Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تحدث إسرائيل اختراقات جديدة في أفريقيا؟

سلكت تل أبيب طريقاً للتفاعل مع دول القارة السمراء بتسخير علاقاتها مع الغرب لتهيئة الموارد لهذه العلاقة

كان السودان وقع عام 2020 اتفاق سلام مع إسرائيل وانضم إلى الإمارات والبحرين والمغرب كجزء من "اتفاقات أبراهام" (أ ف ب)

ملخص

منذ تأسيس إسرائيل رفضت #الدول_العربية الاعتراف بها والتواصل معها

كان #السودان وقع عام 2020 اتفاق سلام مع #إسرائيل وانضم إلى الإمارات والبحرين والمغرب كجزء من "#اتفاقات_أبراهام"

 منذ تأسيس إسرائيل رفضت الدول العربية الاعتراف بها والتواصل معها، ولمواجهة هذا النفور اتبعت إسرائيل سياسة "شد الأطراف" فلجأت إلى دول إقليمية مثل إيران في عهد الشاه محمد رضا بهلوي وتركيا العلمانية.

أما مدخلها إلى أفريقيا، فكان التأثير العاطفي من خلال العزف على وتر المشاعر بوجود مصير مشترك بين الشعب اليهودي والأفارقة بحكم تعرضهما للتمييز. وعبر عن ذلك، كما جاء في كتاب غولدا مائير "حياتي"، الأب المؤسس للصهيونية ثيودور هرتزل الذي ورد عنه أنه كتب "بمجرد أن شاهدت خلاص اليهود يا شعبي، أرغب أيضاً في المساعدة في خلاص الأفارقة".

مهد ذلك الرفض لاختراق القارة وإقامة علاقات سرية مع دولها، ثم تحولت بعد ذلك إلى علنية، ولكن السودان من الدول التي صمدت على رفضها، إلى حين، في محاولة الحفاظ على الإرث الرافض للسلام مع إسرائيل بوصفه بلد اللاءات الثلاثة، لكن موقفه في طريقه للتحول إلى "نعم الثلاثة، نعم للمفاوضات بين إسرائيل والسودان، نعم للاعتراف بإسرائيل، ونعم للسلام بين الدول والشعوب"، كما عبر عن ذلك وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في زيارته للخرطوم في الثاني من فبراير (شباط) الجاري.

وكان السودان وقع عام 2020 اتفاق سلام مع إسرائيل وانضم إلى الإمارات والبحرين والمغرب كجزء من "اتفاقات أبراهام" التي توسطت فيها الولايات المتحدة لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة، لكن تعثرت الخطوات نحو التحول الديمقراطي بإجراءات فرضها رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، مما أدى إلى قلب التحول الديمقراطي الهش في البلاد. وبذلك لم تنجز العملية، إذ إنها تنتظر المصادقة عليها من قبل هيئة تشريعية لم تشكل بعد، والتي ستتبع انتقالاً ديمقراطياً وإقامة انتخابات.

وتتوقع تل أبيب اتفاق سلام مع السودان في وقت لاحق من هذا العام، وقال كوهين بعد عقده محادثات مع البرهان لإحياء خطط العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين الجانبين "من المتوقع توقيع الاتفاق هذا العام، وستكون هذه الصفقة الرابعة"، في إشارة إلى اتفاقات السلام التي توسطت فيها الولايات المتحدة مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب.

توطيد العلاقة

يعود تاريخ ارتباط إسرائيل بالدول الأفريقية لـ"وثيقة بن غوريون" 1953 التي ركز فيها رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول ديفيد بن غوريون على أفريقيا كوسيلة لتجاوز عزلة إسرائيل في الشرق الأوسط. وكانت المذكرة أحد المرتكزات الأمنية، فأشارت إلى التغييرات في طبيعة الأخطار والتهديدات العسكرية والوجودية وطبيعة الحرب على صعيد حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل، مما يلزمها تعزيز وتوطيد العلاقة مع اليهود في العالم ومواجهة نشاط حركة المقاطعة التي تمثل خطراً على صورة إسرائيل أمام العالم وتوطيد علاقتها بأصدقائها الأفارقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في خمسينيات القرن الماضي، أقامت إسرائيل علاقات مع عدد من الدول الأفريقية مثل أوغندا وكينيا وغانا وإثيوبيا التي أصبحت أحد الشركاء الرئيسين لتل أبيب في القارة الأفريقية. وفي السبعينيات شملت العلاقات السرية بين إسرائيل ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا التعاون العسكري، مما عكس صورة سلبية عنها، وزاد على هذه الصورة أن إسرائيل لم تدِن الفصل في الحملة التي قادتها الولايات المتحدة وأوروبا بضرورة "المساءلة والمصالحة".

في نهاية ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، تأثرت المواقف الأفريقية تجاه إسرائيل بتطور الصراع العربي - الإسرائيلي بحربي 1967 و1973 والتوسع الإسرائيلي على حساب الأراضي العربية، مما أثر في علاقاتها بالقارة السمراء. ومنذ ذلك الوقت، تبنت دول أفريقية عدة الدعوة إلى إنهاء الصراع واستقلال الدولة الفلسطينية داخل حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وعلى رغم هذه الأزمات استمر الوجود الإسرائيلي في القارة الأفريقية لكنه لم يكن مؤثراً، فاتخذت لكل دولة وسيلة خاصة لاختراقها بحسب ما تقتضيه ظروفها. فمثلاً السودان الذي كان ذات يوم أحد أشد منتقدي إسرائيل في العالم العربي، كان حافز سلامه مع تل أبيب رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ورعت هذه الصفقة الولايات المتحدة التي صنفته دولة راعية للإرهاب عام 1993. وأزالت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب السودان من تلك القائمة عام 2020 بعد دفع مبلغ 335 مليون دولار تعويضاً لعائلات أميركية من ضحايا هجمات شنها تنظيم "القاعدة" على سفارتي واشنطن في نيروبي ودار السلام عام 1998 ولعائلات 17 بحاراً أميركياً قتلوا عندما استهدف التنظيم سفينتهم، المدمرة "يو إس إس كول"، بميناء في اليمن عام 2000، وعلى رغم ذلك دخل شرط السلام كعنصر إضافي.

نهج نشط

في العقد الماضي، عمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تحديث المفهوم الأمني الإسرائيلي بناء على "وثيقة بن غوريون" بتصور لبناء القوة وتعريف الأخطار التي تهدد إسرائيل مركزاً على التغييرات الإقليمية والدولية وبدأ نشاطه عبر القارة السمراء، حيث زار إثيوبيا وكينيا وأوغندا، وحضر قمة "إيكواس" عام 2017، وفي حين اعتزم الاستثمار بشكل أكبر في التكنولوجيا وتحويل إسرائيل إلى قوة عظمى في هذه المنطقة، تشكلت علاقات تل أبيب مع الدول الأفريقية مدفوعة بشكل أساسي بالتعاون العسكري والاستخباراتي، فضلاً عن المشاريع الاقتصادية والتنموية. ومهدت زيارات نتنياهو ووزراء خارجيته خلال تلك الفترة الطريق لعلاقة جديدة بين القارة وإسرائيل. ومع اعتراف غالبية الدول الأفريقية بإسرائيل، أعلنت ملاوي عام 2020 نقل سفارتها إلى القدس وتبعتها غينيا الاستوائية عام 2021.

وعلى رغم أن هذه السياسة أدت إلى اعتراف معظم الدول الأفريقية بإسرائيل، فإنها لا تزال تعاني خلافات الدول الأفريقية في ما بينها حول هذه العلاقة وتحديات حول طريقة التعامل الدبلوماسي معها.

ارتبطت استراتيجية إسرائيل في أفريقيا ارتباطاً وثيقاً بنتنياهو، وفي وقت كان كوهين يقف إلى جانب البرهان قائلاً إن "توقيع اتفاق السلام سيخلق فرصة لإقامة علاقات مع دول أخرى في القارة الأفريقية وتعزيز العلاقات القائمة مع دول القارة"، كان نتنياهو يقف إلى جانب رئيس تشاد محمد إدريس ديبي أثناء افتتاح سفارة تشاد في إسرائيل، وهي الخطوة التي أسس لها نتنياهو مع الرئيس السابق إدريس ديبي بإقامة العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب في 2019. وفي قول نتنياهو المطابق لحديث وزير خارجيته "سنواصل توسيع وتعميق دائرة السلام مع دول أخرى، قريبة وبعيدة" تأكيد على أن إسرائيل في نهجها الجديد النشط مدفوعة بأسباب أخرى أكثر من مجرد علاقات دبلوماسية.

زخم الاتفاقات

في 22 يوليو (تموز) 2021، منحت إسرائيل صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي بعد عقود من الجهود الدبلوماسية، وهي خطوة كبيرة أعقبت محاولتين فاشلتين في العقد الماضي وأثار القرار احتجاجات عضوين نافذين في الاتحاد، أي الجزائر وجنوب أفريقيا اللتين قالتا إن ذلك يتعارض مع مواقف الاتحاد الأفريقي الداعمة للفلسطينيين، لكن أيدت الخطوة رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية التي كانت تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي وقت إصدار القرار وزار زعيمها فيليكس تشيسكيدي إسرائيل في ذلك الوقت.

وكان رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي أعلن وقتها أن قراره اعتماد ممثل إسرائيل لدى الاتحاد الأفريقي ومنح صفة المراقب لإسرائيل جاء نظراً إلى المساعي المتكررة لعدد من الدول الأعضاء ومنها رئاسة الاتحاد ونسبة إلى أربعة عناصر أساسية "الأول هو أن 44 دولة في الاتحاد الأفريقي تعترف بإسرائيل وتقيم علاقات دبلوماسية معها منها 17 دولة لديها سفارات في تل أبيب و12 لديها قنصليات عامة. أما العنصر الثاني، فهو عدد الدول الأعضاء التي طالبت صراحة بهذا الاعتماد من خلال وزرائها وسفرائها أو بمذكرات شفوية منح صفة المراقب لدولة إسرائيل. والعنصر الثالث يتعلق بتناغم القرار وانسجامه مع خيار الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي وعلى وجه الخصوص الأمم المتحدة، وهو الاعتراف والدعم الرسمي لحل الدولتين للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. أما العنصر الرابع، فأن يكون الاتحاد الأفريقي أداة سياسية ودبلوماسية للإسهام في تسوية النزاع ودعم الجهود الأفريقية للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني ومساءلة إسرائيل وحثها على احترام الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني".

 عكس هذا القرار الأهمية المتزايدة لأفريقيا في السياسة الخارجية لتل أبيب بعد توثيق المغرب والسودان علاقاتهما الدبلوماسية مع إسرائيل، كما استند إلى التاريخ الطويل للتواصل الإسرائيلي مع القادة الأفارقة، لكن لا يزال هذا القرار موضع نزاع عنيف بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي التي قررت في فبراير 2022 تعليق منح صفة مراقب لإسرائيل.

فاعلية الاختراقات

شهدت قمة الاتحاد الأفريقي الأخيرة في أديس أبابا أحداثاً دراماتيكية، بدأت بعدما ألغت مفوضية الاتحاد الأفريقي دعوة كانت وجهتها سابقاً إلى تل أبيب لحضور افتتاح قمة الاتحاد لرؤساء الدول والحكومات بضغوط من الجزائر وجنوب أفريقيا. وعندما حضرت مندوبة إسرائيل بار لي طلبت منها المغادرة، مما جعل إسرائيل تشير بأصابع الاتهام إلى إيران. ووسط الاحتجاج الإسرائيلي قال مسؤول في الاتحاد الأفريقي إن "بار لي لم تتلق دعوة إلى حضور الاجتماع"، وكانت المفوضية وجهت دعوة غير قابلة للتحويل إلى سفير إسرائيل لدى الاتحاد الأفريقي أليلي أدماسو. وبعد تدخل الجزائر وجنوب أفريقيا ونيجيريا للضغط على المفوضية وتذكيرها بقرار القمة الماضية تعليق قرار صفة مراقب لتل أبيب، اضطرت المفوضية إلى توجيه رسالة ثانية إلى السفير الإسرائيلي لتبليغه بإلغاء الدعوة الأولى.

وتحرص إسرائيل على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي لأن هذا الموقع سيحقق لها أهدافاً عدة، الأول سيضمن لها التواصل الوثيق مع المسؤولين في الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي والعمل معه وفقاً لمبادئه الأساسية أسوة بدول أخرى حصلت على صفة مراقب وهي فلسطين والصين والمملكة المتحدة والكويت والإمارات العربية المتحدة والمكسيك والكويت واليونان، والثاني أنه سيمكنها من توسيع قاعدة علاقتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الدول الأفريقية داخل مؤسسات الأمم المتحدة وهيئاتها بهدف التأثير في نمط تصويتهم لمصلحتها.

أما الهدف الثالث، فهو دعم استراتيجية إسرائيل لفتح فضاءات التعاون المتنوع في مجالات الدفاع والأمن والتكنولوجيا والاقتصاد والاستثمارات الزراعية والصحة والتعليم وغيرها، وسلكت إسرائيل طريقاً موازياً للتفاعل مع الدول الأفريقية عن طريق إشراك المدنيين جنباً إلى جنب مع الجهات الرسمية، فطورت قسم التعاون الدولي "ماشاف" لتلبية حاجات الدول الأفريقية، كما سخرت علاقاتها مع الغرب وجالياتها هناك، خصوصاً في الولايات المتحدة وبمساعدة المنظمات غير الحكومية والجمعيات الإسرائيلية - الأميركية، لتهيئة الموارد لهذه العلاقة.

وعليه، فإن فاعلية الاختراقات التي يمكن أن تحدثها إسرائيل في أفريقيا ستعتمد على عاملين، الأول تسخير هذه المنظمات لدعم القارة، لو لم تقف قوى المعارضة الإسرائيلية في وجه هذا التوسع، وفي هذه الحال يمكن أن تنافس قوى دولية أخرى متصارعة على القارة، والعامل الثاني إرضاء الدول الأفريقية بإحياء عملية السلام لأن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني يؤثر في علاقة حكومات هذه الدول بمجتمعاتها المحلية ومنها منظمات المجتمع المدني الأفريقية التي تنادي بإحياء السلام.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل