Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بحر الصين الجنوبي... معركة قديمة عززت احتمالاتها حرب أوكرانيا

تجاوز الصراع حول المسطح المائي نطاق النزاعات الإقليمية والنفطية وأصبح "ساحة معركة" جديدة للتنافس الاستراتيجي بين القوى الكبرى

الصين قد تستغل الفراغ في آسيا إما بالهجوم على تايوان أو تعزيز وجودها في بحر الصين الجنوبي والشرقي (أ ف ب)

ملخص

تجاوز الصراع حول #بحر_الصين_الجنوبي نطاق #النزاعات_الإقليمية والنفطية، وأصبح "ساحة معركة" جديدة للتنافس الاستراتيجي بين #واشنطن و#بكين.

في سياق منافسة القوى العظمى، برز #بحر_الصين_الجنوبي كساحة للمنافسة الاستراتيجية بين #الولايات_المتحدة و#الصين، حيث تحظى المنطقة بأهمية استراتيجية وسياسية واقتصادية للولايات المتحدة وحلفائها. فاليابان تحتفظ بنفوذ اقتصادي كبير في منطقة بحر الصين الجنوبي، وفي السنوات الأخيرة أشارت القوى الأوروبية الرئيسة مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا و#الاتحاد_الأوروبي على نطاق أوسع، إلى التزامها بتوسيع التعاون الاستراتيجي ذي البصمة الاقتصادية في المنطقة، فيما حظيت روسيا بعلاقات خاصة مع دول المنطقة تعلقت ببيع #السلاح.

وقد جاءت الحرب في أوكرانيا في وقت يشتد فيه التنافس بين القوى العظمى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ أو ما يعرف بـ"الإندوباسيفيك"، ويزداد الجدل بشأن استمرار النظام العالمي الليبرالي وصعود نظام متعدد الأقطاب. ومن ثم باتت منطقة جنوب شرقي آسيا تترقب عن كثب تلك الحرب الجارية على حدود أوروبا الشرقية، لما سيكون لها من تداعيات عليها.

أهمية بحر الصين الجنوبي

يمر ما لا يقل عن ثلث التجارة البحرية العالمية عبر بحر الصين الجنوبي، وتزداد أهميته الاستراتيجية في ظل التقديرات التي تشير إلى وجود نحو 11 مليار برميل من النفط و190 مليار قدم مكعب من احتياطات الغاز الطبيعي، إضافة إلى أنه منطقة صيد غنية وضرورية للأمن الغذائي، بحسب مجلس العلاقات الخارجية، في نيويورك. ويقول باحثون إنه في سياق سعيها إلى استغلال الموارد الهيدروكربونية في هذه المنطقة، قامت الصين بإرسال سفن للتنقيب عـن النفط بالقرب من جزر باراسيل، وهو ما أدى إلى تصاعد التوتر مع فيتنام في مايو (أيار) 2014، كما قامت ببناء جزر جديدة قرب جزر سبراتليز المتنازع عليها في إطار تأكيد أحقيتها في هذه الجزر.

وطالما انتقدت واشنطن تصرفات بكين في المنطقة، بما في ذلك أنشطة بناء الجزر وإنشاء القواعد العسكرية في المواقع التي تحتلها في جزر سبراتلي، ناهيك عن الإجراءات التي تتخذها قواتها البحرية لتأكيد سيادة الصين ضد مطالبات الجيران الإقليميين مثل الفيليبين وفيتنام. وإضافة إلى الصراعات حول الجزر وملكيتها، تتنازع الدول المطلة على البحر حول ترسيم الحدود المائية، لأنها تعطي حق التحكم الاقتصادي لتلك الدول في مياه بحري الصين الجنوبي والشرقي الغنيين بالمعادن والثروات البحرية، اللذين يعتبران جزءاً من الاتصالات البحرية الدولية المهمة.

يقول بونجي أوهارا، الزميل لدى مؤسسة "ساساكاوا" للسلام ومقرها طوكيو، إن ذلك المسطح المائي الذي يعد بحراً مغلقاً، هو مفتاح أمن الصين. وإلى جانب ثرواته الطبيعية، يوضح أوهارا أن بحر الصين الجنوبي مهم للدوريات الاستراتيجية لغواصة الصواريخ الباليستية النووية الصينية، التي تحتاج إلى دخول غرب المحيط الهادئ للقيام بمهمات الردع النووي ضد الولايات المتحدة، كما يمكن لبحر الصين الجنوبي أن يكون بمثابة منطقة عازلة للصين إذا شنت الولايات المتحدة هجوماً عسكرياً ضد بكين.

وأشارت ورقة بحثية صادرة عن خدمة أبحاث الكونغرس، مطلع فبراير (شباط) الجاري، إلى بعض نقاط القلق بالنسبة إلى الولايات المتحدة في منطقة بحر الصين الجنوبي مثل الانتهاكات التي تقوم بها القوات البحرية الصينية في جزر سينكاكو الواقعة تحت سيادة اليابان في بحر الصين الشرقي، والهيمنة الصينية على منطقة البحار القريبة من الصين - التي تتضمن بحري الصين الجنوبي والشرقي إلى جانب البحر الأصفر - مما يمكن أن يؤثر بشكل كبير في المصالح الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ "الإندوباسفيك" وأماكن أخرى. فيبقى بحر الصين الجنوبي واحداً من المراكز الاستراتيجية لتوسيع دور بكين عالمياً، لاسيما من خلال تحكمها في خطوط التجارة الدولية.

حرب أوكرانيا وتداعيات على بعد آلاف الأميال

لكن في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا، بدأت تشعر دول رابطة جنوب شرقي آسيا بالقلق بشأن الآثار المترتبة على بحر الصين الجنوبي، الذي تتنازع حوله كل من الصين وفيتنام والفيليبين وبروناي وتايوان وماليزيا. فمحاولة روسيا أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن تتداخل مع تحركات الصين في بحر الصين الجنوبي، ومن ثم فإن تحقيق روسيا أهدافها في أوكرانيا، ربما يسفر عن تداعيات غير مرغوبة في جوارها.

وفي مارس (أذار) 2022، غرد رئيس وزراء سنغافورة لي هسين لونغ، على "تويتر" معرباً عن قلقه من تكرار ما يحدث في أوكرانيا في جنوب شرقي آسيا، وحذر من أنه إذا كانت العلاقات الدولية تقوم على القوة "فسيكون العالم خطراً على البلدان الصغيرة. ولهذا السبب تدعم سنغافورة بشدة القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة". فبالنسبة إلى رابطة دول جنوب شرقي آسيا، يقول المراقبون إن الهجوم الروسي على أوكرانيا يوازي تحركات الصين التوسعية في بحر الصين الجنوبي، التي يرونها أيضاً محاولة من جانب واحد من جار عملاق لتغيير الوضع الراهن.

وعندما شنت روسيا حربها أو ما تصفه بـ"العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، كتب عديد من المراقبين في منطقة جنوب شرقي آسيا يعربون عن تلك المخاوف بشأن هيمنة نفوذ الصين على المنطقة ومنه فرض رغبتها في القوة. وكتب غيلانغ كيمبارا الباحث لدي مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في إندونيسيا، في مقالة رأي بصحيفة "جاكرتا بوست"، يقول إن حالاً من القلق تسود المنطقة بشأن انشغال الولايات المتحدة بالصراع في أوروبا، ومن ثم تستغل الصين ذلك الفراغ في آسيا إما بالهجوم على تايوان أو تعزيز وجودها في بحر الصين الجنوبي والشرقي.

وأشار مايكل غرين، المتخصص في الشؤون الآسيوية لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إلى أن هناك قلقاً، بخاصة في تايوان واليابان، حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تستطيع التعامل مع أزمتين أمنيتين كبيرتين إذا اندلعت أزمة في آسيا، بينما لا تزال الحرب في أوكرانيا قائمة.

وقالت شارمين ميسالوتشا ويلوغبي، أستاذة الدراسات الدولية في إحدى جامعات مانيلا في الفيليبين، في لقاء سابق مع مؤسسة "فريدرش إربيرت ستيفتونغ"، للأبحاث السياسية في ألمانيا، إن الحرب في أوكرانيا مثلت تحدياً مباشراً للنظام القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ تأسس النظام العالمي الحالي على فكرة وحدة سيادة الدول، وهو مفهوم مشتق من نموذج ويستفاليا الذي يعترف بمركزية الدولة وقيمة عدم التدخل في الشؤون الداخلية. لكن من خلال الحرب على أوكرانيا، انتهكت روسيا المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه النظام الدولي القائم على القواعد الليبرالية. في الوقت نفسه، عمل التحرك الروسي على إضعاف فكرة الهيمنة والقيادة الأميركية، لا سيما في المنابر متعددة الأطراف.

وبالنظر إلى تأثير الحرب في النظام العالمي، تقول ويلوغبي إنه ليس هناك شك في أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ ستتحمل أيضاً وطأة الديناميكيات الجيوسياسية المتغيرة. لقد ولد دعم الصين الضمني لروسيا مخاوف في الولايات المتحدة ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ من أن بكين يمكن أن تتخذ إجراء مماثلة ضد تايوان. في الوقت نفسه، يسلط الضوء على المعضلات التي تعانيها القوى الصغيرة والمتوسطة في جنوب شرقي آسيا التي تعتمد اقتصادياً على القوة الصاعدة، أي الصين. ومع ذلك فإن التأثيرات الأكثر تحديداً ستكون في سلاسل الطاقة والإمداد العالمية، وهي المجالات التي يمكننا أن نتوقع فيها حدوث تطورات تدريجية ولكن مع عواقب طويلة الأجل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

روسيا لاعب رئيس

تلعب روسيا أيضاً دوراً كبيراً في تلك المنطقة عبر علاقاتها الوثيقة مع دول الآسيان "رابطة دول جنوب شرقي آسيا"، التي تتعلق بالتعاون الاقتصادي والعسكري طويل الأمد. فطالما استطاعت موسكو الاحتفاظ بالحياد في النزاعات القائمة في تلك المنطقة، وقد عملت كمراقب جغرافي واقتصادي في الصراعات على الأراضي في شرق آسيا من خلال اتباع سياسة فريدة من نوعها، تقوم على التوازن بين علاقاتها بالصين وعلاقتها مع دول الآسيان. فعلى رغم علاقاتها الوثيقة مع بكين، قامت موسكو بتسليح دول المنطقة مثل فيتنام، وبدرجة أقل ماليزيا، بينما تعمل بنشاط على إقامة علاقات دفاعية قوية مع الفيليبين وإندونيسيا.

ويقول ريتشارد جافاد هيدريان، الباحث لدى جامعة تشنغتشي الوطنية، في تايوان، إنه بصرف النظر عن كونها أكبر مورد دفاعي لجنوب شرقي آسيا، كانت روسيا أيضاً لاعباً رئيساً في تطوير موارد الطاقة البحرية في بحر الصين الجنوبي، وكذلك في ما يسمى "بحر ناتونا الشمالي" قبالة سواحل إندونيسيا. فبينما حاولت شركات الطاقة الغربية تجنب المواجهة مع الصين، وغالباً ما تتراجع عن الاستثمارات في المناطق المتنازع عليها، سعى النظراء الروس إلى سد أية فجوات استثمارية كبيرة.

إدراكاً لميل دول جنوب شرقي آسيا للتنويع الاستراتيجي، يضيف هيدريان أن روسيا قدمت نفسها على أنها "قوة ثالثة" يمكن الاعتماد عليها لكل من الغرب والصين. وفي ظل حرصها على إبقاء موسكو في صفها، بخاصة في خضم حرب باردة جديدة مستعرة مع الغرب، تسامحت بكين إلى حد كبير مع حليفها الاستراتيجي المزعوم في ساحتها البحرية الخلفية.

محور الصين روسيا

ومع ذلك ونتيجة حرب أوكرانيا وما تلاها من تحويل روسيا إلى أكثر دول العالم تعرضاً للعقوبات، فإن الحرب قد تعيد تشكيل التحالفات الاستراتيجية في منطقة جنوب شرقي آسيا. فالعزلة الجديدة لروسيا لا تعني فقط تقليصاً استراتيجياً في جنوب شرقي آسيا، ولكن أيضاً زيادة الاعتماد على الصين.

فوفقاً للمراقبين، فإن موسكو لن تكافح فقط لإبرام صفقات دفاعية وطاقة كبرى، وذلك بفضل وابل العقوبات الغربية الجديدة، ولكن اعتمادها المتزايد على الصين قد يؤدي أيضاً إلى تقليص استراتيجي في بحر الصين الجنوبي. ويقول هيديريان إنه على غرار سياسة موسكو الإمبراطورية، ستكون بكين في وضع قوي لتأكيد "مجال نفوذها" في جنوب شرقي آسيا بشكل عام وبحر الصين الجنوبي بشكل خاص، على حساب روسيا.

وفي وقت سابق، أقر كبار المسؤولين الروس علناً بأن بكين هي خيارهم الاحتياطي النهائي وسط مقاطعة غربية شاملة بشكل متزايد للأسواق والمنتجات الروسية. نتيجة لذلك، قد تضطر موسكو إلى إعادة النظر في تسليح ودعم خصوم الصين عبر المياه المجاورة من أجل إبقاء بكين إلى جانبها في هذه الأوقات الصعبة.

لكن ذلك يعني تشكيل محور صيني - روسي في المنطقة في مواجهة المحور الغربي بقيادة أميركا. ويقول باحثون من معهد "يوسف إسحق" المعني بدراسات جنوب شرقي آسيا في سنغافوة، إنه مع تنامي التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، ستتعزز الرابطة الصينية - الروسية. وبينما تمتنع البلدان عن أن يصبحا حليفين رسميين ضمن معاهدة ما، سيزداد التعاون العسكري والتنسيق الدبلوماسي بينهما، إذ ستواصل موسكو وبكين العمل على مواجهة الهيمنة الأميركية وتقويض التحالفات والشراكات الأميركية في المنطقة. ففي ميانمار، ستكون المصالح الصينية والروسية مكملة إلى حد كبير حيث تحتفظ بكين بدورها كأهم شريك اقتصادي للبلاد حتى عندما تصبح موسكو المورد الرئيس للسلاح للمجلس العسكري. وبينما سيبقى بحر الصين الجنوبي يمثل خطاً محتملاً في العلاقة، إذ تواصل بكين الدفع في مساعيها بالهيمنة، فربما ستضطر موسكو إلى الإذعان في النهاية لمطالب الصين من أجل الحفاظ على الشراكة الاستراتيجية الشاملة.

قوة الصين تقوض الهيمنة الأميركية

القوة الاقتصادية للصين مكنتها بشكل كبير من تسريع وتيرة الحشد والتحديث العسكري الذي عزز بشكل واضح القدرات العسكرية لجيش التحرير الشعبي لمواجهة أي تهديد محتمل لمصالحه الأساسية. ومن ثم باتت تعمل القوتان الاقتصادية والعسكرية الصاعدتان للصين على إعادة تشكيل هيكل الأمن الإقليمي، مما يؤدي إلى تآكل القوة المهيمنة للولايات المتحدة في المنطقة.

وفق ورقة بحثية نشرها "المعهد الملكي إلكانو" في مدريد، المتخصص في الأبحاث السياسية، فإن نزاع بحر الصين الجنوبي تجاوز نطاق النزاعات الإقليمية والنفطية، وأصبح بدلاً من ذلك "ساحة معركة" جديدة للتنافس الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة. وقد أدى تنامي قوة الصين ونفوذها إلى اختلال التوازن الاستراتيجي في شرق آسيا، وغذى بشكل كبير المنافسة الاستراتيجية الصينية - الأميركية التي تسببت في تصعيد التوترات في نزاعات بحر الصين الجنوبي.

نظراً إلى الأهمية الجيوسياسية والجيواقتصادية والجيواستراتيجية للمنطقة، ستعزز هيمنة الصين في بحر الصين الجنوبي بشكل كبير الاقتصاد والطاقة والأمن القومي. علاوة على ذلك، فإن سيادة الصين على بحر الصين الجنوبي ستحد بشكل كبير من قوة الولايات المتحدة في شرق آسيا وتحسن بيئتها الاستراتيجية. ويضيف المعهد الإسباني "يبدو أن لا مفر من أن قوة الصين الصاعدة ونفوذها وتزايد إصرارها في بحر الصين الجنوبي سيقوض هيمنة الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وربما يتحدى قوتها المهيمنة... في ظل هذه الخلفية، فإن النزاعات وحلها أصبحت أكثر تعقيداً".

استراتيجية التحالفات الأميركية

لطالما أظهرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أن القضية الحاسمة للقرن الـ21 هي التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين. وعندما وصل إلى منصبه، ردد مراراً أن احتواء صعود الصين يمكن أن يتم بشكل متعدد الأطراف، بالتعاون مع الحلفاء في أوروبا على وجه الخصوص، على رغم أن الأخيرة أظهرت مراراً أنها لا تريد الانضمام إلى هذا التنافس.

ولمواجهة نفوذ الصين المتزايد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تعتمد الاستراتيجية الأميركية على الشراكات والتحالفات، فأعادت الولايات المتحدة مع أستراليا واليابان والهند التحالف الرباعي (كواد أو الحوار الأمني الرباعي)، وهو منتدى استراتيجي لتبادل المعلومات والتدريبات العسكرية بين الدول الأعضاء. وبالفعل أجرت دول (كواد) الأربع مناورات بحرية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، في خليج البنغال وبحر العرب بمشاركة أستراليا. وترتبط دولتان من المجموعة بعلاقات مضطربة مع بكين بلغت مستوى المواجهة، فالهند والصين تتنازعان حول تخوم جبال الهيمالايا، فيما تقع المواجهة مع اليابان بشأن المياه المتنازع عليها وجزر سينكاكو في بحر الصين الشرقي. وتحتفظ كل دولة من الدول الأعضاء الأربع بوجود عسكري لا يستهان به في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وجميع الدول تضاعف من هذه القوة لمجابهة التوسع الصيني، كما تشعر جميعها بأن الصين تهددها.

كذلك أعلن البيت الأبيض في قمة افتراضية في سبتمبر (أيلول) 2021، تشكيل تحالف أمني استراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ باسم "أوكوس"، يضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، ينطوي على مجالات تعاون تتعدد بين تقنيات الأمن الإلكتروني والذكاء الاصطناعي والقدرات البحرية تحت الماء والصواريخ الفوق الصوتية، وتسريع استحواذ أستراليا على الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية.

برايان هاردينغ، كبير خبراء آسيا لدى معهد الولايات المتحدة للسلام، قال إن "هذه هي المنطقة الأكثر ديناميكية في العالم، هذا هو المكان الذي سيكتب فيه تاريخ القرن الـ21. كثير من ذلك يتعلق بصعود الصين وديناميكية القوة التي تتغير بالفعل"، وهو ما يتفق مع تعليقات لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أدلى بها في مستهل توليه منصبه، واصفاً العلاقة بين واشنطن وبكين بأنها "أكبر اختبار جيوسياسي للقرن الـ21".

وأخيراً، أقر كورت كامبل، منسق شؤون المحيطين الهندي والهادئ في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، بأن الإدارات السابقة أرادت بالمثل التركيز على المنطقة، لكنها انجرفت بسبب تحديات أخرى. وجادل كامبل أنه في حين أن إدارة باراك أوباما تركت عن طريق الخطأ انطباعاً بأن تركيزها على آسيا يعد تحولاً بعيداً من أوروبا، فإن إدارة بايدن تعمل على تكامل النهج بشكل أوثق. وقال المسؤول الأميركي إنه يقضي كثيراً من الوقت في التحدث مع الشركاء الأوروبيين حول مختلف مبادرات المحيطين الهندي والهادئ، كما هو الحال مع حلفاء المحيطين.

وتقول مجلة قضايا آسيوية التي تصدر عن المركز الديمقراطي العربي في برلين، إن الدوافع التي شجعت الولايات المتحدة على المضي في تشكيل التحالفات مثل إطار عمل التحالف الرباعي (كواد)، هي الرغبة الأميركية في استمرار تفوقها في منطقة الإندوباسفيك، ومواجهة تهديدات الصين في المنطقة، والحفاظ على حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، وتقاسم أعباء الحماية الأمنية والعسكرية في المنطقة، إلا أنها في الوقت نفسه تواجه معوقات وتحديات تتمثل في غياب التحالفات الأمنية والدفاعية متعددة الأطراف في آسيا، وعدم اتفاق حلفاء واشنطن الآسيويين على معاداة الصين، وهيمنة الصين الاقتصادية في المنطقة، وتباين الاستراتيجية الأميركية والأوروبية بشأن احتواء الصين.

لكن الاستراتيجية الأميركية في دول جنوب شرقي آسيا وجزر المحيط الهادئ، لا تقتصر على الردع العسكري والأمن الإقليمي للحلفاء، بل تتضمن عديداً من الأدوات. فتشير نوارة الخيري في مجلة قضايا آسيوية، إلى آليات تنفيذية عدة تمثلت في توجيه الموارد الجديدة إلى المنطقة من ناحية القدرات العسكرية والأعمال التنموية والصحية والأمنية، وكذلك الدبلوماسية بفتح القنصليات والسفارات الجديدة، إلى جانب العمل على إقامة شراكات جديدة لدعم المنافع الاقتصادية المتبادلة، كذلك توسيع التعاون مع منظمة الآسيان ودعم وتعزيز الصمود والقيادة الإقليمية للهند، وتعميق التعاون الثلاثي مع اليابان وكوريا الجنوبية، ودعم الشراكة الأميركية مع جزر المحيط الهادئ، ومحاربة الفساد ودعم الديمقراطية، ناهيك عن تحسين الأمن السيبراني والبنية التحتية الرقمية.

المزيد من تقارير