Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تسعى باريس إلى سرقة تاج لندن التكنولوجي؟

الشركات الفرنسية الناشئة جمعت 12.3 مليار دولار في 2022 رغم تباطؤ الخدمات الرقمية بعد كورونا 

الرئيس الفرنسي أثناء زيارته حرم "ستيشين إف" للشركات الناشئة في باريس، 9 أكتوبر 2018 (أ ف ب)

داخل مستودع سابق لعملاق الشحن بالسكك الحديدية في جنوب شرقي #باريس، تقبع عربات القطارات المغطاة بالرسوم، لكن على الناظر إلى هذا المشهد أن لا ينخدع به، فساحة #السكك_الحديدية القديمة هذه تعد اليوم مركزاً مزدهراً لآلاف الشركات الفرنسية التي تعمل على توفير خط إنتاج لـ"#غوغل" أو "#فيسبوك".

وتعتبر محطة "ستيشين إف"، حاضنة أعمال الشركات الناشئة التي تقع في الدائرة 13 في باريس من بنات أفكار قطب الاتصالات كزافييه نيل، وهي المحطة التي أضاءت المشهد التكنولوجي في باريس عندما تولى إيمانويل ماكرون منصبه في مايو (أيار) 2017، بحيث لم يخف الرئيس الفرنسي رغبته في تحدي التكنولوجيا الأوروبية المنافسة، وبعد شهر من ولايته الأولى، حضر الافتتاح الكبير لمحطة "ستيشين إف" في عرض لدعم الصناعة الناشئة في فرنسا، مما ساعد على إلهام موجة من رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا في بلد يشتهر بثقافته وأزيائه وطعامه ونبيذه. 

قالت مديرة المحطة روكسان فارزا، "عندما أطلقنا محطة ’إف‘، لم نكن نعرف حقاً ما إذا كانت هناك 1000 شركة ناشئة في باريس أو في فرنسا، فقد اعتقدنا بأن النظام البيئي بأكمله قد يكون هنا، واليوم، النظام البيئي كبير جداً، وهذا مجرد جزء صغير". 

في هذه الأثناء، تشكك صناعة التكنولوجيا في لندن بمدى التزام رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بهذا القطاع، إذ إن الحكومة جردت "تيك نيشين"، وهي الهيئة التي أنشأها ديفيد كاميرون عام 2012 للمساعدة في رعاية شركات التكنولوجيا البريطانية، من عقدها الحكومي الرئيس، مما دفع الهيئة إلى الإعلان عن إغلاق أبوابها الشهر المقبل. 

وكان وزير الخزانة البريطاني جيريمي هانت كشف في نوفمبر (تشرين الماضي) عن خطط لخفض الإعفاءات الضريبية للبحث والتطوير للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وهي خطوة ستلحق الضرر بالشركات البريطانية الناشئة الخاسرة في قطاعات مهمة استراتيجياً مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية. 

لندن تفوقت على باريس في التمويل 

ولطالما تخلفت باريس عن لندن التي لا تزال مركز التكنولوجيا في أوروبا بفضل وصولها إلى التمويل، لكن بينما يرمي ماكرون مليارات اليوروهات في قطاع التكنولوجيا الفرنسي، أصبحت لندن معرضة لخطر فقدان تاجها التكنولوجي. 

من جانبها قالت لوسيل كورنيه، الشريكة في شركة رأس المال الاستثماري "إيت رودز" ومقرها لندن، لصحيفة "ذا تايمز" إن المشهد التكنولوجي في باريس لم يكن بالإمكان التعرف إليه قبل خمسة أعوام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضافت "إذا كنت تبحث عن أفضل الجامعات في باريس، فإن معظم الناس يتجهون إلى الشركات المصرفية والاستشارية، ولكن في غضون خمس سنوات، أصبح الجميع رواد أعمال أو كانوا يعملون في مجال التكنولوجيا".

وتابعت "بخلاف التمويل، أعتقد بأن الجيد في ما فعلته فرنسا هو أنها أعطت إشارة قوية جداً إلى أن هذه السياسة موجودة لتبقى، وهذا على الأرجح ما نفتقده الآن في لندن". 

فرنسا وإنشاء 100 شركة تكنولوجيا 

وكان ماكرون حدد في سبتمر (أيلول) من عام 2019، هدفاً لامتلاك 25 شركة ناشئة تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار بحلول عام 2025. وفي يناير (كانون الثاني) 2022، مرتدياً سترة سوداء تذكرنا بالراحل ستيف جوبز أحد أبرز مؤسسي شركة "أبل" العملاقة، أعلن الرئيس الفرنسي أن البلاد حققت الهدف قبل ثلاث سنوات، وأرادت الآن إنشاء 100 شركة بحلول عام 2030، وتشمل "يونيكورن" الفرنسية تطبيق مشاركة السيارات "بلا بلا كار".

ووفقاً لتقرير الشهر الماضي من قبل ألكسندر ديويز من شركة رأس المال الاستثماري "يورازيو"، جمعت الشركات الفرنسية الناشئة 11.5 مليار يورو (12.3 مليار دولار) عام 2022، وهو أكبر عام لها على الإطلاق على رغم التباطؤ التكنولوجي في الخدمات الرقمية الذي أعقب جائحة كورونا، كما نما القطاع بنسبة ستة في المئة العام الماضي، مما يعني أنه كان الوحيد من الاقتصادات التكنولوجية الكبيرة في أوروبا التي توسعت. 

شركات التكنولوجيا في بريطانيا 

على النقيض من ذلك، انخفض المبلغ الذي جمعته الشركات الناشئة في المملكة المتحدة بنسبة 17 في المئة، لكنها ما زالت تسحب 27.2 مليار يورو (29.1 مليار دولار)، مما يعني أن القطاع متقدم إلى حد ما في المنافسة، في وقت تحاول الحكومة الفرنسية الآن سد تلك الفجوة عن طريق ضخ التمويل. 

وعام 2012، أنشأت حكومة فرانسوا هولاند الاشتراكية "بي بيفرانس"، وهو بنك حكومي لرواد الأعمال ومستثمر بارز في الشركات الفرنسية الناشئة. 

وقالت فلور بيليرين، وزيرة التكنولوجيا في ذلك الوقت، إن باريس آنذاك "لم تكن حقاً على الخريطة"، مضيفة "كان لدينا ما نطلق عليه" وادي الموت "للتمويل". وتابعت "كان لدينا كثير من المال في البداية، ولكن كانت هناك فجوة كبيرة في المراحل اللاحقة." 

أيضاً كانت هناك مشكلة أخرى، إذ اقترحت حكومة هولاند آنذاك مضاعفة معدل الضريبة على مكاسب رأس المال من بيع شركة إلى 60 في المئة، مما أثار ثورة بين رواد الأعمال المعروفين باسم حركة "الحمام"، ولكن بيليرين نجحت في تخفيف هذه الخطط من خلال إدخال طرق يمكن لرجال الأعمال بواسطتها توفير المال عن طريق إعادة استثمار تلك العائدات في شركة أخرى، وتشجيعهم على أن يصبحوا رواد أعمال متسلسلين بدلاً من مجرد الجلوس على الشاطئ، كما منحتهم إعفاءات ضريبية لتمويل العمل البحثي. 

كما أشرفت بيليرين في ذلك الوقت على إنشاء "لا فرنش تيك"، وهي وكالة حكومية لتعزيز الصناعة على غرار" تيك نيشين" في المملكة المتحدة. وقالت كات بورلونغان التي أدارت الوكالة في الفترة من 2018 إلى 2021، إن الفكرة تكمن في معرفة أين تخلفت فرنسا عن البلدان الأخرى في مجال التكنولوجيا والتوصل إلى طرق لمساعدتها في اللحاق بالركب، فعلى سبيل المثال افتقرت باريس إلى التمويل والموهبة التي كانت تمتلكها لندن، ولذا تم تعزيز "بي بيفرانس" وقدم الوزراء خطة جذابة لجذب العمال الأجانب. 

وأضافت بورلونغان "كانت الاستراتيجية الكاملة لفريقي عنوانها ’لماذا لا نغش؟‘، ولماذا لا ننظر إلى ما يمكن أن يأتي عادة من نظام بيئي أكثر نضجاً ونحاول تكراره بشكل مصطنع؟"، مشيرة إلى أن عدد المؤسسين المهاجرين كان "أكبر قوة في المملكة المتحدة". 

ضرائب أرباح رأس المال نقطة قوة 

وتمتلك المملكة المتحدة نقاط قوة أخرى لم تتمكن فرنسا من مضاهاتها، فضرائب أرباح رأس المال أقل بنسبة تصل إلى 20 في المئة، وهناك أيضاً مخططات جذابة لتوفير الضرائب مثل مخطط الاستثمار المؤسسي، بحيث يمكن للشركات الصغيرة جذب المستثمرين من القطاع الخاص الذين يتأهلون بعد ذلك للحصول على إعفاء ضريبي على ضريبة الدخل وتأجيل ضرائب أرباح رأس المال.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أنشأ سوناك قسماً للعلوم والابتكار والتكنولوجيا للإشارة إلى التزامه بهذا المجال، لكن بعضهم يخشى أن تفقد لندن بريقها إذا فشل في الترويج لصناعة التكنولوجيا بطريقة ماكرون نفسها. 

وقال الرئيس التنفيذي لشركة "تيك نيشين" جيرارد غريتش، "إنك [ترى] بدايات تأثير دولاب الموازنة [في فرنسا]. المواهب ورؤوس الأموال المعاد تدويرها. الأرقام تتحدث عن نفسها". 

مخطط " تيبي" الفرنسي

في حدث أقيم بمنطقة كناري وارف في لندن في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كشفت مستشارة الظل راشيل ريفز النقاب عما وصفته بـ"خطة جذرية لجعل بريطانيا مركزاً ناشئاً عالي النمو في العالم". وكان هدفها نسخ مخطط "تيبي" التكنولوجي لإيمانويل ماكرون. 

وكان الرئيس الفرنسي أطلق مخطط "تيبي" عام 2020 الذي يهدف إلى إقامة علاقات أوثق بين المؤسسات الاستثمارية وشركات رأس المال الاستثماري، وفي ما يزيد قليلاً على عام حصل المخطط الفرنسي على أكثر من 18 مليار يورو (19.2 مليار دولار) من الالتزامات من المستثمرين المؤسسين لشركات التكنولوجيا.