Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المال السياسي في موريتانيا... شراء للذمم وتشويه للديمقراطية

بيع الأصوات يتم علناً عبر سماسرة مقابل مبالغ مالية أو مصالح شخصية ومطالبات بسن قوانين ورفع وعي المواطنين

مسيرة بسيارات رباعية الدفع لفاعلين سياسيين يزورون مناطق موريتانية استعدادا للحملات الانتخابية (مواقع التواصل)

ملخص

هذه الظاهرة تعتمد أساليب منحطة أخلاقياً ومحرمة شرعاً ومجرمة قانوناً ولها بالغ الأثر في #الحياة_السياسية الموريتانية

لا صوت يعلو في موريتانيا هذه الأيام على صوت المال السياسي، فالانتخابات التشريعية والبلدية والجهوية المقرر تنظيمها في مايو (أيار) المقبل تستخدم فيها جميع الأساليب لضمان دخول قبة البرلمان والفوز بالمقاعد النيابية.

وينشط سماسرة الأصوات الذين يبحثون عن شراء بطاقات تعريف المواطنين في الأحياء الفقيرة من العاصمة، بغية تسجيلهم على اللائحة الانتخابية، مستخدمين مغريات مادية للتأثير في ميولهم السياسية.

ويركز الباحث الاجتماعي عبدالله الزين على زاوية يمكن من خلالها فهم هذه الظاهرة بقوله إن "استخدام المال السياسي في الانتخابات وتوجيه إرادة الناخب هما سلوكيات وممارسات تعتري السواد الأعظم من المجتمع الموريتاني، ذلك أن غالبية الناس لا تعتبر صناديق الاقتراع هي فيصل الحكم، لأن الناخب في الغالب هو شخص متحكم فيه من طرف سلطة ما، قبائل وعصبيات، وتوجهه لصالحها".

ويعدد النائب بالبرلمان الموريتاني محمد بوي الشيخ مظاهر استخدام المال السياسي في موريتانيا بقوله "الشراء المباشر لصوت الناخب يتم بطريقة فردية أمام مكاتب التسجيل بمبلغ محدد وبطريقة علنية، كما أن هناك الشراء الجماعي للأصوات عبر سماسرة محترفين يجمعون كميات كبيرة من بطاقات التعريف ويبيعونها للمهتمين بمبالغ مالية كبيرة بحسب الكمية ومكان التسجيل، إضافة إلى شراء الصوت عبر استخدام التجمعات القبلية وبيع أصوات القبيلة بمبالغ مالية أو مصالح شخصية".

وينبه رئيس مركز الصحراء للدراسات والاستشارات أحمد ولد التليمدي، إلى مظاهر أخرى لاستخدام المال السياسي في الانتخابات الموريتانية، تتمثل في "هرولة أصحاب المال لدخول البرلمان وشيوع ظاهرة الترحيل السياسي، وهي إحصاء مواطنين في مقاطعات بعيدة من مكان إقامتهم ويتم ذلك عن طريق عملية إغراء واسعة لشراء الذمم، ويتصدى لها بعض الفاعلين السياسيين، وكذلك الدولة نفسها عن طريق توجيه البرامج الاجتماعية لديها للتأثير في قناعات بعض المواطنين".

قتل روح الديمقراطية

وترتفع أصوات النخب السياسية الموريتانية لوضع حد لتلك الظاهرة، وعلى رغم ارتفاع مستويات الوعي في المدن الكبيرة، يبقى الداخل الموريتاني البعيد مسرحاً لشيوع استخدام المال السياسي، بخاصة أن هذه البيئات التقليدية تضافر فيها روح القبيلة مع شيوع الفقر مما يساعد في بروز شراء الذمم.

ويصف النائب محمد بوي هذه الظاهرة بأنها "تعتمد أساليب منحطة أخلاقياً ومحرمة شرعاً ومجرمة قانوناً، ولها بالغ الأثر في الحياة السياسية، حيث يتحكم أصحاب النفوذ والمال في المشهد السياسي عبر إيصال أشخاص لا يتمتعون بأية كفاءة، ويناصرون الظلم، ويدافعون عن الفساد، وينشرون الرشوة والمحسوبية".

ويؤصل رئيس مركز الصحراء للدراسات والاستشارات هذه الظاهرة بقوله إنها "قديمة في المجتمعات التي لم تصل فيها الديمقراطية إلى مرحلة النضج، ولديها تأثير كبير في الحياة السياسية حيث لا تعبر النتائج عن مواقف المواطنين الصحيحة من المرشحين، ويمكن القول إنها قتل للروح الديمقراطية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم التشريعات التي أقرتها موريتانيا في مجال تنظيم الانتخابات لم تنجح هذه الإجراءات في القضاء على الظاهرة، إذ إنها تحدث في الظلام بعيداً من عين الرقيب. ويرى باحثون أن انتشار تلك الممارسات يعود إلى سلوك مجتمعي يحتاج إلى زمن طويل من التوعية للقضاء عليه.

بينما يرى النائب البرلماني محمد بوي أن "القوانين الموريتانية لم تعالج هذه الظاهرة بالشكل الكافي، إذ يجب تجريم حيازة بطاقة التعريف عند غير صاحبها، ومنع نقل الناخبين وتغيير الواقع الديموغرافي لمكاسب سياسية".

ويعترف ولد التليمدي أن "القوانين وحدها لا تكفي فلا بد أن يكون معها توعية وتطبيق جدي وإرادة قوية من الطبقة السياسية التي تحتاج هي الأخرى إلى الإصلاح، وتبقى القوانين ضرورية لكي توجد وتخلق وترتب عليها عقوبات لمن أخل بها".

ويضيف "أننا نحتاج إلى بلورة رؤية واضحة للحياة السياسية لمجتمعاتنا توائم بين متطلبات الديمقراطية وواقع كل مجتمع على حدة، وقبل ذلك مصارحة بالمشكلات المطروحة والتزام أخلاقي يوقع عليه كل شريك سياسي".

تلويح بالعقوبات

في سياق متصل، أشاد فاعلون سياسيون بإجراء اتخذته اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات قبل أيام، حين فصلت ثلاثة موظفين تقوم مهمتهم على تسجيل المواطنين على اللائحة الانتخابية، وذلك بسبب مخالفات واضحة، بحسب بيان للجنة نشرته على صفحتها على بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".

وذكرت اللجنة أنها فتحت تحقيقات في حالات مشابهة بمناطق أخرى، بينما لمحت مصادر إلى أن سبب فصل الموظفين عائد لشبهات استخدام المال السياسي وذلك لتسجيل ناخبين بطرق غير قانونية.

واعتبر النائب محمد بوي أن "بيع المناصب الانتخابية جرم متعدد ويجب سن قوانين تحل الحزب مباشرة في حال أقدم على هذا التصرف، والحرمان من الحقوق السياسية لكل متورط في جريمة التلاعب بالمنصب الانتخابي بيعاً وشراء".

وطالب رئيس مركز الصحراء للدراسات والاستشارات الفاعلين السياسيين بتقييم كل تجربة بعد انتهائها وتحديد مخالفات كل طرف، وترتيب عقوبات لمن أخل بالالتزام قد يصل إلى مرحلة حرمانه من المقعد الانتخابي.

المزيد من تقارير