Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الوثائق البريطانية: الكل يتهم عون بدم رينيه معوض لكن لا دليل

لندن تتساءل عن غياب حماية الرئيس يوم اغتياله والعماد يتهم سوريا

الرئيس اللبناني رينيه معوض يغادر القصر الرئاسي في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 في طريقه إلى سيارته قبل لحظات من اغتياله (غيتي)

ملخص

تناول الإرشيف البريطاني فرص أن يكون #ميشال_عون متورطاً في اغتيال #رينيه_معوض ... وقالت #لندن في مراسلات الخارجية "الاشتباه في العماد عون على الفور كان لأن شعبية معوض وأسلوبه المعتدل يشير إلى أنه يمكن أن يصبح منافساً كبيراً له"

في الحلقة الماضية استعرضنا بعض وثائق وزارة الخارجية البريطانية التي تحدثت عن عملية اغتيال الرئيس اللبناني رينيه معوض، الذي قتل بواسطة عبوة شديدة الانفجار استهدفت موكبه في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989، وذلك بعد أقل من ثلاثة أسابيع من انتخابه رئيساً تاسعاً للجمهورية اللبنانية.

نتناول في هذه الحلقة واقع البلاد في سنوات الحرب الأخيرة وصولاً للسلام، وأبرز ووجوه المرحلة، ومشهد لبنان في نهاية هذه الحقبة الدموية، وفق وجهة نظر المؤسسة السياسية في لندن.

إسرائيل وفتح وسوريا

كان لبنان خارجاً للتو من ظروف قاسية نتيجة الحرب الأهلية المدمرة التي استمرت لمدة 14 عاماً، وفرض واقع جديد شرحتها وثيقة بريطانية كالآتي، "احتل خلالها الإسرائيليون (ووكلاؤهم) الذين تجاهلوا قرارات مجلس الأمن الداعية إلى انسحابهم من جنوب البلاد".

 

وأضافت "كما طردت منظمة التحرير الفلسطينية مع مقرها السياسي الرئيس ووحداتها القتالية من البلد الذي كانت مستقرة فيه سابقاً، حيث كانت شبه دولة داخل دولة، واحتل السوريون أكثر من نصف مساحة لبنان، وسيطروا على مناطق أخرى بشكل غير مباشر من خلال تغلغلهم في الطائفتين الدرزية والشيعية، وكان نمط التحالفات المتغيرة خلال هذه الفترة مربكاً للغاية، وكانت النتيجة مأساة عامة، غيرت تركيبة السكان، لا سيما داخل بيروت، البلد الذي عاشت فيه الطوائف المختلفة جنباً إلى جنب بسلام".

 

ويشير تقرير وزارة الخارجية البريطانية المدون في تلك الفترة إلى الوضع الإداري والسياسي في لبنان، حيث يقول "لبنان في هذه الفترة ليس لديه مؤسسات سياسية تعمل بشمولية ولا رئيس، بيروت بالطبع في حال خراب إلى حد كبير، لا سيما في الوسط، وفي أماكن أخرى اقتلع السكان من جذورهم، على سبيل المثال من الجنوب، نتيجة لنشاطات منظمة التحرير الفلسطينية وما تلاها من عمليات قصف وتوغلات إسرائيلية، الأراضي التي تسيطر عليها سوريا موبوءة بالإرهابيين الإسلاميين الأصوليين (الذين تتعاون معهم سوريا بدافع التخادم وليس عن قناعة)، وقد استولوا هم والسوريون على مزارع لبنانية تزرع فيها المخدرات وتهرب من منطقة البقاع الزراعية، بلد جميل كان يتمتع باقتصاد مزدهر ذات يوم، ولكن المؤسسات السياسية الضعيفة في حال فوضى تامة... ليس هناك فائدة حالياً من محاولتنا تخمين آفاق جهود اللجنة الثلاثية، لكن المسار الواعد هو على الأرجح السعي لتأمين وقف إطلاق النار وامتناع العراق من العودة لإمداد العماد عون، ليتبعه انسحاب سوري محدود من بيروت (محدود لأنه لا توجد قوى لبنانية قادرة على المهمة)".

الرئيس رينيه معوض

ارتبط اسم الرئيس رينيه معوض بالسلام وبالوفاق الوطني في لبنان وبمدينة الطائف السعودية، التي شهدت تحقيق الوفاق والاتفاق بين الأطراف المتصارعة، وذلك برعاية لجنة الدول العربية الثلاث وهي المغرب والجزائر والسعودية في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز.

تشير السيرة الذاتية للرئيس اللبناني رينيه معوض إلى أنه ولد عام 1925 في قضاء "زغرتا – الزاوية" الواقع شمال لبنان، القضاء القائم على مجموعة من الهضاب مستطيلة الشكل، تحيط بها من كل جانب بساتين الزيتون والليمون وتشكل الطائفة المارونية غالبية السكان فيه.

تخرج معوض عام 1947 في كلية الحقوق بجامعة القديس يوسف للآباء اليسوعيين، ودخل السياسة عام 1951، وانتخب نائباً عن زغرتا عام 1957 ثم استلم حقائب وزارية عدة طيلة الفترة الممتدة من عام 1961 حتى انتخابه رئيساً تاسعاً للبنان عام 1989، وتزوج رينيه عام 1965 من السيدة نائلة عيسى الخوري ولديهما ولدان هما، ريما وميشال.

انتخب في تاريخ 5/11/1989 رئيساً للجمهورية، وكان بذلك هو أول رئيس للبنان بعد اتفاق الطائف، لكنه اغتيل بتاريخ 22/11/ 1989 أي بعد أقل من ثلاثة أسابيع من انتخابه في انفجار استهدف موكبه.

 

وتصف وثائق الخارجية البريطانية الطائفة المارونية في لبنان، بالطائفة المتميزة عن بقية طوائف الكنائس الشرقية، بقولها "يقع مركز الموارنة في قلب بيروت وشرقها وتعد المنطقة الوحيدة من المناطق الواقعة شمال المنطقة العازلة الإسرائيلية وخارج السيطرة أو النفوذ السوري".

وتضيف الوثيقة أن "الأزمة التي أدت إلى تشكيل اللجنة العربية الثلاثية بعد القمة العربية الأخيرة أثارها القائد الماروني للقوات المسلحة اللبنانية، العماد ميشال عون، في تصميمه على طرد القوات السورية التي يوجد منها حوالى 40,000 (جندي) في لبنان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتؤكد الوثيقة نفسها صعوبة مهمة عون وعدم انسحاب القوات السورية للأسباب التالية، "أولاً، إنهم مصممون على ممارسة الهيمنة على لبنان بعد تخوفهم من محاولات مارونية سابقة عام 1982 للتحالف والمصالحة مع إسرائيل، ألد أعداء سوريا. ثانياً، لقد تحالف العماد عون مع العراق، واللجنة العربية الثلاثية وحاولوا حل هذا الخلاف، لكن حتى الآن لم يتراجع أي من الطرفين، ومع ذلك، فإن سوريا تراوغ في الانسحاب وتتذر بأن الصراع ليس بين عون ودمشق، بل بين عون وأشقائه اللبنانيين".

وأضافت "وكما أشرت في مكان آخر، فإن صفاته الشخصية وخبرته البرلمانية الطويلة ومكانته الوطنية كرئيس لإحدى العائلات المارونية الرئيسة، كانت مؤهلات لا غنى عنها للمهمة الصعبة التي کانت تنتظره، كما قال أحدهم كان متعاطفاً مع الجميع وغير متحالف مع أحد، فلماذا تم اغتياله؟".

من المسؤول عن قتل الرئيس؟

في مقابلة صحافية مع صحيفة "عكاظ" السعودية، في عددها الصادر يوم 28 أكتوبر (تشرين الأول) 2014، قالت السيدة نائلة الخوري عقيلة الرئيس رينيه معوض "قلت له بالحرف الواحد، إن ذهابك إلى احتفال الاستقلال بمثابة الدعوة لاغتيالك، فرد (ولماذا يريدون اغتيالي؟)، فأجبته أن لبنان يعيش خضات أمنية وأحداثاً منذ 15 سنة، فلماذا سيسهلون عليك الأمور كافة؟ فأجابني، أنا رجل لا يحمل في كفيه نقطة دم واحدة، ومشهود برفضي المساومات بين الطوائف حتى لو كانت في مصلحة طائفتي أو لأبناء طائفتي، أنا الرجل الذي أحترم الجميع، من يؤمنون بمبادئنا ومن يرفضون أفكارنا، وعندما كنت وزيراً للتربية لم أتخل يوماً عن واجباتي وتواجدت تحت القصف الإسرائيلي في وزارتي بشكل دائم، لأن هناك واجبات في أعناقنا، فلماذا تتصورين دائماً أن هناك من يريد اغتيالي؟".

‏مرت أكثر من ثلاثة عقود على اغتيال الرئيس معوض، وما زالت قضية اغتياله تعد لغزاَ بالنسبة إلى كل متابع وإن كانت الأصابع في هذه القضية وقضايا مماثلة تشير إلى مكان واحد وإلى محور واحد.

كانت جريمة اغتيال مفتي لبنان الشيخ حسن خالد الذي قتل بسيارة مففخة قد سبقت جريمة اغتيال الرئيس بأشهر عدة، كما اغتيل رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري عام 2005 بالطريقة نفسها والأسلوب أيضاً.

 

يتساءل تقرير وزارة الخارجية البريطانية عن الجهة المنفذة المسؤولة عن مقتل الرئيس معوض ويأتي الجواب في الوثيقة كالآتي، "لا يوجد مؤشر واضح على من قد يكون مسؤولاً... كان رد فعل الجمهور في لبنان الشعور بأن مصيرهم ألا يكون لهم رئيس أبداً، وأن يظلوا إلى الأبد محكوم عليهم بالعيش في حال من التشرذم الدستوري، تم الاشتباه في العماد عون على الفور لأن شعبية معوض وأسلوبه المعتدل والتصالحي دائماً تشير إلى أنه يمكن أن يصبح منافساً كبيراً له، كما كان يتمتع بمكانة عالية في الجيش اللبناني، وكان يمكن أن يساعد في نهاية المطاف على تقويض عون. أخبرتني مدام معوض، بعد وفاة زوجها مباشرة، أنه حتى لو لم يكن عون مسؤولاً بشكل مباشر، فهو مسؤول أخلاقياً عن إسهامه في خلق أجواء المواجهة التي كان على معوض أن يبدأ فيها مهمته، أخبرتني لاحقاً أن لديها أدلة يبدو أنها تثبت تورط عون، لم تكن تلميحاتها مثل الأدلة الظرفية التي استشهدت بها مقنعة بشكل خاص، ولكن لا يمكن للمرء أن يستبعد احتمال أنه ربما كان على علم بأن شيئاً ما كان على قدم وساق ولم يفعل شيئاً لمنعه".

موقف الاتحاد السوفياتي

تتضمن إحدى وثائق وزارة الخارجية البريطانية نص رسالة مرسلة من قبل موسكو وفيها، "لقد تلقينا في الاتحاد السوفياتي ببالغ الحزن والأسف خبراً جديداً عن الأعمال المأسوية في لبنان – وهو اغتيال الرئيس المنتخب شرعياً السيد رينيه معوض، نحن قلقون للغاية في ما يتعلق باحتمالية تجديد الحرب الأهلية في لبنان، وإحباط عملية المصالحة الوطنية التي بدأت بالكاد، وبلا شك هذا ما كان يطمح له منفذو عملية اغتيال الرئيس، يعتقد الجانب السوفياتي أنه في الوقت الحالي من المهم للغاية أن يعرب الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن عن موقفهم تجاه هذه الجريمة السياسية ويؤكدون رغبتهم في مواصلة دعم مجلس الأمن الكامل لميثاق أقره البرلمان اللبناني. كما نسعى لمخاطبة أعضاء لجنة جامعة الدول العربية في لبنان من خلال رسالة مماثلة".

العماد عون يدين الاغتيال ويتهم سوريا

وأضاف التقرير البريطاني السري "عون نفسه بالطبع، مثل كثيرين آخرين، بما في ذلك الجميع تقريباً في زغرتا، مسقط رأس معوض، مقتنع بأن السوريين هم المسؤولون، وكان جهاز الحماية المكلف حماية معوض منذ توليه الرئاسة، غائباً بشكل غريب في يوم اغتياله، وقد قيل إن جهازاً بهذا الحجم لا يمكن إدخاله في كشك صغير مكشوف يقع في شارع اعتاد معوض على استخدامه يومياً دون إسهام كبير من قبل سوريا، فالعادة أن تخضع سيارة معوض لرقابة مشددة من قبل أفراد المخابرات والجيش السوري، ويرى آخرون أن معوض كان بالفعل يلمح بممارسة ضغوط  سورية عليه من أجل تشكيل حكومة في وقت مبكر واتخاذ موقف أكثر صلابة ضد عون، بعبارة أخرى، قتل معوض لأنه لم يكن من صنع السوريين، ولا يزال آخرون يشكون في دور إسرائيل أو "حزب الله"، أو مجموعات مختلفة من الحكومة والجماعات الإرهابية... فمن الصعب دحض الادعاء بأن فقط منظمة لديها إمكانات جهاز استخبارات الدولة كان بإمكانها تنفيذ عملية بهذه الدرجة من الدقة".‏

تشييع بغياب الرؤساء الثلاثة

ويتحدث تقرير السفير البريطاني في بيروت عن مراسم تشييع جثمان الرئيس رينيه معوض ذاكراً، أنه "نقل ما تبقى من معوض ليدفن في زغرتا السبت التالي لوفاته، لقد كان احتفالاً عشوائياً كبيراً وحزيناً أقيم في جو متوتر للغاية، لم يحضر الرئيس الجديد (إلياس هراوي) ولا رئيس الوزراء ولا رئيس مجلس النواب شخصياً، على رغم حضور غالبية النواب، وكان التعبير على وجه ممثل الجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي بليغاً عن الرعب الذي شعر به من المثال الأخير للعنف اللبناني".

 

ويضيف التقرير "بينما كنا نسير خلف الموكب في الشوارع الضيقة والمزدحمة يلاحظ المرء أن كل السطوح محاطة بالمخابرات السورية. تحملت السيدة معوض وأبناؤهم إرهاق المناسبة بهدوء وكرامة كبيرين، وعادت أفكار المرء إلى ذلك الرجل الصغير المتلألئ المفعم بالحيوية والودود دائماً الذي حمل نفسه بهدوء ثابت ومبهج في الظروف الصعبة والمثبطة للغاية لرئاسته القصيرة".

وأضاف السفير أنه قال قبل أقل من ساعة من وفاته لأناس كثر بما في ذلك زوجته، أن لديهم شعوراً بأنه على وشك أن يقتل، وحاول البعض، بما في ذلك زوجته نفسها، إقناعه بعدم حضور احتفال اليوم الوطني.

التحقيق في اغتيال معوض

وفق ما ترويه الوثائق البريطانية، أن لبنانيين طلبوا مساعدة بريطانيا في شأن الجوانب الفنية للتحقيق في جريمة الاغتيال، حيث ورد في إحداها "اتصل بي النائب العام جوزيف فريحة برفقة المدعي العسكري العام وقاضي التنفيذ لطلب مساعدة المملكة المتحدة في شأن التحقيق الذي يجرى الآن وفقاً للمذكرة"، وقال فريحة فيها، إن التحقيق أجري من قبل محكمة مستقلة يرأسها هو بنفسه تحت إشراف وزارة العدل، وقد "تلقت تأكيدات رسمية عن الدعم والتعاون من قبل عون، كما حظيت بالدعم الكامل من وزارة الشؤون الخارجية وعائلة معوض، وأكد لي فريحه أن وزارة العدل لم تتأثر بالانقسامات الحالية، لكنها استمرت في العمل بشكل غير جزئي خلال إدارة العدل".

 

 

لكن لم تتمكن الحكومة البريطانية من مساعدة فريق التحقيق اللبناني الذي يرأسه جوزيف فريحة، وذلك لأسباب تتعلق بانشغال المحققين البريطانيين في بريطانيا وعدم إمكان سفرهم إلى بيروت.

أما بخصوص التحقيق فقد جاء في هذه الوثيقة، "لقد ناقشنا طلب المدعي العام مع وزارة الدفاع وشرطة العاصمة، لسوء الحظ فإن الخبراء في المجالات ذات الصلة منشغلون بشدة في الوقت الحاضر، ولا توجد إمكانية إرسال فريق إلى بيروت في المستقبل القريب، ومع ذلك قالت شرطة ميتروبوليتان إنها ستحاول المساعدة في أي طلب يرسل من السلطات اللبنانية للتحليل المختبري في المملكة المتحدة".

المزيد من تحقيقات ومطولات