Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تعلم سريعا أو مت: المأزق الدموي على خط المواجهة في أوكرانيا

أوكرانيا - عام على بدء الحرب: في منطقة لوغانسك الشرقية، حديث مع الجنود الذين أمضوا عاماً تحت القصف الشديد يحاربون الروس للدفاع عن كل شبر من الأرض أثناء قتالهم في سبيل بقاء الوطن

اندلع قتال شرس بين القوات الأوكرانية والقوات الروسية شرقي أوكرانيا منذ بدء الحرب (أ ب)

ملخص

على جبهات #الحرب في #أوكرانيا، جنود يرفضون #الاستسلام رغم الويلات والذعر والتعب.

يسمع بعض الضجيج الآتي من بعيد يتناهى صداه عبر الثلج المتساقط، ثم يخفت تاركاً لحظات من السكون في الحقول المتجمدة تارة ومن تتساقط القذائف تارة أخرى فتمتزج ألسنة النيران مع الثلج واللون البرتقالي بالأبيض الذي يتفجر من الأرض.

مرة جديدة بدأت الهجمات على المواقع الأوكرانية في هذه الجبهة في منطقة لوغانسك الواقعة شرق البلاد، حيث تحرز القوات الروسية تقدماً بطيئاً. إنه قتال استنزافي، إذ تحاول كل من الجهتين المتنازعتين شق طريقها خارج الأفق المسدود الأوسع والدموي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سادت حالة من الهدوء بعد الجولة الأخيرة من القذائف فيما لم يكن مؤكداً بعد أن كانت ستتجدد. نهضنا ببطء وبدأنا ننفض الغبار عن ملابسنا. كانت بعض جولات القذائف المدفعية قريبة ولكن لم توقع أي إصابات باسثناء جندي شاب جرح جبينه أثناء انحنائه للاحتماء من القذائف.

لا يظهر الرقيب رومان من الكتيبة 92 في الجيش الأوكراني أي تعاطف مع تلك الإصابة ويقول، "سيعيش، يحتاج إلى أن يكون أكثر حذراً. لقد فقدنا 6 أشخاص لقوا حتفهم خلال الأسبوع الماضي و11 جريحاً. نتعرض للقصف يومياً ويبدو أن الأمر لن ينتهي، تزداد الأوضاع سوءاً. يتوجب على هؤلاء الشبان أن يتعلموا بسرعة وإلا سيموتون. الأمر بهذه البساطة".

مع بلوغ هذه الحرب المندلعة في وسط أوروبا عامها الأول وتغير شكل الجيو-سياسة في العالم مع تقدمها، وصلت كوكبة من قادة العالم إلى كييف يتصدرهم الرئيس الأميركي جو بايدن الذي منح وجوده ضمانة رمزية قوية بأن الولايات المتحدة والغرب سيقفان إلى جانب أوكرانيا. وشهدنا تنديداً لاذعاً باعتداء فلاديمير بوتين، فضلاً عن وعود بتسريع تزويد السلاح من حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، كما تم اقتراح عقوبات جديدة ضد التسلسل الهرمي في الكرملين.

فيما الجنود يواجهون العدو في مسافات قريبة، يقولون إن عبارات الدعم هي أمر مرحب به، ولكنهم يحتاجون إلى الأسلحة ويحتاجون إليها بسرعة. وفي هذا السياق يقول الرقيب رومان: "بالنسبة إلينا، تعني مزيداً من الأسلحة والذخيرة خسارة عدد أقل من الأرواح. لم يقف الروس مكتوفي الأيدي، فقد جلبوا المدافع والمدرعات، نراها بشكل أوضح الآن مع تساقط الأوراق عن الأشجار".

هنا في شرق البلاد، تدور المعركة من أجل أحد أبرز أهداف بوتين، إذ تشكل لوغانسك ومنطقة دونيتسك المجاورة القلب الصناعي لأوكرانيا وهي تعرف بمنطقة دونباس. هي مساحة يسعى بوتين إلى التحكم بها بالكامل، بل شك أننا سنشهد مزيد من الهجمات خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، ولكن خط المواجهة هذا لا يعرف الهدوء مع قيام الجهتين المتحاربتين بالقتال بقوة لكسب التقدم الاستراتيجي على أرض المعركة.

خلال الساعات الـ24 الماضية فحسب، أعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية بأن قواتها تصدت لأكثر من 90 هجوماً برياً على عدد من المواقع في أنحاء دونباس، بما في ذلك مدن وبلدات باخموت وليمان وكوبيانسك وأفدييفكا وشختارسك. وفي الفترة نفسها، شهدت المنطقة 54 ضربة صاروخية و19 غارة جوية بالطائرات الحربية والمسيرات.

 

واستمر القتال العنيف في أنحاء باخموت وهي مدينة أصبحت رمزاً لما تود روسيا تحقيقه، إذ تعتبر موسكو أن الاستيلاء عليها سيشكل حجر الأساس في الاستيلاء على منطقة دونيتسك الأوسع، بيد أن الهدف المزعوم للجيش الروسي والمتمثل في منح النصر للرئيس بوتين هناك بحلول الذكرى الأولى للحرب في 24 فبراير (شباط) ليس ممكناً مع إعلان القيادة العليا في موسكو بأن أبريل (نيسان) سيحل قبل إنجاز هذا الأمر. وتشهد منطقة فولدار مواجهة مماثلة وهي تقع على بعد 90 ميلاً من غرب باخموت على الجهة الأخرى من منطقة دونيتسك، حيث يصمد الأوكرانيون على رغم تعرضهم لقصف بلا هوادة من المدفعيات الروسية.

وشهدت المنطقة التي نوجد فيها هجمات استكشافية متكررة على طول أراضي لوغانسك التي ما زالت خاضعة للسيطرة الأوكرانية. ويقوم الهدف الذي كشف عنه في اتصالات روسية اعترضها الأوكرانيون على احتلال نقاط الأفضلية قبل وصول إمدادات المدفعيات والدبابات من الغرب وهي عبارة عن دبابات "ليوبارد 2" الألمانية و"تشالنجر 2" البريطانية.

وتتألف القوات الروسية هنا من مجموعة من القوات النظامية والمرتزقة التابعين لمرتزقة "فاغنر"، وهي مجموعة عسكرية خاصة أصبحت جزءاً أساسياً من الحملة العسكرية لموسكو في أجزاء من الشرق، إلى جانب بعض الوحدات الجرمية والمقاتلين من جمهورية لوغانسك الشعبية الانفصالية، وأخيراً وحدات جديدة من القوات الخاصة الروسية.

ويقول الملازم أرتيم فلاسينكو من الكتيبة 92: "نواجه عدواً قوياً ومصمماً. فنحن لا نقتتل الجنود المجندين حديثاً ومجرمي (فاغنر) وحسب، بل نرى الآن أيضاً هنا قوات خاصة (سبيتسناز). نخسر رجالاً يتمتعون بالخبرة. نستمر في مقاتلتهم، ولكن السبيتسناز لا ينفكون يعودون".

بعد 45 دقيقة، وأثناء توجهنا إلى قاعدة عمليات للجنود، يندلع إطلاق نيران من سلسلة من التلال إلى اليسار، يرد الأوكرانيون برشقات نارية مستمرة فيما يحاولون إيجاد غطاء حتى تتوقف الأوامر.

كان هناك تقدم حذر إلى سلسلة من التلال القريبة، ومجموعة أمامية من الجنود الذين يزحفون على بطونهم، لكن الرماة اختفوا، "لا دماء"، يقول الرقيب رومان، ضارباً الثلج بمقدمة حذائه، "لم ننجح في إصابة أي منهم، علينا بذل مزيد من الجهد في المرة المقبلة".

 

تريد الوحدة العودة إلى أراض أكثر أماناً، ومع هبوط الليل بسرعة، يأتي الخطر الرئيس من القذائف المدفعية، "يملك الروس الأفضلية من 4 مقابل 1 للأوكرانيين عندما يتعلق الأمر بالذخيرة، علينا أن نكون حذرين في ردنا على مصادر النيران"، يقول الجندي سيرغي. "أصبحت الأمور أفضل مما كانت عليه، ولكن هذا أكثر ما نحتاج إليه بشكل طارئ من الولايات المتحدة وبريطانيا والناتو".

سيشكل وصول مزيد من ناقلات الجند المدرعة إلى جانب الدبابات التي قدمها الحلفاء الغربيون، عوناً كبيراً أيضاً. ويستخدم بعض الجنود سيارات قديمة للتنقل حول قرى المواجهة بسبب نقص وسائل النقل العسكرية.

فيتالي بابكو هو عضو في وحدة الأسلحة الرشاشة في الكتيبة ويتحدر من بيلاروس. عاش في أوكرانيا منذ عام 1995 وانخرط في الجيش خلال الحرب الانفصالية التي بدأت عام 2014 عندما طالب المتمردون المدعومون من روسيا بأراض في دونيتسك ولوغانسك. لم يتفاجأ الجندي أبداً بأن يكون رئيس بيلاروس أليكسندر لوكاشينكو حليفاً لبوتين، إذ تم استخدام بيلاروس كمنصة انطلاق لمحاولات بوتين الفاشلة للسيطرة على كييف في بداية الغزو.

ويقول الجندي: "هما وجهان لعملة وحدة. عندما غادرت بيلاروس، كان لوكاشينكو في السلطة وما زال هناك بعد مرور جيلين. التغيير الوحيد الذي حصل هو أن حالة البلاد تدهورت. لقد قطعت كل علاقاتي ببيلاروس ومع الأشخاص الذين أعرفهم في موسكو. هم يصدقون ما تقوله أنظمتهم".

غادر الجندي بابكو الجيش الأوكراني عام 2016، وانضم مجدداً إليه عام 2016. أرانا ثقوب الرصاص في سيارته من طراز فولكسفاغن التي يعود تاريخ صنعها إلى 11 عاماً والتي اشتراها مقابل 700 دولار (582 جنيهاً استرلينياً) مع بداية الحرب.

"تعرضت السيارة للنيران عدة مرات. لم يصب أحد بأذى، أتصدق ذلك؟ كنت أقودها في أحد الأيام عندما اخترقت رصاصات مؤخرة السيارة. قمت بزيادة سرعتي ورحلت. كنا نستخدم سيارة من طراز (لادا) في ذلك الوقت أيضاً، لما كنت موجوداً هنا لو أنني كنت أقود (اللادا) في ذلك اليوم، ولكن علينا سحب هذه السيارة قبل أن تتجدد المعارك".

على غرار بقية القوات الموجودة على خطوط المواجهة، تنتظر الكتيبة 92 الأوامر للانتقال إلى الفصل الجديد من الحرب عندما تخف حدة الشتاء. وكرر وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف هذا الأسبوع بأن الروس يجمعون القوات والأسلحة على الحدود بهدف الاستيلاء بالكامل على منطقتي لوغانسك ودونيتسك.

وتختلف التقديرات في شأن القوة الروسية في ما يتعلق بالعمليات القادمة، فقد زعم ريزنيكوف أنه تم حشد 500 ألف جندي فيما يقول مسؤولون غربيون أن العدد يبلغ 350 ألفاً. وأعلن البنتاغون بأن 80 في المئة من الجيش الروسي كله منخرط في ما يطلق عليه الرئيس بوتين تسمية "العملية العسكرية الخاصة"، فيما يعتبر وزير الدفاع البريطاني أن النسبة تصل إلى 97 في المئة.

ويقدر المسؤولون الغربيون أن نحو 60 ألف جندي روسي قتلوا حتى الآن فيما أصيب 200 ألفاً. ولا تملك كييف أرقاماً رسمية عن الإصابات الأوكرانية، ولكن يقدر المسؤولون الغربيون بأن العدد يناهز 100 ألف قتيل أو مصاب.

إنها الحرب التي اعتقد الكرملين أنها ستنتهي خلال 10 أيام، بعد أن أرسل الرئيس بوتين قواته لاستعادة ما يسمى "العالم الروسي" Russky mir. وفي إطار هذا الواقع الجديد، كانت أوكرانيا المحتلة ستصبح جزءاً لا يتجزأ من الاتحاد الروسي، وكان سيصار إلى إرساء نظام تعاوني وتصفية المعارضين المتعصبين.

ورأى المراسلون الذي أعدوا تقارير من كييف في 24 فبراير (شباط) 2022 صوراً لقافلة روسية مدرعة يبلغ طولها 40 ميلاً تتوجه إلينا. وتم تحذيرنا بأن الروس سيقومون بما سبق وقاموا به في الشيشان قبل 20 عاماً وبأن العاصمة الأوكرانية ستهدم كما حصل في غروزني التي شكل تدميرها أولى الأفعال التي اقترفها نظام بوتين.

ولكن، لم تسقط كييف على رغم مواجهتها وابلاً من النيران والدبابات والطائرات الحربية الروسية، فقد نجحت القوات الأوكرانية المدعومة بمتطوعين خضعوا للتدريب بواسطة بنادق خشبية قبل أسابيع من ذلك، في صدها ودفعها إلى التراجع، أولاً من تخوم العاصمة وبعدها من المناطق المحيطة.

خلفت القوات الروسية المنسحبة مجازر في البلدات المحيطة التي أصبحت أراضي معركة. هناك وجدنا أدلة مروعة عما يعنيه "التحرير" لأولئك الأشخاص: جثث تم إعدامها ملقاة في الشوارع، بينما ألقيت جثث أخرى في مقابر جماعية فضلاً عن قصص الترهيب والاغتصاب والاختفاء القسري.

وتعرضت المدن الحديثة على غرار ماريوبول وخاركيف وميليتوبول من بين مدن أخرى للقصف الشديد بالمدفعية والصواريخ والطائرات. وشهدنا الدمار الذي ألحقته الأسلحة الحديثة بالمراكز الحضرية المكتظة مع ما رافق ذلك من قتل للمدنيين وتشويه جثثهم في المنازل المدمرة والمحترقة والشوارع المحطمة. يبدو أن الحرب العالمية الثانية قد بعثت من جديد مع كل الفوضى التي رافقتها.

هرب مئات آلاف الأشخاص من نساء وأطفال وكبار في السن من البلاد، ولعل عدد كبير منهم لن يعود أبداً. وبدأ الشبان الأوكرانيون الذين هرعوا للالتحاق بقوات البلاد التي عرفت بالجيل القادم، يدفعون ثمناً باهظاً، بعديد منهم لم يعد أدراجه.

ببطء، ووسط القتال العنيف، تم صد قوات موسكو وإخراجها من خاركيف التي تشكل ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا على بعد نحو 25 ميلاً من الحدود الروسية. وقامت القوات الروسية التي ضمت مظليين وقوات خاصة (كزمندوز) ومقاتلين شيشان مدعومين بطائرات مروحية حربية بشق طريقها إلى مركز المدينة وأجبرت على الانسحاب.

منذ أواخر أبريل (نيسان)، بدأت القوات الأوكرانية باستعادة البلدات والمدن المجاورة لخاركيف وبلغت بعض النقاط على طول الحدود. وفيما كنت أتنقل مع وحدة تقوم باستعادة آخر القرى، شرح لي الرائد نيكولاي بافليوك الذي يخدم في كتيبة من المتطوعين فيما علت وجهه ابتسامة عريضة: "من الرائع أن تكون في المقدمة وأن تجبرهم على التراجع وتستعيد المنطقة. في الماضي كنا نفجر الجسور لإبطاء تقدم الروس. الآن هم يقومون بتفجير الجسور لمحاولة تأخيرنا. إنه شعور رائع".

للمرة الأولى، ساد اعتقاد واضح لدى الحلفاء الغربيين لأوكرانيا بأن تلك الأخيرة ستقاوم وتدحر الغزو بكل نجاح، فقد أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بأن أوكرانيا "ربحت معركة خاركيف"، ما يتكشف اليوم في المدينة، بحسب قول الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، يضيف إلى الاعتقاد المتنامي أنه "بوسع أوكرانيا الفوز بهذه الحرب". وأراد قائد الجيش البريطاني الأدميرال توني راداكين التشديد بدوره على أن "استقلال أوكرانيا بات اليوم مضموناً".

ولكن، في المناطق المحررة حديثاً وجدنا نمطاً أصبح مألوفاً ومروعاً عن انتهاكات حقوق الإنسان من قبل المحتلين كالإعدام والخطف والتعذيب والاعتداء الجنسي بما في ذلك قصص مروعة عن الاغتصاب في مدرسة تقع في إحدى القرى.

انتقلت الحرب الآن إلى حيث بدأ كل شيء عام 2014، أي في الشرق حيث دخلت القوات الروسية البلاد، وحيث اندلع النزاع الانفصالي الذي أدى إلى إنشاء جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين. وتعرضت الأماكن التي أعددنا فيها تقارير عن القتال آنذاك – سلوفيانسك وكراماتورسك وليمان وأفدييفكا - لوابل جديد من القذائف والقنابل. وبدأت هجرة جماعية أخرى من دونباس.

كانت موجة الصراع تشهد تحولاً مرة أخرى مع سيطرة الروس الآن، حيث قاموا بنشر المدفعية الثقيلة التي تفوقوا فيها على الأوكرانيين الذين كانوا يفقدون بين 100 و150 جندياً كل يوم. لم يعرف عدد الجرحى بيد أن حساباً تقديرياً يقوم على أساس أن عدد المصابين يفوق عدد القتلى ثلاثة أضعاف، أظهر فكرة عن حجم الإصابات. كانت البلدات والمدن تتعرض للنيران يومياً، "روسيا تود تدمير دونباس" قالها الرئيس فلوديمير زيلينسكي بنبرة يائسة.

واعتبر الكابتن البحار يوري كالوزني في ذلك الوقت بأن "القصف لا يتوقف مطلقاً. يركزون على الهدف ويفتحون النيران، ومن ثم يتقدمون. نحن ببساطة لم نحصل على ما يكفي من الأسلحة لصد ذلك، ولهذا نتكبد خسائر كبيرة بين قتلى وجرحى، وأعتقد أن الأمر سينتهي بنا إلى خسارة الكثير من الأراضي".

شهدنا الأثر المدمر للقصف الذي لا هوادة فيه في الخنادق، وتحدثنا إلى الجنود الذين، للمرة الأولى، وعلى مسامعنا منذ بدء الصراع، تساءلوا عما إذا كان بالإمكان تجنب الهزيمة.

وأدى التقدم الروسي بدعم من المدرعات إلى دفع الخطوط الأوكرانية إلى الخلف وتمت السيطرة على مدن دونباس: ليمان وسيفيرودونتسك وليسيتشانسك. يبدو أنها مسألة وقت قبل أن تنزلق المنطقة بأكملها إلى السيطرة الروسية وقبل أن يعلن بوتين أنه قد وفى بأحد تعهداته في بداية الغزو وهو "إعادة توحيد دونباس".

وفي كييف، كشف مسؤولون رفيعو المستوى في الدفاع بوجوه متجهمة أن التقييم الشامل كان مؤلماً، وتمت المطالبة على الفور بالحصول على أسلحة مدفعية غربية حديثة قبل فوات الأوان.

جاء ذلك على شكل أنظمة صواريخ مدفعية عالية الحركة (HIMARS) وأنظمة إطلاق صواريخ متعددة (MLRS). وجدت الساحة الاستقرار مجدداً. وطلب من النقيب كالوزني ورفاقه الذين أصبحوا مشاة بحرية أكثر سعادة الآن، الاستعداد للمضي قدماً.

وقع الهجوم الأوكراني في سبتمبر، وأحرز تقدماً سريعاً، مما أدى إلى استعادة ليمان في دونباس وكوبيانسك في إقليم خاركيف وخيرسون في الجنوب. بدت الروح المعنوية الروسية على وشك الانهيار. وقام المدونون المؤثرون المؤيدون للحرب، الذين تنامى وجودهم مع قمع وسائل الإعلام المستقلة أو دفعها إلى المنفى، بالالتفاف حول المؤسسة العسكرية.

وانضم قائد مجموعة "فاغنر" يفغيني بريغوزين وزعيم الحرب الشيشاني رمضان قديروف إلى جوقة الانتقاد اللاذع للقيادة العليا للكرملين. قاد مقاتلو "فاغنر" الهجوم على باخموت. أمضيت وقتاً طويلاً في تلك البلدة خلال الصيف الماضي، وفي العودة إليها الخريف، وجدناها مقطعة الأوصال، وهي عملية مستمرة حتى الساعة.

تقول القوات الأوكرانية أنها واثقة اليوم من المضي قدماً عندما تأتي الأوامر. يريد الملازم فلاسينكو من الكتيبة 92 طمأنة الرأي العام الغربي بأن القوات الأوكرانية لا تجد أي صعوبة في التأقلم مع المجموعة المتنوعة من المعدات المقدمة من كختلف الدول المانحة. ويصر على القول "نحن نتعلم بسرعة كبيرة!".

يقول الكابتن كالوزني الذي عاد للتو إلى الخدمة بعد خضوعه لعلاج طبي نتيجة إصابته بجرح ناجم عن شظية أنه ينتظر أوامر الانتشار الذي ستكون وجهته على الأرجح مدينة كوبيانسك. ويضيف، "أصبحنا الآن مسلحين بشكل أفضل، وسيصبح الأمر أفضل عندما نحصل على الدبابات، وإذا حصلنا على الطائرات، ثم ستبدأ الأمور في التحرك نحو الأمام فعلاً".

ومن المتوقع إرسال التعزيزات الأوكرانية إلى كوبيانسك التي تشكل تقاطع رئيس للسكك الحديدية في المنطقة، والذي يتوقع أن يحاول الروس استعادته كمركز لوجيستي. استمرت الهجمات على المدينة والقرى المحيطة بها من قبل الروس منذ انسحابهم. وأصيب رجل يبلغ من العمر 68 سنة في قصف يوم الخميس والذي ألحق أضراراً أيضاً بحضانة وملعب لكرة القدم.

 تعرضت غالبية كوبيانسك جراء القتال فيما هربت الغالبية العظمى من السكان. في بعض الأحيان، تعرض أولئك الذين يغادرون المدينة للنيران. وكانت قافلة مؤلفة من ست سيارات وشاحنة صغيرة متجهة نحو مدينة خاركيف عندما أصيبت بقذائف بعد وقت قصير من مغادرة الروس، كما تم حرق سيارتين وتعرض ركابهما بمن فيهم عائلة للحرق أحياء. ويقول المسؤولون الأوكرانيون إن بعض الذين حاولوا الفرار من المذبحة تعرضوا لإطلاق نار من مسافة قريبة من قبل مجموعة روسية تسللت إلى مناطق خلف خطوط القتال.

وأصبحت قرى خط المواجهة خارج كوبيانسك مهجورة الآن، باستثناء عدد قليل من السكان المسنين. وفي قرية هلوشيفكا، صادفنا ثلاثة رجال يحفرون الجليد خارج منازلهم فيما تساقطت الثلوج بغزارة.

فاسيل أولينيشويك، 60 سنة، وهو جندي سابق خدم في أفغانستان عندما كانت أوكرانيا جزءاً من الاتحاد السوفياتي بقي مع زوجته في القرية. وقال، "من الغريب أن نجد جيشاً كنت في يوم من الأيام جزءاً منه يقاتلنا الآن. أنظر إلى الجنود الروس الشباب وأتساءل. لم يعرف معظمنا ما الذي كنا نفعله في أفغانستان، ولا أعتقد أن الكثير منهم يعرفون ما يفعلونه هنا أيضاً".

أراد مقيم آخر يدعى ستانيسلاف شيري التشديد على أن لا نية لديه في المغادرة، "غادر كل الشبان، بعضهم إلى أجزاء أكثر أماناً في أوكرانيا والبعض الآخر إلى أوروبا. أبلغ 76 سنة من العمر، وهذا هو منزلي حيث سأبقى". ويتابع بإصرار: "حتى وإن عاد الروس، ستكون المنطقة أوكرانية مجدداً قبل نهاية الحرب. إنها أوكرانيا، ولت أيام الإمبراطورية. التاريخ يقف إلى جانبنا الآن".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير