Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تي شيرت وعلاقات عامة وكلاب... الحرب الأوكرانية في زمن الحداثة

في كل مرة تظهر زيلينسكا ترتعد أوصال الـ"سوشيال ميديا" وهي تعطي للمعارك نكهة ناعمة وللإنسانية ملمح أناقة وللمعاناة لمسة من ألوان الموضة

الرئيس الأوكراني وزوجته أثناء مشاركتهما في حفل إحياء ذكرى مجاعة مات فيها الملايين عام 1933 (أ ف ب)

ملخص

#الرئيس_الأوكراني يخاطب الداخل بالتي شيرت التي يرتديها الجنود والضباط عادة أسفل بدلهم العسكرية

الأيام الـ356 الماضية لم يكن كلها قصفاً وتصويباً وقتلاً وحرقاً ومناورات سياسية وعمليات تكتيكية، بل كانت متخمة بالتي شيرت الزيتوني والتغريدات المنمقة والتدوينات المنسقة والصور الموجهة والفيديوهات المستهدفة والعلاقات العامة المحنكة وقواعد إنتاج النجوم وأساسات صناعة الرأي العام والتعاطف الشعبي والعداء العالمي والتعقل الأممي وأخيراً وليس آخراً أزياء نسائية وغير نسائية بالغة الأناقة، وفي الوقت نفسه يحمل كل منها رسالة بألف كلمة وطلقة وصاروخ.

بينما كانت روسيا تطلق مئات الصواريخ على مواقع عدة في أوكرانيا ضمن ما يتم إطلاقه على مدار الساعة، منذ بدء حربها في أوكرانيا قبل عام، كان هناك من يدفع بالرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي إلى إدهاش العالم بالظهور الأول في أتون الحرب بـ"تي شيرت" وصفه المتابعون العاديون بأنه شبيه بـ"إحدى تلك التي شيرتات القابعة في أسفل خزانة ملابس كل منا ويكون مفيداً من حيث سرعة الارتداء قبل التوجه إلى السوق أو أثناء أداء أعمال يدوية أو بحثاً عن مزيد من الدفء أسفل الملابس الشتوية".

ولولا تكرار اللون الزيتوني نفسه مع تنوع التي شيرتات لظن بعضهم أن الغاية من تي شيرت الرئيس أثناء إطلالاته على شعبه وشعوب العالم توصيل رسالة تتعلق بفقه الأولويات. فلا صوت لأزياء وهندمة البدل وقيود ربطات العنق يعلو على صوت المعركة.


رجل التي شيرت

صوت المعركة دفع بزيلينسكي لأن يكتسب لقب "رجل التي شيرت الزيتوني" وفي أقوال أخرى "رجل التي شيرت العسكرية"، وهو اللقب الذي توارى قليلاً مع بقاء التي شيرت سمة ملاصقة له ومتلازمة لم يعد في الإمكان تخيل رئيس أوكرانيا بسواها. حتى حين حل الشتاء القارس واضطر الرئيس إلى البحث عن قدر أوفر من الدفء، وجده في "سويت شيرت" من اللون نفسه وبالطبع بهدف تحقيق الغرض ذاته.

قبل عام تساءل ملايين في ربوع الأرض "لماذا لا يرتدي الرئيس زيلينسكي سوى اللون الأخضر/ الزيتوني/ الزيتي؟" الاجتهاد في الإجابات نص على أن الرئيس الأوكراني يخاطب الداخل بالتي شيرت التي يرتديها الجنود والضباط عادة أسفل بدلهم العسكرية ليخبرهم أن البلد في حرب والشعب محارب وأنه يتقدم الصفوف، ويخبر الخارج بأن أوكرانيا تحارب.

"أوكرانيا تحارب" إعلان حالة ولوغو وهاشتاغ واسم مطبوع على أكواب القهوة وملصق على خلفيات السيارات. عام كامل من جهود شعبية أوكرانية وأخرى روسية داعمة لهذا الطرف في مواجهة ذاك عبر ملصقات كيدية وشعارات استفزازية وسلع استهلاكية من شأنها أن تدعم دولة على حساب أخرى مع تحقيق هامش من الربح يقولون إنه لصالح الشعب المتضرر.

الشعب المتضرر

الشعب المتضرر موجود في داخل أوكرانيا وكذلك في خارجها. الدول المجاورة وغير المجاورة لأوكرانيا شهدت على مدار العام الماضي نزوح ملايين هرباً من شرور القتال. وبين الملايين النازحة من يعمل على المشاركة في الحرب التي تطفئ شمعتها الأولى لكن في حدود المتاح. ماراثون تنظمه لاجئة أوكرانية شابة في بريطانيا بمساعدة الأسرة المضيفة حيث الجميع يرتدي التي شيرتات الزيتونية الأيقونية مطبوعاً عليها "كن أكثر مثل زيلينسكي". يوم للأنشطة الدولية في مدرسة في بولندا (التي تستضيف نحو مليون ونصف مليون أوكراني) يبيع المأكولات التي صنعها أولياء الأمور لصالح أوكرانيا، ومع كل صحن طعام ملصق "أدعم أوكرانيا" أو "أساند أوكرانيا وأفتخر" وغيرهما. ألمانيا والتشيك وإيطاليا وفرنسا ومولدوفا وسلوفاكيا وتركيا والنمسا وهي أكثر الدول استقبالاً للأوكرانيين الهاربين من أتون الحرب على مدار العام، إضافة إلى روسيا.

عام من الحرب الضارية شهد كذلك ظواهر عجيبة ومظاهر غريبة. بحسب أحدث أرقام صادرة عن موقع "ستاتيستا" للإحصاءات (ديسمبر 2022)، تأتي روسيا على رأس الدول المستقبلة للأوكرانيين الهاربين من الحرب. لعلها من المرات النادرة في التاريخ التي يهرب فيها مواطنو الدولة "المعتدى عليها" إلى الدول "المعتدية" لحين انتهاء الحرب، فما يزيد على مليون و853 ألف أوكراني فروا إلى روسيا على مدار العام.

فرار إجباري إلى روسيا؟

وسائل إعلام غربية وتقارير منظمات حقوقية تصر على أن هذه الأعداد الفارة إلى روسيا "مجبرة" على تلك الوجهة، لكن شهود عيان وقصصاً مصورة تحكيها منصات الـ"سوشيال ميديا" تشير إلى أن عنصر الإجبار لم يكن وارداً. وسواء كان الفرار الأوكراني إلى روسيا إجبارياً أو اختيارياً، فإن أنباء تواردت على مدار العام عن قيام شبكات سرية من المتطوعين الذين يعملون متخفين بمساعدة بعض من الفارين الأوكرانيين للتوجه إلى إحدى دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى جهود أخرى يقدمها متطوعون أيضاً ولكن تشبه إلى حد كبير ما يتم تقديمه للأوكرانيين الذين هربوا إلى دول أخرى.

الهرب إلى روسيا على مدار العام اشتمل كذلك على مساعدات "إنسانية" تقدم للهاربين حتى لو كانوا قد هربوا إلى "فم الدب" كما سمته تقارير إعلامية غربية.

من الدب إلى الكلب

ومن "فم الدب" إلى الكلاب اللطيفة الصغيرة التي وجدت نفسها بطريقة أو بأخرى في أرض المعركة المشتعلة، كما فرضت نفسها بطلاً رئيساً للصور الفوتوغرافية والفيديوهات الموثقة لنزوح ملايين الأوكرانيين، وهي الأبطال التي يقول خبراء إنها كانت على مدار عام الحرب عنصراً رئيساً من عناصر "العلاقات العامة" في الحدث الجلل.

لم تكن الكلاب التي لا حول لها ولا قوة ويحملها أصحابها النازحون المذعورون معهم وحدها بؤرة اهتمام المصورين ومثار تداول وتشارك وتعليق مستخدمي منصات الـ"سوشيال ميديا" حيث تلك الكائنات الوفية تدفع ثمن الحرب وتذوق طعم الهرب والنزوح.

لكن كلاباً أخرى يبدو أنه تم اللجوء إليها لـ"تليين" صورة الجيش الخشنة بطبيعتها. إنه الجيش الأوكراني بالطبع الذي انتشرت صور وفيديوهات لجنوده وضباطه يحملون كلابهم المدللة ويقبلونها والكلاب تهز ذيولها علامة السعادة والبهجة. وما دام الحديث عن كلاب عام من حرب روسيا في أوكرانيا، فليس هناك أفضل من "باترون" للدلالة على المقصود.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"باترون" تعني بالأوكرانية ذخيرة، لكنها أيضاً اسم الكلب الصغير من فصيلة "جاك راسل" صغيرة الحجم التي تتسم بالشجاعة والقدرة الفائقة على الشم. في شهر مايو (أيار) الماضي، تحول الكلب الذي لا يزيد حجمه عن كوب الماء إلى بطل قومي أوكراني، والأهم إلى حديث القاصي والداني على الـ"سوشيال ميديا".

ولو قدر لأوكرانيا أن تدفع ملايين الهرفينيا (عملتها الوطنية) لشن حملة علاقات عامة لجذب الانتباه العالمي، وترجيح كفة الرأي العام تجاهها وترقيق مشاعر شعوب الأرض لناسها لما حصلت على النتيجة ذاتها التي حققها الكلب "باترون" أحد عناصر فريق إزالة الألغام.

تكريم الكلب

وفي حفل بسيط أمام مئات الكاميرات، كرم زيلينسكي "باترون" وقدم له ميدالية "تقديراً لخدماته المتفانية منذ بدء الغزو الروسي". ولم لا؟ و"باترون ساعده بحكم موقعه في فريق إزالة الألغام على اكتشاف ما يزيد على 200 عبوة ناسفة زرعتها القوات الروسية في مدينة "تشيرنهيف" شمال شرقي أوكرنيا. ويشار إلى أن تكريم "باترون" جرى في حضور رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو في كييف.

آلة العلاقات العامة التي سيكتب التاريخ إنها لم تستخدم بهذا الشكل المتفرد والمبتكر في حروب على مر التاريخ شملت خلال العام الماضي كذلك الاستعانة بالمشاهير.

دفق المشاهير المستمر لأوكرانيا طوال العام سلاح ذو حدين. فبينما جانب من العالم يصفق ويهلل لزيارات المشاهير التي تواترت في الأشهر الأولى للحرب ثم خفتت بعض الشيء بمرور الوقت باعتبارها أداة رائعة للإبقاء على اهتمام العالم وتعاطفه مستمرين، ينتقدها بعضهم الآخر من منطلق أن على المشاهير أن يبقوا بشهرتهم بعيداً من الصراعات المميتة.

 

نجوم هوليود مثل جسيكا شاستاين وبن ستيلر وشون بين وأنجلينا جولي توافدوا على أوكرانيا، والتقوا زيلينسكي، وزاروا مواقع الخراب، واحتضنوا الأطفال، وبكوا تأثراً، وغردوا ودونوا عن الزيارة، وضموا أصواتهم إلى صوت زيلينسكي، لا سيما العبارة المتكررة "أوكرانيا تحتاج إلى أسلحة أكثر".

حضور المشاهير ملأ فراغاً كبيراً على ساحة الحرب، على الأقل افتراضياً. فقوة أوكرانيا العسكرية - من دون دعم الغرب - أضعف بمراحل من روسيا. وهذا "الضعف" يعوضه إما إرسال أسلحة أكثر أو التغلب على روسيا في ساحة حرب أخرى ألا وهي ساحة التعاطف والاهتمام على المنصات العنكبوتية، ويفضل كليهما.

جاذبية الكلب

كل الزيارات والتكريمات والنداءات تتحول إلى ملايين التغريدات والتدوينات وتتحول إلى محركات مشاعر ومحفزات أحاسيس. في تقرير مصور بثته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في أبريل (نيسان) الماضي، قال أستاذ التسويق السياسي في جامعة ليستر البريطانية بول باينز إن "الكلب باترون" أضاف جاذبية ولطفاً للمعركة، ويكفي أنه (الكلب) حاز على تغريدة مطولة كتبها رئيس الوزراء الكندي ترودو وتمت إعادة مشاركتها في أرجاء الأرض ملايين المرات، ناهيك عن أخبار التكريم على حساب الكلب نفسه على "تيك توك". كذلك فعلت زيارات المشاهير، وبالطبع ترسانة الفيديوهات الرائعة التي يتم تصويرها من قبل أوكرانيا وبثها على منصات الـ"سوشيال ميديا" التي تحقق الغرض منها وأكثر، هذا إضافة إلى أداة الإعلانات الفريدة التي تستخدمها أوكرانيا وتأتي بثمارها.

الإعلان الذي ذاع صيته كثيراً وتم بثه من قبل أوكرانيا على منصات التواصل الاجتماعي يصور سيدة تزود سيارتها بالوقود، ثم تبتسم وتقول إن دول الاتحاد الأوروبي المستمرة في شراء مصادر الطاقة من روسيا تمول فعلياً جهود روسيا العسكرية وتقتل الأوكرانيين. وفي خلال أسابيع محدودة، حظي الإعلان بنحو أربعة ملايين مشاهدة.

يقول باينز إن هذا الإعلان كان أحد جهود أوكرانيا لعزل روسيا اقتصادياً. تم بث الإعلان في أبريل (نيسان)، وفي الشهر التالي، اتخذ الاتحاد الأوروبي تعهداً بمنع 90 في المئة من واردات روسيا من الغاز بنهاية العام. وبعيداً من تعثر أو نجاح أو تعديل أو تأجيل لمسار القرار، تبقى قوة الإعلانات نافذة على مدار عام من عمر هذه الحرب.

إعلانات زيلينسكي

"إعلانات" زيلينسكي كثيرة على الـ"سوشيال ميديا". بعضهم لا يصنفها "إعلانات"، لكنها بشكل أو بآخر تقوم بدور الإعلان. يقول بول باينز إن صناعة الفيديو متطورة جداً في أوكرانيا، مشيراً إلى أن عشرات "الإعلانات" التي ظهر فيها زيلينسكي على خلفية مبان مهدمة، أو مع الجنود، أو في محطات المترو تحت الأرض مع الأهالي وغيرها، يتم إنتاجها باحتراف عال، ومصنوعة بشكل يحقق الهدف منها لدى الفئة المستهدفة من المتلقين.

المتلقون على مدار العام وجدوا أنفسهم أمام خيارات عديدة لدعم أوكرانيا عبر منصات غير تقليدية. بالطبع هناك القنوات الكلاسيكية حيث "تبرعوا من أجل أوكرانيا" "جنيه أو دولار أو يورو قادر على إحداث الفرق في أوكرانيا"، لكن هناك كذلك منصة المساعدة عبر اقتناء الفنون الأوكرانية.

"مركز دنبيرو للثقافة المعاصرة" (دنبيرو رابع أكبر مدينة في أوكرانيا) يعرض مئات اللوحات الفنية التي رسمها فنانون وفنانات أوكرانيون معاصرون. يمكن للراغبين في شراء اللوحات، التي يذهب ريعها لتوفير الواردات اللازمة للجنود الأوكرانيين والنساء اللاتي يحتجن إلى مساعدات طبية عاجلة أو إعادة تأهيل، شراءها عبر الموقع، على أن تصل اللوحات المشتراة لطالبيها في جميع أنحاء العالم في غضون شهرين، باستثناء روسيا وبيلاروس، الممنوعتين من الشراء لأسباب تتعلق بشن الحرب والموقف منها.

البروباغندا "بتصرف"

الحرب صنعت "أسطورة" علاقات عامة أوكرانية لم تكن على بال أو خاطر ولا تخلو من توجه إعلامي فريد ومحتوى بروباغندا من شأنه أن يعيد صياغة وتعريف البروباغندا. فبينما تقف الآلة الإعلامية الروسية على الجانب الآخر حيث "البروباغندا" بمعناها التقليدي المعروف، تمضي نظيرتها الأوكرانية لتسطر فصلاً جديداً في كتاب آلات الحرب الإعلامية "بتصرف".

بدلاً من الانتصارات العظيمة والقوة التي لا تقهر والعزيمة التي لا تلين والبأس الذي لا ينكسر والعضلات التي لا تقهر والبدلات الرسمية التي لا تدع مجالاً لتجعيدة ناجمة عن سوء غسيل هنا أو خطأ في المكواة هناك، تأتي الانتصارات الصغيرة والقوة النابعة من رحم الضعف الإنساني والإيمان بالحق والتمسك بتلابيب الديمقراطية والعضلات المعتمدة على الدماغ لا الألياف العضلية والعمل الشاق في الـ"جيم" والتي شيرتات الرثة التي لا تعكس إلا انشغالاً بالشعب وانغماساً في الحق ودفاعاً عن الخير وترجيحاً لـ"الشجاعة" وليس القوة الغاشمة.

في تعليق صوتي على أحد الفيديوهات الأوكرانية المتداولة على الـ"سوشيال ميديا" تتواتر الكلمات المؤثرة "ليس للشجاعة وصفة باستثناء الأسيتون والبوليترين والوقود وقطعة قماش قديمة"، ثم تظهر لقطة لرجل يلقي بزجاجة مولتوف! إنها الشجاعة!

فيديوهات عديدة متداولة أيضاً تدور حول كلمة واحدة "الشجاعة" التي يصفها "صانعو المحتوى" بأنها من المعاني القادرة على رفع الروح المعنوية وإشاعة أجواء من الإيجابية على رغم الآلة العسكرية الروسية القابلة للانهزام طالما تحلى الأوكرانيون بـ"الشجاعة" ولو عبر أعمال صغيرة.

وفي هذا الصدد يجب الإشارة إلى أن عديداً من شركات التسويق والعلاقات العامة الصغيرة والشابة في مناطق عدة حول العالم تطوعت بالوقت والأفكار والمجهود لدعم صورة أوكرانيا عنكبوتياً.

آثار عنكبوتية مدوية

يمكن القول إن الجانب العنكبوتي في الحرب له آثار مدوية. وبعيداً من فيديوهات الإعلانات والتوثيقات الشعبية والرئيس الطالب لدعم أوكرانيا، فإن تغريدات وصور وأزياء زوجة الرئيس ظلت ذات قدرة انتشار النار في هشيم الإنترنت على مدار العام.

شهد عام من الحرب كماً مذهلاً من أزياء السيدة الأولى وأنشطتها وتغريداتها وصورها. على سبيل المثال لا الحصر، يبلغ عدد متابعي السيدة أولينا زيلينسكا على "إنستغرام" وحده نحو 3.2 مليون شخص. السيدة التي بدأت حياتها المهنية كسيناريست للأعمال الكوميدية بينما كان زوجها ممثلاً كوميدياً تقف وراءها آلة إعلامية وعلاقات عامة ضخمة، إن لم تكن من حيث الحجم، فبالتأثير.

 

يزور علماء نفس ومعالجون أوكرانيون إسرائيل للتدريب على "علاج الصدمات"، فتتحدث السيدة الأولى عن التعاون بين البلدين وكيف أن "أوكرانيا تعتبر إسرائيل مصدر إلهام للصمود بالنظر إلى تاريخها في مواجهة هجمات جيرانها"، وكيف أن "الأوكرانيين يرون في قوى الإسرائيليين وقدرتهم على الصمود في الوضع الصعب الذي تعيشه بلادهم منذ سنوات قدوة لهم".

وفي زيارتها لبريطانيا تواترت التغطيات والتغريدات والصور والفيديوهات عن الكلمة التي ألقتها أمام البرلمان البريطاني ومطالبتها المملكة المتحدة مساعدة أوكرانيا للمضي قدماً في تقديم روسيا للمحاكمة الدولية لـ"جرائم الحرب" التي ترتكبها. "بي بي سي" من جهتها اختارت زيلنيسكا ضمن قائمة أكثر 100 سيدة تأثيراً وإلهاماً حول العالم في عام 2022.

وقبلها تحدثت أمام الكونغرس الأميركي حيث لم تكن هناك فرصة أفضل من تلك لتدشين "مؤسسة أولينا زيلينسكا" المعنية بتأمين التعليم والدواء والمساعدات الإنسانية للأوكرانيين.

ارتعاد أوصال السوشيال ميديا

وفي كل مرة تظهر السيدة زيلينسكا، ترتعد أوصال الـ"سوشيال ميديا" ويزدحم الأثير بالتغريدات والصور وإعادة تشاركها وما يعني ذلك من توسيع قاعدة الفائدة المرجوة منها مع تحقيق ميزة إضافية، ألا وهي إعطاء طابع ناعم للحرب وإنساني للمعاناة وأنيق للمأساة.

أناقة أولينا زيلينسكي وقفت هي الأخرى على طرفي نقيض طوال عام الحرب. من غلاف مجلة "فوغ" تحت عنوان "بورتريه الشجاعة" إلى متابعة جنونية مليونية لكل ما ترتديه من أزياء إلى تحليل لرمزية هذا اللون ومعنى هذا الموديل، وثقت السيدة الأوكرانية الأولى أقداماً ثابتة في عالم الموضة من باب الحرب.

وعلى رغم عديد من الأصوات والآراء المعارضة لهذه الأناقة، وذلك التركيز على الخطوط والموديلات في وقت الأزمة، إلا أن الرأي العام العالمي الغربي يميل إلى الدفاع عن أناقة زيلينسكا وتبرير الشياكة وتعليل الذوق العالي. ليس هذا فقط، بل إن وكالات أنباء عالمية أخذت على عاتقها مهمة التأكد من صدق الصور والتيقن من حقيقة الأكسسوارات والساعات والملابس الفاخرة وغيرها التي ترتديها زيلينسكا التي يجري تداول صورها من قبل منتقدين لذلك التوجه بينما بلدها تعاني ويلات الحرب.

ويلات الحرب وهولوغرامها

ويلات الحرب على مدار عام سلطت الضوء كما لم يسلط من قبل على التقنيات الرقمية ودورها الذي لم يعد هناك مجالاً لإنكار أثره. في يونيو (حزيران) الماضي اختار الرئيس زيلينسكي أن يتحدث إلى قادة شركات التكنولوجيا المجتمعين في باريس في مؤتمر "فيفا تك" عبر تقنية الهولوغرام وهو يشير إلى فيلم "حرب النجوم". قال: "هذا ليس الجانب الوحيد من الفيلم الذي نقوم نحن بتنفيذه في الواقع. سنهزم الإمبراطورية (روسيا) والأشرار (القوات الروسية) قريباً".

ويرى بعضهم أن الغرض من اختيارات زيلينسكي التقنية المستمرة منذ اليوم الأول للحرب هي جذب شركات التكنولوجيا في صف أوكرانيا لمساعدتها ودعمها، إن لم يكن بالدبابات والطائرات، حيث إنها لا تملكها (على الأقل مباشرة)، فبالتقنيات وكسب أرض المعركة الإعلامية والشعبية والتأثيرية.

مر عام من الحرب التي تحمل بكل جدارة لقب "أكثر حروب العصر الحديث غرابة وتفرداً وحداثة". وبينما تدخل الحرب عامها الثاني، يتوقع المتابعون والمهتمون والضالعون أن يأتي العام الجديد بمزيد من الغرائب وأدوات الصراع الغارقة في الحداثة ومقاييس النصر والخسارة التي هي أبعد ما تكون عن المتوقع والمعروف.

المزيد من تحقيقات ومطولات