Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"القوى النائمة" تلتفت إلى جيوشها والعين على روسيا

ألمانيا واليابان تطويان عقود "النزعة السلمية" وموسكو تحذر من "العسكرة الجامحة"

المستشار الألماني أولاف شولتز خلال زيارة لبرنامج لتدريب الجنود الأوكرانيين (صفحته الرسمية بتويتر)

ملخص

استشعر الرئيس الأوكراني #فولوديمير_زيلنيسكي محورية الكلمة، فلم يترك مناسبة من دون أن يلقي فيها خطاباً يروج لقضيته، متنقلاً من مؤتمر إلى آخر، ومن برلمان أجنبي إلى #قمة_دولية

لتجسيد قوة الكلمة في زمن الحرب، ربما ليس هناك أبلغ مما نقله جون كينيدي عن المذيع إدوارد مورو في وصف بلاغة ونستون تشرشل أثناء قيادته بريطانيا في الحرب العالمية الثانية، عندما قال إن رئيس الوزراء البريطاني الراحل "حشد اللغة الإنجليزية وأرسلها إلى أرض المعركة".

في القرن العشرين، أدرك تشرشل تأثير الكلمة، فاعتنى بخطاباته التي ألهبت حماسة الإنجليز لكبح جماح هتلر وتطويق شهيته المفتوحة لابتلاع جيرانه. وفي حاضرنا، استشعر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنيسكي محورية الكلمة، فلم يترك مناسبة من دون أن يلقي فيها خطاباً يروج لقضيته، متنقلاً من مؤتمر إلى آخر، ومن برلمان أجنبي إلى قمة دولية.

لكن لفوج المشاة الـ 22 في الجيش الأميركي رأي آخر، فالحروب تربح بـ "الأفعال لا الكلام"، كما يشير شعار الفوج الذي نزل ميادين القتال في جزر الفيليبين والحرب العالمية الثانية، وفيتنام، وصولاً إلى الشرق الأوسط في عهد جورج دبليو بوش، الذي قاد تدخل بلاده في العراق وأفغانستان، مؤكداً على مبدأ الحرب الوقائية لحماية بلاده والتصدي لخطر الإرهاب.

وبعيداً من أميركا التي قضت حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية في تكشير الأنياب وتعزيز قدراتها العسكرية، فإن الدول التي تبنت مبدأ "النزعة السلمية" وتجنبت لعقود الميدان العسكري، تبدو اليوم بعد عام على الحرب الروسية – الأوكرانية، أكثر ميلاً إلى رفع جاهزيتها العسكرية، والحديث هنا عن ألمانيا واليابان، القوتين النائمتين اللتين دفعتهما نيران الحرب المتطايرة على العالم إلى تحول استراتيجي ينص على تعزيز الإنفاق على السلاح وتصديره، فاليوم تبدو نزعة القوة والاستعداد الحربي التي صارت في طور التشكل في طريقها لاستبدال سياسة البلدين ما بعد الحرب، التي ينظر إليها بأنها "مسالمة" و "نابذة للعسكرة".

 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من السلم إلى التأهب

مهد المستشار الألماني أولاف شولتز في خطابه أمام البرلمان في 27 فبراير (شباط) الماضي، أي بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب الأوكرانية، لتحول بارز في السياسة الخارجية، إذ انطوى الخطاب على تغييرات جوهرية في تعاطي ألمانيا مع القوة العسكرية، وأكد التزاماتها تجاه حلف "الناتو"، بما فيها رفع الإنفاق الدفاعي ليصل إلى ما لا يقل عن اثنين في المئة من الناتج المحلي.

ووصف محللون خطاب البرلمان بأنه "ثورة" في السياسة الخارجية الألمانية، وبالفعل تحولت كلمات شولتز إلى سياسة على أرض الواقع بعد إعلانه دعم استراتيجية تحديث الجيش الذي يعاني ضائقة مالية بـ 113 مليار دولار، وهو قرار كان صادماً حتى لكبار أعضاء حكومته، كما انعكس النهج الجديد في موافقة برلين وإن كانت متأخرة على مد كييف بالأسلحة، في خرق صريح لمبدأ "النزعة السلمية" Pacifism الذي يحظر إرسال الأسلحة إلى مناطق الصراع.

ودفعت قرارات شولتز بعض النقاد وفق مجلة "فورين بوليسي" إلى القول إن الألمان "أداروا ظهورهم إلى السلم" وإن برلين "خرجت من روحها السلمية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية" بسبب "الهجوم الروسي والتخلص من ركيزة عقيدتها السياسية وهي النزعة إلى السلم". في المقابل، أعلن بعض الألمان صحوة "عملاق أوروبا المسالم"، متحسرين على "أخطاء دعاة السلام" في الماضي.


دولة مستعدة للقتال

وأوضح جايكب إيبرل، رئيس الأبحاث في معهد براغ للعلاقات الدولية أن هناك صورة تاريخية مفادها أن الألمان نزعوا ليكونوا "أمة مسالمة" بعد هزيمة ألمانيا النازية في عام 1945، واكتسبوا إثر ذلك قبول المجتمع الدولي، مشيراً إلى أن هذه السياسة واجهت منذ تسعينيات القرن الماضي بعض الانتقادات بأنها "تمنع أهم قوة وأكبر اقتصاد من قبول نصيبها من المسؤولية لدعم النظام العالمي الليبرالي، الذي يستلزم أحياناً استخدام القوة".

لكن إيبرل يرى أن ألمانيا لم تكن قوة مسالمة في أي لحظة منذ عام 1949، بل أسيء استخدام كلمة "النزعة السلمية" من قبل منتقدي السياسة الخارجية الألمانية، الذين اعتادوا على توجيه انتقاداتهم من دون شرح ما يقصدونه بهذه الكلمة المتجذرة في المعارضة لاستخدام القوة، وإن استخدمت للدلالة على أفكار أخرى، وعلى رغم أن ألمانيا في حقبة ما بعد الحرب كانت أكثر تردداً في استخدام القوة مقارنة مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، إلا أنها بحسب الباحث كانت دائما ما تستعد للحرب، بما في ذلك الحرب النووية.

وفي حين دعت اتفاقية بوتسدام لعام 1945 التي أنهت الحرب العالمية الثانية إلى نزع السلاح الألماني، فإن دستور ألمانيا الغربية لعام 1949 سمح ضمنياً بالحروب الدفاعية، ويشير كتاب "المحاربون المترددون'' المنشور عام 2019 أن الوثيقة التأسيسية لألمانيا الغربية سمحت ضمنياً بـ "حروب الدفاع عن النفس" والتجنيد الإجباري والمشاركة في التحالفات العسكرية.

وهذه البنود بحسب إيبرل لم تكن أساساً لدولة مسالمة، بل لدولة مستعدة للقتال والدفاع عن نفسها ضد الاتحاد السوفياتي والدول التابعة له، وأصبح هذا جلياً في عهد أول مستشار ألماني بعد الحرب، كونراد أديناور، عضو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، ففي عام 1955، أسست ألمانيا الغربية جيشها وانضمت إلى حلف "الناتو"، وسرعان ما أصبح جيشها ذو الـ 500 ألف جندي أكبر جيوش حلف شمال الأطلسي في أوروبا الغربية.

ووسط ضغوط "الناتو" وحروبه، قضت المحكمة الدستورية الفيدرالية الألمانية في عام 1994 بأنه حتى "خارج المنطقة" يمكن السماح بنشر الجيش في ظل ظروف معينة، بخاصة إذا كان ذلك جزءاً من جهد دولي أوسع"، وفتح هذا الباب أمام الجيش الألماني للانخراط في القتال بشكل مباشر كجزء من قوات التحالف التي يقودها "الناتو"، أولاً، خلال أزمة كوسوفو عام 1999، ولاحقاً في حرب أفغانستان عندما شاركت ألمانيا بـ 150 ألف جندي، وهو رقم يضعها في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث عدد الجنود المشاركين.

ويجادل رئيس الأبحاث في معهد براغ للعلاقات الدولية بأن السياسة الخارجية الألمانية ما بعد الحرب العالمية الثانية تشكلت من مزيج انتقائي من المعتقدات الليبرالية، منها الثقة في عوائد الترابط الاقتصادي، إذ دافعت ألمانيا عن فكرة "التغيير من خلال التجارة" حتى عندما بات جلياً أن دولاً مثل الصين وروسيا كانت تتغير إلى الأسوأ بفضل هذه الاستراتيجية، التي مهدت لمشروع أنابيب "نورد ستريم" الرابط بين روسيا وألمانيا.

أما المبدأ الثاني بحسب الباحث فهو الإفراط في التفاؤل بفعالية الأدوات الدبلوماسية في حل النزاعات، إذ ترى ألمانيا أن التسوية أفضل من المخاطرة بالحرب، حتى لو كنت تتفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتجسد هذا النهج في دعوة برلين إلى "إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة" التي تمسكت بها حتى الساعات الأخيرة قبل الهجوم على أوكرانيا.

ولذلك يقول إيبرل إن "النزعة السلمية" ليست ما شكل سياسة ألمانيا، وإنما المنظور الليبرالي الذي يقلل من فاعلية القوة العسكرية، ويشدد على فضائل الدبلوماسية والتجارة والانضباط المالي، وهي المبادئ التي تشكك فيها ألمانيا اليوم، وأضاف في مقالته بمجلة "فورين بوليسي"، "من غير المرجح أن تتلاشى بين عشية وضحاها هذه الافتراضات المتجذرة بعمق في الثقافة السياسية في برلين، لكن من المرجح أن يكون بحث ألمانيا عن مكان جديد في العالم أكثر إيلاماً وبطئاً، وعلى رغم أن ألمانيا لم تكن أبداً قوة مسالمة، إلا أنها قد لا تكون مستعدة لتصبح قوة عسكرية تقليدية حتى الآن".

اليابان تراجع سياستها

اليابان هي الأخرى تحررت بوضوح أكبر من قيود النزعة السلمية، وأزاحت الستار في أواخر العام الماضي عن أكبر ميزانية عسكرية في تاريخها منذ الحرب العالمية الثانية بقيمة 320 مليار دولار وبزيادة بنسبة 57 في المئة عن الميزانية المبدئية، مما يؤهلها بحسب "رويترز" لانتزاع المرتبة الثالثة في قائمة الدول الأكثر إنفاقاً على التسليح بعد أميركا والصين.

وجاء تغيير المسار بالنسبة إلى اليابان التي احتفظت بدستور سلمي صاغته الولايات المتحدة منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، في أعقاب الصدمة التي أثارها هجوم روسيا على أوكرانيا، وفي الوقت الذي تتزايد فيه تهديدات الصين لتايوان وطموحات كوريا الشمالية النووية.

وأقرت الحكومة مراجعة جذرية لسياستها الدفاعية في محاولة للتصدي للنفوذ العسكري الصيني الذي وصفته طوكيو بأنه "تحد استراتيجي غير مسبوق"، وتشكل هذه المراجعة "المرحلة الأخيرة من تطبيع بطيء وتدريجي" لوضع اليابان في مجالي الدفاع والأمن القومي، كما يرى نائب رئيس مكتب الدراسات "تينيو" جيمس برادي.

ويدعم الرأي العام الياباني هذه التغييرات التي تمثل تغيراً كبيراً في سياسة البلد الذي يعتمد دستوراً سلمياً أقر غداة هزيمته في نهاية الحرب العالمية الثانية ويمنعه من امتلاك جيش حقيقي.

وفي صلب "استراتيجيتها للأمن القومي" الجديدة، تخطط اليابان لمضاعفة ميزانيتها الدفاعية السنوية التي تبلغ حاليا نحو واحد في المئة من إجمالي ناتجها المحلي، لتصبح اثنين في المئة بحلول 2027، متبنية بذلك التزاماً مماثلاً قطعته الدول الأعضاء في حلف "الناتو.

وتشدد الاستراتيجية على أهمية "القدرة على شن هجوم مضاد" مشيرة إلى أن النظام الحالي الذي يهدف إلى إسقاط صواريخ محتملة قبل سقوطها على الأراضي اليابانية ليس فعالاً بدرجة كافية، لكن أي ضربة استباقية "لا يمكن السماح بها" بموجب الدستو،. وتريد طوكيو الحصول على صواريخ بعيدة المدى قادرة على ضرب مواقع إطلاق الصواريخ في الخارج إذا تعرضت للهجوم. 

وتعرج وثائق الحكومة على صواريخ توماهوك الأميركية العابرة للقارات التي ذكرت وكالات الأنباء اليابانية أخيراً أن طوكيو ترغب في شراء عدد قد يصل إلى 500 منها، إلى جانب صواريخ "أس أم-6" بعيدة المدى، وهو رقم بحسب مراقبين يتجاوز ما تعتبره اليابان وفق سياستها التقليدية ضرورياً للدفاع عن نفسها، كما تكشف الوثائق عن نية اليابان تعزيز قدرات وحداتها لخفر السواحل وزيادة تعاونها مع جيوش وخفر سواحل دول أخرى، من دون ذكر تفاصيل إضافية.

اليابان تعزز تحالفاتها

وبعد بضعة أسابيع من إعلان اليابان عن مراجعة شاملة لاستراتيجيتها الدفاعية، أجرى رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في يناير (كانون الثاني) الماضي جولة إلى أوروبا وأميركا الشمالية تخللتها محادثات أمنية.

وخلال الزيارة وقع كيشيدا مع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك اتفاقاً عسكرياً يسمح بنشر قوات على أراضي كل منهما، ما يعكس اهتمام بريطانيا المتزايد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وجهود اليابان لتعزيز تحالفاتها خصوصاَ لمواجهة الصين التي تصنفها الحكومة اليابانية على أنها "تحد استراتيجي غير مسبوق" لأمنها.

وأعلنت الولايات المتحدة واليابان الشهر الماضي عزمهما على تعزيز تحالفهما الدفاعي ليشمل التصدي لأي هجوم عبر الفضاء، في خطوة تأتي في خضم تزايد التهديدات الصينية والكورية الشمالية وارتفاع حدة التوترات في شأن تايوا،. وأكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ترحيب الولايات المتحدة بالاستراتيجية الدفاعية الجديدة التي اعتمدتها اليابان.

وأوضح بلينكن أن البلدين اتفقا على أن معاهدة الدفاع المشترك المبرمة بينهما تشمل أيضاً الهجمات التي تتم عبر الفضاء، في خطوة تأتي في خضم تزايد القدرات الصينية عبر الأقمار الاصطناعي، مضيفا أن هذا الاتفاق يعني أن أي هجوم يتم عبر الفضاء ضد أي من البلدين من شأنه أن يفعل المادة الخامسة من المعاهدة الدفاعية الثنائية التي تنص على أن أي هجوم على أي من البلدين هو هجوم أيضاً على البلد الآخر.

من جهته، كشف وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن عن أن بلاده ستنشر في جزيرة أوكيناوا في جنوب اليابان وحدة للتدخل السريع من سلاح مشاة البحرية الأميركية (المارينز) لتعزيز القدرات الدفاعية لحليفتها في مواجهة التهديدات الصينية المتزايدة، وأشار إلى أنه "بحلول عام 2025 سنستبدل كتيبة مدفعية بهذه القوة التي ستكون أكثر فتكاً وأكثر قدرة على الحركة" في "بيئة أمنية متزايدة الصعوبة"، مشدداً على أن هذه الوحدة "ستقدم إسهاماً كبيراً في تعزيز الدفاع عن اليابان وضمان أن تكون منطقة المحيطين الهندي والهادئ حرة ومفتوحة".

العسكرة الجامحة

ووسط تشكل المحاور والتحالفات، لم تمر مساعي اليابان العسكرية مرور الكرام لدى روسيا، التي حذرت طوكيو من العودة إلى "العسكرة الجامحة" مؤكدة أنها "ستثير حتماً تحديات أمنية جديدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ". وقالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان بشأن عقيدة الأمن والدفاع اليابانية، إن "طوكيو على طريق حشد غير مسبوق للقوة العسكرية".

وبعد قرار ألمانيا إرسال دبابات "ليوبارد" إلى ألمانيا الشهر الماضي، اعتبر مسؤولو الكرملين القرار بأنه "عمل عدواني ضد روسيا"، مجددين روايتهم بأن العملية العسكرية كانت ضرورية للدفاع عن المصالح الروسية لا الاستيلاء على أوكرانيا.

وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف لشبكة "سي أن أن" إن التبرعات الأميركية والأوروبية بالدبابات لدعم أوكرانيا ستجلب "مزيداً من المعاناة" إلى البلاد و "تزيد من التوتر في القارة"، محذراً من أنه إذا سلمت دبابات أبرامز أميركية الصنع إلى أوكرانيا، فإنها "ستحترق مثل كل الدبابات الأخرى"، وستكون تكلفتها عبئاً على دافعي الضرائب الأوروبيين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير