Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف غيرت حرب أوكرانيا مفهوم القوة الشاملة للدولة؟

التكنولوجيا والتحالفات وشبكات المصالح ومكافحة الفساد والإرث الحضاري عناصر تفوقت على الموقع الاستراتيجي والقوة العسكرية

الأمن القومي ليس مجرد الدفاع عن الحدود ولكنه مفهوم أوسع بكثير يشمل عديداً من جوانب المساعي الوطنية (أ ف ب)

ملخص

#الحرب_في_أوكرانيا أعادت الاعتبار إلى بعض #عناصر_قوة_الدولة، إذ على الرغم من دخول أسلحة جديدة إلى الميدان فإن #الحرب_التقليدية تظل سائدة حتى مع استخدام أشكال غير مسبوقة للقوة في الصراع

ينقسم الاستراتيجيون منذ عقود حول عناصر تحقيق القوة الشاملة للدولة، فخلال الحربالباردة اختلفت الدراسات الاستراتيجية بين وجهات نظر المدرستين الشرقية والغربية في تحديد عناصر هذه القوة وطرق قياسها واستخدامها في ممارسة الدولة لدورها ونفوذها وتبوء مكانتها في النظام الدولي.

لكن الحرب في أوكرانيا التي أكملت عامها الأول، غيرت نسبياً من المفهوم، وأعادت الاعتبار إلى الوزن النسبي لبعض عناصر قوة الدولة، فهناك من يعتقد أنه على رغم دخول أسلحة جديدة إلى ساحة الصراع الدولي في أوكرانيا، فإن الحرب التقليدية تظل سائدة حتى مع استخدام أشكال غير مسبوقة للقوة في الصراع بشكل عام.

وعلى رغم أن حسابات القوة الشاملة للدولة كانت تمنح الكرملين الأفضلية في حسم الحرب لصالحه، فإن استمرار القتال والتأرجح بين التقدم والتراجع للقوات الروسية أثارا التساؤلات حول أهمية بعض عناصر القوة الشاملة لكل من أوكرانيا وروسيا، ودورها في شن الحرب واستمرارها ومسار معاركها ونتيجتها النهائية التي لم تحسم بعد.

بعضهم يجادل بأن الإرث التاريخي والحضاري وهوية الدولة الروسية كانت الشرارة التي أشعلت فتيل الحرب في شرق أوروبا، من خلال سعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى استعادة مجد الإمبراطورية القيصرية، في حين لعبت الجغرافيا السياسية والقوة الناعمة والقدرة الإعلامية والمعلوماتية والمعنوية أدواراً حاسمة لصالح كييف مكنتها من الصمود بفضل قوة تحالفاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، إلى جانب كتلتها الحيوية الفعالة ممثلة في القدرة الجغرافية والقوة البشرية أيضاً.

عام على حرب أوكرانيا
في 24 فبراير 2022، شنت روسيا هجوماً عسكرياً واسعاً على أوكرانيا، لمواجهة خطط توسع حلف شمال الأطلسي. بعد مرور عام، العالم بأسره يعاني من تداعيات الحرب فيما لا تلوح في الأفق أية نهاية قريبة للنزاع.
Enter
keywords

 

تحول جذري

الأمن القومي ليس مجرد الدفاع عن الحدود، ولكنه مفهوم أوسع بكثير يشمل عديداً من جوانب المساعي الوطنية، ويوضح مقال بعنوان "معوقات تطوير القوة الوطنية الشاملة"، في العدد الأخير من مجلة "إنديا ديفينس ريفيو"، أن معالجة قضية مثل الفساد باعتباره تهديداً للأمن القومي يمثل أحد عناصر تحقيق القوة الشاملة للدولة. وخلال الحرب في أوكرانيا لم تسلم سلاسل توريد السلاح وغيره من أشكال الدعم الغربي المادي والعسكري السخي من عمليات فساد وفضائح، ما دفع الحكومة الأوكرانية إلى إقالة عدد كبير من المسؤولين خلال الأسابيع الماضية.

يرى الباحث المتخصص في إدارة الأزمات وصناعة القرار هيثم البشلاوي، أن هناك تحولاً جذرياً في القوة الشاملة للدولة أفرزته مجريات الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا، مشيراً إلى أن سيادة الهوية الوطنية عامل مؤثر في القوة الشاملة، فالعنصر الخاص بالهوية الحضارية والأيديولوجية والإرث التاريخي للدولة كان محدداً رئيساً في أسباب اندلاع الحرب على هذا النطاق.

ويعتبر البشلاوي أن العنصر الأهم في معادلة القوة الشاملة للدولة يرتبط أيضاً بالمتغير القيادي، "فقيادة الدول لم تكن من ضمن حسابات القوة الشاملة، بمعنى طبيعة القيادة الحاكمة للدولة وتوجهاتها الفكرية والنفسية، ومن هنا تأتي الحاجة إلى إعادة دراسة مصفوفة القوة الشاملة للدولة بعد الحرب في أوكرانيا".

عند اندلاع الصراع المسلح بين روسيا وأوكرانيا، تنبأ بعض المحللين بحسم الصراع لصالح روسيا بسبب تفوقها العسكري والاقتصادي، لكن مع مرور الوقت تبين أن القوة التقليدية والمزايا العسكرية لروسيا لم تسمح لها بتحقيق أهدافها الأولية. وبدلاً من ذلك سيطرت القوات الأوكرانية على بعض المناطق، بل ودفعت الجيش الروسي إلى التراجع في أماكن أخرى.

يكمن سبب هذا في تغير طبيعة وممارسة القوة، وفق الباحثة في العلوم السياسية ريم عبدالمجيد، "ما سمح لأوكرانيا بإحراز تقدم ملحوظ في الصراع، فقد كانت مقدرات الدولة ومصادر قوتها الشاملة تتمثل في المقدرات الصلبة وهي المجال الحيوي، والمقدرات العسكرية، والمقدرات الاقتصادية، إضافة إلى المقدرات الناعمة التي تتمثل في السياسة الخارجية والداخلية والإعلام وتكنولوجيا المعلومات والروح المعنوية. أما الآن، فقد تحولت العلاقات بين الدول إلى مصدر رئيس للقوة له دور حاسم في تشكيل نتائج الصراع".

التحالفات قلبت الموازين

في اعتقاد اللواء محمد الشهاوي مستشار كلية القادة والأركان بأكاديمية ناصر العسكرية المصرية، تعد التحالفات السياسية والعسكرية عنصراً رئيساً في هذه الحرب مثل تحالف روسيا وبيلاروس من ناحية، والتحالف الأوكراني الغربي من جهة ثانية.

ويستكمل الشهاوي "سعي كييف لأن تكون جزءاً من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي يقوم بدعمها مالياً وعسكرياً وسياسياً واقتصادياً، يمثل العنصر المتغير في القوة الشاملة لأوكرانيا خلال الحرب، لكن من ناحية القيادة السياسية فإن أوكرانيا ورئيسها فلوديمير زيلينسكي دخلا في مغامرة غير محسوبة من شأنها تدمير قوتها الشاملة، كما لن تستطيع أن تكون ضمن حلف الـ(ناتو) لأن الغرب يعلم أن ذلك خط أحمر بالنسبة إلى موسكو، والولايات المتحدة يبدو أنها تريد إطالة أمد الحرب حتى آخر جندي أوكراني".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على رغم دخول المعارك مرحلة الهجمات السيبرانية وحرب الغذاء والطائرات المسيرة ما زالت الحرب التقليدية هي السائدة، بحسب الشهاوي، بدليل أن أوكرانيا تريد الطائرات والدبابات لتعزيز قوتها العسكرية بالمعركة.

توضح الباحثة في العلوم السياسية ريم عبدالمجيد، أن العلاقات الدولية، مثل التحالفات والشبكات التجارية، مهمة في تقييم القوة الشاملة للدولة، فالدولة التي تتمتع بعلاقات أكثر وأعمق تكون لها الغلبة حتى إذا كانت هناك اختلالات في ميزان القوى العسكرية أو الاقتصادية.

على سبيل المثال، اعتمدت الولايات المتحدة وحلفاء الـ"ناتو" على علاقاتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية القوية لفرض عقوبات بعيدة المدى ضد روسيا وتعبئة مساعدات عسكرية واقتصادية ضخمة لأوكرانيا، إضافة إلى دعم الاستخبارات والبنية التحتية، وكلها كانت أساسية لصمودها حتى الآن. في الوقت نفسه تخلق هذه العلاقات التزامات يمكن أن تزداد صلابة بمرور الوقت، وتحد من مساحة صنع القرار لجميع الأطراف كما يتضح الآن في المناقشات حول مسار الصراع. وقد لعبت القوة العلائقية الأيديولوجية والمؤسسية طويلة الأمد لروسيا مع الهند والصين ودول في أفريقيا دوراً في إلحاق الضرر بحلفاء أوكرانيا بخاصة على الصعيد الاقتصادي.

القوة الذكية

طرح المفكر السياسي الأميركي جوزيف ناي مفهوم القوة الذكية للدولة، بما يعني تحقيق الاستخدام البارع لكل من القوة الخشنة (العسكرية بالأساس) والقوة الناعمة من أجل النفوذ والتأثير وجعل الآخرين يرغبون في ما تريده من دون ممارسة القهر والإجبار بالقوة العسكرية بشكل كامل، ولا انتظار تغيير توجهاتهم من خلال التأثير الناعم فقط.

خلال الحرب في أوكرانيا تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون من سرعة حشد الإدانة الدولية لروسيا، واستخدمت مزيجاً من الدعم العسكري والاستخباري وغيره، من دون أن تصبح طرفاً مباشراً في الحرب.

تلفت الباحثة في العلوم السياسية إلى أن تطوراً آخر يعكس التغير في طبيعة القوة، هو أن بعض أكثر أشكال القوة حسماً في الصراع الحالي لم تعتمد بشكل أساس على القوة الصلبة المتمثلة في القدرات العسكرية أو الاقتصادية، ولا القوة الناعمة. وبدلاً من ذلك كانت هناك أشكال من القوة تطمس هذا التمييز وتجمع بين الاثنين.

وتتابع ريم عبدالمجيد "استخدام الأدوات التي تدمج بين القوتين الصلبة والناعمة كان مهماً بشكل خاص في الصراع الروسي– الأوكراني، لأنه ساعد أوكرانيا في التغلب على مزايا روسيا من حيث الحجم والقوة العسكرية، وسهل الرد الغربي بعيد المدى على روسيا من دون الحاجة إلى تدخله عسكرياً".

ووفق الباحثة فقد اتخذ هذا الرد أشكالاً عدة مثل استخدام المعلومات الاستخباراتية الذي محا الخط الفاصل بين القوة الصلبة والقوة الناعمة، فطوال الصراع استخدمت الولايات المتحدة وحلفاؤها الكشف عما كان يمكن أن يصنف على أنه معلومات استخباراتية، ليس فقط للأغراض العسكرية أو العملياتية ولكن أيضاً لتشويه سمعة السردية الروسية وتقويض الروح المعنوية الروسية، ولم يقتصر حجم هذه الحملة على اتساع نطاقها وطول مدتها فحسب، بل كانت أهدافها أوسع نطاقاً، ليس فقط لإحباط العمليات العسكرية الروسية بقدرات استخباراتية متطورة، ولكن أيضاً لمنع حملات التضليل الروسية من خلال تكديس المعلومات وتقويض صدقية القادة الروس في نظر مواطنيهم.

مثال آخر على القوة التي تطمس الفارق بين القوتين الصلبة والناعمة، تكمل الباحثة، وهو ظهور "نشطاء القرصنة" التي كانت تقوم ليس فقط بالاستيلاء على البيانات الروسية كما كان يحدث في السابق، ولكن أيضاً لتقويض الدعم الشعبي الروسي للحرب. يضاف إلى ذلك سحب الشركات من روسيا لمضاعفة الآثار الاقتصادية للعقوبات عليها، إضافة إلى فرض عقوبات اجتماعية وثقافية مثل حظر مشاركة الرياضيين الروس في البطولات الرياضية العالمية وإلغاء المسابقات التي ستقام في روسيا.

كيف تمتلك الدول قوتها؟

الحرب في أوكرانيا ومن قبلها أزمة كورونا أدخلت مفهوماً مستحدثاً نسبياً في مواجهة الأزمات، كما يرى الباحث هيثم البشلاوي، وهو تزامن الأزمات وليس تتابعها، الأمر الذي يستلزم أن تمتلك الدول مقومات القوة الشاملة بصورة أكثر تكاملاً لمواجهة هذه الأزمات بحسب تنوعها.

ويوضح البشلاوي "إدارة الأزمات لم تكن ضمن عناصر القوة الشاملة للدولة، لكن كانت نتيجة لقدراتها الشاملة، بالتالي أصبح عنصر إدارة الأزمة أساسياً في توظيف الدولة لمواردها السياسية أو الاقتصادية أو الدبلوماسية، وقد تم استدعاء التاريخ والهوية الوطنية بعد أن ساد الاعتقاد أن العولمة قادرة على طمس المفهوم التاريخي للعداء والصراع، فروسيا بدأت تبحث عن ذاتها في تاريخها، وأصبحت الهوية الوطنية كالسيادة على الأرض، وحرب أوكرانيا كانت حقاً تاريخياً مكتسباً في وجهة نظر الروس، مما يعني أن الهوية الوطنية كفيلة بتعبئة كل قدرات الدولة للدخول في صراع، على رغم أن الذي كان سائداً هو خوض حروب بدوافع اقتصادية، وقد تتخذ تلك الدوافع غطاء فكرياً أو أيديولوجياً كما هي الحال في حروب الولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين".

ويتابع "قدرات الدولة الشاملة باتت في حاجة إلى الاختبار بين الحين والآخر ورفع معدلات الجاهزية، وهذه الممارسات كانت مختفية منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، كما أن مفهوم القوة الشاملة للدولة انتقل من المعادلات إلى الاستراتيجيات الذكية التي تشكل خلايا تفكير عقل الدولة، وفق البشلاوي، الذي يعتبر أن سيادة الهوية الوطنية أصبحت العنصر الأول في تشكيل قدرة الدولة الشاملة وبوصلة لسياستها في المجال الاستراتيجي".

ويضيف الباحث أن "الغلبة لم تعد فقط لمن يملك المعلومة، ولكن من يستطيع معالجتها للتنبؤ بمسار الأحداث، وهو ما فعلته الولايات المتحدة بتوظيفها العوامل التكنولوجية في عملية صناعة القرار الاستراتيجي، وتحقيق أهداف خارج نطاق الصراع".

ويتابع "كما أن الموقع الاستراتيجي لا يكفي في الحروب الحديثة لأن يكون عنصراً حاسماً في تحقيق القوة الوطنية الشاملة، فالموقع الجغرافي المتميز وسط خريطة التجارة والمصالح الدولية قد يعرض الدولة للتهديد بقدر ما يوفر لها فرص المكانة الدولية، بينما العزلة ووقوع بعض القوى الدولية على أطراف العالم كثيراً ما كان عنصر الارتكاز الرئيس في القوة، كما هي الحال بالنسبة إلى الولايات المتحدة على سبيل المثال. وفي المحصلة يبقى الأهم هو كيفية توظيف الموقع الجغرافي ضمن معادلة القوة وليس الاستناد إلى الأهمية الاستراتيجية لهذا الموقع في حد ذاته".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير