Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أخيم شتاينر: عبء الديون مفزع والحلول صعبة

مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أكد أن العالم يخاطر بعقد ضائع جديد

أخيم شتاينر مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي)

ملخص

مدير #برنامج_الأمم_المتحدة_الإنمائي #أخيم_شتاينر يرى أن #الرقمنة والتقنيات التكنولوجية ستشكل #مستقبل_التنمية في #العالم بجميع القطاعات من دون استثناء لذلك فإن الاستثمار في #البنى_التحتية الرقمية لم يعد اختياراً

يبدو العالم، وربما هو كذلك، في حال اضطراب كامل، فبين عامين من تقلبات الوباء وعام كامل من حرب روسيا في أوكرانيا التي لم تترك بلداً إلا ومسته أو هدمته، وقلاقل سياسية وجيوسياسية وأمنية تعصف بعديد من بلدان العالم، لا سيما المنطقة العربية، إضافة إلى توليفة أخرى من صراعات القوى العظمى منها المكتوم عبر صراعات الرقائق واحتقانات الملكية الفكرية، ومنها الصارخ من منافسات تجارية محتدمة وأخرى نووية متصاعدة، فضلاً عن تعديل دفة "تغير المناخ" من تهديد يلوح في الأفق إلى مصيبة آخذة في النزول على الرؤوس والشعوب والدول، تبذل عديد من الهيئات والمنظمات جهوداً ضاربة لتقليص آثار ما يجري من جهة، وإعادة البناء في شكل أفضل.

وضع عالمي بالغ الصعوبة

يبدو الوضع العالمي بالغ الصعوبة، وتلوح المؤشرات والتوقعات بأن الأزمة الحالية ثقيلة ومخيفة وأن الأقل حظاً في العالم هم الأكثر معاناة، لكن مدير "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" أخيم شتاينر يقول لـ"اندبندنت عربية" إن الوضع على رغم سوئه وقسوته ما يحجم وأحياناً يصيب المؤسسات العالمية بالشلل، فإن الوضع الصعب نفسه يسلط الضوء على حلول ومخارج عدة".

شتاينر، الذي شارك في اجتماع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، الذي أقيم في بنغالور جنوب الهند قبل أيام على هامش محادثات "مجموعة العشرين" يرى أن الجميع يعي فداحة الأوضاع الحالية في العالم، ويعي كذلك أن الاستجابات التي طرحت ليست كافية ولا تؤدي الغرض للتخفيف من حدة الأزمات المتشابكة التي تعصف بالعالم.

المساواة في التحول الرقمي

لكن إحدى وسائل التخفيف من حدة الأزمة، التي تعصف بالدول الأقل نمواً في شكل واضح وخطير، طرحت في اجتماعات المجموعة وتقوم على قدر أكبر من المساواة في التحول الرقمي في شتى أرجاء العالم من أجل بنى تحتية رقمية مستدامة، وتشمل الجميع من دون استثناءات، وهي البنى القادرة على تمكين وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية والحكومية وغيرها للجميع من دون تفرقة وبفاعلية أكبر.

يقول شتاينر إن الرقمنة والتقنيات التكنولوجية ستشكل بشكل شبه كامل مستقبل التنمية في العالم، وذلك في جميع القطاعات من دون استثناء، لذلك فإن الاستثمار في البنى التحتية الرقمية لم يعد اختياراً، والرقمنة باتت عصب الحكومة الإلكترونية والقطاع الخاص، وكذلك المشروعات الصغيرة التي يبدأها المواطنون في أي دولة، ويبدو الأمر مزعجاً، إذ تنعدم المساواة بشكل كبير في القدرة على الوصول إلى الخدمات الرقمية واستخدامها.

 

 

ويرى شتاينر أن اقتصار نسبة المواطنين الذين يحظون بالقدرة على الوصول إلى الأدوات والمنصات الرقمية في الدول الأقل نمواً على 33 في المئة فقط أمر مثير للقلق، وهذا يعصف بمبدأ "التنمية التي لا تترك أحداً محروماً أو وراء الركب".

الركب العالمي يشير إلى أن الأنظمة الاقتصادية في العالم ماضية قدماً في تحديد مواقعها ومكاناتها بحسب قدراتها على الاتصال الرقمي وتوفيره للجميع، هي بنية تحتية رقمية عامة شاملة ومستدامة تمثل أملاً للجميع، لذلك يتركز جزء كبير من عمل "برنامج الأمم المتحدة" حالياً على مساعدة الدول للاستثمار في بناها التحتية الرقمية، وكذلك المشروعات المتعلقة بأنظمة بيئية مستدامة.

ولفت شتاينر إلى أمثلة ناجحة للمشروعات ذات البعد البيئي المستدام في الدول الأقل نمواً، والعائد البيئي والمادي والاجتماعي الكبير الذي ينجم عنها، وقال "عديد من الدول الأفريقية تمكنت من إدخال الخدمات الرقمية إلى القرى بدلاً من الانتظار لحين نزوح سكان القرى إلى المدن أو حتى الهجرة خارج الدولة بحثاً عن خدمات أفضل وشمول أوسع، وهذا من شأنه تقوية أواصر اقتصاد القرى نفسها، إضافة إلى تعظيم فرص وخدمات الصحة والتعليم وغيرها، وهذه النماذج هي نتيجة تعاون مثمر بين الحكومات والقطاع الخاص، وهو نموذج تعاون ناجح، إذ يحقق المكاسب للجميع، لكن يتطلب تعاوناً بين الأطراف المختلفة وتنظيماً قانونياً مناسباً".

قفزة تنموية

ويشير مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى نموذج نجاح آخر هو الهند، حيث نظام الدفع الرقمي الذي أثبت نجاحاً كبيراً، وكذلك كينيا والبرازيل، مثل هذه التحولات الناجحة أشبه بالتحولات التي طرأت على الهواتف التي بدأت أرضية مقيدة بأسلاك ووصلت إلى الهواتف الذكية وبالغة الذكاء، هذا التحول في نظام الهواتف والاتصال عبرها مكن دولاً في أفريقيا مثلاً من تحقيق قفزة تنموية في سنوات قليلة كانت عادة تستغرق بين 20 و30 عاماً من دون تقنية الهواتف الذكية.

الهواتف الذكية والبنى التحتية الرقمية وتقليل الفجوات بين الدول الغنية والفقيرة وبين الأغنياء والفقراء جميعها لا يحدث إلا بتفعيل التعاون الدولي، لكن هل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتأزمة حالياً تسمح بتفعيل التعاون المرجو، لا سيما أن عديداً من الدول الغنية تضع مصالحها ومصالح شعوبها في مقدمة الأولويات، خصوصاً في ظل الأوضاع الراهنة؟

يقول شتاينر إن العمل حالياً يجري على مستويين، الأول هو ضلوع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في 170 دولة نامية حول العالم، والثاني هو العمل على بناء شبكات اتصال وتواصل بين الدول النامية وبعضها بعضاً، حيث مصائر هذه الدول تحددها الدول نفسها، وأولويات التنمية التي تحددها كل دولة بحسب رؤيتها.

ويضيف أن قدرة أي دولة على المضي قدماً وجذب الاستثمارات يتطلب حوكمة جيدة وقواعد تنظيمية ذات كفاءة وجاذبية، واستراتيجية ناجعة للعلاقة بين القطاعين العام والخاص، مشيراً إلى أن "ما حدث للأسف أثناء الوباء، وكذلك حالياً في ضوء الأوضاع الاقتصادية الصعبة والضاغطة هي أن عديداً من الدول الغنية استسلمت لغواية التركيز على نفسها وعلى أوضاعها الداخلية، ومنها ما أعطى لنفسه الحق عبر لجانها التنموية الاحتفاظ بشرائح كبيرة من برامج المساعدات الدولية الرسمية المقدمة لأغراض تنموية، ولو حتى لبناء أماكن إقامة وخدمات للمهاجرين واللاجئين القادمين إلى دولهم، وهذا يتركنا أمام حالة من عدم كفاية التمويل من أجل التنمية".

مساهمة الأغنياء ضئيلة

وعلى رغم الصخب والاهتمام والتركيز على مسائل تتعلق بدور الدول المتقدمة والغنية في التعاون والمساعدة من أجل تحقيق التنمية المستدامة في العالم، فإن أقل من 0.33 في المئة من تكلفة التنمية جاءت من برامج المساعدات الدولية الرسمية للتنمية، وهو ما يسميه شتاينر "هزيمة للذات"، فالمشكلات المتشابكة من الفقر والتطرف وانعدام الأمن السيبراني والانتقال إلى الطاقة النظيفة وغيرها تعتمد على تعاون الجميع، وعدم تحققها في دولة ما يلقي بآثار وخيمة على بقية الدول، وهنا تنبع أهمية أهداف العمل على تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية التي وضعت في عام 2015، لا سيما أنها أثبتت أنها بمثابة خريطة طريق للتعامل مع الأوضاع الكارثية الحالية في العالم.

 ويقر شتاينر بأن التخفيضات التي انتهجتها دول غنية عدة مثل بريطانيا والسويد وغيرهما على صعيد المساعدات الدولية التنموية، واصفاً إياها بـ"سبب للقلق البالغ ليس فقط للدول النامية التي تعاني الأمرين، لكن لمنظمات الأمم المتحدة كذلك التي تعمل في ظروف بالغة الصعوبة من أجل مساعدة تلك الدول التي تأثرت كثيراً في ظل الظروف العالمية الراهنة يضاف إليها أوضاعها الاقتصادية الصعبة أصلاً".

الصعوبة ستتفاقم

ومن شأن الصعوبة أن تتفاقم طالما يسيطر فكر العمل الخيري على منظومة المساعدات الدولية، ويبدو أن الأوضاع العالمية الحالية ستسرع من وتيرة الانتقال من ثقافة "المعونة" الخيرية إلى "الاستثمار المشترك"، لا سيما أن العالم ثري بالقدر الكافي الذي يؤهله ليتعامل مع الأزمة الحالية، بحسب ما يؤكد شتاينر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد أشار قبل أيام في كلمته أمام الدورة الـ52 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن الثروة العالمية تقدر حالياً بنحو 463 تريليون دولار أميركي، وأن المشكلة ليست في توافر المال، بل كيف ينفق المال؟ ومن الذي يستفيد من إنفاقه.

ويرد شتاينز على تساؤل "اندبندنت عربية" عن المنطق الكامن وراء شيوع فكرة أن على الأغنياء أن يقتسموا مع الفقراء ما في جيوبهم وهكذا تحل مشكلات العالم، بقوله "الدول الغنية تمكنت أثناء الوباء من توجيه 16 تريليون دولار لدعم اقتصادها، في أوقات الأزمات والكوارث، يتم التعامل مع الاقتصاد والتمويل بطرق مختلفة، نرى حالياً دولاً ما زالت تتجرع الآثار الاقتصادية والاجتماعية للوباء، ونرى كذلك دولاً لم تعد حتى قادرة على طلب قروض لإنقاذ اقتصادها، لا سيما أن جهات مقرضة وضعت شروطاً تعجيزية تمنع الأكثر احتياجاً من الحصول على قروض، نحن أمام أزمة ديون عالمية كبرى".

تخفيف الديون "الآن"

يذكر أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أعلن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن ما يزيد على 54 دولة تضم أكثر من نصف أفقر سكان العالم في حاجة ماسة إلى تخفيف الديون "الآن".

وحذر البرنامج من أن عدم اتخاذ خطوات إنقاذ سريعة في هذا الشأن، فإن معدلات الفقر سترتفع، ولن يتم تفعيل الاستثمارات المنشودة من أجل التكيف مع المناخ والتخفيف من حدة آثاره، وقتها، وقبل تدهور وتأزم الأوضاع الاقتصادية بالشكل الحالي، وصفت الوكالة الأممية إجراء تخفيف عبء الدين بـ"حبة دواء صغيرة تبتلعها الدول الغنية"، ولو لم تفعل فسيكون وقت الإنقاذ قد مضى لإدارة عبء ديون الاقتصاد النامي.

موجز سياسات

قبل أيام قليلة، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش موجز سياسات بمثابة جرس إنذار عاجل لدرء خطر أزمة الديون في العالم.

وقال غوتيريش، إن الآثار الاقتصادية للجائحة تسببت في ضائقة ديون لأعداد متزايدة من الدول، وحدت بشدة من قدرة هذه الدول على الاستثمار في التعافي، وكذلك في العمل المناخي المطلوب بشكل عاجل.

وقد شهد 42 نظاماً اقتصادياً تقترض من أسواق رأس المال انخفاضاً في التصنيف السيادي منذ بداية الجائحة، بما في ذلك ست من الدول المتقدمة و27 من اقتصادات السوق الناشئة وتسع دول من الأقل نمواً، ومعروف أن خفض التصنيف السيادي يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض، لا سيما للدول النامية، التي يمكن أن تتحول بدورها من خطر التحول إلى ديون غير مستدامة.

وحذر أمين عام الأمم المتحدة من أنه في حال عدم اتخاذ إجراءات حاسمة في شأن الديون والسيولة، "فإننا نخاطر بعقد ضائع آخر لعديد من الدول النامية".

ويقول شتاينر إن التوصيات الواردة في هذا الموجز الذي يتزامن واجتماعاً رفيع المستوى لرؤساء الدول والحكومات حول تمويل التنمية في عصر "كوفيد-19" وما بعده يمكنها أن تتحول إلى واقع، لا بتحصيل مزيد الضرائب من المواطنين في جزء من العالم، لكن بإعادة النظر في النظام المالي الدولي وعلاج الجوانب غير المنطقية فيه، التي تقوم بمعاقبة اقتصادات الدول النامية في أزمات كالتي يعيشها العالم، كما أنه يجري حالياً مساعدة 86 دولة نامية عبر نظم مالية مدمجة، إذ يمكن للدولة أن تعيد النظر في كل ما لديها من موارد وتعيد ترتيب أولوياتها في ضوء الأزمة الحالية، وكذلك في ضوء أزمة الديون الحالية.

وأشار شتاينر إلى قدرة "سندات التنمية المستدامة" التي طرحت في عدد من الدول والتي تمكن القطاع الخاص من العمل والاستثمار بمشروعات تتعلق بتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.

سندات التنمية المستدامة

يشار إلى أن سندات التنمية المستدامة تشبه "السندات الخضراء"، لكنها لا تقتصر على تمويل مبادرة كفاءة الطاقة وتوليدها من مصادر متجددة، لكن تشمل المشروعات ذات البعد الاجتماعي والخدمي مثل الصحة والتعليم والمساواة بين الجنسين واستهداف أسباب الفقر.

لكن كثيرين في الدول التي تلجأ للاقتراض من مؤسسات الإقراض الدولية ترى في هذه القروض طريقاً مؤكداً لمزيد من الإفقار، ويعلق شتاينر قائلاً "شهدت اجتماعات مجموعة العشرين في الهند قبل أيام أول مائدة مستديرة تجمع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وكذلك القطاع الخاص، تأخر ذلك كثيراً، لكنه حدث".

يشار إلى أن البرنامج اقترح قبل أيام تخفيض الدين الخارجي بنسبة 30 في المئة لـ52 دولة من الدول الأكثر ضعفاً التي تجد نفسها حالياً غارقة في ديون ومعدلات فائدة مرتفعة تحول دون سيرها في طريق التعافي.

أما الصورة الشعبية لمؤسسات الإقراض الدولية في ذهن البعض من كونها عوامل "إفقار" للدول التي تقرضها، يقول إن هذه الصورة تتعلق في جانب منها بجوانب تقنية في مسائل الإقراض، والجانب الآخر سياسي ذو صلة بالسيادة الوطنية للدول وكيف يمكن للاقتصاد في دولة ما أن يتعافى من أزمة أو أزمات.

 

 

ويضيف "بغض النظر عن مصدر القرض سواء أكان البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أو جهة إقراض خاصة، فإن الدول تواجه ضائقة ديون وتمويل، وعليها إيجاد مصادر مالية وإلا أصبحت النتائج كارثية.

 في الماضي، كان التخوف من أن الدول في تفاوضها مع صندوق النقد الدولي قد تفقد القدرة على تحقيق مخططها الوطني في التنمية، وأن إجراءات خفض النفقات عادة تضرب الفئات الأكثر هشاشة، لكن حالياً هناك قدر أوفر من الحساسية لدى هذه المؤسسات في التعامل مع الدول ومخاوف شعوبها.

وفي أوقات وظروف كتلك التي نجمت عن "كوفيد-19"، تصبح مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ليست مجرد مؤسسات إقراض هي الملجأ الأخير، بل العمود الفقري الوحيد القادر على تقديم تمويلات بمليارات الدولارات، وعلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي العمل مع الدول من أجل الوصول إلى قروض ليست فقط مناسبة اقتصادياً، لكن سياسياً واجتماعياً كذلك".

ضح السيولة في النظام المالي

يقوم مقترح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على فكرة ضخ السيولة في النظام المالي العالمي، وإعادة هيكلة الديون السيادية للدول الهشة، وتخفيض تكلفة القروض على المدى الطويل.

ويؤكد البرنامج على إمكانية تخفيض تكلفة خدمة الديون بمبالغ تتراوح بين 44 و148 مليار دولار، وذلك بحسب حجم مشاركة الدائنين في المبادرة.

كما يقترح البرنامج إعادة تمويل ديون الدول النامية بنسبة 40 في المئة، وهو ما يتيح ادخار نحو 121 مليار دولار من الفوائد المستحقة بين عامي 2022 و2029، لا سيما أن مشكلة الدين تفاقمت في عديد من الدول النامية خلال السنوات القليلة الماضية، وهو ما ينذر بمزيد من إحكام دائرة الفقر.

ويصف شتاينر الفقر بأنه "واقع سام"، فهو لا يؤثر سلباً فقط في الفقراء وتقديرهم لأنفسهم، لكنه أشبه بعوامل التعرية التي تعمل على تآكل التماسك الاجتماعي، ويضرب مثلاً بمنطقة الساحل في أفريقيا التي ظلت مرتعاً للفشل والكوارث الطبيعية لسنوات طويلة، وهو ما أدى إلى تآكل مفهوم الوطن لدى كثيرين، فلا خدمات مثل الصحة والتعليم، ولا فرص للمستقبل، وهذا خلق فراغاً بدا مناسباً تماماً للتطرف وكذلك الهجرة، ويقول "تراجع مفهوم الدولة وتمدد العنف والتطرف وتقهقرت هذه الدول عقوداً طويلة إلى الوراء".

العودة إلى الوراء

العودة إلى الوراء تحدث كذلك في الدول التي لا يكتفي الفقر وحده بضربها، بل تضربها الصراعات المسلحة والأزمات الطاحنة، وعديد منها في المنطقة العربية، وهنا يشير شتاينر إلى العقد الاجتماعي الذي يربط بين الحكومات والشعوب، الذي يشمل كثيراً، ومنه على سبيل المثال لا الحصر العمل تقليص الفكر بشكل مستدام والاستثمار في تمكين النساء وتعليمهن.

 

 

وفي ضوء تفعيل العقد الاجتماعي، يمكن لمواطني أي دولة استشراف المستقبل الذي ينتظرهم هل هو مشرق وفيه أمل؟ أم مظلم ولا يعتريه سوى الإحباط وفقدان الأمل؟

ويشير شتاينر إلى أن كل دولة وكل أزمة وكل صراع هو خليط فريد من العوامل والأسباب، لكن هناك خليطاً معروفاً قوامه غياب لمؤسسات الدولة ينجم عنه فراغ قد يفتح المجال أمام الحركات المتشددة سواء دينية أو وطنية أو قبلية أو جغرافية، وفي مثل هذه الحالات الصعبة، مثل اليمن وليبيا ولبنان، يحاول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقديم يد العون، لكن بعد التأكيد أن عدم علاج جذور المشكلة وأسبابها والاكتفاء بالمساعدة هو علاج للأعراض وليس السبب.

تدخلات بسيطة

يتحدث شتاينر عن تدخلات بسيطة لكن قادرة على صنع الفرق التنموي للدول المتضررة بفعل الحروب أو الصراعات أو غيرها، ويعتبرها إجراءات تدعم استقرار المجتمعات، فمثلاً في العراق عاد نحو خمسة ملايين عراقي ممن نزحوا داخلياً إلى قراهم ومدنهم عبر إزالة آثار الدمار ومد شبكات الكهرباء والمياه الصالحة للشرب وبناء أسقف أعالي البيوت وإعادة بناء المدارس والتأكد من أن طبيباً معالجاً موجوداً في كل قرية، وكل ذلك أسهم في إيجاد فرص عمل.

ويقول إنه يجري العمل حالياً كذلك في اليمن عبر مد شبكات الكهرباء والطاقة، وهو ما يتيح فرص عمل عديدة ومنها نسبة كبيرة تديرها نساء، ويعتبر شتاينر ذلك بمثابة وضع الأساسات لعملية التعافي حين يحل السلام مجدداً.

وإلى أن يحل السلام مجدداً، تسأل "اندبندنت عربية" شتاينر عن أصعب الكوارث والأزمات التي مرت عليه على مدار عمله كمدير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي على مدار ستة أعوام، فقال إن حدثين رئيسين كانا الأصعب، الأول فرضته الجائحة بين ليلة وضحاها من قيود على العمل والاتصال والسفر، حيث تحولنا من منظمة تعمل في 17 منطقة متصلة بكل دول العالم، و22 ألف موظف على مدار الساعة يومياً إلى العمل من بعد.

وتساءل "كيف لي أن أتواصل وأعمل على حماية بعضهم ممن يعمل في أوضاع بالغة الخطورة مثل اليمن وليبيا وهايتي؟ كيف لي أن أتواصل معهم في ظل عدم كثير من أساسات الحياة، وحتى أبقيهم في هذه الدول، والاستمرار في عملهم؟ تحولنا من لقاءات فعلية واتصال مباشر مستمر إلى لقاءات عبر منصات الإنترنت، بل وأصبحنا في بعض هذه الدول الوسيلة الوحيدة لإتاحة الاتصال والاجتماعات الرسمية المهمة، كان هذا تحدياً رئيساً".

أما التحدي الآخر فهو أفغانستان، يقول "ماذا نفعل حين نفاجأ بالأوضاع في دولة كأفغانستان وكأنها على وشك الانفجار؟ هذا الأسبوع الشهير في شهر أغسطس (آب) في عام 2021 حين قرر المجتمع الدولي أن يرحل، كان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لديه تصور ما لإدارة أزمة كهذه".

ويضيف "في أوقات الأزمات لا يسعك سوى التفكير في الجوانب الإنسانية وحياة الناس وعملهم وتفاصيل حياتهم اليومية وكرامتهم، بدت الأمور كلها وكأنها قد أصيبت بالشلل، لم نترك أفغانستان، وكان هناك إصرار على الحاجة إلى خطة تنموية عاجلة لمساعدة الناس على البقاء بينما الدراما السياسية الأكبر ما زالت في طور التكشف".

المزيد من حوارات