعبره نحو 15 ناقلة نفط يومياً (من بينها ثلاث إلى أربع ناقلات عملاقة)".

ويدّعى النظام الإيراني، بحسب نديمي "أنه يمارس سيطرته على حركة الملاحة البحرية عبر المياه الإيرانية بما يشمل مضيق هرمز، على الرغم من أن الأخير مصنّف كمضيق دولي بموجب (اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار) لعام 1982. ومع أن إيران من الدول الموقعة بصورة مشروطة على (الاتفاقية)، إلا أنها لم تصادق عليها مطلقاً، وأن قانونها البحري لا يعترف بالمضائق الدولية. وبموجب المادة 24 من (اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار)، يجوز لدولة ساحلية أن تعلّق مؤقتاً حركة المرور في مناطق محددة من مياهها الإقليمية لأسباب أمنية، ولكن ليس بصورة تمييزية ضد دول محددة. والأهم من ذلك، أن هذه الأحكام لا تنطبق على المضائق الدولية".

وفي تغريدة، السبت، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، على تويتر، "خلافا للقرصنة البحرية في مضيق جبل طارق، فإن إجراءاتنا في الخليج، هي حماية للقوانين الدولية البحرية، ومثلما أعلنتُ في نيويورك، فإن إيران هي التي تضمن أمن الخليج ومضيق هرمز، وعلى بريطانيا أن توقف تواطؤها مع الإرهاب الاقتصادي الأميركي".

وبعد فشل الحرس الثوري في اعتراض سفينة "بريتيش هيريتدج" وإصدار الحكومة في لندن قراراً باعتقال القبطان الهندي لـ "غريس 1" وكبير ضباطها، كان من المتوقع أن تتخذ إيران إجراءات إضافية حتى في خضم مساعي التواصل الدبلوماسية كزيارة جواد ظريف إلى نيويورك هذا الأسبوع. ومن ثمّ فإن أول خياراتها في هذا الصدد كان تنفيذ محاولة أقوى للاستيلاء على سفينة مرتبطة ببريطانيا.

 

 

رسالة لواشنطن

لكن بطبيعة الحال فإن الأمر لا يرتبط ببريطانيا وحدها، إذ يهدف النظام الإيراني أن يبعث برسالة مزدوجة، فبحسب تعليقات صحافية لأريان طبطاباي، الخبير السياسي لدى مؤسسة راند لأبحاث الأمن في واشنطن، "فإن الافتراض في واشنطن هو أننا اكتسبنا نفوذاً بالانسحاب من الاتفاق، ومن ثمّ يمكننا أن نحصل على تنازلات من إيران. في حين يعتقد الإيرانيون نفس الشيء، أن لديهم نفوذاً الآن، وسيتمكنون من الحصول على تنازلات منا".

ومن خلال تصعيد خطر الصراع في مضيق هرمز، يضيف عالم السياسة الأميركي، "المسؤولون الإيرانيون سوف يكونوا قادرين على استخدام ذلك كأداة للضغط والمساومة إذا أرادوا استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة". ويشير إلى "أن الاستراتيجية الإيرانية مصممة لدفع الأوروبيين والمجتمع الدولي إلى التصعيد وإجبار الولايات المتحدة على تغيير سياستها".

تداعيات استراتيجية إيران

ومثلما تزيد واشنطن تصعيدها ضد طهران من خلال الضغط بمزيد من العقوبات الاقتصادية الخانقة ضد كيانات وشخصيات إيرانية، فإن إيران ترد بالتضييق على حركة الملاحة، لكن ليس هناك مؤشرات على نجاح هذه الاستراتيجية أو عواقبها في حال واصلت إيران استهداف الناقلات. 

يقول طبطاباى "يريد المسؤولون الإيرانيون التأكد من أن المجتمع الدولي يدرك أيضاً أن لديهم مصلحة. لكن الوضع لا يزال هشاً، ومن غير الواضح ما إذا كانت مقامرة إيران ستؤتي ثمارها أو تزيد من خطر نشوب صراع عسكري". ويضيف "إن استراتيجية إيران تتعرض لخطر التبعات فربما تواجه خطر دفع المجتمع الدولي نحو جانب الولايات المتحدة".

ويرى خبير معهد واشنطن فرزين نديمي "أن التصرفات الإيرانية تشير إلى أن طهران والحرس الثوري قد لا يكونان قلقين من حثّ الدول الغربية على تشكيل تحالف لحماية الملاحة الإقليمية. وعلى الرغم من أن هذا الأمر يتماشى مع سلوك النظام خلال الثمانينيات، فإنّ هذا الموقف يتجاهل الدروس التاريخية المستخلصة من تلك المرحلة".

يتابع نديمي "فقبل عملية (إرنست ويل) التي نُفذت في عام 1987، كانت طهران قد صعّدت الوضع في الخليج العربي عندما أمرت القوة البحرية التابعة للحرس الثوري بمواجهة القوات البحرية الغربية الموجودة هناك في خضم الحرب بين إيران والعراق. لكن هذا القرار أدى إلى نتائج عكسية، إذ أعطى الحكومات الغربية الذريعة اللازمة للتورط أكثر في الصراع. وصحيح أن هجمات السفن الإيرانية لم تترك آثاراً تُذكر على (حرب الناقلات)، أو الصراع الطويل مع العراق، أو أسواق النفط العالمية، ولكنها صعّدت المواجهة مع القوات العسكرية الغربية، وبلغت ذروتها بهزيمة بحرية كبيرة على أيدي البحرية الأميركية عام 1988. وعلى اعتبار أن إيران ستكون أفضل استعداداً وتجهيزاً هذه المرة، وقادرة على إلحاق المزيد من الخسائر القصيرة الأجل بالدول الغربية وحلفائها، إلا أن النتيجة النهائية، برأي نديمي، قد لا تختلف كثيراً عن تلك من عام 1988".

حماية دولية لمضيق هرمز

ويتفق خبراء مراكز الأبحاث الغربية على ضرورة تشكيل تحالف لحماية حركة الملاحة في خليج هرمز، فبحسب ورقة بحثية صادرة حديثا عن مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، "فإن مضيق هرمز هو طريق استراتيجي مهم لتدفق الطاقة إلى الاقتصادات والمستهلكين في جميع أنحاء العالم. ومن ثمّ فإن قيادة الولايات المتحدة لتحالف من دول عديدة للدفاع عن حرية التجارة المشروعة سيكون له دور أساسي في الحفاظ على هذا الجزء من الاقتصاد العالمي ودعم أهداف الأمن القومي الأميركي الأوسع نطاقًا". وحذروا من أن "تخلي الولايات المتحدة عن جهودها في هذه المنطقة يزيد من احتمال تعطل تدفق الطاقة، ويزيد التنافس الإقليمي بين إيران وجيرانها، ويخلق فراغا قياديا وأمنيا في شريان حيوي للتجارة تتصف حمايته بشكل مباشر بالمصالح الوطنية الأميركية".

ويتفق نديمي، خبير معهد واشنطن، "أن ردع التصعيد الإيراني يستوجب قيام مختلف الأطراف المعنية بنشر قوةً بحرية صلبة ومتعددة الجنسيات في المنطقة وتمكينها من التدخل للدفاع عن حرية الملاحة في الممرات المائية الاستراتيجية في المنطقة. ولا بد لهذه التدابير الوقائية أن تشمل تعزيز الدفاعات بوجه الصواريخ الجوالة والباليستية وتقوية البنية التحتية الأساسية ضد الهجمات السيبرانية الإيرانية".

وأوصى بضرورة حثّ إيران على اتخاذ خطوات ملموسة (بما في ذلك التشريعية) نحو الاعتراف بمضيق هرمز كمضيق دولي. وربما الأهم من ذلك، هو جعل القادة الإيرانيين يفهمون أن تبني موقف عدواني في هذه الممرات المائية الحيوية من شأنه أن يلحق أضراراً جسيمة باقتصادهم ومصالحهم الوطنية، كما حدث في أواخر الثمانينيات حين أسهمت الهجمات ضد السفن غير العدوانية في تدويل الصراع مع العراق".

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة